السؤال: يرد أحياناً إلى قلب المؤمن ما يلقيه الشيطان من وساوس، ومن ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما معناه- قوله: (إن الشيطان يوسوس في قلب الرجل، فيقول له: من خلق هذا.. إلى أن يقول: من خلق الله؟)، فهل هذا من الشك في الله عز وجل؟
الجواب: الحديث حسم الأمر وبين أن هذا إذا لم يستقر في القلب فلا يصل إلى حد الشك ولا نقص الإيمان إن شاء الله، وأن هذا من وساوس الشيطان التي تنتهي، وهذه قاعدة في كل أمور الدين، بمعنى أن الشيطان قد يوسوس بعارض يعرض في الفكر، فهذا العارض إذا ما استقر وصار أصلاً أو صار مساراً للشك والوسواس فهو لا يضر، وعلى الإنسان إذا تعرض لمثل هذه الأمور أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فالشيطان بعد ذلك يخنس، فالإنسان لا تضيره الخواطر ما لم تكن اعتقاداً، أو ما لم يتماد في الخواطر ويقف عندها وقوف الشاك أو المستريب، أما أن ترد فلا يمكن أن يسلم الإنسان من ورود الخواطر، وليدفعها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وقراءة القرآن واستحضار أسرار معاني الإيمان، وبذلك إن شاء الله تزول ولا تستقر.
إذاً: الخاطر الذي يخطر ولا يستقر لا إثم فيه إن شاء الله ولا يؤثر في الإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب الصحابة وهم أكمل الناس إيماناً، وبين لهم أنه يأتيهم الشيطان ويقول لهم كذا وكذا إلى أن يقول: من خلق الله، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وبذلك -إن شاء الله- لا يضره.
السؤال: ما هو الضابط والفارق بين الاسم والصفة والإخبار عن الله عز وجل، وهل نثبت صفة الهرولة والسكوت؟
الجواب: أسماء الله وصفاته توقيفية، والأسماء التي وردت في الكتاب والسنة هي التي تثبت، وما عداها لا يثبت، إلا الكمال المطلق لله سبحانه وتعالى؛ لأن أسماء الله التي وردت في الكتاب والسنة تتضمن كل كمال، وما يرد على أذهان البشر أو على ألسنتهم أو خواطرهم من أي معنى من معاني الكمال بأي لغة وبأي لهجة أو بأي لفظ، فإن في الكتاب والسنة ما هو أوفى منه، وكل معنى من معاني الكمال يرد في أذهان البشر، فلابد من أن يكون في مفردات أسماء الله تعالى ما يفي به وزيادة.
إذاً: لا حاجة إلى ابتداع أسماء جديدة، وإن كان بعض أهل العلم استنبط من بعض أفعال الله تعالى ومن بعض صفاته أسماء، فهذا محل خلاف قد يسع الكلام فيه، لكن ما عدا ذلك لا يجوز.
ومسألة الصفات كذلك، فالصفات هي ما قرر السلف أنه صفات، ويبدو لي أن الخلط عند السائل جاء من بعض أفعال الله تعالى التي وردت، فهل كل أفعال الله تثبت منها الصفات؟ لا، فليس كل فعل يرد عن الله تعالى يثبت منه صفة؛ لأن هناك من الأفعال ما يدل على مظاهر قدرة الله تعالى في خلقه، فلا يعني بالضرورة إثبات صفة، إلا الصفات العامة مثل القدرة والخلق والإيجاد وغير ذلك، فهذه صفات عامة، وترجع إليها كل معاني أفعال الله تعالى، أما أن نثبت من أي فعل صفة -كالهرولة مثلاً-؛ فالصحيح والراجح عند أهل العلم أنه لا يلزم أن نثبت صفة الهرولة صفة مستقلة، وإن كانت هذه محل نزاع لأنها وردت، لكن إن أثبتت فتثبت لله تعالى على ما يليق بجلاله، لكن الأولى ألا نثبت من كل فعل صفة، فبعض الأفعال تثبت منها صفات وأسماء، وبعضها لا يلزم أن نثبت منها صفات وأسماء، كالسكوت، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال عن الله تعالى: (وسكت عن أشياء رحمة بكم)، فهذا فعل من أفعال الله، والسكوت هنا بمعنى أن الله لم ينزل فيها تشريعاً، فلا يثبت من هذه اللفظة صفة.
السؤال: عندما سأل موسى عليه السلام الله سبحانه وتعالى أن ينظر إليه، كما قال تعالى: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] ألم يكن عليه السلام مؤمناً بأن الله موجود؟
الجواب: موسى عليه السلام ما طلب النظر لإثبات وجود الله، فموسى عليه السلام يعرف أن الله يرى يوم القيامة، وأنه يكلم عباده، ويعرف أن هذا من نعيم الله لخلقه، يعرف أن من أعظم النعيم الذي وعد الله به أهل الجنة -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- من أن يروا ربهم، وهذا نعيم عظيم لا يعدله أي نعيم، بل هو أعظم من نعيم الجنة، فموسى عليه السلام يعرف أنه يرى ربه يوم القيامة، ويعرف أنه يكلمه ربه يوم القيامة، فلما كلمه ربه طمع في الرؤية، وموسى طماع في الخير فقط، ليس الأمر أكثر من ذلك، ولا يشك في وجود الله، فكيف يشك والله يكلمه؟! فإنه طلب النظر والرؤية عند التكليم، فلما كلمه ربه طلب الرؤية، فلا يمكن أن يرد بحال من الأحوال أن المسألة نتجت عن شك.
السؤال: إذا كان يجوز إطلاق الصانع على الله من باب الصفات، فكيف يجوز ذلك والصفات توقيفية؟
الجواب: أنا ما قلت: من باب الصفات، قلت: من باب وصف فعل الله، فما قلت: إن الصانع صفة لله، ما قلت هذا، أنا قلت: قد جوز بعض أهل العلم إطلاق الصانع من باب وصف فعل الله تعالى، من باب الوصف لا الصفة، ففرق بين الوصف والصفة، الوصف يندرج بألفاظ كثيرة، والصفة لفظة محددة، والأصح أنه لا يطلق على الله من الصفات إلا ما ثبت، ولا من الأسماء إلا ما ثبت، أما الوصف وتقرير وصف الاسم ووصف الصفة، أو شرح الصفة وشرح الاسم؛ فهذا قال به بعض أهل العلم، كشرح الأول بالقديم الذي ليس له ابتداء، فبعض أهل السنة والجماعة شرح كلمة (الأول) من أسماء الله تعالى بأن معناها القديم الذي ليس له ابتداء، فهذا من باب شرح الاسم، وكذلك الصانع لعلها من باب شرح معنى الخالق، أو لمقابلة الكلمة عند المتكلمين.
السؤال: نرى في كثير من كتب الأصول أن أحاديث الآحاد ظنية في الأحكام والعقائد؟
الجواب: هذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة، فأحاديث الآحاد قد تكون ظنية أحياناً في الأحكام وقد لا تكون، لكن في العقائد لا يمكن أن تكون ظنية؛ لأن أحاديث الآحاد إذا ثبتت واعتقدنا صحتها فلابد من أن نعتقد ما جاء فيها، والتفريق بين حديث الآحاد وغيره في العقائد بأنه ظني أو غير ظني تفريق حادث، وهو وسيلة من وسائل المتكلمين ومن معاولهم التي استعملوها.
السؤال: قلت: إن الشك لا يكون إلا في أفراد من الناس، ولا يكون في أمة أو جماعة، فكثرة العصاة والفسقة من المسلمين أليست دليلاً على شك كثير من المسلمين، أي أن إيمانهم بالبعث واليوم الآخر إيمان ظني ليس إيماناً جازماً؟
الجواب: أنا ما تكلمت عن الشك في اليوم الآخر، إنما قصدي الشك في وجود الله وربوبيته، وأما ارتكاب المعاصي والآثام والجرائم فلا يعني الشك في الله، إنما قد يكون ضعف إيمان، وقد يكون معصية، وقد يكون رفضاً لدين الله حتى ممن يؤمن بوجود الله، فهناك من يرفضون الدين لهوى، أو لشبهات، أو يرفضون الدين لأغراض شخصية أو غير شخصية، أو لمذاهب يعتنقونها أو لأفكار، فقضية رفض الدين موجودة -ولا شك- عند الكثير، حتى في المسلمين لا تزال فئات ترفض الدين، وممن يرفض الدين العلمانيون الذين يهيمنون على السلطات في أكثر العالم الإسلامي، فهؤلاء يرفضون الدين ويؤمنون بوجود الله.
السؤال: ألا ترى أن الدعاة يركزون على تقوية الإيمان بالله واليوم الآخر ويزاد التأثر بالنظرية الغربية؟
الجواب: بعض الناس يريد أن يقوي إيمانه، وهذا أمر جيد، لكن لا يكون بمسألة تقرير وجود الله، وتقرير أن الله هو الرب، فهذا أمر بدهي، أفي الله شك؟! لكن يكون الوعظ في مسألة تقوية هذا الإيمان وما يزيده وما يوقظه في القلوب، هذا هو المطلوب.
السؤال: سمعت أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مرفوع وأن عليه قبة حديد، فإذا كان ما سمعته صحيحاً، فهل يجوز هذا؟
الجواب: القبر ليس بمرفوع، قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال في الأرض ولم يرفع منه شيء، إنما بنيت حوله أبنية، والأبنية أنواع، منها ما بني حماية للقبر بعدما همت طائفة من الرافضة في القرون السالفة أن تنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فحفرت خندقاً حتى كادت تصل إلى القبر، فأوقظ بعض الصالحين من المسلمين برؤيا، وتبينت المكيدة، فبعد ذلك حمي القبر بسياج من أسفله من نواحيه البعيدة عنه، ولا تزال هذه الحماية، أما البناء فوقه فلا يعني أن القبر مرفوع، فهذه القبة بنيت فيما بعد.
السؤال: ذكرت أن وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فيه شبهة، فما الحل لهذه المشكلة، هل يهدم المسجد أم ينبش القبر؟
الجواب: هذه مشكلة واجهها المسلمون منذ زمن، وواجهها أيضاً أهل السنة والجماعة، خاصة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ولهم فيها موقف معروف، والقبة من حيث وجودها ليست شرعية، لكن مسألة هدمها ربما ينبني عليها مفسدة أكبر، والله أعلم، وعلى أي حال فالمشكلة كبيرة وتحتاج إلى عرض على أهل العلم.
السؤال: هل يضل الإنسان بعد الهداية، حيث إن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى [محمد:17]؟
الجواب: نسأل الله العافية، فقد يضل الإنسان، والمضلات كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من المضلات، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن قلب العبد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، فمسألة الانتكاس بعد الهداية واردة، فلذلك يسأل المسلم ربه دائماً الاعتصام بالحق.
السؤال: متى يجوز الإنكار بشكل علني في الخطابة؟
الجواب: مسألة الإنكار مقيدة بقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقواعد الإنكار التي تراعى فيها بالدرجة الأولى القواعد العامة للشرع، وليس جزئيات النصوص، وهي درء المفسدة وجلب المصلحة، وأيضاً ارتكاب أخف الضررين، وترجيح جلب المصلحة أو ترجيح درء المفسدة .. إلى غير ذلك من القواعد، فالإنسان ينبغي له إذا أراد أن ينكر أن يراعي القواعد العامة ويستشير أهل العلم، لابد أن يستشير أهل العلم، ولا يأخذ بجزئيات النصوص؛ لأن هناك نصوصاً تأمر بالصبر وعدم الإنكار، وهناك نصوصاً تأمر بالإنكار إلى حد أنه لو أخذ بها الإنسان بدون فقه لوصل إلى حد التهور، فلابد من الجمع بين الأمرين، فالمسلم لا يترك الإنكار، لكن ينبغي أن يعرف ما يترتب على إنكاره.
السؤال: ناقشت أحد الشيعة حول قراءة الفاتحة على روح الميت، فكانت حجتهم أنه ترد روحه فيسمع ويستبشر بذلك، فما الرد عليهم؟
الجواب: هذه بدعة، وليست عند الشيعة فقط، بل عند أكثر أهل البدع من القبورية وغيرهم.
السؤال: ما هي نصيحتكم لنا تجاه أصحاب محلات التصوير والدعايات؟
الجواب: ينبغي أن ينصح أصحاب الدعايات، خاصة أصحاب المؤسسات الذين يتوسم فيهم الخير، وحتى الذين لا يتوسم فيهم الخير، فينبغي إقامة الحجة عليهم، ويوضح لهم أن هذا باطل، فالفكرة هي من باب الإنكار الذي يجب على الناس.
السؤال: التلفاز صنم هذا العصر، فما حكم اقتنائه؟
الجواب: جملة ما قيل فيه أنه جهاز من الأجهزة، وهو بحسب استعماله وما يرد فيه.
السؤال: يذكر في الرد على المتكلمين في استدلالهم بقوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] أن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما بعد وجودهما آلهة إلا الله لفسدتا، فأرجو بيان هذا الرد؟
الجواب: يقول الشارح: إن قوله تعالى: لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22] دليل على أن الفساد بعد الوجود، وأن الموجد واحد، ولم يرد في الآية أن الموجد أكثر من واحد، إنما افترض فيها ما جادل فيه المشركون من أن المعبود أكثر من واحد، وهذا ما أراد أن يصل إليه، فقوله: (لفسدتا) يعني: السماوات والأرض، فالآية: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]، دليل على أنهما موجودتان من قبل، وأن وجود الإله الثاني طارئ، والإله الأول هو الخالق وهو الذي أوجد، فكأنه يقول: الفساد لابد من أن يكون بعد وجود، ولا يكون الفساد في العدم؛ لأن العدم غير قابل للفساد، فكأنه يقرر بذلك أن الوجود متقرر عقلاً وليس فيه جدال، إنما الجدال في وجود إلهين فقط، والإلهين يراد بهما المعبودان.
فالآية تقرر أمراً بعد الوجود؛ بدليل قوله: لَفَسَدَتَا [الأنبياء:22]؛ لأن الفساد لا يكون إلا للموجود، ولو كانت الآية تقرر الوجود ابتداء من العدم؛ فإن المعدوم لا يقبل أن يوصف بالفساد ولا بغير الفساد؛ لأن الفاسد هو الموجود الذي يقبل الفساد بعد الصلاح، فكأن قوله: (لفسدتا) يعني أن وجودهما من خالق واحد ليس محل نقاش ولا جدال، إنما الجدال والنقاش في أن يكون للمخلوقات مدبران أو إلهان، وهذا لا يتأتى بعد الوجود، فإن الموجد الأول لابد من أن يكون هو المدبر، ولو كان هناك من يدبر غير الله سبحانه وتعالى لاختلفا في التدبير وفسدت السماوات والأرض، والفساد لا يكون إلا بعد الوجود، والوجود لا يكون إلا بموجد واحد، ومادام الموجد واحداً فالمتصرف واحد؛ لأنه لو كان معه متصرف آخر لفسدت السماوات والأرض، ومادام أن الموجد واحد والمتصرف واحد؛ فالمستحق للعبادة واحد، وهو الواحد سبحانه.
السؤال: هل يمكن أن يكون من أهل المعصية حب لله ولرسوله؟
الجواب: نعم يمكن أن يكون من أهل المعاصي حب لله ولرسوله، ولم لا؟! فالعاصي قد يحب الله ورسوله، والأدلة في هذا متضافرة، والمفروض أن يبحث عن العكس، فإن ورد في ذهن أحد أن العاصي لا يحب الله فليورد الدليل، فالمعصية لا تخرج الإيمان من المؤمن، وكذلك لا تعني إلغاء الحب لله بإطلاق، لكن لا يكون كمال الحب إلا بكمال الطاعة، وهذا صحيح، فكمال الحب لله تعالى لا يكون إلا بكمال الطاعة، ومن أخل بكمال الطاعة نقص حبه لله سبحانه وتعالى بقدر ارتكابه للمعاصي والهوى.
السؤال: ترد كلمة (تخليق) على ألسنة بعض أساتذة الجامعة بقولهم: نستطيع تخليق مادة في مادة. فما حكم ذلك؟
الجواب: هذا خطأ لا يجوز، فكلمة (تخليق) و(خلق) لا يجوز أن تطلق على غير الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مهما فعل البشر فأفعالهم لا تتعدى الاستفادة من عناصر الخلق التي خلقها الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن تتعدى ذلك، ولا يوجدون شيئاً من عدم بإطلاق، وهذا باعترافهم، لكن تساهل الناس في هذه الكلمة، فكلمة (خلق) لا ينبغي أن تطلق على غير فعل الله.
السؤال: ما صحة القول بأن الكفار لا يمرون على الصراط، بل يدخلون النار مباشرة؟
الجواب: ليس هذا بصحيح، الكفار يسقطون من الصراط في جهنم، هذا الذي يظهر، لكن إن كان هناك نصوص أخرى تدل على أن طوائف من الكفار يدخلون النار بدون المرور بالصراط فهذا ليس عندي منها علم الآن.
السؤال: ما المقصود بأن صفة الله قديمة النوع حادثة الآحاد؟
الجواب: المقصود به: أن بعض صفات الله تعالى -وهي الصفات الفعلية- قديمة النوع، بمعنى: أنها صفات لله لازمة منذ القدم وإلى الأبد، مثل صفة الكلام، فهي قديمة النوع حادثة الآحاد، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى متصف بالكلام، والكلام كمال، والقدرة على الكلام كمال، فالله متصف بصفة الكلام منذ الأزل وإلى الأبد، لكن آحاد الكلام حادثة، بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى كلم موسى، فهذا كلام حدث في وقت معين، ثم كلام الله بالتوراة وكلام الله بالقرآن أيضاً حادث الآحاد، بمعنى: أنه كان من الله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله، ثم إن الله يتكلم متى شاء وكيف شاء، وسيتكلم يوم القيامة كما ورد في الأحاديث الصحيحة أنه ينادي عباده نداء عاماً ونداء خاصاً، فالنداء العام نداء لجميع الخلائق يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، ونداء خاص لكل عبد يناديه ربه ويناجيه للحساب.
إذاً: فالله سبحانه وتعالى يتكلم، وهذا معنى قدم النوع وحدوث الآحاد.
السؤال: هناك من يذاد عن الحوض، لكن لا ندري لماذا؟
الجواب: بل ندري؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذا، حيث ذكر أن هناك ناساً من أمته يذادون عن الحوض، فيقول صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك!).
السؤال: هل الشيعة الموجودون الآن كفار جميعاً؟
الجواب: لا نستطيع أن نكفرهم، لكن الشيعة أصولهم أصول كفر، ولا شك في ذلك، وخذ أي أصل من الأصول ابتداء من قضايا الإيمان، ثم مصادر التلقي، ثم الصحابة وغير ذلك فستجد أنهم قالوا فيه بما يلزم منه الكفر، لكن هل كل شيعي كافر؟ هذه المسألة لا يجوز أن نقولها حتى نتثبت.
السؤال: ألا يدل حديث البطاقة على أن البطاقات والصحف توزن أيضاً في الميزان؟
الجواب: هذا صحيح، فالبطاقة تعني البطاقة التي فيها الشهادتان أو غيرهما من الأعمال الصالحة.
السؤال: ما معنى قولكم: نشهد للمسلم بالجنة شهادة مطلقة؟
الجواب: يعني: شهادة غير منطبقة على الأفراد، فنشهد للمسلمين بالعموم، بل نشهد لكل مسلم شهادة مطلقة، وهي التي لا تقيد بالجزم أو بالحلف أو بالاعتقاد، فكل مسلم بمفرده نشهد له بالجنة إذا كان من أهل الخير والاستقامة، لكن شهادة عامة؛ لأن الله أشهدنا، وجعل العباد من شهود الله في أرضه، فالشهادة العامة غير الجزم، فلا يجوز أن نجزم بأن فلاناً الذي مات من أهل الجنة، إلا إذا كان ورد ذكره في الكتاب أو السنة باسمه أو وصفه الذي يدل على شخصه.
السؤال: ما هي تقريرات ابن سينا في اليوم الآخر؟
الجواب: ابن سينا فيلسوف أراد أن يقرب بين الفلسفة الإلحادية اليونانية وبين الإسلام، وأن يصوغ الإسلام بصيغة فلسفية، فكان مما تعرض له اليوم الآخر، والفلاسفة لا يؤمنون باليوم الآخر، فأراد أن يقرب المسألة فقرر كلاماً مؤداه أن البعث لا يكون للأجساد، ولا يكون للحسيات وجود يوم القيامة، فكل الأمور في يوم القيامة معنوية والبعث للأرواح، هذا مؤدى قوله.
السؤال: من الكتاب المحدثين من يرى أن الحديث في أسماء الله وصفاته وفي القول بأن القرآن منزل أو مخلوق من مظاهر التنطع والغلو في الدين؛ لأنها ظهرت في مناسبات خاصة، ويجب أن تنتهي بزوال مناسباتها الخاصة، فما صحة هذا الرأي؟
الجواب: المبالغة في تقرير الصفات في كل مجلس وعند العوام وعند من يفهمون ومن لا يفهمون، وامتحان الناس بهذه المسألة؛ هذا أمر فيه نوع من التنطع إذا كان القصد المبالغة في الكلام في أسماء الله وصفاته وفي امتحان العامة وغير العامة، وجعله مقياساً لعقائد المسلمين الذين لا يحيطون بهذه العلوم ولا يدركونها على جهة التفصيل، والحديث عن ذلك على المنابر عند من يفهم ومن لا يفهم، فإذا كان القصد هذا فهذا صحيح أن فيه نوعاً من التنطع والغلو في الدين، وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما تحدث الناس عن بعض هذه الأمور في صفات الله تعالى بأكثر مما تدركه عقول العامة نهى عن ذلك وقال: حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟! فتحميل الناس ما لا تدرك عقولهم، والحديث في أسماء الله وصفاته تفصيلاً عند العوام وأشباه العوام من الأحداث والشباب الذين لم تكتمل مداركهم وعلومهم في الدين، وكذلك الذين ثقافتهم الشرعية ضحلة، حتى وإن كانوا من المفكرين والكبار، كل ذلك لا ينبغي، فهؤلاء لا ينبغي أن يخاض عندهم في أمور لا تستوعبها عقولهم، إنما يعلمون الدين تدريجاً.
وإذا كان يقصد أننا لسنا بحاجة إلى تقرير أسماء الله وصفاته كعقيدة فهذا باطل، فلابد من تقريرها ولابد من تقريرها في الدروس العلمية وفي الجامعات وفي المدارس، وأن يعلم ذلك من يريد أن يتعلم، وأن يبين للجاهل ويخطأ المخطئ، وأن يرد على أصحاب الابتداع والفرق الذين أخلوا بعقيدة الأسماء والصفات وبمسائل العقيدة، كقولهم: القرآن مخلوق، فرد ذلك لابد منه، ودعوى أن هذه مسألة لا تثار ليست صحيحة، فهذه المسائل الآن تثار من قبل أصحاب البدع، وهي مثار تضليل للمسلمين، أما الاستهزاء فهناك من طوائف الحداثيين والعلمانيين وغيرهم من يستهزئون بأسماء الله وصفاته من خلال ما يدور وما يقال وما يعتقد وما يدرس لأبناء المسلمين، وهناك أيضاً من يثير عقائد الفرق في أسماء الله وصفاته بين تأويل وتعطيل، ونحو ذلك من الأمور الأخرى، وهناك أيضاً من يثير قضايا القرآن والرؤية، وقد ألفت في هذا كتب، وظهرت البدع من جديد وأخرجت أعناقها، فلابد من تقرير هذه الأمور عند طلاب العلم، ولابد من تفقيه المسلمين في دينهم في هذه المسائل؛ إذا كانوا ممن يدرك هذه الأمور ويستطيع أن يستوعب أنها أصول الدين، أما من لا يدرك فيعفى من الحديث عنها، وتبين له العقيدة إجمالاً، ويعود التسليم بهذه الأمور تسليماً فطرياً نقياً لا حاجة إلى التفلسف فيه أو الزيادة على مداركه.
السؤال: في الظرف الذي مر به المسلمون في عهد المأمون ألم يجز لعامة الناس القول بخلق القرآن للضرورة؟ وهل قول الإمام أحمد : (ولا تضعف عن قول: القرآن ليس مخلوق..) إلى آخره. أمر للعامة بعدم القول بخلق القرآن؟
الجواب: مرت ظروف صعبة على العامة وعلى غير العامة، وامتحن في ذلك العلماء وطلاب العلم، ووضع السيف على رقابهم، فكثير من أهل العلم تأول لأجل أن تسلم حياته، وهذه ضرورة هم معذورون فيها، فالعامة من باب أولى، وهذه فتنة عظيمة مرت -بحمد الله- بانتصار السنة، لكنها عظمت في وقتها وفتن بها الناس، أما كلام الإمام أحمد فربما كلم به طلاب العلم، وربما كان قبل أن تصل الفتنة إلى أوجها، والله أعلم.
السؤال: نسمع بعض الأمثلة التي تضرب في بعض أمور الغيب من أجل تفهيم المستمع، كمن يضرب المثل لمن أطاع الله بالعبد المطيع لوليه، فما حكم ذلك؟
الجواب: لا مانع من ضرب الأمثلة لطاعة الله، ولا مانع من تقريب الأمور بالأمثال، ما لم يكن في المثل إساءة أدب مع الله سبحانه وتعالى أو استنقاص للأمر المضروب له المثل، فإذا كان المثل مطابقاً جيداً مفهماً، فيه البيان وليس فيه ما يخل، ولا فيه سوء أدب أو استنقاص لأسماء الله وصفاته فلا مانع منه، لكن الأمثال في أسماء الله وصفاته لا تضرب، فلا تضرب مثلاً لله، بل تضرب الأمثال في الخلق وفي خصائص الخلق، أما في ذات الله وأسمائه وصفاته فلا تضرب الأمثال أبداً.
السؤال: ما رأيك فيمن يقول: إنه لا يوجد لديه أدلة على أن القرآن كلام الله وليس بمخلوق، وهو يدرس مادة علوم القرآن؟
الجواب: هذا عنده شيء من الشك، وإذا كان بهذا المستوى فهو مريض يحتاج إلى علاج، فأرجو من السائل أن يدلنا على هذا الشخص لنصحه -إن شاء الله- والبيان له، فكونه لا يجد دليلاً على أن القرآن منزل وهو يقرأ القرآن مصيبة، وكذلك إذا لم يجد ما يدل على أن القرآن ليس بمخلوق! فعلى كل حال ربما هذا اشتبهت عليه أدلة المخالفين، فبعض الناس قد يقرأ في استدلالات المعتزلة وبعض أهل الكلام القائلين بأن القرآن مخلوق، واستدلالاتهم -في الحقيقة- فيها تلبيس عظيم، وفيها فتنة، وقد ظهرت أخيراً على ألسنة بعض الكتاب والمشاهير من أتباع الفرق، وقد قرأنا كتباً متأخرة في هذا، ولا أحب أن أذكر اسم الكتاب لأني أخشى أن أروج له، لكن مثل هذا الكتاب لو قرأه طالب علم غير متخصص في العقيدة لم يسلم من الفتنة؛ لأن فيه تلبيساً عجيباً، وفيه إغفال وإهمال لأدلة الحق، وإبراز وتلميع لأدلة الباطل بشكل عجيب ومؤثر وجذاب، وبأسلوب فيه رقة وفيه إشفاق وفيه نصح، فمثل هذا الشخص أخشى أن يكون قرأ مثل هذا الكتاب، وكتب المعتزلة طافحة بهذه الأمور، فينبغي للسائل -جزاه الله خيراً- أن يبين لنا من هذا الشخص لعلنا إن شاء الله نبين له الحق بقدر ما نستطيع.
السؤال: مما لا شك فيه ولا يتنازع فيه عاقلان أن القرآن كلام الله منه بدأ وإليه يعود، لكن كيف نرد على من يقول: ما تفسيرك لقوله تعالى: إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [يوسف:4].. إلى آخر الآية، أليس أصل هذا الكلام كلام يوسف؟
الجواب: حكاية كلام يوسف هي الواردة في الآية، وليس كلامه بنفسه، فهل يوسف عليه السلام هو الذي نطق بآية في القرآن، أم أن الله حكى عنه كلامه؟! إن الله سبحانه وتعالى هو الذي حكى عنه كلامه، فما الإشكال؟! وعلى كل حال أرجو ألا يكون عند السائل إشكال، ولعله أراد المزيد استدلالاً على القول الحق.
السؤال: لقد أكثرتُ من البحث فترة من الزمن في القدر وعلله، وأقلقني البحث، وكلما اتضح لي إشكال تولد عنه عدد من الإشكالات، وقد تعلقت ببعض المباحث في كتاب طريق الهجرتين، فأغرق بي في المباحث الكلامية، فأريد منك أن تدلني على كتاب بحث في القضية بشكل مرض ميسر؟
الجواب: أنصح الأخ أن يكف عن القراءة في هذا الموضوع إطلاقاً، وإذا كف فوجوه العلاج لما يجد في نفسه كثيرة جداً، أهمها الانصراف إلى أمور أهم في حياته، والانصراف إلى كتب العقيدة التي تقرر الأصول إجمالاً دون خوض في أمور القدر.
والأمر الآخر: أنه يجب أن يقر بالقواعد الأصلية ولا يتجاوزها، يجب أن يستحضرها مرة أخرى، وهي الإيمان بالقدر من الله سبحانه وتعالى خيره وشره، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن القدر سر الله في خلقه، لا يمكن أن يفسر ولا أن تفسر ألغازه، وكلما تمادى الإنسان في البحث عن مشكلات القدر ازداد إشكالاً.
فأنا أنصحه بأن يأخذ بقواعد التسليم الأولى في القدر التي كتبت عند أهل العلم وسطرت، وهي مقتضى حديث أصول الإيمان، وليصرف النظر عن التمادي في هذا، وبإذن الله ستنحل هذه المشكلات، أما أن يتمادى في البحث عن الكتب في القدر فأنا لا أرى هذا.
وكتاب (شفاء العليل) للشيخ ابن القيم من أحسن الكتب التي تبين هذا الأمر.
السؤال: ما هي الآثار المترتبة على القول بخلق القرآن؟
الجواب: الفرق بين قول أهل السنة والجماعة: القرآن منزل وهو كلام الله تعالى، وبين القول بأن القرآن مخلوق يترتب عليه أمور كثيرة:
أولها: إذا قلنا: إن القرآن مخلوق؛ فالمخلوق ناقص، ودلالاته ناقصة، وقداسته أقل، فيكون القرآن والإنسان شيئاً واحداً، بل ثبت أن الإنسان أكرم المخلوقات، فعلى هذا يكون القرآن دون الإنسان في الكرامة، فإذا كان كذلك فهذا يعني أن قداسة القرآن أقل، وأن دلالاته أقل، وأنه يجوز للإنسان أن يتكلم فيه، وإهانته ليست بالقدر الذي يكون لو كان كلام الله، وكل ما يترتب على إكرام القرآن وقداسته وقداسة الاستدلال به واحترام المسلمين له؛ كل ذلك يسقط؛ إذ المخلوق ليس له هذه المكانة والقداسة، هذا أمر.
الأمر الآخر: الدلالة نفسها، فإذا قلنا بأن القرآن مخلوق؛ فهذا يعني أنه كلام البشر، وإذا قلنا: إنه كلام البشر؛ فهو ترجمة لمعاني ما يريده الله، والترجمة لمعاني ما يريده الله ليست هي ما يريد الله، إنما هي تعبير البشر الناقص، والبشر يعتريه السهو والنقص والخلل .. إلى آخره، وليس بكامل كمالاً مطلقاً مهما كان، فإذا قيل: إنه ليس بكلام الله؛ فهذا يعني أنه كلام الناس، ومن هؤلاء الناس؟ الله أعلم، أو أنه كلام المخلوقين، ومن هؤلاء المخلوقون؟ الله أعلم، فإذا كان كذلك فهذا يعني أن الاستدلال به أقل، وقوته في الدلالة أقل.
وهناك أمر آخر نتج عن القول بخلق القرآن، وهو اعتبار دلالات كلام الله تعالى أقل من دلالات العقل؛ لأن العقل هو آلة التمييز بين الضار والنافع، وبين الحق والباطل التي يستعملها الإنسان بنفسه، وهي عند المتكلمين أقوى من دلالة القرآن؛ لأن القرآن مخلوق والعقل مخلوق، والقرآن أمر زائد خارج عن الإنسان، وهو مخلوق، والعقل هو عقل الإنسان الذي يستخدمه، فعقله مقدم ومحكم، فنتيجة لذلك قالت المعتزلة: دلالة القرآن ليست قطعية، بل ظنية؛ لأنه مخلوق!
بل الذين قالوا بأن العقل أقوى من النقل من غير المعتزلة كانت جرأتهم على القرآن بعد القول بأن القرآن كلام الله، فلذلك قالوا: العقل هو المحكم والعقل هو المقدم والعقل هو الميزان والعقل هو المرجع، وإذا تعارض العقل مع كلام الله تعالى؛ فالعقل هو المقدم؛ لأن كلام الله مخلوق عندهم.
ثم ترتب على هذا أيضاً أن قالوا بأن دلالة القرآن ظنية، فلما جاءت آيات الله في الرؤية قالوا: هذا أمر ظني؛ لأن القرآن مخلوق واعتبار دلالاته كاعتبار المخلوق، فردوا آيات الله الصريحة في الرؤية؛ لأن منزلة القرآن عندهم أقل مما ينبغي، وهكذا؛ كل ذلك إضافة إلى أنه رد صريح لألفاظ كلام الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى نزل القرآن، وآيات الإنزال والتنزيل في القرآن كثيرة جداً، وأيضاً التصريح بأنه كلام الله، كقوله تعالى: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، فالقول بأنه مخلوق معارضة صريحة لما ورد من أنه كلام الله في كلام الله نفسه، ولم ترد آية ولا دليل في أن القرآن مخلوق أبداً، إنما هي استدلالات في غير محلها.
فالمشكلة أنهم فسروا كلام الله بتفسيرات من عقولهم، فلهذا ينبغي أن نتعفف عن أقوالهم في كلام الله تعالى، ولا نتكلم عنهم بغير حاجة، لكن المهم أن القول بأن القرآن مخلوق أدى إلى تقليل منزلة القرآن والحط منها تقديساً ومنهجاً واستدلالاً، وحصل ما حصل من تخطي القرآن إلى الاستدلال بالعقل.
السؤال: ماذا تقصد بشهادة الواقع على توحيد الله، هل هي السنن الكونية والتغيرات؟
الجواب: أردت بذلك حياة الإنسان كلها وما حوله، فالواقع أشمل من أن يكون وقوفاً عند آيات بينات معينات، فالواقع كله ناطق بالشهادة لله سبحانه وتعالى، حتى ما يجري للإنسان وما يجري للكون وما يجري للمخلوقات من أحداث ومن تغيرات ومن موت ومن حياة، كل ذلك شاهد على أن الله شهد لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وكلمة (الواقع) جامعة لبعض الدلائل التي ذكرت من قبل.
الجواب: الله أعلم، لكن أنواع الرؤية التي وردت في الشرع مقرونة بالكلام، ولذلك لما كلم الله موسى طمع موسى في الرؤية، والأنبياء يعرفون العقيدة جملة وتفصيلاً، لا كما يظن بعض الهلكى من المتصوفة والمفكرين؛ فالأنبياء يعرفون العقيدة جملة وتفصيلاً، وهم أعرف الناس بربهم، فلذلك لما كلم الله موسى طمع موسى عليه السلام في أمر كان يعرف أنه يصاحب التكليم، وهو الرؤية، وإلا لما كان لموسى أن يسأل أمراً لا يجوز السؤال عنه، فموسى عليه السلام كان يعرف أن الكلام قد يصاحبه رؤية، وأن من كلمه الله فيمكن أن يرى ربه، فلذلك طمع فطلب رؤية الله تعالى، فقال الله له: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143].. إلى آخر الآية، بمعنى: أنك لا تقدر على ذلك في هذه الدنيا.
والنصوص التي ورد فيها التكليم في المحشر ورد فيها ما يدل على الرؤية، وكذلك ورد أن المؤمنين حينما يرون ربهم في الجنة يوم القيامة -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم، وأن نرى ربنا ونتنعم بهذه الرؤية- يكلمونه ويكلمهم سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله، أما أن يكون ذلك أمراً مطرداً فالله أعلم، بل ورد -التكليم كما في قصة موسى- في الدنيا بلا رؤية، ولذلك فالذين نفوا الرؤية العينية من السلف استدلوا بمثل هذا الدليل، فقالوا: لو جازت الرؤية لجازت لكليم الله تعالى وقد كلمه ربه في الدنيا، أما ولم يكن ذلك مع وجود التكليم؛ فهذا دليل على أن الرؤية بالعين مستحيلة، أما الرؤية القلبية فهي رؤية بمعنى آخر الله أعلم بها.
الجواب: السلف أجابوا عن مثل هذه الآية، وقالوا: إن الاحتجاب لا يكون إلا بعد رؤية، والاحتجاب يكون حينما يفصل الله بين الخلائق، ويذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، فهنا يحتجب الله عن الكافرين فلا يرون ربهم، وتكون الرؤية خاصة للمؤمنين، وهي رؤية التنعم، فلذلك قال الشافعي ما معناه: إنه إذا احتجب عن الكافرين في حال السخط دل على أن المؤمنين يرونه تعالى في حال الرضا.
فالسلف قالوا: بأن الاحتجاب لا يكون إلا بعد رؤية أو إمكان رؤية، وإلا فلماذا يكون الاحتجاب؟! فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يره الكفار في المحشر لما كان لمعنى الاحتجاب مفهوم، ولو كانت الرؤية مستحيلة بإطلاق لما كان لمعنى الاحتجاب مفهوم.
فهذه الآية يجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة التي وردت في الكتب الصحيحة وفي غيرها بأن الناس يرون ربهم في المحشر، فلابد من الجمع بينها وبين الآية، والجمع يعني: أن الناس يرون ربهم أولاً جميعاً، ثم بعد ذلك يراه المؤمنون ويحتجب عن الكافرين، هذا الجمع بين الأدلة.
الجواب: مسألة الدجال من المسائل الغيبية، والدجال لا شك في أن أمره أمر خارق للعادات، ولا يخضع لمقاييس البشر وموازينهم في أمور الدنيا؛ لأنه ورد من صفاته أنه يأتي بأمور خارقة ليفتن الله به الناس، وكونه موجوداً في البحر لا يتعارض مع كونه يخرج في آخر الزمان، ولا يتعارض مع الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ذكر أنه لا يبقى بعد مائة سنة أحد على الحياة، فهذه محصورة بمكان معين وعلى فئة معينة من الناس، فذلك أمر مستثنى، فلا يمنع من كونه وجد في جزيرة أن يخرج على الناس في آخر الزمان في طور آخر من أطواره، ولا يمنع ذلك -والله أعلم- أن يكون للدجال صور أخرى بين البشر، لا على أنه هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، فلذلك تنازع الصحابة والمحققون من أهل العلم في مسألة ابن صياد : هل هو الدجال أو هو غيره؟ وهذه مسألة مشهورة لا تزال من المشكلات، فأئمة الدين الأعلام يعدونها من المشكلات التي تحتاج إلى نظر، ومع ذلك لم يصلوا فيها إلى نتيجة؛ لأن أمرها أمر غيبي، وابن صياد ظهر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وانطبقت عليه صفات الدجال ، فإذا قيل: إنه هو الدجال فهذا يعني أنه تشكل بشكل آخر أراد الله أن يختبر به جمهور الصحابة فنجحوا في الاختبار؛ لأنهم عرفوا أنه دجال وهجروه، لكن هل هو الدجال المشهور أو دجال من الدجالين؟ فبعض الصحابة يرى أنه هو الدجال بعينه ظهر بصورة من الصور، والله قادر على ذلك، ومن هؤلاء ابن عمر وحفصة أخته، وأبو هريرة وغيرهم من أئمة الصحابة؛ يرون أنه هو الدجال بعينه، لكن ليس هو الذي سيظهر في آخر الزمان بالصورة الأخرى، إنما هو شخصه ظهر في ذلك الزمان كدجال من الدجالين، فلذلك لما حصل بينه وبين ابن عمر مشاجرة وضربه ابن عمر حصل منه أمر مرعب؛ حيث انتفخ حتى كاد أن يسد السكة، وارتعب منه الناس، فلما علمت حفصة أنَّبَت أخاها، وقالت: أتريد أن تخرجه علينا؟! أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج
ولما علم الصحابة بأمره كادوا أن يقتلوه، حتى قال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دعني أقتله، وكذلك غير عمر ، طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتلوه، فقال لـعمر : (إن يكن هو فلن تسلط عليه)، وفعلاً ما سلط عليه.
ولما بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبذه الصحابة وكانوا يكرهونه، ولذلك لما قيل: إنه تزوج؛ قال بعض العلماء: لا يعرف أنه تزوج زواجاً شرعياً، ولما قيل: إنه جاءه ولد، قالوا: إنه ولد ليس بشرعي، ولما قيل: إنه مات ودفن، مع أن الدجال لا يموت ويدفن في المدينة؛ قالوا: إنه لم يعرف مصيره، ولم يمت ولم يدفن، ولما حج أظهر الإسلام، وكأنه بذلك يريد أن يستريح من أذى المسلمين وهجرهم له، فذهب إلى مكة، ولما قرب من مكة خلا بـأبي سعيد الخدري فشكا عليه حاله، وقال: إني أكاد أقتل نفسي، حتى رق له أبو سعيد، وقال: إن الناس يتهمونني وأنا بعيد عما يقولون؛ لأنهم زعموا أني الدجال، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة، وهأنذا جئت من المدينة وأدخل مكة، أما تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدجال لا يولد له ولد، وها قد ولد لي ولد، والدجال ليس بمسلم، وأنا مسلم، يقول أبو سعيد : فرققت لحاله. ولكن بعدما انتهى من هذا الحديث نكص على عقبيه، فقال: ومع ذلك -يا أبا سعيد - والله إني أدري من هو الدجال وأين هو.
والخلاصة: أن موضوع الدجال موضوع غيبي الله أعلم به، ويمكن أن يكون مكبلاً في الجزيرة، وفي الوقت نفسه يظهر للناس بصور أخرى؛ لأنه من أعوان الشيطان، لكن الدجال المعهود الذي يكون في آخر الزمان بصفات معينة وعلى وضع معين لم يظهر إلى الآن.
الجواب: حديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم ، وهو حديث طويل ورد عن أبي هريرة وعن أبي سعيد وعن غيرهما، والحديث صحيح لا غبار عليه، ومعروف عند أهل العلم، فيرجع إلى الصحيح ففيه نص الحديث ظاهراً، وللعلماء في شرحه كلام طويل، وهناك من قال بأن الرؤية العامة في المحشر ليست رؤية حقيقية كرؤية المؤمنين ربهم في الجنة، ومع ذلك هناك رؤية، وكونها حقيقية أو غير حقيقية أمر غيبي، وهذا كله مما لا فائدة في البحث فيه.
الجواب: نعم الجسد يبلى، ومع ذلك يجعل الله سبحانه وتعالى للميت جسداً وروحاً، وربما يخلق جسده بخلق آخر، فالله أعلم، وهذه مسألة غيبية لا نعلم بها، وكوننا نرى آثار الرفات لا يدل على أنه ليس للميت حياة جسدية وروحية؛ لأن الأدلة في هذا قطعية، وأمور البرزخ لا تقاس بمقاييس الدنيا أبداً، وإلا لقيل: كيف نقول بأن الميت يضرب حتى كذا يكون عليه، وأن الميت إذا كان من أهل الجنة يفسح له مد بصره مع أن المقبرة كلها بأمواتها أقل من مد البصر؟! فهذه أمور لا تقال؛ فحياة البرزخ لا تخضع لمقاييس الدنيا أبداً، إنما هي خاضعة لقدرة الله تعالى، وقدرة الله لا حدود لها، ويجب علينا أن نصدق ونؤمن، وهذا معنى الإيمان بالغيب، ولو لم تكن هذه الأمور الغيبية مما لا يطيقه البشر ولا يدركونه لما صارت غيباً، ولما مدح المؤمن بها، فلو كانت مما يدرك بالعلم والمقاييس العلمية ما صار للإيمان بها أي أهمية، ولكان المؤمن وغير المؤمن فيها سواء، لكنها لا تخضع للمقاييس العلمية ولا لمقاييس الدنيا، ولا لأحكامنا نحن ولما نراه من آثار.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر