وبعد:
فبعون الله وتوفيقه نستأنف درسنا اليوم في الفتاوى، وبعض المقاطع التي سنقرؤها طويلة وليس فيها تعليقات والشيخ في هذا الفصل أراد أن يرد على أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وذلك بتقرير الفرق الفطري والعقلي والشرعي المسلم به لدى جميع العقلاء بين الخالق عز وجل وبين المخلوقين .. بين الرب وبين المربوبين، وذلك أن الرب سبحانه هو الخالق البارئ المصور سبحانه، وهو الغني وهو المعبود وله المثل الأعلى في كل شيء، وله الكمال المطلق، وله الجلال والجمال سبحانه، وهو سبحانه الذي بيده مقاليد السماوات والأرض بيده ملكوت كل شيء، وأما المخلوق المربوب فهو ضعيف فقير مفتقر إلى الله عز وجل في كل شيء، ومحدود في الزمان والمكان، وهذا الفرق سيقرره الشيخ على نحو القواعد التي تتضمن الرد على فلسفة أصحاب الحلول ووحدة الوجود والاتحاد، لكن على منحى شرعي يستند ويرتكز على الدليل الشرعي المتضمن للدليل العقلي، على نحو ما ستلاحظون من خلال استقراء وسرد الآيات التي تدل على هذه الأمور، وإن كانت دلالتها بدهية كما ذكرت في دروس سابقة؛ لكن نظراً لأن هؤلاء المبطلين شككوا في البدهيات فلا بد من تقرير الحق، لاسيما وأنهم ضللوا وخدعوا ولبسوا على طوائف من المسلمين، فكان لا بد من تمييز الحق من الباطل، والدفاع عن الحق ورد الباطل بالقواعد الشرعية.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ فصل.
وهو كما يشهد ربوبيته وتدبيره العالم المحيط وحكمته ورحمته، فكذلك يشهد إلهيته العامة، فإنه الذي في السماء إله وفي الأرض إله، إله في السماء، وإله في الأرض: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، وكذلك قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:3] الآية، على أحد القولين: على وقف من يقف عند قوله وَفِي الأَرْضِ فإن المعنى: هو في السماوات الله، وفي الأرض الله، ليس فيهما من هو الله غيره.
وهذا وإن كان مشابهاً لقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84] فهو أبلغ منه. ونظيره قوله: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22].
وقد قال تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم:27].
وقال تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].
وقال: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].
وقوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد:15].
وقوله تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:26-27].
وقوله: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:1].
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة:1].
ونحو ذلك من معاني ألوهيته، وخضوع الكائنات وإسلامها له، وافتقارها إليه، وسؤالها إياه، ودعاء الخلق إياه، إما دعاء عبادة، وإما دعاء مسألة، وإما دعاؤهما جميعاً، ومن أعرض عنه وقت الاختيار: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:67]، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، ونشهد أن كل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه، فإنه باطل إلا وجهه الكريم، كما نشهد أنها كلها مفتقرة إليه في مبدئها، نشهد أنها مفتقرة إليه في منتهاها، وإلا كانت باطلة.
فهذه المعاني التي فيها تأله الكائنات إياه، وتعلقها به، والمعاني الأول التي فيها ربوبيته إياهم وخلقه لهم، يوجب أن يعلم أنه رب الناس ملك الناس، إله الناس وأنه رب العالمين لا إله إلا هو، والكائنات ليس لها من نفسها شيء، بل هي عدم محض ونفي صرف، وما بها من وجود فمنه وبه.
ثم إنه إليه مصيرها ومرجعها، وهو معبودها وإلهها، لا يصلح أن يعبد إلا هو، كما لم يخلقها إلا هو، لما هو مستحقه بنفسه ومتفرد به من نعوت الإلهية التي لا شريك له فيها، ولا سمي له، وليس كمثله شيء.
فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، وهو معنا أينما كنا، ونعلم أن معيته مع عباده على أنواع، وهم فيها درجات.
وكذلك ربوبيته لهم وعبوديتهم التي هم بها معبدون له، وكذلك ألوهيتهم إياه، وألوهيته لهم، وعبادتهم التي هم بها عابدون، وكذلك قربه منهم وقربهم منه ].
نلاحظ في هذا الفصل أن الشيخ استمر في سرد النصوص ووجه الدلالة منها، لكنه استصحب المنهج السابق، ففي مسألة تمييز الخالق عز وجل من المخلوقين التمييز الضروري المسلم البدهي في هذه النصوص، نلاحظ أن سياق الشيخ لها يدل على أنه أراد أن يقرر أن الله عز وجل هو الغني، وأن من دون الله عز وجل من المخلوقات هي الفقيرة المحتاجة، فما دام هناك محتاج وغني فلاشك أن الغني متميز عن المحتاج، وهذا أيضاً تحته تفصيلات.
كذلك هناك عابد ومعبود، فالله عز وجل هو المعبود، وهناك إله ومؤلِّه وهو العبد.
ومن خلال النصوص نجد هذه الدلالات واضحة، فقوله عز وجل: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، فيه معنى من معاني الألوهية، وهو السؤال، فهناك سائل ومسئول ولا بد، يعني: السائل هو العبد المفتقر المحتاج إلى سؤال الله عز وجل، والمسئول هو الله.
وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29]، يدل على أن هناك فاعلاً ومفعولات، فالفاعل هو الله عز وجل، والمفعولات هي الشئون لله سبحانه في خلقه وأمره القدري والشرعي.
وكذلك: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام:3] دليل قاطع على أن الإله غير السماوات والأرض، المعبود هو الذي يعبده ما في السماوات والأرض.
وكذلك الآية التي بعدها تفيد هذا المعنى أنه معبود في الأرض والسماء.
إذاً: فهناك عابد ومعبود، وهناك رب ومربوب، فالمربوبات هي السماوات والأرض ومن فيهما، والمعبود هو الله عز وجل وهو الإله.
وكذلك قوله: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]، هذا دليل تفرد الله عز وجل بالربوبية والألوهية، وأنه ينفي أن يكون فيهما أو يحل بهما أو يكون ضمنهما من ينازع الله عز وجل في هذه الربوبية والإلهية، فضلاً أن تكون هي المخلوقات حالة أو منازعة لله.
وكذلك قوله: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الروم:27] يعني: عندنا مثل أعلى ومثل أدنى، فالمستحق للمثل الأعلى وهو الكمال هو الله عز وجل، وما دونه مثل أدنى وهو الناقص الفقير إلى الله وهو الخلق كلهم، ثم قوله: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [الإسراء:44]، يدل هذا على أن هناك مسِبحاً ومسَبحاً له، عابداً ومعبوداً، فالمخلوقات مسبحة لمن يستحق التسبيح وهو الله عز وجل.
إذاً: هناك فرق ظاهر حتى من خلال ما فطر الله عليه المخلوقات من أنها متوجهة إلى الرب الذي يستحق التسبيح سبحانه، وهكذا بقية النصوص على هذا النحو، وهو قوله: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم:27]، يعني: هناك أول ليس قبله شيء، وهناك حادث وهو الخلق، هذا دليل ظاهر عقلي وشرعي بدهي مسلم على أن هناك بادئاً بدأ الخلق وهناك حادثاً وهو المخلوقات، ولا يستويان، ولذلك جاء في أسمائه عز وجل أنه الأول الذي ليس قبله شيء سبحانه، فهو الذي يبدأ الخلق.
إذاً: الخلق مبدوء مفتقر لم يكن له وجود ثم وجد، والذي بدأه هو الخالق البارئ المصور سبحانه.
والإنسان يدرك ببديهة عقله وفطرته أن الفرق ظاهر ما بين الكامل والناقص، الكامل هو الله والناقص هو المخلوقات.
ثم قال: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:67] أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] يعني: هناك مضطر ومحتاج يسأل ويلجأ إلى الكامل الغني وهو الله عز وجل، فالمضطر هو المسكين المفتقر وهو المخلوق أياً كان، والمدعو الذي يكشف الضر ويجيب المضطر هو الله عز وجل.
إذاً: هناك داع ومدعو، هناك غني ومضطر، فالغني هو الله والمحتاج المضطر هو العبد.
إذاً: هناك فرق بين من ليس قبله شيء وهو الله عز وجل، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وبين ما هو مفتقر في وجوده وبقائه وفنائه وبعثه إلى الله عز وجل، وتقدير جميع أحواله.
وهذا فيه رد ظاهر على أهل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، فإن المعية تدل على الاختلاف، لا يقال للشيء نفسه: إنه مع نفسه، لا يقال للشيء الواحد: إنه مع نفسه، إنما إذا قيل: الشيء الفلاني مع الشيء الفلاني فبينهما فرق ذاتي ومعنوي.
فإذاً: تحقيق المعية لله عز وجل وكونه مع عباده المعية العامة، ومع عباده الصالحين وعباده المؤمنين المعية الخاصة، أن هذه المعية تدل على المفارقة بين وجود الله عز وجل وبين وجود المخلوق، وأن لله عز وجل وجوداً يخصه وكمالاً لا يمكن أن يكون لأحد من خلقه، والخلق الذي له وجود يفتقر ويفنى وينتهي.
وهذه المعية معية محدودة، وتدل على الفرق بين الله عز وجل وبين خلقه، وهكذا بقية الأمور، وهذا مما قد لا يدرك إلا بمثل هذا الفقه الذي وفق الله إليه شيخ الإسلام رحمه الله.
فهذا فيما يشبه الاتحاد أو الحلول في معين، كنبي أو رجل صالح ونحو ذلك.
قد بينا ما فيه من الحق المحض، وما فيه من الحق الملبوس بباطل، وسنبيّن إن شاء الله ما فيه من الباطل المحض ].
ولذلك أحب أن أنبه إلى ما يشير إليه الشيخ هنا، فقوله: (يشبه الاتحاد أو الحلول في معين كنبي أو رجل صالح أو نحو ذلك) يعني: أن الاتحاد والحلول في المعين له وجه حق ووجه باطل على ضوء ما سبق، وجه الحق في حلول معاني الربوبية والألوهية في قلوب الصالحين، وجه الحق في كونهم امتلأت قلوبهم بخشية الله عز وجل وتقواه ومحبته، في كونهم حلّت عظمة الله في قلوبهم، وأن الله ربهم ومعبودهم وإلههم، وامتلأت قلوبهم بالمعاني الإيمانية والإنابة إلى الله عز وجل، والاستجابة لله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح، فهذا قد يسمى لغة: حلولاً، لكن ليس حلول الإله، وإنما حلول تعظيم الإله في قلوب العباد.
ثم ذكر ما ينافيه من الحق المحض، وما فيه من الحق الملبوس بباطل، وهو ما وجد عند بعض العُبّاد الذين عبدوا الله أولاً على طريق صحيح، لكن تجاوزوا في العبادة إلى حد ادعوا فيه الاستغناء عن عبادة الله عز وجل، فهذه عبادة فيها جانب من الحق وهو توجههم إلى الله بقلوبهم، وجانب من الباطل وهو زعمهم أنهم بتحقيقهم للربوبية استغنوا عن الإلهيات، وهذه سيبينها الشيخ كما في فصل قادم.
قال رحمه الله تعالى: [ وهذا القسم إنما يقع فيمن يعبد الله سبحانه ويتولاه، أو يُظن به ذلك، فإنه بذلك تظهر ألوهية الله في عبده، وتظهر إنابة العبد إلى ربه، وموافقته له في محبته ورضاه ].
هذا المعنى الذي أشار إليه الشيخ قد يسمى لغة: حلولاً، لكن ليس حلول الله، ولا جزءاً من الله، ولا شيئاً من خصائص الله عز وجل في المخلوقين، ولا حتى في أفضل الخلق، لا يمكن، إنما المقصود أن هؤلاء الصالحين حلت ألوهية الله وربوبيته في قلوبهم، وامتلأت بها حتى تمثلت في عقيدتهم، وفي أعمالهم والتزامهم بدين الله وأمره ونهيه.
قال رحمه الله تعالى: [ وتظهر إنابة العبد إلى ربه، وموافقته له في محبته ورضاه وأمره ونهيه.
وقد يشتبه بهذا قسم آخر؛ وهو ما يظهره الرب من آثار ربوبيته في بعض عباده، وإن كان ذلك ليس مأموراً به ولا هو عبادة له، مثل ما يعطيه من ملكه وسلطانه بعض الملوك المسلطين، ممن قد يكون مسلماً وقد لا يكون، كفرعون وجنكيز خان .. ونحوهما، وما يهبه من الرزق والمال لبعض عباده، وما يقسمه من الجمال لبعض عباده من الرجال والنساء ].
أي: أن الله عز وجل قد يظهر من آثار ربوبيته في بعض العباد وإن لم يكونوا حققوا الألوهية والعبادة، وذلك أن الله عز وجل ضمن لجميع الخلق الرزق، وآتى الملك من يشاء من العباد، وآتى الدنيا من يشاء، يؤتي الملك من يشاء سبحانه، فهذا أمر متعلق بالربوبية، وتحقيق تقدير الله للعباد بالرزق والتوفيق والملك والسلطان في الدنيا، لا يلزم أن يكون دليلاً على رضاه سبحانه، بل هذا أمر يعطيه المؤمن وغير المؤمن.
فإذاً: تحقيق هذه الأمور لبعض العباد وإن لم يكونوا من الصالحين ولا من المؤمنين، ليس دليلاً على التوفيق ولا على أنهم حققوا الإلهية.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك ما يهبه من العلوم والمعارف، أو يهبه من الأحوال، أو يعطيه من خوارق العادات من أنواع المكاشفات والتأثيرات، سواء كان هؤلاء مؤمنين أو كفاراً مثل: الأعور الدجال .. ونحوه ].
الخوارق هي من الربوبية ومن أقدار الله عز وجل، ولا يلزم أن يكون تحقيقها للعباد الصالحين فحسب، فالله عز وجل قد يهب الخوارق للكافر وللمسلم، للصالح والفاسق، لكن الخوارق والمكاشفات والتأثيرات التي تتم للأنبياء والصالحين والمؤمنين من باب الكرامات، وإذا تمت لغير المؤمنين فهي من الفتنة والاستدراج، وهذه الخوارق والأشياء التي يحققها الله عز وجل بربوبيته وقدره لعباده، إن تمت على يد رجل صالح على السنة فهي كرامة، وإن تمت على يد رجل مسلم لكن على البدعة فهي فتنة.
قال رحمه الله تعالى: [ فإنه في هذا القسم يقوم في العبد المعيّن من آثار الربوبية وأحكام القدرة أكثر مما يقوم بغيره، كما يقوم بالقسم الأول من آثار الألوهية وأحكام الشرع أكثر مما يقوم بغيره، وقد يجتمع القسمان في عبد، كما يجتمع في الملائكة والأنبياء والأولياء، مثل: نبينا صلى الله عليه وسلم، والمسيح ابن مريم عليه السلام.. وغيرهما ].
يعني: تحقق في مثل هؤلاء من عباد الله، ومنهم أفضل الخلق، تحقق فيهم المعنيان: الربوبية، والألوهية، وآثار الربوبية، وآثار الألوهية، فهؤلاء الأنبياء حققوا بقلوبهم وجوارحهم ما أراده الله عز وجل منهم، بأن آمنوا بالقدر، وعبدوا الله عز وجل على ما شرع، فتحققت لهم آثار الربوبية والألوهية على نحو لم يكن عند غيرهم، فمن آثار ذلك الاستقامة، ثم بما أكرمهم الله به من المعجزات، ولا شك أن الله عز وجل أكرم النبيين والمرسلين عموماً، وأكرم عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص من آثار الربوبية والإلهية ما لم يكن لغيرهما، ولنبينا صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق في ذلك النصيب الأوفر.
قال رحمه الله تعالى: [ فهذا القسم وحده كاف في أحكام الكلمات الكونية ].
الكلمات الكونية هي الربوبية والقدر.
قال رحمه الله تعالى: [ كالقسم الأول في أحكام الكلمات الدينية ].
هذه الألوهية والشرع.
قال رحمه الله تعالى: [ فإن الحوادث إنما تكون بمشيئة الله وقدرته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ ويعوذ، ويأمر بالاستعاذة بكلمات الله التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر.
فالكلمات التي بها كوّن الله الكائنات لا يخرج عنها بر ولا فاجر، فما من ملك، ولا سلطان، ولا مال، ولا جمال، ولا علم، ولا حال، ولا كشف، ولا تصرف إلا وهو بمشيئته وقدرته وكلماته التامات، ولكن من ذلك ما هو محبوب لله مأمور به، ومنه ما هو مكروه لله منهي عنه، بل مباح أو عفو ].
عندنا ثلاث حالات: من ذلك ما هو محبوب، مثل: طلب النصر والشفاء، فالله عز وجل يحب من العبد أن يلجأ إليه في طلب الأمور المشروعة، ولذلك أمر الله المسلمين إذا أخذوا بأسباب النصر أن يلجئوا إليه ويدعوه فينصرهم.
وأمر المسلمين بأنهم إذا مرضوا أن يتداووا ويدعوا الله أن يشفيهم، هذه أمثلة لما هو محبوب لله مأمور به.
النوع الثاني: ما هو مكروه، مثل: استشراف الغيب، سواء بالدعاء أو بغير الدعاء ما ينبغي للمسلم أن يستشرف الغيب الذي ليس له فيه مصلحة، فلا يشرع له أن يدعو الله عز وجل بأن يطلعه على مصيره أو على خاتمته، فإن هذا من استشراف غيب حجبه الله عن العباد، وطلبه من الاعتداء في الدعاء، لكن المسلم يسأل ربه الثبات، يسأل ربه أن يثبت قلبه على الإيمان، وهذا مشروع، لكن أن يستشرف الغيب أو يطلب الخوارق من غير سبب شرعي، مثل المبتدعة الآن في كل أمورهم يعوّلون على الخوارق، كل مشكلة وإن كانت صغيرة ممكن تحل بجهود البشر تجدهم يلجئون ويطلبون من الله عز وجل أن يخرق لهم نواميس الكون، فهذا نوع من الدالة التي تزيد عن الحد، ومن ذلك الإقسام على الله عز وجل، فإنه يدخل في هذا القسم.
والمباح هو طلب الدنيا وطلب الرزق.. ونحو ذلك؛ فهذا يدخل في المباح.
إذاً: دعاء الله عز وجل عند الضرورات واجب، وهو يدخل في هذا، ودعاء الله عز وجل بما ليس للإنسان فيه أصل من الاستشراف لأمور غيبية، بأن يطلب ما حجب عنه الإنسان أصلاً، وليس له في ذلك مطلب شرعي، فلا يجوز له أن يدعو.
أما المباح فهو عامة الأمور المشروعة، مثل: طلب الرزق، وطلب الدنيا.
قال رحمه الله تعالى: [ وإذا كان واقعاً بمشيئة الله وقدرته وكلمته ولا يقدر على ذلك غيره، وهو مضاف إلى الله من جهة ربوبيته وملكه، فبينه وبين القسم الأول من الاشتراك والمشابهة ما أوجب أن أقواماً غلطوا في أمر الله، فجعلوه في القسمين واحداً ].
يعني: أن أولئك الذين بمنهج التعبد الضال أو المنحرف وصلوا -كما يزعمون- إلى تحقيق الربوبية فاستغنوا عن الألوهية، فحينما لم يفرقوا بين الرب والعبد، أو بين الرب والمربوب، أو بين الله والخلق، توجهوا للخلق، لزعمهم أن الخالق تمثل بالخلق، فدمجوا وخلطوا بين القسمين، وهم على درجات: منهم من خلط اعتقاداً ولو لم يصل الأمر إلى أن يتأله للمخلوقات أو يعبدها، وهذا هو الذي عليه كثير من طبقة الصوفية الوسيطة، والفئة الأخرى التي توصلت بهذا إلى الدمج أو خلط القسمين فاستغنوا بالربوبية عن الإلهية، ثم بعد ذلك زعموا أن بعض الخلق تمثل فيهم الرب، على أي وجه هذا حلول أو اتحاد ووحدة وجود، ثم منهم من صرف العبادة لغير الله بهذا السبب.
قال رحمه الله تعالى: [ بل غلطوا أيضاً في نفس الرب؛ فألحقوا بعض العباد المعبدين من القسم الثاني ببعض العباد العابدين من القسم الأول ].
أي: أنهم لم يفرقوا بين المسلمين والملحدين، لم يفرقوا بين فرعون وجبريل، بل جعلوهم على مستوى واحد، أو ما هو دون ذلك، أي: أن بعضهم قد لا يصل إلى ذلك الحد، لكنه ليس عنده ولاء ولا براء، قد يحب الفاجر والكافر، وقد يبغض المسلم الصالح.
قال رحمه الله تعالى: [ ودخلوا في الاتحاد والحلول من هذا الوجه، حتى عبد من عبد فرعون والدجال ، وعبد آخرون الصور الجميلة.. ونحو ذلك، ويزعمون أن هذا مظاهر الجمال، وكفر هؤلاء بالعبادات والإيمان تارة وبالمعبود أخرى. ولما كان المقصود هنا بيان الحق من ذلك، أو ما فيه حق ذكرنا هذا.
الأول: تمييز الألوهية عن الربوبية، الذي ينبثق عنه تمييز الرب عن الخلق، والربوبية هي أفعال الله عز وجل، والألوهية عبادة العباد لله، وفرق بين الفاعل هنا والفاعل هنا، وبين العابد والمعبود، هذا من وجه، وكذلك من وجه آخر التفريق بين هذا وهذا من حيث الاعتقاد والعمل.
قال رحمه الله تعالى: [ أما الأول: فإن الله سبحانه قد فرق بالقرآن وبالإيمان بين أمره الديني وخلقه الكوني، فإن الله سبحانه خالق كل شيء ورب كل شيء ومليكه، سواء في ذلك الذوات وصفاتها وأفعالها، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن مشيئته شيء، ولا يكون شيء إلا بمشيئته.
وقد كذب ببعض ذلك القدرية المجوسية من هذه الأمة.. وغيرها، وهم الذين يزعمون أن الله لم يخلق أفعال عباده من الملائكة والجن والإنس والبهائم، ولا يقدر على أن يفعل بعباده من الخير أكثر مما فعله بهم، بل ولا على أفعالهم؛ فليس هو على كل شيء قدير، أو أن ما كان من السيئات فهو واقع على خلاف مشيئته وإرادته.
وهم ضلال مبتدعة، مخالفون للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ولما عرف بالعقل والذوق.
ثم إنه قابلهم قوم شر منهم، وهم القدرية المشركية ].
التمييز بين الفئتين ظاهر، الأولى: القدرية المجوسية الذين ينكرون قدر الله أو بعض قدر الله، وهم قدرية المعتزلة التي هي امتداد للقدرية الأولى القدرية المعبدية معبد الجهني وغيلان الدمشقي ، فالقدرية الأولى أنكرت جميع تقدير الله عز وجل في أفعال العباد، ثم بعد ذلك خففت الأمر وجعلت بعض أقدار الله أو بعض مراحل مراتب القدر ليست من تقدير الله، فزعموا أن أفعال العباد ليست من تقدير الله، ثم بعد ذلك وصلوا إلى مرحلة أضيق أو أخف وإن كانت شراً أيضاً، وهو أن بعضهم زعم أنا لا نخرج من أقدار الله إلا أفعال الشر، زعموا أن أفعال الإنسان التي يفعلها في الشر ليست من تقدير الله، وهذا يجعل بالضرورة أن هناك مقدراً مع الله، أي: خالقاً مع الله، فهؤلاء يسمون: القدرية المجوسية، لماذا يسمون بالمجوسية؟ لأن المجوسية تعبد إلهين، وفلسفتهم في عبادة الإلهين أنهم يقولون: الإله الأصل وهو الله عز وجل هو إله الخير، لكنه لم يقدر الشر بزعمهم، فلما أخرجوا تقدير الشر عن الله، أسندوه إلى الشيطان، فزعموا أن الشيطان هو الذي خلق الشر، فلما زعموا ذلك عبدوه مع الله، فعبدوا إلهين، والقدرية في الإسلام على هذا المنهج، لكنه منهج أخذ أسلوب أهل الأهواء، أخذ مصطلحات شرعية وإسلامية واستدلالات فيها تلبيس، فهم يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فأخذوا المتشابهات وجعلوها مسلكاً، فزعموا أن الإنسان مقدر أفعاله، وبعضهم صرّح أن الإنسان خالق أفعاله، إذاً: أثبتوا خالقاً مع الله، كما أثبتت المجوسية إلهاً غير الله، فسموا بالقدرية، وهذا المذهب موجود إلى الآن في أتباع المعتزلة، بعض الناس يظنه قد انقرض، أبداً لا يزال أناس من كبار المفكرين الموجودين الآن يقررون هذا، بل إنهم زادوا أمراً عجيباً ما تكلمت به أكثر المعتزلة، فأكثر المعتزلة ما يجرءون أن يقولوا: إن الإنسان خالق مع الله، بهذا اللفظ، وإنما يقولون: الإنسان يقدر أفعاله، الإنسان مسئول عن أفعاله، الله لم يقدر أفعال الإنسان، أكثر المعتزلة على ذلك، أما المعتزلة المعاصرون فقد قرأت لعدد منهم يقولون: إن الإنسان خالق أفعاله، تعالى الله عما يزعمون، هذه قدرية موجودة، فكثير من العصرانيين العقلانيين على هذا المذهب، ليس إلزاماً لهم، لا، بل صرّحوا به، فهم ما بين مصرح بهذا اللفظ، وما بين من تابع المعتزلة بإجمال، ومنهم من تابع المعتزلة بالتفصيل، ومنهم من تابع المعتزلة وزاد عليها، فيظهر لي أن المعتزلة رغم انحرافهم، ورغم ما ظهر منهم من الابتداع وأقيمت عليهم الحجة فلم يرجعوا، إلا أنهم مع ذلك أكثر مداراة للعقيدة السليمة وللمسلمين من المعتزلة المعاصرة، أولئك عندهم شيء من الخوف أو نوع من ترويج المقولة، فليس عندهم تصريح بهذا المذهب من القول بأن الإنسان خالق أفعاله، أو القول بأن الله لم يخلق أفعال العباد، فهم لم يصرحوا بأن الإنسان خالق أفعاله كما صرحت المعتزلة الجديدة.
الفئة الثانية عكس هؤلاء تماماً: وهم القدرية المشركية، فهؤلاء هم الجبرية، وهم عكس القدرية.
الجبرية: هم الذين زعموا أن الإنسان ليس له أي إرادة ولا حرية، فهو مسيّر تسيير كامل، ولذلك لا عليه أن يعمل أي شيء، حتى إنهم لا يؤاخذون الكافر على كفره، ولا المنافق على نفاقه، ولا يؤاخذون المشرك على شركه، فضلاً عن أن يؤاخذوا الفاجر على فجوره، ويقولون: ما دام أن الإنسان عرف الله فيكفيه ذلك؛ لأنه إن عمل شراً فذلك راجع إلى أن الله قدّر عليه ذلك، فهو مجبور وليس محاسباً ولا مؤاخذاً، وهؤلاء هم جبرية الجهمية التي انتهت إلى الصوفية الطرقية.
ومذهب القدرية المشركية هو الذي عليه أكثر الطرقية الصوفية، خاصة الغلاة الكبار؛ ولذلك نجد في أحوالهم وفي قصصهم التي كتبوها عن أنفسهم، وكتبها عنهم خلّص مريدهم كما في (طبقات الأولياء) للشعراني و(جامع كرامات الأولياء) للنبهاني .. وغيرهما من الكتب التي أُلفت في تراجم وسير رءوس القوم، فهم يصرّحون بأن منتهى الولاية لشيوخهم الاستغناء عن شرع الله، ويعدون هذا من الكرامات، بل إن من العجب أنهم يعدون ارتكاب الفواحش لشيوخهم كرامة، يقول: ومن كرامته أنه فعل كذا وكذا، يذكر من الفواحش ما ينزّه المسلم لسانه والمكان والحاضرين والملائكة من أن يذكرها، نسأل الله السلامة.
إذاً: القدرية المشركية زعموا أنه يكفيهم معرفة الله، ثم إذا وصل أمر الواحد منهم إلى درجة خاصة الخاصة استغنى حتى عن العبادة، إلا أن يعبد الله تقية، وإلا فالناس يصلون وهذا جالس أمامهم، ثم تسألهم: لماذا لا يصلي هذا؟ قالوا: أنت إنسان محجوب عن الحقيقة، أنت لا تدري، هذا من أولياء الله، هذا الآن عندك موجود، لكنه الآن يطوف بالكعبة أو يصلي في المسجد الحرام، هذا مذهب بعض الغلاة الذين يرون تعدد الولي، أي: يمكن أن يوجد في ألف بقعة من الأرض في وقت واحد، وهذه من خرافات القوم ودواهيهم، فقد تظهر الشياطين على أشكالهم في كل مكان، نسأل الله السلامة.
وأما الأولون ففي تكفيرهم تفصيل ليس هذا موضعه ].
الأولون هم القدرية المعبدية والغيلانية، وقدرية المعتزلة، والتفصيل الذي أشار إليه الشيخ يمكن تلخيصه في مسألتين:
المسألة الأولى: أن بعض القدرية الأولى أنكروا جميع مراتب القدر، فأنكروا علم الله عز وجل وكتابته ومشيئته وخلقه لأفعال العباد، فهؤلاء كفار لا شك.
الصنف الثاني: الذين زعموا أن الله عز وجل لم يقدّر بعض أفعال العباد؛ لالتباس في أذهانهم، وما وفقوا للهدى، فهؤلاء في تكفيرهم نظر، والله أعلم.
الجواب: نعم، هناك علاقة كبيرة، لكنها ليست علاقة انتماء، إنما علاقة منهج، أغلب الصوفية لا تنتمي للرفض، وأغلب الرافضة لا تنتمي للصوفية العامة، لكن الرافضة فيهم صوفية كثيرون، بل أصل الرفض قائم على التصوف، سواء كان تصوفاً طرقياً أو غير طرقي، الرفض في عبادته يقوم على التصوف، وإن كان في مناهج العقيدة أسبق من التصوف، لكن لا يمكن أن يكون هناك رافضي بلا تصوف بمعناه المنهجي، بمعنى ما من رافضي إلا وهو من القبوريين، وليس هناك رافضي ليس من عبّاد المشاهد، وليس هناك رافضي ليس عنده بدع في الأوراد، لا يمكن، إلا في النادر، والنادر لا حكم له.
فإذاً: الصوفية متوغلة في الرفض، ولا تستغني الرافضة عن التصوف، لكن فيهم طرقيون وفيهم غير طرقيين، أما المتصوفة العامة الطرقية التي في سائر العالم الإسلامي فبعضها عندها تشيع شديد، وبعضها تشارك الشيعة الرافضة في بعض المبادئ، مثل: تقديس الأشخاص، ومثل: التعلق بالأوراد البدعية والسماعات، ومثل: التعلق بالقبور والمشاهد والآثار، وهذه قواسم مشتركة، وهي أصول وليست مجرد صفات عرضية، إنما هي أصول عند الصوفية تشترك فيها مع الرافضة.
الجواب: لا أظن، إلا النادر، والنادر لا حكم له، قد يوجد خاصة في البلاد التي فيها السنة ظاهرة ومهيمنة، مثل هذه البلاد الحمد لله لا يظهرون حتى تصوفهم، بل قد يوجد من شبابهم المثقفين من لا يمارس العبادات أصلاً لا صوفية ولا شيعية ولا غيرها، هذا مثل المعرضين عن الدين من أهل السنة لا يحسب، لكن المتدينون منهم لا يمكن أن يخرجوا من نزعة التصوف.
الجواب: الكلمات الكونية هي أقدار الله عز وجل التي تتم بكلماته التامة سبحانه، أما الكلمات الدينية فهي الشرائع التي مصدرها الوحي، الذي هو كلام الله أو وحيه للرسل، الكلمات الكونية هي كلمة (كن)، وأيضاً أقدار الله عز وجل التي فيها أقدار العباد وأقدار الخلق كلها، كل هذه تسمى كلمات كونية، والكلمات الشرعية هي الوحي والشرائع.
الجواب: نعم، يقصد المعية الخاصة والعامة، حتى المعية الخاصة درجات، أما المعية العامة فهي على درجة واحدة؛ لأنها معية كلية لا يتخلف عنها شيء من الأقدار؛ فأقدار العباد كلهم وأقدار أي مخلوق كلها داخلة في المعية العامة، سواء معية الله بعلمه أو بربوبيته، أما المعية الخاصة فهي تتفاوت.
الجواب: سواء بالماء فقط أو بالماء والصابون أو بأي وسيلة كل هذا بدعة، وهذه بدعة غريبة في الحقيقة ينبغي التنبه لها، وهناك ظاهرة ينبغي التنبه لها، خاصة من طلاب العلم والدعاة، وهذه الظاهرة: هي أن الناس اليوم يتسارعون جداً إلى البدع في المآتم، بدع عند غسل الجنائز، وصلاة الميت، وتشييع الجنازة، والبدع حول المقابر والتعازي، فمن ينظر إلى المسألة بدقة يجد أنه تظهر علينا سنوياً بدع جديدة، حتى في مجتمعنا الذي ما اعتاد على البدع، بعضها تقليد الآخرين وبعضها بدع جديدة ابتدعت من عندنا، فهذه مسألة يجب التنبه لها، والدين النصيحة، (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) وهذه البدع التي بدأت تزداد الآن وتكثر هي بدع بين من نعرفهم من أقارب وجيران وأهل الحي، فلا يسع أحداً السكوت عنها، والسكوت عنها قد يؤدي إلى استعصاء علاجها فيما بعد.
الجواب: هذه مسألة تتعلق بما يسمى بالتداخل بين الفرق، بعض الناس يقول مثلاً: هل مذهب الجهمية انتقل إلى الصوفية أو أن الجهمية ماتت، أو أن الصوفية تحولت إلى جهمية ولم تعد صوفية؟ كذلك: هل بدع المعتزلة والجهمية انتقلت إلى الرافضة، وصارت الرافضة جهمية ولم تعد رافضة؟ نقول: لا، الآن الحاصل منذ القرن الثالث وما بعده أن الفرق بدأت تأخذ ببدع جديدة مع بقائها على بدعها الأصلية، فالرافضة تحوّلت إلى مذهب الجهمية، مع أنها بقيت على أصول الرافضة القديمة، بل زادت عليها، وكذلك الخوارج، فالخوارج مثلاً بقوا على مذهب الخوارج، لكنهم أدخلوا على عقيدتهم مذهب الجهمية والمعتزلة، والصوفية دخلتها مذاهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، ودخلتها مذاهب الجهمية، ولا يعني ذلك أنها تخلت عن التصوف، بل زادت بدعاً في التصوف، وهذا يسمى التداخل بين الفرق، فالفرق تشابكت كل واحدة أخذت عن الأخرى مع بقائها على أصولها، وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الأهواء: (تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه) يعني تمضي وتفتك بهم الأهواء كما يفتك مرض الكلب، وهو من الأمراض الفتاكة، وذلك إذا أصيب الإنسان بعضة الكلب المسعور تبدأ بجرح بسيط، ثم هذا الجرح يأكل الجسم عضواً عضواً حتى ينتهي الإنسان، فكذلك البدع تبدأ صغيرة، ثم صاحب البدعة يضيف إلى بدعته أخرى وأخرى حتى تهلكه.
إذاً: نخلص إلى أن هذه الفرق كل واحدة أخذت مساوئ الأخرى مع مساوئها الأولى التي كانت عليها.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر