المقصود بأن ظاهر النصوص مراد عند السلف، ويقصد بها الحقيقة، فإذا قلنا: النصوص جاءت لإثبات علم الله، نقول: علم حقيقي يليق بجلاله، وكذلك: السمع، فهو سمع حقيقي يليق بجلاله، ومثله: البصر، فهو بصر حقيقي يليق بجلاله.
إذاً: قول السلف: يراد بالنصوص ظاهرها، أي: أن الله قد خاطبنا وأخبرنا بحق على الحقيقة، ليس فيه لبس ولا تغيير ولا مجازات ولا تأويلات، وأن الحقيقة غير الكيفية، والظاهر يطلق على أمرين:
الأول: يطلق على الحقيقة، وهي لاشك أنها تثبت لله.
الثاني: يطلق على الكيفية الظاهرة المعلومة من شواهد الخلق، وهذا جزماً أنه لا يثبت لله عز وجل؛ لأن الله ليس كمثله شيء.
قال رحمه الله: [ وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقة، عالم حقيقة، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير.
فكذلك إذا قالوا في قوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]: إنه على ظاهره لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق، ولا حباً كحبه، ولا رضاً كرضاه.
فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين ].
قوله: (فإن كان المستمع)، أي: لكلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، في صفات الله .. ونحوها من الأمور الغيبية.
يظن أن ظاهر الصفات تماثل صفات المخلوقين.
قال بعد ذلك رحمه الله: [ لزمه ألا يكون شيء من ظاهر ذلك مراداً، وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به، لم يكن له نفي هذا الظاهر ].
وهو الحق.
قال رحمه الله تعالى: [ ونفي أن يكون مراداً إلا بدليل يدل على النفي، وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكون الكلام في الجميع واحداً.
وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام، وهي أبعاض لنا كالوجه واليد، ومنها ما هو معان وأعراض، وهي قائمة بنا كالسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.
ثم إن من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير، لم يقل المسلمون: إن ظاهر هذا غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد؛ لأن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا، بل صفة الموصوف تناسبه ].
هو رحمه الله يذكر العلة ولا يقصد بذلك الخبر، يقول رحمه الله: ثم إن من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير، لم يقل المسلمون -أي: السلف الصالح من الصحابة والتابعين، الذين لم يأت عندهم التأويل-: إن ظاهر هذا غير مراد، وفسروا لنا القرآن، وارجعوا إلى تفسير ابن جرير رحمه الله، ذلك الكنز الذي لم يعرف الناس قدره، لذا لم تكن هذه التفسيرات التأويلية عند الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل ما قالوا: إن ظاهر صفات الله غير مرادة، بدعوى أن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، كما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيديه لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد، بدعوى أن مفهوم ذلك في حقه كمفهومه في حقنا، بل صفة الموصوف تناسبه، فهو يذكر الدعوى لا ليقرر مذهبهم على سبيل الإقرار.
قال رحمه الله: [ فإذا كانت نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته كذاته ليست كصفات المخلوقين، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه، وليس المنسوب كالمنسوب، ولا المنسوب إليه كالمنسوب إليه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر)، فشبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبه المرئي بالمرئي].
قبل أن يبدأ بالمحاذير أحب أن أذكركم بشيء يدركه كل عاقل يسمع كلام الله من كتابه، أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء في وصف الله عز وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله والأخبار عنه: أن المسلم عندما يسمع ويتأمل الخطاب يتوهم في خاطره صوراً أو أشكالاً معينة، وهذا التصور والتوهم ما هو إلا خيالات في الأذهان، فما نتصوره ونتوهمه في صفات الله عز وجل في أسمائه وأفعاله، وأمور الغيب عموماً، كنعيم الجنة وما فيها، وأحوال القيامة، وأشراط الساعة، ما هو إلا وهم وخيال لا حقيقة له، والشيخ رحمه الله يريد أن يبين أن مشكلة الذين وقعوا في التأويل أنهم لما سمعوا بأسماء الله وصفاته وأفعاله توهموا له صوراً، وبالتالي نفروا من هذه الصور، وعند ذلك اضطروا للتأويل والتعطيل، فأدى هذا إلى الخلل عندهم في الاعتقاد، وزعموا أن الإثبات تشبيه، وفي حقيقة الأمر أن الذي في أذهاننا من صور وأشكال للمعاني التي نسمعها إنما هي أوهام يجب ألا تتعلق بها اعتقاداتنا، بل وأحياناً تكون أمثالاً تضرب لتقريب المعاني الحقيقة لا للحقيقة، فالحقيقة الغيبية أبعد من أن نتخيلها على ما يقرب من حقيقتها؛ لأن الله عز وجل قال عن صفاته وعن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
قال رحمه الله تعالى: [ فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:
أحدها: كونه مثّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.
الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله ].
هو أراد شيئاً واضحاً، ولو أدرجنا عبارة لصارت الجملة منتظمة المعنى، وهو قوله: الثاني من المحاذير التي وقع فيها المؤولة، حينما جعل الذي أول وعطل ما توهمه في خياله هو مفهومها، فنفر من هذا المفهوم؛ لأنه وقف عنده؛ ولأنه تصور أنه هو المطلوب من النص، وتصور أنه هو الخطاب، وهذا غلط.
إذاً: هذا المتوهم جعل وهمه هو مفهوم النصوص، ثم أراد أن ينزه الله عز وجل عن الخيال الذي توهمه مع أن الله منزه سلفاً عن خياله، لكنه ظن أن دلالات النصوص هي هذه الأوهام فسماها: تشبيهاً، فأول النصوص وأنكر دلالاتها بدعوى أنه تشبيه، وما ذلك إلا وهم في عقله القاصر.
قال رحمه الله تعالى: [ فيبقى مع جنايته على النصوص، وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم -حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل- قد عطل ما أودع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كلامهما من إثبات الصفات لله، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله سبحانه.
الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم، فيكون معطلاً لما يستحقه الرب.
الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات والجمادات، أو صفات المعدومات.
فيكون قد عطل به صفات الكمال التي يستحقها الرب تعالى، ومثله في المنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في كلام الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون ملحداً في أسماء الله وآياته].
يقصد بالسمع: الوحي، كما يشير إلى أمر يتفق عليه العقلاء الذين لم تنحرف عقولهم بالعقائد الباطلة، وهو أن وصف الله عز وجل بالعلم والقدرة والإحاطة .. ونحو ذلك أمر معلوم بالضرورة عند العقلاء، لكن هناك من الصفات لو لم يرد بها الشرع ما استطعنا أن نثبتها ولا أن ننفيها، وهي كل الصفات الذاتية وبعض الصفات الفعلية، فالصفات الذاتية كالوجه واليد، والصفات الفعلية كالاستواء والكلام .. ونحو ذلك، فهذه لا نستطيع أن نثبتها إلا بما ورد به الشرع؛ لأنها أمور لا يمكن أن يحكم فيها العقل نفياً ولا إثباتاً، لكن يحكم بالحكمة لله عز وجل، يحكم بالإرادة، بالقدرة، بالخلق، بالتدبير، لكن الاستواء، والنزول، والمجيء، والوجه، واليد .. وغيرها من الصفات الذاتية والفعلية التي لا تتصور في أذهاننا. إذاً الوقوف فيها على ما ورد به الوحي الثابت، وهو ما يعبّر عنه أهل العلم: بالسمع، أي: المسموع عبر الرسل، وليس كل ما يُسمع يُعتبر سمعاً بالمفهوم الشرعي، وإنما هذا السمع العام لا يدخل في مفهومنا هنا، لذا فإن المقصود بالسمع هنا: الشرعي، أي: الوحي المسموع عن الرسل المعصومين.
فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله : وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف:12-13]، فيتخيل له أنه إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه، كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها، ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها، فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب سبحانه وتعالى، ثم يُريد -بزعمه- أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار.
ولا يُعلم أن مسمى (القعود) و(الاستقرار) يقال فيه ما يقال في مسمى الاستواء! فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك فلا فرق بين الاستواء والقعود والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستوياً ولا مستقراً ولا قاعداً، وإن لم يدخل في مسمى ذلك إلا ما يدخل في مسمى (الاستواء) فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكم.
وقد عُلم أن بين مسمى (الاستواء) و(الاستقرار) و(القعود) فروقاً معروفة، ولكن المقصود هنا أن يُعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره.
وكان هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش، حيث ظن أنه مثّل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك.
وليس في هذا اللفظ ما يدل على ذلك؛ لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته، فذكر أنه خلق ثم استوى، كما ذكر أنه قدر فهدى، وأنه بنى السماء بأيد، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى، وأمثال ذلك. فلم يذكر استواء مطلقاً يصلح للمخلوق، ولا عاماً يتناول المخلوقات، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواء أضافه إلى نفسه الكريمة ].
أشار الشيخ هنا إلى شيء يغلط فيه كثير من الناس، بل حتى بعض طلاب العلم، وهو قوله عز وجل: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47]، وقول شيخ الإسلام: وأنه بنى السماء بأيد، أن المقصود بالأيد جمع اليد، وليس هذا هو المقصود باتفاق المفسّرين من السلف وأهل اللغة، وإنما المقصود بالأيد القوة، وليس هذا تأويلاً؛ لأن معنى الآية عند العرب وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] أي: بقوة، ولا دخل لها باليد واليدين والأيدي.
قال رحمه الله تعالى: [ فلو قدر -على وجه الفرض الممتنع- أنه هو مثل خلقه -تعالى عن ذلك- لكان استواؤه مثل استواء خلقه، أما إذا كان هو ليس مماثلاً لخلقه، بل قد عُلم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لم يذكر إلا استواء يخصه، لم يذكر استواء يتناول غيره ولا يصلح له، كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به، فكيف يجوز أن يتوهم أنه إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه، وأنه لو سقط العرش لخر من عليه! سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.
هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك وتوهمه، أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوّز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق. بل لو قُدِّر أن جاهلاً فهم مثل هذا وتوهمه، لبين له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلاً، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.
فلما قال سبحانه وتعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47] فهل يتوهم متوهم أن بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج، الذي يحتاج إلى زنبيل ومجارف وضرب لبن وجبل طين وأعوان؟ ].
الجواب: هناك عدة كتب، ومن أخصرها في تقعيد الأسماء والصفات: كتاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى، والمسمى: (القواعد المثلى)، كما يوجد كتاب متوسط في الحجم، وإن كان صاحبه قد وسعه فيما بعد، ككتاب: (المنهج الأسنى في أسماء الله الحسنى) للشيخ الحمود من الكويت، والكتاب جيد، وهناك كتب مطوّلة عن أسماء الله وصفاته، ككتاب الدكتور محمد خليفة التميمي ، أيضاً يوجد كتاب جيد لا بأس به في أسماء الله عز وجل وفي معانيها للدكتور عبد الله الغصن .. وغير ذلك من الكتب الكثيرة، لكن هذه متوافرة الآن في السوق، وأغلبها مشروح، كما أن هناك كتاباً في الأسماء والصفات للشيخ سعيد بن وهف القحطاني صاحب كتب الأدعية.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر