[ وأما السؤال بحق فلان فهو مبني على أصلين:
أحدهما: ما له من الحق عند الله.
والثاني: هل نسأل الله بذلك كما نسأل بالجاه والحرمة! ].
ومن الناس من يقول: لا حق للمخلوق على الخالق بحال، لكن يعلم ما يفعله بحكم وعده وخبره، كما يقول ذلك من يقوله من أتباع جهم والأشعري وغيرهما ممن ينتسب إلى السنة ].
القول الثالث الذي سيذكره الآن هو القول الراجح، وهو قول الجمهور أهل السنة والجماعة، وهو الذي تؤيده النصوص الشرعية.
قال رحمه الله تعالى: [ ومنهم من يقول: بل كتب الله على نفسه الرحمة، وأوجب على نفسه حقاً لعباده المؤمنين، كما حرم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه، ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته وحكمته وعدله كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم.
كما قال في الحديث الصحيح الإلهي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا).
وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وقال تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
وفي الصحيحين عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا
فعلى هذا القول لأنبيائه وعباده الصالحين عليه سبحانه حق أوجبه على نفسه مع إخباره.
وعلى الثاني يستحقون ما أخبر بوقوعه وإن لم يكن ثَّم سبب يقتضيه.
فمن قال: ليس للمخلوق على الخالق حق يسأل به، كما روي أن الله تعالى قال لداود: وأي حق لآبائك علي؟ فهو صحيح إذا أريد بذلك أنه ليس للمخلوق عليه حق بالقياس والاعتبار على خلقه، كما يجب للمخلوق على المخلوق، وهذا كما يظنه جهال العباد من أن لهم على الله سبحانه حقاً بعبادتهم ].
إذاً: الحق الذي للعباد من الله عز وجل لا يوجبونه عليه بأي مقياس من المقاييس، بل لا يجوز لأحد أن يفرض على الله حقاً للعباد، لكن الله عز وجل وعد عباده بحق ألزم نفسه به، فإذاً: الوعد بفضله ومنه ورحمته، فالعباد ليس لهم على الله أي حق، ولا يستحقون على الله بأي عمل من الأعمال حقاً يفرضونه، ولا يمكن أن يكون لهم على الله فيه أي حجة.
يقصد بذلك أن بعض العباد يتصور أنه إذا عبد الله عز وجل وأطاعه؛ فإنه بذلك يكون له حق على الله، وهذا جهل من جميع الوجوه؛ فإن العبد مهما بلغ من العبادة والشكر لله عز وجل والثناء والعرفان فإنه لا يكافئ بذلك نعمة من نعم الله عز وجل الكثيرة.
فإذاً: هذا الفهم خاطئ، وكما ذكر الشيخ أنه فهم جاهلي تفهمه بعض الأمم وبعض الملل وبعض الطوائف وبعض الأفراد، فيمنون على الله بإسلامهم أو بعبادتهم، وهذا من جهلهم.
وقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
وقوله تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7].
وقوله تعالى: وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل:40].
وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ * وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم:7-8].
وقال تعالى: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً [آل عمران:176].
وقال تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97].
وقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:7-8].
ومنها: أن الرب تعالى وإن كان يحب الأعمال الصالحة ويرضى ويفرح بتوبة التائبين؛ فهو الذي يخلق ذلك وييسره، فلم يحصل ما يحبه ويرضاه إلا بقدرته ومشيئته.
وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقرُّون بأن الله هو المنعم على عباده بالإيمان، بخلاف القدرية، والمخلوق قد يحصل له ما يحبه بفعل غيره ].
وهذا أيضاً ظاهر على مذهب السلف وأهل السنة الذين يثبتون حكمته ورحمته، ويقولون: إنه لم يأمر العباد إلا بخير ينفعهم، ولم ينههم إلا عن شر يضرهم، بخلاف المجبرة الذين يقولون: إنه قد يأمرهم بما يضرهم، وينهاهم عما ينفعهم ].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله)، لا يناقض قوله تعالى: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]؛ فإن المنفي نفي بباء المقابلة والمعاوضة، كما يقال: بعت هذا بهذا، وما أثبت أثبت بباء السبب، فالعمل لا يقابل الجزاء وإن كان سبباً للجزاء؛ ولهذا من ظن أنه قام بما يجب عليه، وأنه لا يحتاج إلى مغفرة الرب تعالى وعفوه؛ فهو ضال، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)، وروي: (بمغفرته).
ومن هذا أيضاً الحديث الذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم).. الحديث.
ومن قال: بل للمخلوق على الله حق؛ فهو صحيح إذا أراد به الحق الذي أخبر الله بوقوعه، فإن الله صادق لا يخلف الميعاد، وهو الذي أوجبه على نفسه بحكمته وفضله ورحمته.
وهذا المستحق لهذا الحق إذا سأل الله تعالى به يسأل الله تعالى إنجاز وعده، أو يسأله بالأسباب التي علق الله بها المسببات؛ كالأعمال الصالحة، فهذا مناسب.
وأما غير المستحق لهذا الحق إذا سأله بحق ذلك الشخص؛ فهو كما لو سأله بجاه ذلك الشخص، وذلك سؤال بأمر أجنبي عن هذا السائل لم يسأله بسبب يناسب إجابة دعائه.. ].
هذه -في الحقيقة- نتيجة لذاك الاستطراد، والله عز وجل إنما أوجب ما أوجبه على نفسه برحمته وفضله، وليس للعباد في ذلك أي منة على الله عز وجل، وليس ما يعطيهم الله عز وجل من الفضل مجازاة لأعمالهم، إنما الله عز وجل جعل الأعمال سبباً لرحمته وفضله ومنته.
قوله: (وهذا المستحق لهذا الحق)، يعني: العبد المؤمن إذا عمل بمقتضى ما وعد الله به؛ فإنه إذا سأل الله تعالى بطاعته التي أطاعه بها فإنما يسأل الله ما وعده الله به، لا بحق له يوجبه على الله.
وأيضاً: فإنما يسأل من فضل الله، لا من حق يمن به على الله، أو يسأله بالأسباب التي علق الله بها المسببات، فقد جعل الله عز وجل الأعمال الصالحة سبباً لتحصيل المطلوب عند الدعاء بها، كما ورد في قصة أصحاب الغار.
فجعل الداعي الأعمال الصالحة سبباً لما وعد الله به بفضله وكرمه، لا سبباً يجب على الله؛ هذا أمر.
قوله: (أما غير المستحق لهذا الحق إذا سأله بحق ذلك الشخص؛ فهو كما لو سأله بجاه ذلك الشخص)، أي: فإذا قال: اللهم إني أسألك بحق فلان، فهذا غير مشروع، إلا على وجه بعيد ضعيف سيأتي ذكره، يقول: هذا من العدوان؛ لأنك ما سألت بحقك، وذلك الشخص جاهه له، وحقه الذي وعد الله به له؛ لأنه بعمله، والناس لا ينفع أحد منهم الآخر بعمله يوم القيامة.
وقال: وذلك سؤال بأمر أجنبي، أي: ليس من عمل السائل، فلم يسأله بسبب يناسبه إجابة دعائه.
مثال ذلك: لو أن إنساناً عنده مؤهل جامعي، وآخر ليس عنده شهادة، فجاء هذا الذي ليس عنده شهادة تؤهله للوظيفة فأخذ شهادة الآخر وذهب بها إلى الجهات المسئولة ليتوظف بها؛ فإنهم إذا طابقوا اسمه قالوا: هذه لغيرك، قال: أنا فقط أتوسل بها؛ فهذا يضحك الناس عليه؛ لأنه سأل بغير سببه الذي تسبب به، فهذا مثال السؤال بجاه فلان.
فإنه بذلك -بلا شك- علاوة على أنه معتد ربما يشك في عقله وفي ذمته، فكذلك من يسأل بجاه فلان أو بفلان أو بحقه، فإن هذه الحقوق إنما وعد الله بها أصحابها.
لكن ستأتي صورة -وهذا وجه من وجوه التداخل- قد يجوز فيها أن يقال: اللهم إني أسألك بجاه فلان، في حالة ما إذا كان فلان المسئول بجاهه موجوداً وقادراً، وأن المقصود بجاهه دعاؤه للغير، كما حدث في قصة الأعمى الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه سأل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصورة التي سأل بها هو أنه دعا الله عز وجل أن يقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فهذا لا حرج فيه؛ لأنه من إنسان قادر ما اعتدينا على أعماله، إنما طلبنا دعاءه، وسبق أن ذكر الشيخ أن من أصول الشرع المتفق عليها: أنه يجوز أن تطلب من الآخرين أن يدعوا لك عند اللزوم، أو في حالة معينة.
فإذا قصد بالجاه هذه الصورة فنعم، لكنها بعيدة، وإذا قصد بحق فلان هذا الوجه فهذا صحيح، لكنه غير المتبادر، ولذلك فالأولى اجتناب هذه العبارة؛ لما فيها من اللبس، والصورة الصحيحة تبقى على الوضوح، بمعنى أنه يجوز أن تطلب من الغير أن يدعو لك، وأن تدعو الله عز وجل أن يستجيب دعاءه فيك، لأنك ما استعملت عمله في صالحك، إنما استعملت المشروع في حقك، وهو أن تطلب منه الدعاء لك.
الجواب: حديث قصة الأعمى مع النبي صلى الله عليه وسلم صحيح، وهي قصة وردت مجملة ووردت مفسرة، فوردت بأنه توسل به، ووردت مجملة في صورة هذا التوسل، وهو أن الأعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له ليرد الله إليه بصره، فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يتوضأ وأن يصلي وأن يدعو الله بأن يستجيب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فكان أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، وهو دعا ربه بأن يقبل الله دعاء نبيه فيه؛ فحصل مقصوده بأن أعاد الله عليه بصره على صورة مشروعة واضحة بينة لا لبس فيها ولا غموض، ومفسرة تفسيراً واضحاً وبيناً.
فإذا قيل: هل يجوز أن نعمل على هذه الصورة؟
فالجواب: جمهور السلف على أنه لا يجوز؛ لأن هذا من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله يستجيب دعاءه في مثل هذه الأمور التي يندر أن يحدث، وهي تعتبر من خوارق الأمور، فهذا -والله أعلم- من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه والصورة.
ويبقى جزء من هذا الأمر مشروعاً، وهو ما فعله الصحابة، وكذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظهر والله أعلم من أن تطلب من غيرك أن يدعو لك؛ لكن أن يزاد على هذا أن تصلي وتتضرع لله عز وجل، أن يجيب دعاء الداعي الآخر فيك؛ فهذه الصورة على جهة التعبد لا تجوز، لكن لو دعا إنسان بعد صلاته، أما أن ينشئ صلاة من أجل ذلك فالظاهر أنه لا يجوز، وهذا رأي الجمهور.
لكن كونك تطلب من رجل صالح أن يدعو لك، ثم بعد صلاتك أو بعد طاعة من الطاعات التي تعملها لله عز وجل تدعو ربك بأن يقبل دعاء هذا الرجل الصالح فيك؛ فهذا أمر فيما يبدو ليس فيه حرج، لكن إذا لم ينشئ له صلاة.
الجواب: نعم، القول بأن الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد -أي: بالأمور الاعتقادية- قول لبعض أهل السنة، لكنه قول مرجوح، ويخالف قول الجمهور، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وذكره عن أئمة كبار من أئمة الدين المعدودين من أئمة السنة.
لكنه كلام غير مفسر؛ لأنهم قالوا: إن الكفر الاعتقادي لا بد أن ينبثق عنه عمل، فكأنهم جعلوا الكفر العملي من لوازم الكفر الاعتقادي، وعند التفصيل نجد أنهم يتفقون على أن الكفر ليس فقط الكفر الاعتقادي، بل وفيه العملي، لكنهم عند التفصيل يقولون: إنه لا يمكن أن يكون هناك إخلال عملي إلا وهو ناتج عن فساد الاعتقاد، وإن اختل شيء من ذلك فهذه من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن نحكم بقرائن الأمور وقرائن الأقوال.
فالشاهد: أن هناك من أئمة السلف من قال بأن الكفر لا يكون إلا بالكفر الاعتقادي، هذا في الإجمال، لكنه كلام مجمل يفسره قول من فصلوا، ومع ذلك فهذا القول مرجوح، والذي عليه جمهور السلف أن الكفر يكون بالاعتقاد فقط، ويكون بالعمل فقط، ويكون بهما؛ لأن الإعراض عن دين الله بالكلية كفر ولو لم يصحبه اعتقاد.. الشرك بالله عز وجل كفر ولو لم يصحبه اعتقاد؛ لأن مسألة الاعتقاد مسألة ليست ظاهرة، مسألة مجملة مبهمة، قد لا يفهمها كثير من الناس، فإن بعض الناس لا يستصحب الاعتقاد في الأعمال الشركية على الوجه الذي نتصوره نحن، قد يعمل الشرك بالتقليد، لكن مع ذلك يعدُّ فاعله مشركاً.
فأقول: إن هناك من الأعمال ما يقتضي الخروج من الملة ولو لم يصحبه اعتقاد في الظاهر لنا، وكذلك الاعتقاد قد يكون مخرجاً من الملة، وهذا متفق عليه ولو لم ينبثق عنه عمل، وقد يجتمع العمل الظاهر والعمل القلبي في الكفريات، أي: الاعتقاد مع العمل، وهذا هو الغالب.
الجواب: لا، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسائله وفي كتبه كفر الجاهلين أحياناً ونفى عنهم الكفر أحياناً، وهذا صحيح وهذا صحيح، إذا قرأت ما قاله؛ فإنه لا يكفر الجاهل إذا وقع في الكفر عرضاً، هذا ظاهر ما تأملته من كلامه وكلام أئمة الدعوة، يرون أن الجاهل الذي يقع في الكفر عرضاً لا يكفر حتى نتثبت منه، لكن الجاهل الذي يقع في الكفر أصالة بالتبع، بمعنى أنه يمارس الكفر دائماً وهو ديدنه:
يطوف بالقبر يومياً أو كل أسبوع أو كل سنة ويستمر على هذا.. يسجد للصنم دائماً وإن ادعى الإسلام، يعمل كفراً بشكل دائم الأصل فيه أنه يكفر بعمله هذا.
أما الكفر العارض فهو ينفى عن الجاهل حتى يتبين حاله، فالمسلم الذي الأصل فيه أنه على السنة إذا وقع في كفر أنه يحمل على الجهل، فنتثبت من حاله، أما من كان الأصل فيه البدعة المغلظة والكفرية، وهي ديدنه؛ فهذا الأصل فيه الكفر حتى يتبين لنا ما يعارض ذلك.
الجواب: هذا الظاهر لنا وأمره إلى الله عز وجل؛ لأن بعض الناس يخلط بين الجزم وبين حكم الله، نحن نحكم على أولئك الذين يمارسون البدع الشركية دائماً وهي عادتهم ومنهجهم بأنهم كفار، هذا في الجملة، وأن أفرادهم أيضاً واقعون في الكفر، هذا الحكم العام الظاهر؛ لكن هل نجزم به فيما بينه وبين الله عز وجل، أو في مصائرهم بأنهم على الحال التي نحكم بها ظاهراً، هذا لا نجزم به، وهذه قاعدة في الكفار وفي عصاة المسلمين وفي الذين يرتكبون الشركيات من المسلمين وغير المسلمين، فنحن نحكم بالظاهر وأمر الباطن وحقائق ما عليه العباد ومصائرهم بعد الموت إلى الله عز وجل.
فإذاً من يمارس الشركيات ممارسة أصلية ليست عارضة الأصل فيه أنه مشرك.
الجواب: هذا الظاهر، الطحاوي رحمه الله مال في هذه المسألة إلى قول المرجئة بقوله: إنه لا كفر إلا باستحلال، أو باعتقاد، فقوله أميل إلى قول المرجئة، لكن في عباراته اضطراب، فهو عندما أجمل ذكر قول المرجئة، وأنه لا يكفر أحد بذنب ما لم يستحله.
وهذا غير صحيح، فليست هذه هي عبارة السلف، فيبدو لي والله أعلم أنه أقرب إلى قول المرجئة، لكن إذا نظرنا إلى عباراته عند التفصيل نجد أنه يحاول أحياناً أن يقول بقول أهل السنة والجماعة، ولا يستبعد أنه في هذه المسألة على مذهب شيوخه في المذهب الفقهي وهم مرجئة الفقهاء، وإن كان رحمه الله من أئمة السنة في سائر أصول الدين.
الجواب: كُتبت الآن عدة كتب في الإرجاء والمرجئة وهي متوافرة في الأسواق، لكن من أراد التأصيل العلمي لمثل مستوياتكم الذين يحضرون الدروس الشرعية فكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية مؤصّل، وذكر هذه الأمور تفصيلاً.
وعلى سبيل الإيجاز من الكتب القديمة، ومن أحسن من ناقش هذه القضية أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان، رسالة موجزة ولكن في الحقيقة تقصّد أقوال المرجئة وأدلتهم بعبارة سهلة موجزة وليس فيها استطراد، وبالدلالات الشرعية الظاهرة القوية.
أما انتشار الفكر الإرجائي في الفضائيات فهو راجع إلى أن أغلب الذين يسهمون في البرامج الإسلامية في الفضائيات أشاعرة وماتريدية وعقلانيون وعصرانيون، وهؤلاء مرجئة في الأصل، ولا نتوقع منهم غير ذلك إلا من وفقه الله عز وجل للقول بقول أهل السنة والجماعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر