الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فبعون الله وتوفيقه نستأنف درسنا، ولا يزال كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن مذاهب أهل الاتحاد والحلول ووحدة الوجود والتحذير من ذلك، من خلال خطابه مع أحد رموز التصوف في ذلك العصر.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وقد بلغني أن بعض الناس ذكر عند خدمتكم الكلام في مذهب الاتحادية، وكنت قد كتبت إلى خدمتكم كتاباً اقتضى الحال من غير قصد أن أشرت فيه إشارة لطيفة إلى حال هؤلاء، ولم يكن القصد به والله واحداً بعينه ].
كلمة (خدمتكم) تكررت، ويقصد بها رحمه الله في مثل هذا الخطاب الثناء ومن تلقيب الإنسان باللقب اللائق، فخدمتكم، يعني: حضرتكم أو سعادتكم أو فضيلتكم، كما نعبر عنها في العصر الحاضر.
قال رحمه الله تعالى: [ وإنما الشيخ هو مجمع المؤمنين، فعلينا أن نعينه في الدين والدنيا بما هو اللائق به، وأما هؤلاء الاتحادية فقد أرسل إلى الداعي من طلب كشف حقيقة أمرهم.
وقد كتبت في ذلك كتاباً ربما يرسل إلى الشيخ، وقد كتب سيدنا الشيخ عماد الدين في ذلك رسائل، والله تعالى يعلم -وكفى به عليماً- لولا أني أرى دفع ضرر هؤلاء عن أهل طريق الله تعالى السالكين إليه من أعظم الواجبات، وهو شبيه بدفع التتار عن المؤمنين، لم يكن للمؤمنين بالله ورسوله حاجة إلى أن تكشف أسرار الطريق، وتهتك أستارها، ولكن الشيخ أحسن الله تعالى إليه يعلم أن مقصود الدعوة النبوية، بل المقصود بخلق الخلق، وإنزال الكتب، وإرسال الرسل: أن يكون الدين كله لله، هو دعوة الخلائق إلى خالقهم، بما قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46].
وقال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].
وقال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ [الشورى:52-53].
وهؤلاء موهوا على السالكين التوحيد الذي أنزل الله تعالى به الكتب، وبعث به الرسل بالاتحاد الذي سموه توحيداً، وحقيقته تعطيل الصانع، وجحود الخالق ].
فلما قدم من المشرق مشايخ معتبرون، وسألوا عن حقيقة الطريقة الإسلامية والدين الإسلامي، وحقيقة حال هؤلاء، وجب البيان.
وكذلك كتب إلينا من أطراف الشام رجال سالكون أهل صدق وطلب، أن أذكر النكت الجامعة لحقيقة مقصودهم.
والشيخ أيده الله تعالى بنور قلبه، وذكاء نفسه، وحقق قصده من نصحه للإسلام وأهله، ولإخوانه السالكين يفعل في ذلك ما يرجو به رضوان الله سبحانه ومغفرته في الدنيا والآخرة ].
يقصد بالقسمة الرباعية: أن الاتحاد على قسمين: إما معين، وإما مطلق، وكذلك الحلول على قسمين: إما معين، وإما مطلق، فيكون أربعة.
قال رحمه الله تعالى: [ أما الاتحاد والحلول المعين كقول النصارى، والغالية في الأئمة من الرافضة، وفي المشايخ من جهال الفقراء والصوفية، فإنهم يقولون به في معين، إما بالاتحاد كاتحاد الماء واللبن، وهو قول اليعقوبية وهم السودان ومن الحبشة والقبط.
وإما بالحلول وهو قول النسطورية، وإما بالاتحاد من وجه دون وجه وهو قول الملكانية ].
اليعقوبية والنسطورية والملكانية كلها فرق نصرانية، وكلها مشركة تعتقد الحلول والاتحاد، لكن يختلفون في تفسير هذا الحلول والاتحاد.
قال رحمه الله تعالى: [ وأما الحلول المطلق وهو أن الله تعالى بذاته حال في كل شيء، فهذا تحكيه أهل السنة والسلف عن قدماء الجهمية، وكانوا يكفرونهم بذلك ].
يتمثل هذا بقول الجهم ما أثر عنه أنه قال لما ناقش السني وشككوه في الله عز وجل في وجود الرب سبحانه خلا بنفسه وجل يتأمل وانقدحت في نفسه أقوال الفلاسفة ثم خرج وهو يزعم أن الله عز وجل في كل شيء حتى كان يقوم هو ذا في كل شيء يعني: الله عز وجل، نعم.
قال رحمه الله تعالى: [ وأما ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام، فما علمت أحداً سبقهم إليه إلا من أنكر وجود الصانع، مثل: فرعون والقرامطة، وذلك أن حقيقة أمرهم أنهم يرون أن عين وجود الحق هو عين وجود الخلق، وأن وجود ذات الله خالق السموات والأرض هي نفس وجود المخلوقات، فلا يتصور عندهم أن يكون الله تعالى خلق غيره، ولا أنه رب العالمين، ولا أنه غني وما سواه فقير ].
الأول: أن يقولوا: إن الذوات بأسرها كانت ثابتة في العدم ذاتها أبدية أزلية، حتى ذوات الحيوان، والنبات والمعادن، والحركات، والسكنات، وأن وجود الحق فاض على تلك الذوات، فوجودها وجود الحق، وذواتها ليست ذوات الحق، ويفرقون بين الوجود والثبوت، فما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك.
ويقولون: إن الله سبحانه لم يعط أحداً شيئاً، ولا أغنى أحداً، ولا أسعده، ولا أشقاه، وإنما وجوده فاض على الذوات، فلا تحمد إلا نفسك ولا تذم إلا نفسك.
ويقولون: إن هذا هو سر القدر، وأن الله تعالى إنما علم الأشياء من جهة رؤيته لها ثابتة في العدم خارجاً عن نفسه المقدسة.
ويقولون: إن الله تعالى لا يقدر أن يغير ذرة من العالم، وإنهم قد يعلمون الأشياء من حيث علمها الله سبحانه، فيكون علمهم وعلم الله تعالى من معدن واحد، وأنهم يكونون أفضل من خاتم الرسل من بعض الوجوه؛ لأنهم يأخذون من المعدن الذي أخذ منه الملك الذي يوحي به الرسل.
ويقولون: إنهم لم يعبدوا غير الله.. ].
لو تجاوزنا هذا؛ لأنه تكرار، وهو مما يمرض القلوب؛ لكنا وقفنا عنده لنكشف حقائق القوم من خلال كلام المحققين، ومن خلال كلامهم أنفسهم؛ فالشيخ لم يفتر عليهم، بل اعتمد على أقوالهم في كتبهم؛ ولذا سننتقل الآن إلى مقطع جديد فيه مزيد فائدة.
وابن عربي نفسه كتب كتاباً وهو موجود وطبعه بعض الملاحدة المعاصرين، الذين يعنون بهذه الزبالات من الأفكار السخيفة، اسم كتاب ابن عربي (إيمان فرعون) نسأل الله العافية والسلامة، وهذا هو مذهب كبار الحداثيين الآن، ويتعلقون بهذه الأفكار، ويمجدون ابن عربي والتلمساني وابن الفارض والقونوي .. وغيرهم من أئمة الضلالة، يمجدونهم ويمجدون تراثهم وينبشون عنه ويخرجونه، ويحققونه ويعلقون عليه، ويجتمعون حوله، لكنهم يتلونون ويلونون مذاهبهم بألوان أدبية وفكرية وثقافية، وكل يوم يأتوننا بشيء من دواهيهم ومصائبهم، نسأل الله أن يكفينا شرهم.
قال رحمه الله تعالى: [ وهذه المعاني كلها هي قول صاحب الفصوص، والله تعالى أعلم بما مات الرجل عليه، والله يغفر لجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
والمقصود أن حقيقة ما تضمنه كتاب الفصوص المضاف إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أنه جاء به، وهو ما إذا فهمه المسلم علم بالاضطرار أن جميع الأنبياء والمرسلين، وجميع الأولياء والصالحين، بل جميع عوام أهل الملل من اليهود والنصارى والصابئين يبرءون إلى الله تعالى من بعض هذا القول، فكيف منه كله؟
ونعلم أن المشركين عباد الأوثان والكفار أهل الكتاب يعترفون بوجود الصانع الخالق البارئ المصور، الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ربهم ورب آبائهم الأولين، رب المشرق والمغرب.
ولا يقول أحد منهم: إنه عين المخلوقات، ولا نفس المصنوعات، كما يقوله هؤلاء، حتى إنهم يقولون: لو زالت السماوات والأرض زالت حقيقة الله، وهذا مركب من أصلين ].
سبق أن تكلم الشيخ عن هذين الأصلين في أول الكتاب فلا داعي إلى إعادتهما، لكني ألخصهما.
يعني: أن اتجاه الحلول والاتحاد ووحدة الوجود الذي عليه ابن عربي وأضرابه يقوم على أصلين فلسفيين: الأصل الأول: أن المعدوم شيء ثابت في العدم، وسبق أن علل شيخ الإسلام ذلك وذكرته لكم، قال: إن الفلاسفة لا يعتقدون أن الله عز وجل فعال لما يريد، ولا يعتقدون أن قدرة الله مطلقة، إنما هي مقيدة بنظم هم يضعونها أو يتصورونها ويتوهمونها، ولذلك قالوا: يجوز على الله أن يفعل كذا ولا يجوز أن يفعل كذا، ويمكن أن يفعل كذا ولا يمكن أن يفعل كذا.. إلى آخر ذلك من الترهات، فهم بنوا وجود الخلق على أنه خلق من عناصر موجودة في أصلها، وأن هذه العناصر ثابتة في العدم، بمعنى أنها مكونات موجودة في الوجود، وأن الله عز وجل إنما أوجد الموجودات من أصل ثابت، وأن المعدوم هو هذه المكونات التي هي أصل الخلق، والوجود هو الخلق نفسه، وهذه فلسفة تؤكد وتوضح أن الفلاسفة ملاحدة دهريون.
الأصل الثاني أيضاً متفرع عن ذلك: وهو أن وجود المحدثات (المخلوقات) هو عين وجود الخالق، فلا يفرقون، فعندهم الوجود هو الله، والله هو الوجود، تعالى الله عما يزعمون، وهذا رغم أنه مصادم للعقل السليم ومصادم للفطرة وغير معقول، إلا أن الشيطان قد زينه لهم في شبهات، حتى قلبوا الأمر فجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، دون أن يكون عندهم التباس في الإلحاد، فهم ملحدة ملاحدة صرحاء في الإلحاد، ولذلك سنكتفي الآن بتقرير مذاهب هؤلاء القوم الذين يمجدهم كثير ممن يسمون بالمفكرين والمثقفين والحداثيين والأدباء، ويبكون عليهم وعلى أطلالهم وتراثهم؛ لنرى ما هم عليه من خلال هذا العرض الذي هو استقراء من كتبهم ومذاهبهم، وهو استقراء من قبل شيخ الإسلام حينما عرف مذاهبهم وكتبهم وأقوالهم الثابتة عنهم، وأكثرهم ممن عاصروا شيخ الإسلام أو قبله بقليل.
قال رحمه الله تعالى: [ لكن ابن عربي أقربهم إلى الإسلام ].
برغم الإلحاد الصريح لـابن عربي إلا أنه مع ذلك يعد من أقرب الفلاسفة المتكلمين للإسلام؛ لأنه أحياناً يعترف بالحق، وعنده ما يسمى بالاهتمام بالأخلاقيات والسلوكيات، أما البقية ففجرة في جميع أحوالهم، لا يعترفون بفضيلة ولا يقرون بسلوك حسن ولا بشرع.
أما ابن عربي رغم أنه ملحد في الاعتقاد ومضطرب إلا أنه أحياناً يدعو إلى الفضائل ويظهر التعبد ويأمر به، لكن على منهجه الشركي، فهذه مفاضلة بين أناس كلهم على الشرك، كما نقول في المشركين مشركي الجاهلية: فلان أخف شركاً من فلان؛ لأن فلاناً ما كان يعبد إلا صنماً واحداً، وذاك يعبد عدة أصنام، يعني: المسألة مسألة أيهم أقرب، أو من عنده شيء من الفضيلة والنزعة الإنسانية التي يمكن أن يعترف له فيها بالفضل مع كفره، أو مع ما وقع فيه من الكفريات.
قال رحمه الله تعالى: [ لكن ابن عربي أقربهم إلى الإسلام، وأحسن كلاماً في مواضع كثيرة، فإنه يفرق بين الظاهر والمظاهر، فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه، ويأمر بالسلوك بكثير مما أمر به المشايخ من الأخلاق والعبادات، ولهذا كثير من العباد يأخذون من كلامه سلوكهم، فينتفعون بذلك، وإن كانوا لا يفقهون حقائقه، ومن فهمها منهم ووافقه فقد تبين قوله ].
كلمة (متروحناً) مفهومة، لكن لا مانع أن نذكر معناها ثانية، (المتروحن) يعني: الذي يأخذ بالروحانيات والأمور والاعتبارات القلبية أو الجانب التعبدي وإن كان على باطل.
فقول التلمساني : (كان شيخي متروحناً متفلسفاً) يقصد ابن عربي ، يعني: أنه ينجذب إلى الروحانيات والتعبد وعنده نزعة فلسفية، أما الصدر الرومي فالأصل عنده النزعة الفلسفية، وقد يميل أحياناً إلى الجوانب التعبدية.
قال رحمه الله تعالى: [ ولم يدرك ابن عربي في كتاب: (مفتاح غيب الجمع والوجود) وغيره، يقول: إن الله تعالى هو الوجود المطلق والمعين، كما يفرق بين الحيوان المطلق والحيوان المعين، والجسم المطلق والجسم المعين، والمطلق لا يوجد إلا في الخارج مطلقاً، لا يوجد المطلق إلا في الأعيان الخارجة ].
قوله: (الأعيان الخارجة) يعني: لا يوجد الوجود الحقيقي المطلق إلا في التصور، بدون تعيين أشياء موجودات، هذا لا يمكن أن يكون إلا مجرد تصور ذهني.
قال رحمه الله تعالى: [ فحقيقة قوله: إنه ليس لله سبحانه وجود أصلاً، ولا حقيقة ولا ثبوت إلا نفس الوجود القائم بالمخلوقات؛ ولهذا يقول هو وشيخه: إن الله تعالى لا يرى أصلاً، وأنه ليس له في الحقيقة اسم ولا صفة، ويصرحون بأن ذات الكلب والخنزير والبول والعذرة عين وجوده، تعالى الله عما يقولون.
وأما الفاجر التلمساني فهو أخبث القوم وأعمقهم في الكفر، فإنه لا يفرق بين الوجود والثبوت، كما يفرق ابن عربي ].
يعني: ابن عربي يقول: هناك فرق بين المعدوم -وهو ثابت في العدم عندهم- وبين الخلق الموجود، لكن هذا لا يفرق.
قال رحمه الله تعالى: [ وأما الفاجر التلمساني فهو أخبث القوم وأعمقهم في الكفر، فإنه لا يفرق بين الوجود والثبوت، كما يفرق ابن عربي ، ولا يفرق بين المطلق والمعين، كما يفرق الرومي ، ولكن عنده ما ثم غير ولا سوى بوجه من الوجوه، وإن العبد إنما يشهد السوى ما دام محجوباً، فإذا انكشف حجابه رأى أنه ما ثم غير يبين له الأمر.
ولهذا كان يستحل جميع المحرمات، حتى حكى عنه الثقات أنه كان يقول: البنت والأم والأجنبية شيء واحد، ليس في ذلك حرام علينا، وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام، فقلنا: حرام عليكم.
وكان يقول: القرآن كله شرك ليس فيه توحيد، وإنما التوحيد في كلامنا. وكان يقول: أنا ما أمسك شريعة واحدة، وإذا أحسن القول يقول: القرآن يوصل إلى الجنة، وكلامنا يوصل إلى الله تعالى، وشرح الأسماء الحسنى على هذا الأصل الذي له.
وله ديوان شعر قد صنع فيه أشياء، وشعره في صناعة الشعر جيد، ولكنه كما قيل: (لحم خنزير في طبق صيني) وصنف للنصيرية عقيدة، وحقيقة أمرهم أن الحق بمنزلة البحر، وأجزاء الموجودات بمنزلة أمواجه.
وأما ابن سبعين فإنه في البدو والإحاطة يقول أيضاً بوحدة الوجود، وأنه ما ثم غير ].
يعني: أنه لا يرى تغايراً بين الله عز وجل وبين المخلوقين.
قال رحمه الله تعالى: [ وكذلك ابن الفارض في آخر (نظم السلوك)، لكن لم يصرح: هل يقول بمثل قول التلمساني ، أو قول الرومي ، أو قول ابن عربي ، وهو إلى كلام التلمساني أقرب، لكن ما رأيت فيهم من كفر هذا الكفر الذي ما كفره أحد قط مثل التلمساني ، وآخر يقال له: البلياني من مشايخ شيراز. ومن شعره.. ].
نتجاوز شعره؛ لأنه من الغثاء، نسأل الله العافية.
أبو سليمان هو الداراني من العباد المشاهير.
قال رحمه الله تعالى: [ إلى مثل المتأخرين، مثل: الجنيد بن محمد القواريري ، وسهل بن عبد الله التستري ، وعمر بن عثمان المكي ومن بعدهم، إلى أبي طالب المكي .. إلى مثل: الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والشيخ عدي ، والشيخ أبي البيان ، والشيخ أبي مدين ، والشيخ عقيل ، والشيخ أبي الوفاء ، والشيخ رسلان ، والشيخ عبد الرحيم ، والشيخ عبد الله اليونيني ، والشيخ القرشي ، وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب وخراسان من الأولين والآخرين ].
ذكر الشيخ رحمه الله اتفاق هؤلاء المشايخ على كفر القائلين بالحلول والاتحاد، ولا شك أن من عرف أقوال هؤلاء القوم لا يمكن أن يتردد في كفرهم وكفر أقوالهم، نسأل الله السلامة.
قال رحمه الله تعالى: [ كل هؤلاء متفقون على تكفير هؤلاء، ومن هو أرجح منهم، وإن الله سبحانه ليس هو خلقه ولا جزء من خلقه ولا صفة لخلقه، بل هو سبحانه وتعالى متميز بنفسه المقدسة، بائن بذاته المعظمة عن مخلوقاته، وبذلك جاءت الكتب الأربعة الإلهية، من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وعليه فطر الله تعالى عباده، وعلى ذلك دلت العقول.
وكثيراً ما كنت أظن أن ظهور مثل هؤلاء أكبر أسباب ظهور التتار، واندراس شريعة الإسلام، وأن هؤلاء مقدمة الدجال الأعور الكذاب ، الذي يزعم أنه هو الله.
فإن هؤلاء عندهم كل شيء هو الله، ولكن بعض الأشياء أكبر من بعض وأعظم ].
نتجاوز هذا إلى الخلاصة صفحة (478) المقطع الأخير.
وفي النفي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات:180-181].
وهذا الكتاب مع أني قد أطلت فيه الكلام على الشيخ أيد الله تعالى به الإسلام، ونفع المسلمين ببركة أنفاسه، وحسن مقاصده، ونور قلبه، فإن ما فيه نكت مختصرة، فلا يمكن شرح هذه الأشياء في كتاب، ولكن ذكرت للشيخ أحسن الله تعالى إليه ما اقتضى الحال أن أذكره، وحامل الكتاب مستوفز عجلان، وأنا أسأل الله العظيم أن يصلح أمر المسلمين عامتهم وخاصتهم، ويهديهم إلى ما يقربهم، وأن يجعل الشيخ من دعاة الخير الذين قال الله سبحانه فيهم: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر