وكذلك سيذكر الشيخ في هذا المقطع وما بعده مدى تلاعب شياطين الجن والإنس ببني آدم بسبب تفريطهم في أمور الدين والعقيدة، وهذا التلاعب أول ما يكون على الكفار والمشركين، ثم على أهل البدع الذين وقعوا في التوسلات البدعية.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه صلى الله عليه وسلم فصرعه فخنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتى وجدت برد لسانه على يدي، ولولا دعوة سليمان لأصبح ذلك موثقاً حتى يراه الناس).
أخرجه النسائي وإسناده على شرط البخاري كما ذكر ذلك أبو عبد الله المقدسي في مختاره الذي هو خير من صحيح الحاكم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الصبح وهو خلفه، فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال: لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين إصبعي هاتين -الإبهام والتي تليها- ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل)رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه.
وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً وبسط يده كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من صلاته قلنا: يا رسول الله! سمعناك تقول شيئاً في الصلاة لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك. قال: إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فاستأخر، ثم أردت أن آخذه، ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان المدينة).
فإذا كانت الشياطين تأتي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لتؤذيهم وتفسد عبادتهم، فيدفعهم الله تعالى بما يؤيد به الأنبياء من الدعاء والذكر والعبادة ومن الجهاد باليد، فكيف من هو دون الأنبياء؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قمع شياطين الإنس والجن بما أيده الله تعالى من أنواع العلوم والأعمال، ومن أعظمها الصلاة والجهاد، وأكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة والجهاد.
فمن كان متبعاً للأنبياء نصره الله سبحانه بما نصر به الأنبياء، وأما من ابتدع ديناً لم يشرعوه، فترك ما أمروا به من عبادة الله وحده لا شريك له واتباع نبيه فيما شرعه لأمته، وابتدع الغلو في الأنبياء والصالحين والشرك بهم فإن هذا تتلعب به الشياطين، قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100]، وقال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42] ].
قال رحمه الله تعالى: [ومنها].
أي: من الأسباب الإيمانية التي يتبين بها عبث الشيطان؛ لأنه حينما تكلم عما يحصل عند القبور من عبث الشياطين بكثير من الإنس، وأن ذلك يختلط أحياناً بالكرامات ويختلط بالأمور المحمودة، قال: (ويتبين هذا من ذاك)، أي: يتبين عبث الشياطين بالمقصرين من الإنس من غيره بأمور: وذكر منها أولاً أن يقرأ آية الكرسي بصدق، فالمسلم إذا قرأ آية الكرسي بصدق فإن الله يحميه من الشيطان. وإن الشيطان ينكص.
وذكر منها أيضاً في صفحة (169): أن يستعيذ بالله من الشياطين، فالمسلم إذا أكثر من الاستعاذة بالله من الشياطين، فإن الشياطين لا تغويه ولا تضره ولا تستحوذ عليه، ولا تلبّس عليه كما تلبّس على الغافلين وعلى أهل البدع الذين اختلت عقائدهم.
ثم ذكر ثالثاً في نفس الصفحة: أن يستعيذ بالتعوذات الشرعية الأوراد والأذكار والأمور التي جعلها الله سبباً في طرد الشياطين وفي جلب الخير والملائكة للإنسان.
ثم ذكر بعد ذلك صفحة (171) رابعاً: أن يدعو الرائي ربه تبارك وتعالى ليبين له الحال هل هو من الكرامات أو من عبث الشياطين؟ هل هو من الأمور المحمودة أو المذمومة شرعاً؟ هل هو من الأمور الحسنة أو السيئة؟
ثم ذكر بعد ذلك أمراً خامساً: وهو أن يقول لذلك الشخص: أأنت فلان؟
يعني أنه إذا اشتبه عليه صورة شخص يعرفه بعينه، أو يذكر أنه فلان، أو يدّعي أنه الميت أو الغائب، أو العالم فلان أو الرجل الصالح، ويكون الرائي ممن لا يعرف هذا الشخص، فمن هنا يسأله عن هذه الأمور التي يتميز بها هذا من ذاك، كما قال: [ ومنها: أن يدعو الرائي بذلك ربه تبارك وتعالى ليبين له الحال.
ومنها: أن يقول لذلك الشخص: أأنت فلان؟ ويقسم عليه بالأقسام المعظّمة، ويقرأ عليه قوارع القرآن إلى غير ذلك من الأسباب التي تضر الشياطين.
وهذا كما كان كثير من العُبَّاد يرى الكعبة تطوف به، ويرى عرشاً عظيماً وعليه صورة عظيمة، ويرى أشخاصاً تصعد وتنزل فيظنها الملائكة، ويظن أن تلك الصورة هي الله تعالى وتقدس، ويكون ذلك شيطاناً ].
وكما حصل أيضاً لـابن صياد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وابن صياد كان عنده شيء من المخرقة والدجل، وخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتن به الصحابة، فأراد أن يبين لهم أنه ممخرق كاذب دجال، فأتاه وكان مما جرى بينه وبين ابن صياد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـابن صياد : (ماذا ترى؟ قال: أرى عرشاً على الماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك عرش الشيطان) طبعاً قوله: أرى عرشاً على الماء، يوهم بأنه يرى العرش قبّحه الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاك عرش الشيطان) فإذاً: أهل الأهواء يرون مثل هذه الأمور، حتى أنهم قد يرون شيئاً على عرش ما فيظنونه الله عز وجل، وأحياناً يتوهمون أنهم يجلسون على العرش وهو عرش الشيطان، فإن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يصل أحد إلى إدراك شيء من عظمته.
أي: لأن الربوبية تحتمل معانٍ كثيرة، بينما الألوهية لا تحتمل إلا معنى أنه المعبود، بينما الربوبية تعني المالك، وتعني الصاحب، وتعني معانٍ كثيرة في اللغة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن هؤلاء من اعتقد أن المرئي هو الله، وصار هو وأصحابه يعتقدون أنهم يرون الله تعالى في اليقظة، ومستندهم ما شاهدوه، وهم صادقون فيما يُخبرون به، ولكن لم يعلموا أن ذلك هو الشيطان.
وهذا قد وقع كثيراً لطوائف من جهال العباد، يظن أحدهم أنه يرى الله تعالى بعينه في الدنيا؛ لأن كثيراً منهم رأى ما ظن أنه الله وإنما هو شيطان.
وكثير منهم رأى من ظن أنه نبي أو رجل صالح أو الخضر وكان شيطاناً.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي).
فهذا في رؤيا المنام؛ لأن الرؤيا في المنام تكون حقاً وتكون من الشيطان، فمنعه الله أن يتمثل به في المنام، وأما في اليقظة فلا يراه أحد بعينه في الدنيا، فمن ظن أن المرئي هو الميت فإنما أتي من جهله، ولهذا لم يقع مثل هذا لأحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ].
لم يحدث أن أحداً من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة الهدى رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة، أو أنه رأى الخضر أو أحداً من الأموات في اليقظة، لم يحدث لأحد من أئمة الهدى الذين هم على الاستقامة، والذين سبيلهم هو سبيل المؤمنين، وبهم القدوة والعبرة، ولذلك ما يحدث عند غلاة الصوفية من دعواهم أنهم يحضر عندهم النبي صلى الله عليه وسلم يقظة في حفلاتهم الراقصة ومجونهم وأورادهم البدعية، هذا كله من عبث الشيطان بهم؛ لأنهم يدّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر لهم، ويسمون ذلك الحضرة، فمنهم من يدّعي أنه يراه، ومنهم من قد لا يدّعي أنه يراه لكن يتخيّل رؤيته ويفرشون له فراشاً أخضر أو نحو ذلك.
وقد تأتيهم أشباح أو خيالات، وقد لا تأتيهم، لكن منهم من يدّعي أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وأنه يحضر هذه المحافل المشينة التي يربأ العاقل بنفسه أن يحضرها أو أن يراها ويسمعها، ففيها من الأمور الباطلة والسفاسف ما يترفع عنه عامة الناس، بل بعض الغوغاء من الناس لا يطيقون مثل هذه المشاهد، فكيف بالعقلاء؟ فكيف يدّعون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضرهم؟
أما دعواهم حضور الخضر، فهذه دعوى متكاثرة جداً، لا يكاد صوفي إلا ويدّعي هذه الدعوى، حتى الذين لا يدّعون أنهم يرون الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة، لا يشكون أنهم يرون الخضر، وهذا لا شك أنه من الزعم الباطل، وأنه من عبث الشيطان بهم.
أما بالنسبة لدعواهم بأن الخضر يحضر؛ لأنه جاء فيه آثار مشكلة أنه حي وأنه لم يمت، فوجود مثل هذه الآثار وإن كانت لا تصح جعلتهم يتعلقون به، وقصته مع موسى قصة فيها غرابة، فإنه لم يكن معروفاً، وموسى عثر عليه في مكان لم يكن يتوقعه، وحدث له معه قصة تدل على أن الناس لا يعرفون هذا الرجل، وكأنه بزعمهم يتلون، فمن هنا صارت حكاية الخضر فيها مجال واسع لدعوى أنه من الممكن أن يظهر بمظاهر كثيرة وفي أماكن كثيرة وأزمان كثيرة، والله أعلم.
ومنهم من يقول: هذه رقيقة ذلك المرئي، أو هذه روحانيته، أو هذا معناه تشكل، ولا يعرفون أنه جني تصور بصورته.
ومنهم من يظن أنه ملك، والملك يتميز عن الجني بأمور كثيرة، والجن فيهم الكفار والفساق والجهال، وفيهم المؤمنون المتبعون لمحمد صلى الله عليه وسلم تسليماً، فكثير ممن لم يعرف أن هؤلاء جن وشياطين يعتقدهم ملائكة.
وكذلك الذين يدعون الكواكب وغيرها من الأوثان تتنزل على أحدهم روح يقول: هي روحانية الكواكب، ويظن بعضهم أنه من الملائكة وإنما هو من الجن والشياطين يغوون المشركين ].
أغلب ما يحدث التعلق بالكواكب من الصابئة ومن اليونان، ثم انتشر هذا في كثير من الديانات أو الفرق التي خرجت عن بعض الديانات، فالصابئة هم أكثر من يعتقد في الكواكب وأن لها أرواحاً حلّت فيها، وأن لها خصائص الألوهية إلى غير ذلك من الأمور..، حتى علّقوا فيها مثل هذه الأوهام.
وهذا الأمر لا يزال موجوداً عند الصابئة المعاصرين وعند كثير من الفرق الضالة التي تأثرت بالصابئة مثل اليزيدية، فاليزيدية عبدة الشيطان عندهم مثل هذه الأوهام حتى الآن، وتذكر في كتبهم وفي أحوالهم وسيرهم، ويعتقدون في الكواكب مثل هذه الاعتقادات.
كذلك كثير من الأمم القائمة الآن سواء الأمم التي ورثت ديانات قديمة أو الأمم التي تعلقت بمبادئ جديدة، كلها لها نظرة للكواكب فيها نزعة شركية، فهم يزعمون أن للكواكب تأثيراً في الأرض، وفي أحوال البشر وفي طبائع الناس ومصائرهم وحظوظهم ونحو ذلك، ولذلك كثر تعلق هذه الفئات من الناس بالطوالع وربط مصائر الأفراد بها، وسرت هذه الظاهرة إلى كثير من المسلمين عن طريق الصحف والمجلات التي تضع لهذه البدعة أو لهذه الشركيات زوايا وصفحات وأعمدة تذكر فيها تأثير الكواكب والنجوم والطوالع على مجموعات الناس وأفرادهم، وعلى أحداث البشرية العامة والخاصة، وهذا لا شك أنه نزعة وثنية خطيرة وينبغي التنبيه عليها؛ لأني أرى من خلال قراءة هذه الأمور أن هناك من أبناء المسلمين من يكاتب هذه الصحف ويسأل عن مصيره وعن حظوظه ونحو ذلك، فيجيبونه بجواب الدجالين المشعوذين والكذابين، وهذا باب خطير إذا تعلقت به نفوس الأجيال ربما يتدرج كثير من الناس إلى الوثنية والشرك وهو لا يشعر.
قوله: (إن الشياطين يوالون من يفعل ما يحبونه من الشرك والفسوق والعصيان؛ فتارة يخبرونه ببعض الأمور الغائبة ليكاشف بها، وتارة يؤذون من يريد أذاه بقتل وتمريض ونحو ذلك).
هذه المسألة فتن بها كثير من الناس اليوم وهم لا يشعرون من خلال تساهل بعض الرقاة، وتعاونهم مع الجن، ومن خلال لجوء الناس إلى السحرة والدجالين والمشعوذين في علاج كثير من الأمراض التي تحدث الآن، خاصة الأمراض التي تنتج عن السحر والعين، وقد كثرت جداً في مجتمعنا اليوم بسبب غفلة الناس عن ذكر الله وعن الأوراد الشرعية، وبسبب قسوة القلوب واقتراف المعاصي والبعد عن شرع الله عز وجل وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك تسبب في كثرة وجود الأمراض النفسية والعضوية التي تكون من أسباب السحر أو العين أو التوهمات ونحوها..
هذه الأمور ومع وجود ضعف الإيمان في الناس ألجأت الكثير من الناس إلى الذهاب إلى السحرة والدجالين والمشعوذين، والرقاة الذين أحياناً يجمعون بين الشعوذة والرقية، أو الرقاة الجهلة الذين تدخل عليهم هذه الظواهر والسمات من حيث لا يشعرون، فتدخل عليهم بعض الأحوال الشيطانية والاستعانة بالجن بحسن نية في كثير من الأحوال، فصار الناس يستعينون بالجن والشياطين في جلب النفع ودفع الضر بطرق غير مشروعة، وهذا نوع من استدراج الناس إلى أن تعبث بهم الشياطين، وأن تكثر هذه الأحوال والصور على الناس حتى تصبح من الأعمال الشركية الصريحة أحياناً، أما كونها من البدع والكبائر فهذا مما لا شك فيه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وتارة يحملونه في الهواء فيذهبون به إلى مكان بعيد.
فمنهم من يذهبون به إلى مكة عشية عرفة ويعودون به فيعتقد هذا كرامة، مع أنه لم يحج حج المسلمين؛ لا أحرم ولا لبى ولا طاف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ومعلوم أن هذا من أعظم الضلال.
ومنهم من يذهب إلى مكة ليطوف بالبيت من غير عمرة شرعية، فلا يحرم إذا حاذى الميقات.
ومعلوم أن من أراد نسكاً بمكة لم يكن له أن يجاوز الميقات إلا محرماً، ولو قصدها لتجارة أو لزيارة قريب له أو طلب علم كان مأموراً أيضاً بالإحرام من الميقات، وهل ذلك واجب أو مستحب؟ فيه قولان مشهوران للعلماء.
وهذا باب واسع، ومنه السحر والكهانة، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع ].
الجواب: ليس هذا صحيحاً ولا يلزم، نعم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام تعتبر من الكرامات للمسلم، وأحياناً تكون من الزواجر، وذلك حسب الرؤيا، وأحياناً تكون من إقامة الحجة عليه، وأحياناً تكون موعظة، ولا يلزم أن تكون من كل وجه كرامة، لكنها دليل خير، ولا يلزم أن من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا نقص في إيمانه، بل ربما يكون العكس.
ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام لها ضوابط، أهمها أن يراه بصفته الحقيقية، وأن لا يسمع منه إلا حقاً، أما في اليقظة فلا يتأتى.
الرؤيا أحياناً تكون صريحة وأحياناً يكون فيها نوع من الغبش، بعض الناس يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لكني لم أستطع أن أميّز الشبه أو الوصف، فهذا قد يتأرجح بين الأمرين، فلا نستطيع أن نجزم أنها الرؤيا التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه على صورته.
الجواب: المشكلة أن كثيراً من الذين يعالجون بالأدوية الشعبية قد يستعملون أدوية صحيحة وأشياء صحيحة، لكن يضيفون لها أشياء لا أصل لها وهذا حظ الشيطان، قد يعالج الإنسان علاجاً صحيحاً برقية صحيحة وتتوافر فيها شروط الرقية الشرعية، لكن يدخل خلال هذه الرقية تصرف لا أصل له، كأن يقوم بحركة معيّنة يلتزمها، هذه في الحقيقة مشكلة ولا دليل عليها.
وقد يستدرجه الجن والشياطين إلى أن تكون هذه الحركة وسيلة إلى أن يستفيد فيبتلى بها، فأنا قد رأيت بعض القراء يقرءون قراءة صحيحة وهم من أهل التقوى والصلاح فيما نحسبهم والله حسيبهم، وليس عندهم أي مشكلات، لكنهم أثناء الرقية أجد كلاً منهم يقوم بحركة معينة تختلف عن حركة الآخر، ويرى أن هذه الحركة من أسباب التوفيق إلى اكتشاف المرض أو إلى إفادة المريض.
فالتزام الحركة مسألة إضافية، أضافت على الرقية شبهة إن لم تكن بدعة.
كذلك ما قاله السائل هنا من أن هذا الإنسان الذي وصف له بعلاج قد يكون هذا العلاج صحيحاً، لكن هناك شيء لا معنى له وهو أن يكون الحليب حليب عنز سوداء، فليس لهذا معنى عند العقلاء ولا عند الأطباء ولا عند المجربين، وإن ثبت فهو من الابتلاء؛ لأن السواد وعدم السواد في العنز ليس له معنى.
فهذا إذاً من مداخل الشيطان على الناس، ولذلك ينبغي من طلاب العلم أن يميزوا جيداً في هذه الأمور؛ لأنه قد يحدث من الرجل الصالح الذي يباشر علاج الناس مثل هذه الأمور وهو لا يشعر، فيستعمل حركة أو عملاً إضافياً على الرقية الشرعية أو على العلاج المادي، فهذا العمل الإضافي الذي لا يفسّر علمياً ولا يفسّر عقلاً ولا شرعاً يجب إبعاده، فأرجو التنبه لهذه المسألة لأنها كثرت جداً عند الرقاة والمعالجين، حتى أكاد أقول إن مشاهير الرقاة لكل واحد له ميزة من هذا النوع، إما حركة، وإما كلمة، وإما توهيم معين للمقروء عليه، والله عز وجل قد أغنانا عنها بالأمور الواضحة البيّنة.
الجواب: هذه من الأمور التي ينبغي التمييز فيها بين وجه الحق ووجه الباطل، وهو أن المرقي عليه إذا كان الأمر يشتبه بأن يكون ما أصابه بسبب عين فلا حرج أن يقال له: هل تتذكر أحد؟ هل تعرف أحداً تكلم فيك؟ أو تخيل إن كان حدث لك مواقف سابقة ربما تكون غبطت فيها، أو تكلم الناس بحقك أو أثنوا عليك بما قد يحسدك الآخرون أو نحو هذا.. فهذا لا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تتهمون؟) من باب استذكار الحوادث الفعلية التي حدثت للمريض لعله بذلك يكتشف العائن، هذا أمر مشروع، لكن أن نقول له إذا قرأنا عليه: تخيل أي صورة، فأنا متأكد أن الشيطان والجني يصور له أعز الناس عليه، ثم يتهم هذا العزيز وتقع فتنة، وهذا الحاصل..
أنا أعرف وقائع حدثت منها مشكلات بين أسر كثيرة، وحدثت مقاطعات، ومضاربات، وتشتيت الشمل، وطلاق بين الأزواج، وكل ذلك بسبب مثل هذه الأساليب، وهي أن يأتي القارئ فيقول للمقروء عليه: تخيل، ولا يصح أن تقول: تخيل؛ لأنه في نفسه سيتخيل الناس كلهم من حوله، وأيضاً يدخل عليه الجني والشيطان فيخيِّل له، وهذا الأمر غيب، وما دام غيباً فلا يأتيه إلا من خلال الشياطين والجن أو الأوهام والوساوس.
أما أن يقول: تذكّر، أو من تتهم؟ حتى وإن كان أثناء القراءة؛ لأن المريض أثناء القراءة قد يكون قلبه أقوى، وذاكرته أكثر شفافية، فربما يتذكر ما لا يتذكره قبل ذلك.
أما الأمور الأخرى التي ذكرتها وذكرها الناس من التخيلات والتصورات وكون الإنسان يُفتح له مجال بأن يتوهم فهذا مما لا يجوز شرعاً ولا أعرف له دليلاً، بل الدليل ضده والواقع أثبت أنه سبب فتنة وسبب دخول الشيطان، وأيضاً عبث الجن ببني آدم، وقد كثر جداً في الناس اليوم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر