أي: وإذا لم يشرع دعاء الملائكة وهم أحياء فغيرهم ممن مات من الأنبياء والصالحين من باب أولى.
قال رحمه الله تعالى: [ لوجهين: أحدهما: أن ما أمر الله به من ذلك هم يفعلونه وإن لم يطلب منهم، وما لم يؤمروا به لا يفعلونه ولو طلب منهم، فلا فائدة في الطلب منهم.
الثاني: أن دعاءهم وطلب الشفاعة منهم في هذه الحال يفضي إلى الشرك بهم، ففيه هذه المفسدة ].
قوله: (في هذه الحال) يعني: في حال موتهم.
قوله: (الثاني: أن دعاءهم) أي: دعاء الأنبياء والصالحين من الأموات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فلو قدر أن فيه مصلحة لكانت هذه المفسدة راجحة، فكيف ولا مصلحة فيه، بخلاف الطلب منهم في حياتهم وحضورهم فإنه لا مفسدة فيه، فإنهم ينهون عن الشرك بهم بل فيه منفعة، وهو أنهم يثابون ويؤجرون على ما يفعلونه حينئذ من نفع الخلق كلهم؛ فإنهم في دار العمل والتكليف، وشفاعتهم في الآخرة فيها إظهار كرامة الله لهم يوم القيامة ].
ثم ذكر أن المشروع نوعين، سؤال الله عز وجل، وهذا هو الواجب على كل العباد، وهذا هو مقتضى العبادة، ونوع ثان من المشروع هو سؤال الحي القادر فيما يقدر عليه.
وهو يتفاوت، فمنه المكروه، ومنه المحرم لأمر عارض، ومنه الواجب، ومنه الجائز.
ونوع ثالث من السؤال المشروع وهو سؤال من يريد أن يتعلم، هذا أيضاً منه ما هو واجب وهو ما يتوقف عليه الدين، ومنه ما هو جائز وهو سؤال الاستزادة من العلم إذا لم يكن من المستحبات أو الواجبات، وكذلك من هذا النوع من السؤال ما قد يكون حراماً كالسؤال عن أمور القدر المعضلة أمام الملأ، أو السؤال عن أمر يدخل عليهم الشكوك إلى آخره، الشاهد أن هذا سؤال مشروع مباح، وأحياناً يكون واجباً.
النوع الرابع: وهو المطلق، وهو أن الأصل في السؤال الإباحة إذا توافرت فيه الشروط، فسؤال الخلق ما هو بمقدورهم الأصل فيه الإباحة.
هذا أمر، الأمر الآخر: سيبين الشيخ الفروق بين الحد المباح والحد المشروع والحد الممنوع، وسيركز على أن سؤال الخلق في الأمور المباحة من الأمور العادية وليس من أمور العبادات، ليقطع على المبتدعة حجتهم في أن الناس كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة متعددة في أمور دينهم ودنياهم، فيقول: إن هذا من الأمور المباحة وليس من باب العبادات، فالناس لم يتعبدوا بأن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في أمر الدين، أما في أمور الدنيا فغاية ما يقال: إن السؤال مباح، ومع ذلك قد يحرم أحياناً وقد يستحب أحياناً إلى آخره.
وسؤال الخلق في الأصل محرم لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلاً على الله أفضل، قال تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] أي: ارغب إلى الله تعالى لا إلى غيره.
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59]، فجعل الإيتاء لله والرسول، لقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فأمرهم بإرضاء الله ورسوله.
وأما في الحسب فأمرهم أن يقولوا: حسبنا الله، لا يقولوا: حسبنا الله ورسوله ].
الحسب هنا المقصود به التوكل والاعتماد، والتوكل لا يكون إلا على الله عز وجل، وكذا الاعتماد، وهذا يندرج على سائر الأعمال القلبية، فلا تصرف إلا إلى الله عز وجل وإن كان بعضها قد يختلط بأعمال الجوارح العادية، وذلك مثل الاستعانة، فهي من الأمور التي لابد فيها من التفصيل لأن لها وجوهاً: فالاستعانة القلبية في أمر يتعلق بمستقبل الإنسان نوع من التوكل لا يجوز إلا على الله؛ لكن الاستعانة في الأمر العادي يجوز أن تكون بالمخلوق فيما يقدر عليه.
وكثير من الناس يخلط في الاستعانة، حتى أن بعض أهل العلم يضرب مثلاً يقول: لا يجوز لمسلم أن يستعين ولا يستغيث بغير الله عز وجل، ومن فعل ذلك فقد أشرك، وهو يقصد الاستغاثة القلبية التي هي تمام التوكل والاعتماد والحسب الذي لا يكون إلا على الله عز وجل، وصرفه لغير الله شرك، لكن الجانب الآخر وهو الاستعانة بالبشر فيما يقدرون عليه أمر آخر.
فالقلب يجب ألا يتعلق إلا بالله عز وجل، وألا يتوجه إلا إلى الله؛ لأن الأعمال القلبية أقرب إلى العبادة البحتة، أما أعمال الجوارح فهي في الغالب لا تدخل فيها العبادة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويقولون: إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59]، لم يأمرهم أن يقولوا: إنا لله ورسوله راغبون، فالرغبة إلى الله وحده كما قال تعالى في الآية الأخرى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52] فجعل الطاعة لله والرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس رضي الله عنهما: (يا غلام! إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما أنت لاق، فلو جهدت الخليقة على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، فإن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً). وهذا الحديث معروف مشهور، ولكن قد يروى مختصراً ].
الحديث صحيح صححه الألباني وغيره من أئمة أهل العلم، ولكن الذي صححوه لا يدخل فيه قوله: (فإن استطعت أن تعمل لله.. إلى آخره) فهذا لفظ زائد في هذا النص، أما ما قبل ذلك فقد صححوه بألفاظ متعددة ومختلفة، وبعضه مختصر كما قال الشيخ وبعضه مطول.
وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك (أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع طائفة من أصحابه وأسر إليهم كلمة خفية: ألا تسألوا الناس شيئاً، قال
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب)، وقال: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)، فمدح هؤلاء بأنهم لا يسترقون، أي: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية من جنس الدعاء فلا يطلبون من أحد ذلك ].
على أي حال هذا الحديث كثيراً ما يتكلم عنه الناس قديماً وحديثاً ويخوضون في معنى: (لا يسترقون)، وهل من طلب الرقية يخرج من هذه الأوصاف، وكيف يكون عدم طلب الرقية؟
ولأهل العلم كلام غالبه وجيه؛ لكن من أوجه ما قرأت أن هذا الصنف من قوة توكلهم على الله عز وجل لا تتطلع نفوسهم إلى طلب الرقية، لا أنهم يتصبرون عن طلب الرقية، بل قوة تعلقهم بالله عز وجل وصلتهم به تجعلهم لا يتطلعون إلى طلب الرقية، فهم كلما أحسوا بالألم تعلقت قلوبهم بالله ورجوا من الله عز وجل أن يشفيهم ورقوا أنفسهم، ثم إنهم يعلمون أن الرقية حق وشفاء، فلا يحتاجون إلى أن يرقيهم غيرهم وهم يملكون أن يرقوا أنفسهم فيرقوا أنفسهم.
ولذلك ينبغي تنبيه الناس على أن الرقية من الشخص لنفسه أنفع من أن يرقيه غيره، لكن قد يتخلف أثر الرقية لأسباب عارضة، وإلا فالإنسان المسلم مهما كان عنده شيء من التقصير والإعراض فإن رقيته لنفسه أفضل وأرجى من رقية غيره، ومن هذا الجانب كان هذا الصنف من السبعين ألفاً، فقد أدركوا أنهم لا يحتاجون إلى أن يطلبوا السبب من غيرهم والسبب معهم، إضافة إلى ما ذكرته من قوة اعتمادهم على الله عز وجل ومن قوة تعلقهم به، لا أنهم لا يستبيحون الرقية أو لا يجيزونها؛ لأنها مشروعة، وليس من الفضل للإنسان أن يحرم على نفسه المشروع، لكنهم بقوة توكلهم نسوا أنهم يحتاجون إلى الرقية من الغير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد روي فيه (ولا يرقون) وهو غلط، فإن رقياهم لغيرهم ولأنفسهم حسنة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره ولم يكن يسترقي، فإن رقيته نفسه وغيره من جنس الدعاء لنفسه ولغيره، وهذا مأمور به ].
أيضاً هنا مسألة مهمة سمعت السؤال عنها أكثر من مرة، وهي أن بعض الناس يكون عنده شيء من التورع أو طلب هذه الخصلة، فلا يأذن لأحد بأن يرقيه، ولا أظن هذا وارداً؛ لأن الوارد أن الإنسان لا يطلب، لكن لو يسر الله له من يرقيه دون طلب منه فهذا فضل من الله عز وجل ينبغي ألا يرده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ وتنفث في يديه كما كان يفعل حال صحته، وتمسح بهما جسمه ووجهه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقيه غيره لكنه لم يطلب الرقية، وكذلك كثير من الصالحين الذين عرفناهم وسمعنا بهم كانوا لا يطلبون الرقية طلباً لهذه المنزلة، وإذا رقاهم غيرهم لم يمنعوا ذلك، بل بعضهم يفرح؛ لأنها نعمة من الله عز وجل وهدية أسديت إليه.
بل الذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: حسبي الله ونعم الوكيل، قال ابن عباس : قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173].
وقد روي أن جبريل قال: (هل لك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا)، وقد ذكر هذا الإمام أحمد وغيره. وأما سؤال الخليل لربه عز وجل فهذا مذكور في القرآن في غير موضع، فكيف يقول: حسبي من سؤالي علمه بحالي! والله بكل شيء عليم، وقد أمر العباد بأن يعبدوه ويتوكلوا عليه ويسألوه؛ لأنه سبحانه جعل هذه الأمور أسباباً لما يرتبه عليها من إثابة العابدين وإجابة السائلين.
وهو سبحانه يعلم الأشياء على ما هي عليه، فعلمه بأن هذا محتاج أو هذا مذنب لا ينافي أن يأمر هذا بالتوبة والاستغفار، ويأمر هذا بالدعاء وغيره من الأسباب التي تقضى بها حاجته، كما يأمر هذا بالعبادة والطاعة التي بها ينال كرامته.
ولكن العبد قد يكون مأموراً في بعض الأوقات بما هو أفضل من الدعاء، كما روي في الحديث: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).
وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)، قال الترمذي : حديث حسن غريب .
وأفضل العبادات البدنية الصلاة، وفيها القراءة والذكر والدعاء، وكل واحد في موطنه مأمور به، ففي القيام بعد الاستفتاح يقرأ القرآن، وفي الركوع والسجود ينهى عن قراءة القرآن ويؤمر بالتسبيح والذكر، وفي آخرها يؤمر بالدعاء، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في آخر الصلاة ويأمر بذلك، والدعاء في السجود حسن مأمور به، ويجوز الدعاء في القيام أيضاً وفي الركوع وإن كان جنس القراءة والذكر أفضل، فالمقصود أن سؤال العبد لربه السؤال المشروع حسن مأمور به.
وقد سأل الخليل وغيره، قال تعالى عنه: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:37-41].
وقال تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:127-129].
وكذلك دعاء المسلم لأخيه حسن مأمور به، وقد ثبت في الصحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله به ملكاً كلما دعا لأخيه بدعوة، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثله) أي: بمثل ما دعوت لأخيك به.
وأما سؤال المخلوق المخلوق أن يقضي حاجة نفسه أو يدعو له فلم يؤمر به، بخلاف سؤال العلم فإن الله أمر بسؤال العلم كما في قوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وقال تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ [يونس:94]، وقال تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45].
وهذا لأن العلم يجب بذله، فمن سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة، وهو يزكو على التعليم، لا ينقص بالتعليم كما تنقص الأموال بالبذل، ولهذا يشبه بالمصباح ].
قوله: (ويزكو على التعليم) يبدو أنه يقصد مع التعليم؛ لأنه قال: (لا ينقص بالتعليم كما تنقص الأموال) يعني أن العلم يزكو وينمو مع التعليم فنشره زكاة.
وقوله قبل ذلك: (وأما سؤال المخلوق المخلوق أن يقضي حاجة نفسه أو يدعو له فلم يؤمر به) لا يقصد به أنه غير مباح، وإنما معناه أنه لم يكن من الأمور المطلوبة شرعاً؛ لكنه مباح! وهذا يرجع إلى ما ذكره من قبل أن السؤال حسب التقسيم الوارد عندنا أنواع، النوع الأول: السؤال الواجب، وهو أن يسأل الله عز وجل ويدعوه، ويدخل في ذلك أيضاً سؤال العلم الواجب شرعاً.
والنوع الثاني: السؤال المباح: فهذا هو ما يجري بين الناس بما في ذلك سؤال الدعاء، وغاية ما يقال إنه مباح.
وما عدا هذين النوعين فهو ممنوع؛ لأنه إما سؤال غير الله عز وجل، فهذا شرك، أو لأنه سؤال لغير حاجة، أو سؤال من لا يقدر حتى في أمور الدنيا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكذلك من له عند غيره حق من عين أو دين كالأمانات، مثل الوديعة والمضاربة لصاحبها أن يسألها ممن هي عنده.
وكذلك مال الفيء وغيره من الأموال المشتركة التي يتولى قسمتها ولي الأمر، للرجل أن يطلب حقه منه كما يطلب حقه من الوقف والميراث والوصية؛ لأن المسئول يجب عليه أداء الحق إلى مستحقه.
ومن هذا الباب سؤال النفقة لمن تجب عليه، وسؤال المسافر الضيافة لمن تجب عليه، كما استطعم موسى والخضر أهل القرية.
وكذلك الغريم له أن يطلب دَينه ممن هو عليه، وكل واحد من المتعاقدين له أن يسأل الآخر أداء حقه إليه، فالبائع يسأل الثمن، والمشتري يسأل المبيع.
ومن هذا الباب قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1] ].
نقف عند هذا المقطع، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: لا ما يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أما الركوع فعظموا فيه الرب)؛ لأن من المشروع في الركوع أن يسبح الله عز وجل أولاً ثم لا مانع أن يدعو؛ لأنه ورد أيضاً في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: (سبحانك اللهم وبحمدك رب اغفر لي)، فقوله: (رب اغفر لي) دعاء. تقول عائشة : يتأول القرآن، تعني: يتأول قول الله عز وجل، إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].
فورد الدعاء في الركوع فإذاً: المقصود التسبيح أولاً، ثم لا مانع من الدعاء في الركوع لكن الأولى في الفرائض الاقتصار على المأثور، أما النوافل فالأمر فيها سهل، فلا مانع أن يدعو الإنسان في القيام أيضاً بعد الفاتحة أو بعد السورة قبل أن يركع، وإذا ركع يدعو وإذا رفع يدعو، وإذا سجد يدعو، لكن بعد أن يقوم بأركان الصلاة وواجباتها.
الجواب: على أي حال هذه من العبارات التي تحتاج إلى تفصيل؛ أما كون القرآن كتاب الله المتلو فكلام صحيح، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، لكن قولهم: الكون كتاب الله المشاهد هو من باب التجوز في التعبير، ولا يظهر لي أن فيه حرجاً، صحيح أن فيه مبالغة وفيه نوع من المقابلة لكتاب الله المقروء بكتاب الله المنظور، والمقابلة غير لائقة في هذا المقام؛ لأن كلام الله صفته، وهذا خلقه، فمقابلة صفة الله بخلقه غير لائقة، لكن لا أرى أنه من بدع الألفاظ، بل هو من الأمور التي تجوز إذا عرف قصد القائل فيها.
الجواب: نعم، كلمة العقلانيين عند كثير من الناس توهم التزكية؛ لأن العقل من الأمور الممدوحة، ولذلك لو اصطلح طلاب العلم على مسمى لهؤلاء غير (العقلانيين) لكان أولى، لكن مع ذلك أصبح عند المتخصصين يفهم منه الذين يقررون الدين بعقولهم، ويفهم منه الذم.
أما عند عامة الناس فالإشكال وارد، ولذلك لا مانع أن يطرح الموضوع على أهل العلم والمختصين لعلهم يبدلون هذه الكلمة بغيرها، وبعض الناس يسميهم العصرانيين، وهذه أيضاً تشعر بالتزكية عند من لا يفقه الدين، وبعضهم يسميهم بأسماء أخرى قد لا تكون مشتهرة كأهل التجديد، وهذه أيضاً فيها نظر، فالأولى فعلاً تفادي هذه الكلمة إذا أمكن.
الجواب: السائل ذكر أنموذجين: ربي بالمصطفى بلغ قصدنا، ولاشك أن هذه كلمة بدعية لكن لا يظهر لي أن فيها ما يقتضي الكفر، وكذلك (يا لطيف) مائة وتسعاً وعشرين مرة، فهو ينادي الله عز وجل باسمه، وتحديد مائة وتسعاً وعشرين مرة بهذه الصيغة لاشك أنه بدعة، لكن مع ذلك ليست بدعة مكفرة.
وعلى هذا فإنه إذا كان لا يمكن الصلاة خلف غيره إلا بفرقة عن الجماعة ولا يمكن أن يبدل بغيره فالصلاة خلفه جائزة إذا لم يكن عنده أعظم من هذه البدع، حفاظاً على الجماعة وعدم الفرقة، أما إذا أمكن الصلاة خلف غيره ممن هو أفضل منه ولو بشيء من المشقة، أو أمكن تبديله فالأولى ألا يصلى خلفه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر