قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإنما عمدة الكلام عندهم ومعظمه: هو تلك القضايا التي يسمونها العقليات وهي أصول دينهم، وقد بنوها على مقاييس تستلزم رد كثير مما جاءت به السنة، فلحقهم الذم من جهة ضعف المقاييس التي بنوا عليها ومن جهة ردهم لما جاءت به السنة ].
الشيخ هنا قعّد قاعدة ذهبية جيدة عظيمة رد بها على المتكلمين، فقد ذكر أن عمدة الكلام عند أهل الكلام الذين يزعمون أنهم يقررون التوحيد بالمصطلحات الفلسفية والعقلانية الكلامية قال: (عمدتهم في ذلك قضايا يسمونها العقلية) يعني: هذه القضايا هي أوهام وتخرصات، ومع ذلك سموها عقلية.
ثم قال: (وهي أصول دينهم) يعني: هم يعتمدون في أصول دينهم على مسألة المصطلحات الفلسفية، وذلك بالبدء بالحديث عن الأعراض والجواهر وما تستلزمه من معان عندهم، وهذه الأصول والقضايا بنوها على مقاييس وهمية، ونحن لا نذم على الإطلاق استعمال العقليات، بل لابد من توظيف العقل لفهم كلام الله عز وجل، والعقل نعمة من الله عز وجل، وهو وسيلة لفهم الشرع، ووسيلة إدراك نعمة الله وتعظيم الله عز وجل، لكن العقل له مدارك محدودة، فالعقل لا يدرك الغيب، وكل ما تحدث به المتكلمون في مسائل العقيدة، في تقرير التوحيد، في وجود الله ووحدانيته وخلقه وربوبيته وأسمائه وصفاته سبحانه، كل ما تكلموا به خلاف ما جاء في الكتاب والسنة، فإنما هي أوهام وتخرصات؛ لأنها غيب، وأنى لهم أن يطّلعوا على الغيب، فمن هنا ذكر الشيخ أن أصول دينهم إنما هي قضايا يسمونها العقليات وبنوها على مقاييس عقلانية ووهمية؛ لأنها غيبية تستلزم رد كثير مما جاءت به السنة، وهذا هو الذي حصل حينما قاسوا الله بخلقه، تعالى الله عما يزعمون، اضطروا أن ينكروا صفات الله؛ لأنهم قاسوا الله على الخلق، ولأضرب لذلك مثالاً: أهل الأهواء الجهمية والمعتزلة ومتكلمة الأشاعرة والماتريدية أنكروا استواء الله على عرشه، ليس عندهم ما يقولونه إلا شبهة وهي أن الاستواء يستلزم حاجة الله عز وجل إلى العرش واتكاءه عليه، واعتماده عليه، من أين هذا؟ هذا من قياس الخالق على المخلوق، وإلا من أين أتوا بأن الله لا يمكن أن يستوي على العرش إلا إذا كان محتاجاً إليه؟ لولا القياس لما جاءوا بهذا الأمر، لا يمكن أبداً أن يأتوا بهذه الشبهات إلا بقياس.
إذاً: هم اعتمدوا على مقاييس تستلزم رد كثير مما جاءت به السنة، فلحقهم الذم من جهة ضعف المقاييس التي بنوا عليها، ومن جهة ردهم لما جاءت به السنة.
قال رحمه الله تعالى: [ وهم قسمان: قسم بنوا على هذه العقليات القياسية الأصول العلمية دون العملية كالأشعرية، وقسم بنوا عليها الأصول العلمية والعملية كالمعتزلة ].
الأمور العلمية هي الاعتقادية، والأمور العملية هي الأحكام.
قال رحمه الله تعالى: [ حتى إن هؤلاء يأخذون القدر المشترك في الأفعال بين الله وبين عباده، فما حسن من الله حسن من العبد، وما قبح من العبد قبح من الله؛ ولهذا سماهم الناس: مشبهة الأفعال ].
أي: المعتزلة في صفات الله عز وجل في مسألة أفعال الله، ومسألة التحسين والتقبيح قالوا بكلام تشمئز منه النفوس، وتنفر منه الطباع السليمة، لو قيل هذا الكلام الذي قالوه في حق الله سبحانه حتى عند العوام لاشمأزت نفوسهم منه، يقولون: يجب على الله أن يفعل كذا، ويلزم من الله أن يفعل كذا، ويجب عليه ألا يفعل، ويلزمه ألا يفعل، من أين هذا؟ من باب قياس الخالق على المخلوق، ولذلك أنكروا أفعال الله عز وجل، بل أنكروا صفات الله؛ لأنهم قاسوا الخالق سبحانه على المخلوق، فلما قاسوا وقعوا في معضلة، فبدل أن يسلموا لله عز وجل بالكمال المطلق ويتركوا القياس بناء على قوله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، بدلاً من ذلك وقعوا في إنكار كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو تأويله.
قال رحمه الله تعالى: [ ولا شك أن هؤلاء هم المتكلمة المذمومون عند السلف؛ لكثرة بنائهم الدين على القياس الفاسد الكلامي، وردهم لما جاء به الكتاب والسنة ].
يعني: الجهمية والمعتزلة.
قال رحمه الله تعالى: [ والآخرون لما شاركوهم ].
الآخرون هم الأشاعرة والماتريدية والكلابية والسالمية والكرامية ومن سلك سبيلهم.
قال رحمه الله تعالى: [ والآخرون لما شاركوهم في بعض ذلك لحقهم من الذم والعيب بقدر ما وافقوهم فيه، وهو موافقتهم في كثير من دلائلهم؛ التي يزعمون أنهم يقررون بها أصول الدين والإيمان، وفي طائفة من مسائلهم التي يخالفون بها السنن والآثار وما عليه أهل العقل والدين.
وليس الغرض هنا تفصيل أحوالهم فإنا قد كتبنا فيه أشياء في غير هذا الموضع ].
من أكثر ما كتب الشيخ في هذا الموضوع في (درء التعارض) وفي (تلبيس الجهمية) وفي (منهاج السنة).
والمتكلم يظن أنه بطريقته التي انفرد بها قد وافق طريقة القرآن: تارة في إثبات الربوبية، وتارة في إثبات الوحدانية، وتارة في إثبات النبوة، وتارة في إثبات المعاد، وهو مخطئ في كثير من ذلك أو أكثره مثل هذا الموضع ].
سيذكر الشيخ هذه الطرائق فلا نستعجلها، يعني ما سلكه المتكلمون في الطرائق التي ظنوا أنهم وافقوا بها القرآن، وهم أخطئوا في هذا، سيبدأ فيه الشيخ بعد قليل.
قال رحمه الله تعالى: [ فإنه قد أخطأ المتكلم في ظنه أن طريقة القرآن توافق طريقته من وجوه:
منها: أن إثبات الصانع في القرآن بنفس آياته، التي يستلزم العلم بها العلم به، كاستلزام العلم بالشعاع العلم بالشمس من غير احتياج إلى قياس كلي، يقال فيه: وكل محدث فلا بد له من محدث، أو كل ممكن فلا بد له من مرجح، أو كل حركة فلا بد لها من علة غائية أو فاعلية ].
هنا سيدخل الشيخ في موضوع يحتاج إلى التمهيد، يقول: إن إثبات الخالق عز وجل وإثبات ربوبية الله وإلهيته ما جاءت بطرق فلسفية معقدة، جاءت بالاستدلال بنفس الآيات، فالله عز وجل لفت أنظار العباد إلى خلقه؛ ليستدلوا بذلك على أمرين: الأمر الأول بدهي لا يحتاج إلى تكلف: وهو أنه الخالق: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35]، وقوله عز وجل: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:78-79] فالله عز وجل في استدلاله على ربوبيته وإلهيته ما استعمل المقدمات المعقدة التي أتى بها أهل الكلام، كمسألة المُحدِث والمُحدَث، لابد للمحدث من محدث، ولابد لكل ممكن من واجب، وهذه أمور تشطح بالفطرة والعقل السليم إلى معان غامضة، فالله عز وجل استعمل البراهين مباشرة دون مقدمات؛ لأن المقدمات تحتاج إلى إعمال عقلي صعب، والإعمال العقلي الصعب غالب الناس لا يدركونه ولا يستطيعونه، والذين يستطيعونه أيضاً يحتاجون إلى كد للذهن، والذهن إذا كُد في إدراك بدهية اهتزت قناعته في البدهيات، يعني: مثل: لو قلت لإنسان: والشمس في رابعة النهار: أيش رأيك الشمس طالعة؟ فهو بهذا السؤال سيفاجأ؛ إما أنه لا يصدق أنك جاد بسؤالك هذا، فيحتاج إلى أن يتعب ذهنه هل تلغّز وتخدعه؟ هل تريد أن تضحك عليه وتقصد معنى آخر؟ هل تقصد شمساً أم بشراً؟ لأن الشمس طالعة، وهي تدنو وتكاد تدمغ رأسك، فكذلك استعمال المقدمات العقلية عند المتكلمين في إثبات وجود الله ووحدانيته من هذا النوع، من صرف الناس عن البدهيات إلى التشكيك، ولذلك قال الله عز وجل: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم:10] ثم قال: فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم:10] فالله عز وجل من أساليبه التي ذكرها في إثبات وجوده أنه يذكر الاستدلال على ذلك بنفس آياته: السماوات، والنجوم، والشجر، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، والحر، والبرد.. إلى آخره، آياته التي خلقها في عباده هي الدليل، من غير أن نستعمل مقدمات معقدة أو ألفاظاً تبعد الذهن عن مجال البدهيات.
والأمر الثاني سيذكره الشيخ فيما بعد، لكن لابد أن أقرنه بهذا؛ لأنه هو الثمرة التي نريد أن نفرق بها بين منهج السلف ومناهج المتكلمين المفاليس، نسأل الله العافية: وهو أن الله عز وجل حينما استدل بالدلالة الفطرية المباشرة دون مقدمات على ربوبيته ووجوده وخلقه إنما أراد بذلك أن يلزم العباد بعبادته، ولذلك كلما ذكر آية من آيات الربوبية، قال: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [الأنعام:95] فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس:32] يعني: عن عبادة الله، كيف تصرفون إلى الشرك؟ كيف تُصرفون عن توحيد الله، فهذه هي الغائية، المتكلمون لم يوفقوا لهذه الغاية، وهذه عقوبة لهم حينما استعملوا طريقة غير مشروعة على تقرير التوحيد، تاهوا ولم يصلوا إلى الغاية الكبرى التي بعث الله بها النبيين، والتي خلق الله من أجلها الخلق: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ذُهلوا عنها، وهذه عقوية نسأل الله السلامة، وكل من نهج نهجاً بدعياً فإنه لا يوفق للهدى عن طريق البدعة، وهذه قاعدة: كل من نهج نهجاً بدعياً في تقرير الدين في الجزئيات أو الكليات فإنه لا يوفق للهداية عن طريق البدعة، بل العكس البدعة تجره إلى بدعة وتجره إلى ضلالة، وتعميه عن الحق، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الأهواء بأنهم تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه، يعني: مرض يجر إلى مرض، ثم يأخذ أوصال جسمه وصلة وصلة حتى يهلك الجسم كله، نسأل الله السلامة.
قال رحمه الله تعالى: [ أو كل حركة فلا بد لها من علة غائية أو فاعلية، ومن غير احتياج إلى أن يقال: سبب الافتقار إلى الصانع هل هو الحدوث فقط كما تقوله المعتزلة، أو الإمكان كما يقوله الجمهور؟ ].
يعني: يقصد الشيخ هل حاجة الخلق إلى الله عز وجل؛ لأنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم، أم مجرد حدوث الخلق هو الذي يؤدي عقلاً إلى ضرورة حاجة المخلوقين إلى الخالق؟ وهل مجرد رؤيتنا للمخلوقات هي التي تؤدي إلى قولنا بأنهم محتاجون إلى الخالق، أو مجرد إمكان الحدوث؟
هذه فلسفة لا الحدوث وحده ولا الإمكان وحده، إنما الواقع هو الذي سيتكلم فيه الشيخ بعد قليل، أما الفلسفة فحصيلتها سواء قلنا: إن سبب الافتقار إلى الخالق هو الحدوث أي: حدوث المخلوقات، أو إمكان الحدوث أي: تصور إمكان وجود الخلق، وهذا افتراضي، فكلاهما ليس طريقاً إلى إثبات فقر الخلق إلى الله، ولا إلى إثبات غنى الله عز وجل، إنما الخلق ذاته دليل على فقره، فنفس وجود هذه المخلوقات يدل على أنهم مفتقرون إلى الخالق، افتقار في الأصل والوجود والمستقبل، فالخلق كلهم مفتقرون إلى الخالق.
أيضاً وجود المخلوقات ليس هو السبيل الوحيد لإثبات غنى الله عز وجل، بل الله غني وجد الخلق أو لم يوجد، وهم يقولون: ما استطعنا أن نعرف أن الله غني إلا عندما وجدنا المخلوقات المفتقرة إلى الله، فعرفنا غنى الله عز وجل بهذه الطريقة العقلية، نقول: لا، الله عز وجل خالق قبل وجود الخلق، وهو غني قبل وجود من يحتاجه من المخلوقين، فالله عز وجل له الغنى المطلق، فهذه الطرق الفلسفية أوجدت عندهم مثل هذه الشطحات، نسأل الله السلامة.
قال رحمه الله تعالى: [ حتى يرتبون عليه أن الثاني حال باقية مفتقرة إلى الصانع، على القول الثاني الصحيح دون الأول ].
قوله: (الثاني) يعني: الإمكان.
قال رحمه الله تعالى: [ فإني قد بسطت هذا الموضع في غير هذا المكان، وبينت ما هو الحق؛ من أن نفس الذوات المخلوقة مفتقرة إلى الصانع وأن فقرها وحاجتها إليه وصف ذاتي لهذه الموجودات المخلوقة، كما أن الغنى وصف ذاتي للرب الخالق، وأنه لا علة لهذا الافتقار غير نفس الماهية وعين الإنية، كما أنه لا علة لغناه غير نفس ذاته ].
يريد الشيخ أن يصل إلى ما ذكرته لكم قبل قليل، من أن الغنى وصف ذاتي لله عز وجل بصرف النظر عن وجود المخلوقات، وأن الافتقار وصف ذاتي للمخلوقات بصرف النظر عن كونها حادثة أو ممكنة.. أو غير ذلك من المصطلحات التي اختلفوا عليها، وكل ذلك لا يزيد من الأمر شيئاً، كما أنه يقول أيضاً: لا نحتاج إلى أن نقول: إن الممكنات مفتقرة قبل أن تكون موجودة؛ لأن الإمكان افتراضي، والافتراض لا تبنى عليه الأحكام، فلا تسمى مفتقرة إلا إذا وجدت، أما قبل أن توجد كيف نصفها بأنها مفتقرة؟ هؤلاء مساكين؛ فهم يعيشون خيالات وأوهاماً، ويفترضون أشياء، فيجعلون افتراضاتهم عقائد، فيبنون على هذه الأمور أحكاماً، وذلك كله من نسج الخيال ومن عبث الشيطان بهم.
قوله: (وأنه لا علة لهذا الافتقار غير نفس الماهية) يعني: الذات، (وعين الإنية) ما نسميه نحن الواقع، كأن الشيخ يقول وهذا هو الحق: لا تتكلمون إلا عن الأمر الواقع، الخلق قبل أن يقع لماذا تفترضون له أحكاماً؟ والذي لم يقع لماذا تفترضون له أحكاماً؟ فالله عز وجل غني بذاته حتى بدون وجود الخلق، والمخلوقات مفتقرة حينما وجدت، أما قبل أن توجد أو كونها مفترضة فليس هناك داع أن نفترض لها أحكاماً؛ لأن هذا من باب التفلسف حول المعدوم.
فإذاً: قوله: (الإنية)، يقصد بذلك الواقع.
قال رحمه الله تعالى: [ فلك أن تقول: لا علة لفقرها وغناه؛ إذ ليس لكل أمر علة ].
أي: ليس هناك علة خارجة عن الشيء.
قال رحمه الله تعالى: [ فكما لا علة لوجوده وغناه، لا علة لعدمها إذا لم يشأ كونها، ولا لفقرها إليه إذا شاء كونها، وإن شئت أن تقول: علة هذا الفقر وهذا الغنى نفس الذات وعين الحقيقة ].
أي: اصرفوا أنفسكم إلى ما هو واقع، فالواقع لا يحتاج إلى أن نبرهن له بأدلة ذهنية عقلية خيالية، بل نحكم بما أعطانا الله عز وجل من العقل والفطرة والبديهة؛ لأن هذه المخلوقات التي نراها بعينها وبذاتها الإنية، يعني: كونها موجودة وواقعة، هذا بحد ذاته هو الدليل على أنها مفتقرة، أما مجرد توقع الحدوث والإمكان فهذا افتراض فلا نبني عليه أحكاماً؛ لأن كل ذلك إنما هو سباحة في الخيال.
قال رحمه الله تعالى: [ ويدل على ذلك أن الإنسان يعلم فقر نفسه وحاجتها إلى خالقه، من غير أن يخطر بباله أنها ممكنة، والممكن الذي يقبل الوجود والعدم، أو أنها محدثة والمحدث المسبوق بالعدم؛ بل قد يشك في قدمها أو يعتقده، وهو يعلم فقرها وحاجتها إلى بارئها، فلو لم يكن للفقر إلى الصانع علة إلا الإمكان أو الحدوث لما جاز العلم بالفقر إليه حتى تعلم هذه العلة، إذ لا دليل عندهم على الحاجة إلى المؤثر إلا هذا ].
خلاصة الكلام أن الشيخ أراد أن ينقلهم من هذا التعقيد إلى بدهيات، وهو أن وجود الخالق عز وجل دل على غناه، ووجود المخلوقات دل على فقرها، ولا نحتاج إلى هذه الفلسفات التي كل فقرة منها تحتاج إلى شرح، والشرح عليها اعتراضات، والاعتراضات عليها اعتراضات وهكذا.
هذا المقطع من قوله: (وحينئذ) إلى قوله: (وعلى هذا جاء قوله) لا حاجة إليه فلن نقرأه ولا نحتاج إلى قراءته؛ لأنه تفصيل لما سبق، فننتقل إلى الفقرة التالية: (وعلى هذا جاء قوله) يعني: أراد الشيخ بعد ذلك أن يذكر الدليل الفطري العقلي على وجود الخالق عز وجل وغناه، وعلى أن المخلوقات حادثة أوجدها الله عز وجل، وأنها مفتقرة إليه، يريد أن يستدل على ذلك بالأدلة الشرعية الفطرية اليقينية السهلة، التي هي مقتضى العقل السليم.
يعني: هذه الحقائق تغني عن كل فلسفة المتفلسفين في أن الله عز وجل هو الخالق، وأن الخلق لا بد له من خالق، فهي دليل على وجود الخالق سبحانه ووحدانيته بالضرورة، كما أنها دليل على كمال الخالق وغناه سبحانه، ثم إنها دليل على حدوث المخلوقات وفقرها إليه عز وجل، فقوله عز وجل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور:35] إذا استعمل الإنسان ذهنه وجد أن الجواب بدهي، لا يمكن أن يخلقوا من غير شيء، الافتراض الآخر: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] أي: لأنفسهم؟ هذه مردودة تصادم العقل السليم والفطرة، فهم لا يمكن أن يخلقوا أنفسهم؛ لأن هذا يؤدي إلى الدور، بمعنى أنه لا بد للخلق من خالق.
فمن هنا ننتهي إلى الحقيقة الشرعية الفطرية بدون مقدماتهم التي لجئوا إليها.
قال رحمه الله تعالى: [ قال جبير بن مطعم : لما سمعتها أحسست بفؤادي قد تصدع.
وهو استفهام إنكار يقول: أؤجدوا من غير مبدع؟ فهم يعلمون أنهم لم يكونوا من غير مكوّن، ويعلمون أنهم لم يكونوا نفوسهم، وعلمهم بحكم أنفسهم معلوم بالفطرة بنفسه، لا يحتاج أن يستدل عليه بأن كل كائن محدث ].
فقد كان خطباء الجاهلية أفقه من المتكلمين، وقد كانوا على غير شرع؛ أما الحنيفية فقد اندثرت ملة إبراهيم، لكن كانت الفطرة موجودة عند أهل الجاهلية، وكان بعضهم يتكلم ويخطب في أمور بدهية، كقول أحدهم: سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج. ثم ذكر أدلة على وجود الله عز وجل: أن الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير.. إلى آخره، ثم قال: ألا يدل ذلك على العليم الخبير؟ وهو في الجاهلية يخطب بها في ذي المجاز أو عكاظ أو في أحد أسواق الجاهلية، يعني: كان هذا الإنسان في الجاهلية أفقه بكثير من المتكلمين الذين عقّدوا عقول الناس، وشتتوا المسلمين وفرقوهم الآن إلى أشاعرة وماتريدية وجهمية ومعتزلة، وكل واحد يقول: هذا هو الدين الحق أما الآخر فباطل، إلى أن وصل الأمر عند بعض العلماء الفضلاء بأن زعموا أن هذه المناهج المعقّدة واجبة على كل إنسان، قالوا: يجب على كل إنسان النظر، فإن لم ينظر فهو خارج من الملة لا يدخل في الإسلام، يعني: النظر بهذه الطريقة، سبحان الله!
إذاً: ما بقي من المسلمين إلا هم، وهم حينما نظروا هل وصلوا إلى نتيجة؟ وهل اتفقوا على شيء؟ ما وصلوا إلى نتيجة، ولا اتفقوا على شيء.
فإذاً: هذه المسالك هي خلاف الفطرة، حتى الناس الذين كانوا في مجتمعات شركية وجاهلية كانوا يقررون توحيد الربوبية بمبادئ فطرية عقلية بدهية، بعيدة عن هذه التعقيدات الكلامية والفلسفية، بل هذه المسالك التي سلكها المتكلمون هي مسالك الملاحدة خصوم الأنبياء.
قال رحمه الله تعالى: [ أو كل ممكن لا يوجد بنفسه ولا يوجد من غير موجد، وإن كانت هذه القضية العامة النوعية صادقة، لكن العلم بتلك المعينة الخاصة، إن لم يكن سابقاً لها فليس متأخراً عنها، ولا دونها في الجلاء.
وقد بسطت هذا المعنى في غير هذا الموضع، وذكرت دعوة الأنبياء عليهم السلام، أنه جاء بالطريق الفطرية، كقولهم: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم:10].
وقول موسى: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الإسراء:102].
وقوله في القرآن: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا [البقرة:21-22] بيّن أن نفس هذه الذوات آية لله، كما أشرنا إليه أولاً من غير حاجة إلى ذينك المقامين، ولما وبخهم بين حاجتهم إلى الخالق بنفوسهم، من غير أن تحتاج إلى مقدمة كلية هم فيها وسائر أفرادها سواء، بل هم أوضح، وهذا المعنى قررته مبسوطاً في غير هذا ].
يعني: أن الله عز وجل عندما قرر توحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء على إقرارهم بقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22] إلى نحو هذا مما يعرفونها، أراد به ما ذكره في أول الآية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21] فجعل هذه الأمور للإلزام بالعبادة، لا لأنهم ينكرونها، لكن لتذكيرهم بها؛ لأنهم يعترفون بها، فألزمهم بواسطة الاعتراف بها بعبادة الله، وهذا هو الغاية من الاستدلال بنعم الله وخلقه، أي: الغاية من ذلك أن يعبد الناس الله وحده، أما الربوبية فإنهم مقرون بها، فهو تحصيل حاصل أن نطلب من الناس أن يقروا بالربوبية.
وأما المقاصد فالقرآن أخبر بالعلم به والعمل له فجمع بين قوتي الإنسان العلمية والعملية: الحسية والحركية، الإرادية الإدراكية والاعتمادية: القولية والعملية، حيث قال: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] فالعبادة لا بد فيها من معرفته، والإنابة إليه والتذلل له والافتقار إليه، وهذا هو المقصود، والطريقة الكلامية، إنما تفيد مجرد الإقرار والاعتراف بوجوده.
وهذا إذا حصل من غير عبادة وإنابة كان وبالاً على صاحبه وشقاء له، كما جاء في الحديث: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة: عالم لم ينفعه الله بعلمه) كإبليس اللعين، فإنه معترف بربه مقر بوجوده، لكن لما لم يعبده كان رأس الأشقياء، وكل من شقي فباتباعه له، كما قال: لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:85] ].
يعني: أن توحيد الربوبية يقر به جميع الناس، حتى إبليس الذي طرده الله وجعله أصل كل شر، وجعله هو القائد إلى جهنم نسأل الله العافية، هو مقر بالربوبية، بل أحياناً عنده ما هو أعظم من ذلك، أحياناً عنده شيء من الخوف من الله عز وجل لا خوف العبادة بل خوف المعرفة، ولذلك لما تراءى الجمعان نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم، ثم قال: إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [الأنفال:48] فلذلك هذا الكائن الذي جعله الله أصل الشر عنده نوع من الإقرار، بل هو مقر بربوبية الله ومدرك لعظمة الله، ولذلك يخاف الله لا خوف العبادة إنما خوف المعرفة، يعرف الله عز وجل.
قال رحمه الله تعالى: [ فلا بد أن يملأ جهنم منه ومن أتباعه، مع أنه معترف بالرب مقر بوجوده، وإنما أبى واستكبر عن الطاعة والعبادة، والقوة العلمية مع العملية بمنزلة الفاعل والغاية؛ ولهذا قيل: العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر، والمراد بالعمل هنا عمل القلب الذي هو إنابته إلى الله وخشيته له، حتى يكون عابداً له.
فالرسل والكتب المنزلة أمرت بهذا وأوجبته، بل هو رأس الدعوة ومقصودها وأصلها، والطريقة السماعية العملية الصوتية المنحرفة توافق على المقصود العملي، لكن لا بعلم، بل بصوت مجرد، أو بشعر مهيج، أو بوصف حب مجمل، فكما أن الطريقة الكلامية فيها علم ناقص بلا عمل، فهذه الطريقة فيها عمل ناقص بلا علم، والطريقة النبوية القرآنية السنية الجماعية فيها العلم والعمل كاملين.
ففاتحة دعوة الرسل: الأمر بالعبادة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21].
وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله)، وذلك يتضمن الإقرار به وعبادته وحده، فإن الإله هو المعبود، ولم يقل: حتى يشهدوا أن لا رب إلا الله؛ فإن اسم الله أدل على مقصود العبادة له، التي لها خلق الخلق، وبها أمروا.
وكذلك قوله لـمعاذ : (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)
وقال نوح عليه السلام: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3]، وكذلك الرسل في سورة الأعراف وغيرها.
وقال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
وقال للرسل جميعاً: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:51-52].
وقال تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4].
وقال: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ [النمل:91].
وقال: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:1-3].
وقال في الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].
وقال: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123].
وقال: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65].
وقال: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] ].
في نهاية هذا المقطع أحب أن أشير إلى أنه من الأسباب التي أوقعت المتكلمين في هذا المنهج المنحرف، الذي أبعدهم عن الحق وجعلهم يتعبون ويكدون إلى غير غاية شرعية، بل جعلهم يصرفون المسلمين عن واجباتهم الأساسية في الفقه في دين الله عز وجل، واستيعاب العقيدة السليمة إلى الجدل والمراء والمسائل الكلامية، أن من أسباب ذلك ما بدأ عند كثير من طلاب العلم والمثقفين من المسلمين في عصرنا هذا، وهو أنهم استخدموا الوسائل التي استباحوها في إقناع غير المسلمين أو في إقناع المفسدين، استعملوها في عقائد المسلمين أنفسهم، فكثير من المتكلمين الذين وقعوا في هذه المسالك نجد أنهم جادلوا ملاحدة وفلاسفة، منهم من لا يقر بوجود الله، ومنهم من لا يقر بوحدانية الله ولا بربوبيته، كالفلاسفة الملاحدة من الدهرية والغنوصية والسمنية.. وغيرهم من فلاسفة الصابئة واليونان والهنود.
فطوائف من المسلمين في ذلك الوقت جادلوا هؤلاء الفلاسفة، فوجدوا منهم من لا يقر بهذه الأمور، فذهبوا يخترعون من الطرائق العقلية ما يقنعون به هؤلاء الفلاسفة، ثم ذُهلوا فجعلوا الوسيلة التي استباحوها في إقناع غير المسلمين من الملاحدة وغيرهم هي وسيلة تقرير الدين، وهذا مما جعلهم يتكلمون عن هذه الأمور بحماس، ويتوهمون أن أمامهم خصوماً، فتجد المتكلم يتكلم أمام المسلمين وكأنهم ملاحدة، ويؤلف للمسلمين وكأنهم ملاحدة، نقول لهؤلاء: لماذا تقولون للمسلمين: إننا نحتاج إلى أن نثبت وجود الله أولاً، ثم نثبت وحدانية الله ثانياً، ثم نثبت ربوبية الله ثالثاً؟ وهناك كتب ترى أنها هي عقيدة المسلمين، ولنضرب مثالاً على هذا: رأس الماتريدية أبو منصور الماتريدي له (كتاب التوحيد) وهو ليس موجهاً للمسلمين، وليس عند المسلمين مشكلة في قضيته ومضمونه، لكنه زعم أن هذا هو التوحيد، وصار أتباعه على ذلك، وزعم أن هذا هو ما يجب على المسلم، فجعل الوسيلة التي أراد أن يقنع بها الملحد هي طريقة تعلم المسلم، وهذا غلط، وإنما ذكرت هذا لأنبه على بعض الوسائل الدعوية في تقرير الإسلام التي يستعملها بعض الدعاة في إقناع الغربيين أو الشرقيين غير المسلمين بالإسلام، وهذا غلط؛ نحن لسنا بحاجة إلى أن تقنع المسلمين بأن الإسلام دين المدنية والحضارة، معنى هذا أنك افترضت أن عند المسلمين شكاً، لا تفترض أن عند المسلمين شكاً، بل عليك أن تقرر بين أبناء المسلمين حقيقة الإسلام والتوحيد كما جاء، تقرر فيهم شعائر الدين وأصول الإسلام وأصول العقيدة، تشبعهم بها حتى يترووا، فلا تكون الوسيلة عكس ذلك بأن تقنعهم بأن الإسلام هو الأفضل، وهو المنقذ للبشرية، فهذه مسائل ما تقال في ابتداء تعليم المسلم بدينه، إنما تقال للشاك، وتقال لمن في قلبه ريب، تقال للكافر، تقال لهؤلاء الزائغين الذين ما فقهوا دين الله عز وجل من المثقفين.. وغيرهم، نعم، قد تلجأ إلى إقناعهم بمحاسن الإسلام وأنه دين المدنية والعلم، لكن لا يكون هذا هو وسيلة تفقيه المسلمين، المسلمون يفقهون بدينهم على مقتضى السنة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أركان الإيمان، وأركان الإسلام، وفرائض الدين، وسنن الإسلام، والأخلاق والأصول التي تبنى بها شخصية المسلم حتى يكون قدوة، ثم بعد ذلك يكون هو في نفسه أنموذجاً يقنع الآخرين دون تفلسف، لو تربى المسلمون تربية جادة على الإسلام بفقه شرعي مستقيم؛ لصاروا هم بذواتهم وبكونهم قدوة الوسيلة لإقناع غير المسلمين بالإسلام.
أما أن تأتي وتتحدث عن قضايا جانبية بين المسلمين فهذا أمر يؤدي إلى أن يتعلم الناس ما لا يفيدهم، وينسوا ما يفيدهم، تجدهم يهتمون بغير المهم وينسون المهم.
هذا فيما يتعلق بتربية أبناء المسلمين، وتنشئة المسلمين على الإسلام.
أما الشاك أو الزائغ أو الكافر فيحتاج إلى مثل هذه الأمور، يحتاج إلى أن يبين له أن الإسلام دين صالح للبشرية، وأنه يحل مشكلات البشر، وأنه دين المدنية على الضوابط الشرعية، وأن هذا أمر نحتاجه، لكن لا يكون من أساسيات الفقه في دين الله عز وجل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: يجوز، لكن بقدر، وأيضاً أكثر ما يتحدث به الناس عن الإعجاز ليس على وجه سليم؛ لأنهم بالغوا في مسألة الإعجاز، حتى إنهم دخلوا إلى الرموز الباطنية والإشارات الصوفية ومسألة الأرقام، أو التكهن بالأحداث من خلال ربط الآيات بعضها ببعض، فبالغ الناس في هذه المسألة إلى حد يخرج عن الأصل الشرعي، وكل شيء ينبغي أن يأخذ قدره في البيان، ومسألة الإعجاز لا شك أنها من أعظم مسائل الدين، لكن لا تكون غاية من الغايات التي لا بد أن يبلغ فيها كل مسلم.
الجواب: الكلام عن الجماعات ينبغي ألا يكون إلا عند الضرورة، فجماعة التبليغ جماعة من جماعات المسلمين، لها ما لها وعليها ما عليها.
وبمناسبة الكلام على جماعة التبليغ، أقول: ليتنا ننصرف إلى الجد في مثل هذه الأمور، بدل ما يكون همنا الكلام في الجماعات، مع أني أعلم أن بعض الناس قد يحتاج أن يسأل؛ لأنه قد يخرج مع الجماعة، لكن الأولى أن يسأل طالب علم أو عالم بدون أن تكون هذه الأسئلة مثارة عند العوام، لكن مع ذلك ليت أكثر من يتكلمون في هذه الجماعات أن يأخذوا ببعض خصالها في نفع الإسلام والمسلمين.
الجواب: التعمق في إثبات الربوبية وإثبات وجود الله في المدارس هذا خطأ، إلا الإجمال الذي به يدرك الطالب الدلالة العقلية المجملة، ويتحصن من شبهات الآخرين هذا لا بأس به، لكن التعمق التفصيلي الذي قصده شيخ الإسلام هذا غير مطلوب في عامة المسلمين وأبنائهم.
أما إذا احتاج المسلم لأن يرد على طائفة من الذين -كما ذكر السائل- يشككون في التوحيد والعقيدة؛ فينبغي أن يوجه لهم الكلام، لا يوجه لعموم المسلمين، ويبين في عنوان الكتاب وفي ثناياه ما يدل على أنه خاص بهذه الفئة، وأنه لا يقرأ، ولا تحسن قراءته عند عامة المسلمين.
الجواب: نعم، هذا السؤال قد يرد من طالب من باب ما يعرض له من خواطر، فلا بأس أن يجاب عليه، ويكون الجواب حكيماً، ولا يعنف الطالب على مثل هذا القول، لكن يوجه الطلاب في العموم أن مثل هذه الأسئلة لا تليق، وأن الإنسان إذا سئل مثل هذا السؤال فينبغي أن يجيب عليه منفرداً.
إذاً: يوجه الطلاب ويعطون الآداب، ولا ينبغي للمدرس أن يضيق بمثل هذا السؤال إذا حدث، لكن يعالجه بالحكمة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر