الصابوني هو: أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الصابوني النيسابوري الحافظ المفسر المحدث الفقيه الواعظ الملقّب بشيخ الإسلام، وأما لفظ (الصابوني) فقد ذكر السمعاني في كتاب (الأنساب) أنه نسبة إلى عمل الصابون، وقال: هو بيت كبير بنيسابور الصابونية، لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعرفوا به، وأما نسبه من جهة أمه فقد ذكر تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى نقلاً عن عبد الغافر الفارسي في كتابه (السياق في ذيل تاريخ نيسابور) أنه النسيب المعم المخول المدلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفضلية والسيشانية والقرشية والتميمية والمزنية والضبية من الشعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب؛ لأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد بن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد ].
حياته: ولد في بوشنج من نواحي هراة في النصف من جمادى الآخرة، سنة (373هـ).
قال عبد الغافر الفارسي : كان أبوه عبد الرحمن أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور ففتك به لأجل التعصب والمذهب وقتل.
و إسماعيل بعد حول سبع سنين أقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك ، وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تفسيره، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه، وحفظه للأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة وطول القنوت واستشعار الهيبة حتى كان يُضرب به المثل، ووصفه عبد الغافر بأنه الإمام شيخ الإسلام الخطيب المفسّر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع -يعني: بنيسابور- نحواً من عشرين سنة.
وقال: كان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته وتصنيفاته، وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث، سمع الحديث بنيسابور وبسرخس وبهراة وبالشام وبالحجاز وبالجبال، وحدث بكثير من البلاد، وأكثر الناس في السماع منه.
وقد ذكر السيوطي والداوودي في كتابيهما (طبقات المفسرين) وأوردا أنه أقام شهراً في تفسير آية، وهذا يدل على سعة علمه في تفسير القرآن الكريم، وكان الصابوني رحمه الله يحترم الحديث ويهتم بالأسانيد.
وقد حكى الفقيه أبو سعيد السكري عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أن الصابوني قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس إلا على طهارة.
ولعل هذا القدر كافٍ في تقديم نبذة عن الصابوني ، وأيضاً من أراد أن يستزيد فهذا موجود في الكتاب، خاصة ثناء العلماء عليه؛ لأن هذا يبيّن منزلة الصابوني رحمه الله عند أهل السنة.
هذا الكتاب الذي هو عقيدة السلف للصابوني تميز بالتزام منهج السلف في التأليف والتقرير، فهو من حيث ترتيب مسائل العقيدة التزم منهج السلف بالبدء بمسائل التوحيد العظمى بتقرير الشهادتين، ثم بالصفات وما يجب لله عز وجل، ثم بأصول الدين بحسب ترتيبها حسب الأهمية.
كما أنه التزم منهج السلف في الاستدلال، فكان واضح الاستدلال من الكتاب والسنة.
وأيضاً تميّز بالاستيفاء والشمول، وقد عرض أكثر أصول الدين عرضاً جيداً ومرتباً، والتزم في ذلك منهج السلف.
وأخطاؤه في الاعتقاد هي في جزئيات الاعتقاد وهي قليلة؛ أقول هذا لأنه من المعلوم أنه لا يسلم عالم من خطأ أو مخالفة لرأي جمهور السلف، وهو لم يخالف الإجماع في شيء، ولم يخالف القضايا القطعية، ولم يقع في بدعة بحمد الله، لكنه أحياناً قد يرجّح المرجوح، وقد يميل إلى قول يخالفه فيه أكثر العلماء من السلف، وهذه مسألة بدهية ينبغي أن يعرف كل طالب علم أنها لا بد أن توجد عند كل عالم، لكنها تقل أو تكثر بحسب توفيق الله عز وجل للعالم وتبحّره وإمامته.
ثم إنه أيضاً كان سياقه لكثير من مسائل أصول الدين فيه سهولة وبساطة وليس فيه تعقيد، وهو بعيد عن المسائل الكلامية والتعبيرات الفلسفية التي قد يقع فيها أحياناً حتى بعض السلف من غير قصد، فكان أسلوبه سهلاً، والتزامه لألفاظ السلف من أحسن ما رأينا من كتب السلف.
ثم إنه تميّز بالإيجاز مع الإسناد، قلّ أن نجد من كتب السلف الشاملة في قضايا العقيدة أن تكون موجزة، فقد تميّز مع وجود الإسناد بالإيجاز، ويعتبر كتابه خلاصة سهلة لأصول السلف يستوعبها طالب العلم المتبحر ويستيفد منها، كما أنه يستفيد منها طالب العلم المبتدئ ولا تصعب عليه.
ولو جرد من الأسانيد أيضاً لصار مثل كثير من متون العقيدة السهلة، وأتمنى أن يتصدى أحد الإخوان لاستخلاص قضايا العقيدة من كتاب الصابوني ، وتجريدها من التكرار والأسانيد، لمن أراد أن يحفظها أو يقرأها ويدرسها، وأيضاً الأسانيد لها ميزة؛ لأنها تربط القارئ بأعلام السلف وبأعلام الحديث من الرواة، ثم يتبين بالسند مدى صحة كل رواية وكل أثر أو حديث، وهذا مخدوم الآن بحمد الله، فالآن أكثر كتب السلف -ومنها هذا الكتاب- خدم بتحقيق نصوصه، فممكن أن يشار في كل نص يرد إلى ما توصل إليه الباحثون والعلماء من حكمه وقول أهل العلم فيه.
وفي البداية يحسن أننا نقرأ الروايات بأسانيدها حتى نتعرف على أشهر رجال الإسناد عند الصابوني .
قال الأول: أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن محمد العراقي سماعاً أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي إجازة.
وقال الثاني: أنبأنا أحمد بن عبد الدائم -رحمه الله-، وأخبرنا المحدث تاج الدين محمد بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي في كتابه، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الخباز شفاهاً، أخبرنا أحمد بن عبد الدائم إجازة إن لم يكن سماعاً، أنبأنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، أنبأنا الخرقي سماعاً، أنبأنا أبو بكر عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني حدثنا والدي شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن فذكره.
وأخبرنا قاضي القضاة عز الدين عبد الرحيم بن محمد بن الفرات الحنفي إجازة مشافهة، أنبأنا محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي إجازة أنبأنا الجمال عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر بسنده قال:
أما بعد ].
بدأ كلام الصابوني الآن بعد ذكر السماعات وذكر أسانيد الكتاب نفسه، وهذه عادة أهل العلم قديماً كانوا يثبتون الروايات والكتب بالإسناد، وهذا أمر طيب، وهو مما يدل على حرصهم على توثيق العلوم، كحرصهم على توثيق الحديث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام ].
مسألة الزيارة من الأمور التي عبّر فيها المؤلف الصابوني رحمه الله بغير منهج السلف؛ لأن قصد المدينة لا ينبغي أن يعبّر عنه بزيارة القبر وإنما يعبّر عنه بزيارة المسجد؛ لأنه من المساجد التي تشد إليها الرحال، لكن أطلق ذلك نظراً إلى أن من يأتي من الآفاق ويزور المسجد لابد أن يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المشروع له أن يسلّم على عموم الصحابة كذلك، ويسلّم على أهل المقابر هناك، فبعضهم قد يتجاوز ويعبّر عن السفر إلى زيارة المسجد بزيارة القبر، وربما ذلك من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن العبارة لا توافق السنة في التعبير العام، ولذلك علّق عليه المحقق تعليقاً جيداً وقال: لعله يقصد السفر إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن بعض العلماء يسمون السفر لزيارة المسجد ويصرفون العبارة إلى معنى زيارة القبر؛ لوجود القبر هناك، وهذا فيه لبس، لكن مع ذلك قد يلتمس فيه العذر لمثل الصابوني ، وقد يكون يرى خلاف رأي الجمهور، وليس هناك ما يمنع أن يرى خلاف رأي الجمهور، وتكون هذه من أخطائه رحمه الله، لكنها ليست في الأمور التي تخالف القطعيات.
ثم قال: إن شيخ الإسلام ذكر أن طائفة من العلماء يسمون السفر للصلاة في المسجد زيارة لقبره صلى الله عليه وسلم، ويقولون: تستحب زيارة قبره أو السفر لزيارة قبره، ومقصودهم بالزيارة هو السفر إلى مسجده، وأن يفعل في مسجده ما يشرع من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم والدعاء له والثناء عليه.
أقول: يحتمل هذا، يحتمل أنهم أحياناً يعبّرون بهذا عن ذلك، تغليباً لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالسلام عليه، لكن لا يقصدون إنشاء السفر الإنشاء البدعي، وإنما إنشاء السفر لزيارة المسجد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولاً في أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين، وعلماء المسلمين، والسلف الصالحين، وهدوا ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عمّا يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، ووالوا في اتباعها وعادوا فيها، وبدّعوا وكفّروا من اعتقد غيرها، وأحرزوا لأنفسهم ولمن دعوهم إليها بركتها وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم إياهم عليها، فاستخرت الله تعالى وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار؛ رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، والله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله ].
نقف على هذا المقطع لنبدأ -إن شاء الله- من بداية تقريره لأصول الدين، ونسأل الله التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
الجواب: هذه من العبارات التي يتساهل بها العلماء إذا كان المقصود بها مجرد الثناء، ليس المقصود بها التعظيم الذي يخرج عن الحد الشرعي، وتجدون هذا في كثير مما يكتبه علماء السلف في تراجمهم للأعلام، فـالذهبي مثلاً وهو من أدق الناس وأحرصهم على تفادي العبارات المبالغ فيها، والعبارات التي لا تجوز شرعاً نجده في مسألة الوصف والثناء -خاصة للأموات- تكون عنده بعض العبارات المبالغ فيها، ولكن ليس قصدهم معاندة الحق، وإنما قصدهم مجرد الثناء لا التعظيم الممنوع، فعلى هذا إذا كان القصد وصف الواقع بالتعبير في قاضي القضاة عن كونه رئيساً للقضاة، أو أكبر القضاة، أو مرجع القضاة أو ما يشبه هذه العبارات فأرجو ألا يكون في ذلك حرج، بمعنى أن نعذر أئمة السلف الذين عبّروا بهذا التعبير، وقصدوا بقاضي القضاة أنه كبيرهم أو رئيسهم أو شيخهم أو مرجعهم أو أكبرهم أو أعلمهم.. إلى آخره، فهذا مما يصلح التجوز فيه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر