وقال تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:1-3].
فكل ما يفعله المسلم من القرب الواجبة والمستحبة؛ كالإيمان بالله ورسوله والعبادات البدنية والمالية ومحبة الله ورسوله، والإحسان إلى عباد الله بالنفع والمال، هو مأمور بأن يفعله خالصاً لله رب العالمين، لا يطلب من مخلوق عليه جزاء، لا دعاء ولا غير دعاء، فهذا مما لا يسوغ أن يطلب عليه جزاء، لا دعاء ولا غيره.
وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب، بل ولا يستحب إلا في بعض المواضع، ويكون المسئول مأموراً بالإعطاء قبل السؤال، وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين، فالرسول أولى بذلك صلى الله عليه وسلم، فإنه أجل قدراً وأغنى بالله عن غيره.
فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي من نوع الشرك.
ومفسدة إيذاء المسئول، وهي من نوع ظلم الخلق.
وفيه ذل لغير الله وهو ظلم النفس.
فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة، وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله ].
قوله: (مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي نوع من الشرك)، لا يقصد بذلك أنها كلها من الشرك الأكبر، فالافتقار إلى غير الله إذا كان من باب العبادة كدعاء غير الله أو الاستعانة والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهو شرك أكبر، وإذا كان ما دون ذلك، فهو نوع من الشرك الأصغر جزماً، فيسمى شركاً تجوزاً، ولأن كثيراً من طلب العباد للعباد فيه نوع افتقار إلى غير الله، حتى وإن كان من باب المباح، فكون الإنسان يحتاج إلى أخيه بأن يقترض منه مالاً، ومقتضى العزم والحزم أن يدعو الله عز وجل أن يجعل له من أمره يسراً، ويعزم المسألة في دعاء الله عز وجل من دون اقتراض مثلاً، لكن لو اقترض فهذا مباح له وليس فيه عليه حرج، وربما يكون عند الإنسان أحياناً نوع من الاعتماد على المخلوق حتى في المباح، حتى يذهل عن الاعتماد على الله عز وجل، فهذا لا شك أنه يقع في الإثم، مما قد يجعل صورة العمل عنده قريباً من الشرك الأكبر ولو لم تكن شركاً أكبر.
وأقول: إن مثل هذا الأمر يتفاوت، فمنه ما هو شرك أكبر، ومنه ما هو دون ذلك، وكله يسمى افتقاراً إلى غير الله، وكل ذلك فيه مفسدة.
فإنه ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء)، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الداعي إلى ما تفعله أمته من الخيرات، فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ولهذا لم تجر عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال؛ لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء، وليس كذلك الأبوان؛ فإنه ليس كل ما يفعله الولد يكون للوالد مثل أجره، وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلى الأب، كما قال في الحديث الصحيح: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له).
فالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يطلبه من أمته من الدعاء؛ طلبه طلب أمر وترغيب ليس بطلب سؤال، فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه، فهذا أمر الله به في القرآن بقوله: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، والأحاديث عنه في الصلاة والسلام معروفة ].
هذا ينبغي أن يكون هو الأول، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر الأمة بالدعاء له، فهو امتثال لأمر الله عز وجل، هذا الأمر الأول.
ثانياً: لأن الناس ينتفعون بدعائهم للنبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه وبالدعاء له بكل وجه من وجوه الدعاء المشروعة؛ لأن الله عز وجل وعدهم بالثواب على ذلك، فوعد من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة أن يصلي عليه عشراً، فهذا من الأمور التي رغب الله فيها وأمر بها.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أصل كل خير، قد جعله الله سبباً لكل خير للأمة إلى قيام الساعة، فالدعاء له من هذا الوجه يكون مشروعاً أكثر من الدعاء لغيره، وإن كان الدعاء مشروعاً لجميع العباد، لكن الدعاء له لا يدخل في صورته الكاملة في مثل الدعاء للآخرين، الدعاء للآخرين قد يكون فيه بعض المحاذير إذا لم يضبط بضوابط الشرع، أما الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مطلوب مطلقاً، ولذلك سيأتي أيضاً في حديث قادم، أن أحد الصحابة قال: (إني أصلي، كم أترك لك من صلاتي..) حتى قال: (لو جعلت لك صلاتي كلها؟) يعني: دعائي كله، فبشر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الداعي بأنه ينتفع بصرف وقته للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء له، وأن ذلك من أعظم القربات ومن أسباب انتفاع هذا الداعي في دينه ودنياه، هذا أمر.
إهداء الثواب من قبل الحي للميت على صورتين:
الصورة الأولى: بمعنى الصدقة عنه، فهذا مشروع، كأن تتصدق عن الغير من الأموات، بمعنى أنك تريد أن تبذل له خيراً بعد مماته فتتصدق عنه، لكن هذه عند كثير من أهل العلم ليست من باب إهداء الثواب، بل هي صدقة جارية قد يكون تسبب فيها الميت أو وهبها له الحي، ولذلك بعض أهل العلم قال: إنه يدخل من باب الصدقة الجارية التي ينتفع بها الميت، لكن هل تعتبر من باب إهداء الثواب أو لا تعتبر هذه محل خلاف.
والنوع الثاني: بمعنى إهداء ثواب الطاعة والعبادة، فهذا غير مشروع، اللهم إلا ما ورد استثناؤه في الشرع.
ومثال ذلك أن تصلي ثم تقول: أهدي هذه الصلاة لفلان الميت، فهذا غير مشروع، أو تصوم أو تعمل أي عمل من أعمال البر، ثم تقول: أهدي ثواب هذا العمل للميت، أو كما يفعل بعض المبتدعة؛ حيث يقرأ الفاتحة ويقول: أهديها لفلان هذا كله ليس بمشروع، لكن بعض الأشياء استثنيت شرعاً من أعمال الطاعات تهدى للأموات مثل الحج عن الميت وإن كان سبق أن حج، فهذا مما يشرع، أما الطواف فلا يزال فيه خلاف بين أهل العلم إلى اليوم، وبعض مشايخنا لا يزالون يفتون بجواز هذا؛ لأنه ورد عن السلف، وكأنهم رأوا أن ذلك أصل، على أي حال سيأتي تفصيل هذه المسألة لأنها مهمة جداً، وبدأ الناس يقعون في مخالفات في هذه القضية، وبعضهم أيضاً ينكر المشروع منها.
وفي صحيح البخاري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، حلت له شفاعتي يوم القيامة).
فقد رغب المسلمين في أن يسألوا الله له الوسيلة، وبين أن من سألها له حلت له شفاعته يوم القيامة، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، فإن الجزاء من جنس العمل ].
هذا كله من باب الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، سواء الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، أو طلب الوسيلة له، وأن يبعث في المقام المحمود.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة بأنها درجة في الجنة، وبعضهم قال: يدخل فيها ما دون ذلك من الأمور التي ميزه الله بها.
أما المقام المحمود فقد فسر بتفسيرين:
أولهما: أن المقصود بالمقام المحمود شفاعته صلى الله عليه وسلم للخلائق أن يفصل الله بينهم يوم القيامة، ومنها شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة بأن يدخلوها، وقد جاء تفسيره في النص الصريح بأنه هو المقام المحمود.
وفسر بعض السلف المقام المحمود بصورة أخرى، وهو ما ورد في بعض الآثار من أن الله عز وجل يجلس نبيه على العرش، وهذه مسألة قال بها بعض السلف وأنكرها آخرون، فبعضهم جعلها مسألة من مسائل العقيدة والأصول، وبعضهم جعلها من الأمور التي تحتاج إلى تحقيق ونظر، وبعضهم أنكرها، وعلى هذا فإن تفسير المقام المحمود بالشفاعة العظمى هو التفسير القاطع الذي لا شك فيه، لكن هل من المقام المحمود أن الله يجلس نبيه على العرش؟ هذه المسألة لا يمنع منها العقل، بعض الناس يستهولها عقلاً، ويقول: كيف يكون على العرش؟
فنقول: العرش مخلوق والرسول صلى الله عليه وسلم مخلوق، والله عز وجل يقدر ما يشاء ويفعل ما يشاء، لكن لا يلزم من هذا أن يقف الإنسان عند ما يتخيله خياله من لوازم تتعلق باستواء الله على عرشه، فالله ليس كمثله شيء، والله قادر على أن يفعل ذلك، كما أن الله عز وجل رفع مقام النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج إلى أن وصل سدرة المنتهى، ووصل إلى مقام لم يصله أحد قبله من الخلق، ولن يصله أحد بعده، قادر على أن يجلسه على العرش كما يليق بفعل الله عز وجل، وليس ذلك بممتنع، لكن أقول: إن هذه المسألة ليست متفقاً عليها عند السلف، بل بعضهم عدها من غرائب الأقوال. والله أعلم.
ومن هذا الباب قول القائل: (إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت. قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإذا زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك) رواه أحمد في مسنده والترمذي وغيرهما ].
يقصد بهذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه، ولا يقصد بالصلاة هنا الصلاة المعهودة، فالصلاة يدخل فيها الدعاء أو الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فالسائل هنا يقول: لو أني جعلت كل وقت من الأوقات أحدده للعبادة أو للذكر في الصلاة عليك والدعاء لك؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن زدت فهو خير لك)، ثم لما قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: (إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك)، بمعنى أن يخصص كل وقت الذكر للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد بسط الكلام عليه في جواب المسائل البغدادية، فإن هذا كان له دعاء يدعو به، فإذا جعل مكان دعائه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته، فإنه كما صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، وهو لو دعا لآحاد المؤمنين لقالت الملائكة: (آمين، ولك بمثل) فدعاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم أولى بذلك.
ومن قال لغيره من الناس: ادع لي أو لنا، وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضاً بأمره وبفعل ذلك المأمور به، كما يأمره بسائر فعل الخير، فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به، ليس هذا من السؤال المرجوح ].
هذه مسألة فيها غموض ويغفل عنها كثير من الناس؛ وهو أن الشيخ فرق بين صورتين في طلب الدعاء من الغير:
صورة أن يطلب الدعاء من الغير من أجل أن يؤجر الغير، ثم هو ينتفع، فيقول: إن هذا مشروع.
والصورة الأخرى وهي أقل مشروعية وربما تكون غير مرغوب فيها، وهو أن يكثر من طلب الدعاء من الغير لينتفع هو، وليس على باله أن ينتفع الداعي بالأجر.
وقد فرق الشيخ بين الصورتين أكثر من مرة فيما مضى وفي هذا المقام وفي مقامات لاحقة، وهذا فقه دقيق لا يدركه أكثر الناس، فالشيخ تجده مرة يقول: طلب الدعاء من الغير ليس مرغوباً فيه، وهنا يقول: طلب الدعاء من الغير في هذه الصورة مرغوب فيه وراجح، وليس من السؤال المرجوح.
إذاً: الصورة التي رأى أنها مرغوبة وراجحة وليست من السؤال المرجوح هي: أن تطلب من الغير الدعاء لك ويكون في نيتك الإحسان إلى هذا الغير من أجل أن ينتفع بالدعاء فيؤجر؛ لأن الدعاء للمسلمين من أعظم القربات، والدعاء للمؤمنين بخاصة من أعظم القربات، والدعاء للصالحين كذلك من أعظم القربات، فمن هنا تفطن الشيخ لهذا الفقه ففرق بين الصورتين.
ختم الشيخ هذا المقطع ببيان أن الصورتين مشروعتان، لكن الصورة الأولى فاضلة والصورة الثانية مفضولة؛ والصورة الأولى أن يقصد فيها طالب الدعاء الإحسان للداعي والنفع له ولغيره، والصورة الأخرى هي أن يطلب الإنسان من آخر أن يدعو له، لكن لانتفاع يخص السائل، وليس على باله نفع الآخرين، فهذه صورة مرجوحة.
قال أهل العلم: لا ينبغي للمسلم أن يكثر من طلب الدعاء من الآخرين؛ لأنه يقلل من اعتماده على الله عز وجل، ويضعف يقينه ويضعف قلبه، لكن مجال طلب الدعاء من الآخرين هو في ظروف معينة، كأن يكون في مكان فاضل أو في زمان فاضل أو في عمل جليل، أو من إنسان صالح يتوسم فيه الصلاح ويكون الدعاء في هذا الظرف له مناسبة، كأن يكون مضطراً له حاجة ملحة، فمن هنا يكون طلب الدعاء من الغير في مناسبات محدودة وفي ظروف محدودة، أما أن يكون سمة للشخص، فهذا في الغالب إما أن يكون عن ضعف إيمان، أو على الأقل يدخل فيما لا يشرع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما سؤال الميت فليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب، بل ولا مباح، ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة؛ لأن ذلك فيه مفسدة راجحة وليس فيه مصلحة راجحة، والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة، وهذا ليس فيه مصلحة راجحة، بل إما أن يكون مفسدة محضة أو مفسدة راجحة، وكلاهما غير مشروع.
فقد تبين أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من طلب الدعاء من غيره هو من باب الإحسان إلى الناس الذي هو واجب أو مستحب ].
الجواب: هذا هو الظاهر والله أعلم.
الجواب: هذه العبارة نحتاج أن نرجع لها في الكتاب؛ قال: (لم تجر عادة السلف أن يهدوا إليه -يعني: إلى النبي صلى الله عليه وسلم- ثواب الأعمال؛ لأن له صلى الله عليه وسلم مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء، وليس كذلك الأبوان، فإنه ليس كل ما يفعله الولد يكون للوالد مثل أجره)، قصده: ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)، يعني: دعاء الولد الصالح لأبويه من الأجور الباقية التي يصل ثوابها إلى الميت، وهي مستثناة من عموم إهداء الثواب.
الجواب: هذا ليس من باب سؤال الخلق؛ لأن هذا ليس سؤال استجداء، هذا من باب المعاملة مثل البيع والشراء، والأصل فيه الإباحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما طلب لنفسه صدقة أو هدية أو هبة من اليهودي، ولكنه استدان ووضع مقابل الدين عيناً مرهونة، فليس لليهودي فضل على النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: الشيء إذا كان فيه تبادل، كبيع شيء بشيء، ودين برهن، هذا كله ليس فيه فضل من طرف على الطرف الآخر.
الجواب: أنا ذكرت هذا، لكن يبدو أني ما أوضحت المسألة، وذلك أن التفضل على العباد على نوعين: تفضل الربوبية والخلق والرزق والنعم العامة في الدنيا، فالعباد فيها سواء.
والنوع الآخر: هو تفضل الله عز وجل على بعض عباده بالهداية، فلا شك أن الله يهدي من يشاء ويتفضل على عباده المؤمنين.
والشيخ كأنه أراد أن ينكر على الذين قالوا: إنه ليس هناك فرق بين الهداة والضالين، بين المؤمنين والكافرين، وأن فضل الله عليهم سواء في الدنيا والآخرة، وذكرت لهذا مثالاً واضحاً عند غلاة الفلاسفة والجهمية وغيرهم وهي يمثلهم ابن عربي وغلاة الصوفية.
الجواب: كنت أظنها واضحة جداً، فالأولى وقفت عندها؛ لأن فيها بعض الغموض ففسرت شيئاً منها، أما الثانية: مفسدة إيذاء المسئول فواضحة؛ لأن المقصود بها أن السائل قد يقع في شيء من الإحراج، وأحياناً يكون الأمر أكثر من ذلك، أحياناً يكون في السؤال إتعاباً للمسئول أو خسارة عليه في دنياه، أو خسارة عليه في ماله أو نحو ذلك.
وكذلك قوله في الذل لغير الله؛ لأن السائل لا يسأل حتى يشعر بشيء من الافتقار إلى المسئول ويشعر بشيء من الذلة، ثم المسئول لابد إذا سئل وطلب منه العون، لابد أن يشعر بشيء من العزة على من يخدمه.
فهذه مسألة فطرية نجدها عند جميع الناس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر