إسلام ويب

شرح العقيدة الطحاوية [45]للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك ألفاظ محدثة أطلقها أهل البدع كالجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية في أسماء الله وصفاته، ولم ترد في الكتاب والسنة، كالحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات والجهات ونحوها، هذه الألفاظ موقف أهل السنة والجماعة منها أنه إذا دلت على كمال فإنه يثبت ذلك الكمال الذي دلت عليه ويرد اللفظ؛ لأن دلائل الكتاب والسنة قد تضمنت ذلك الكمال وزيادة، وإن دلت على معانٍ باطلة فإنها ترد مطلقاً معانيها وألفاظها.

    1.   

    الموقف من ذكر الحدود والغايات ونحو ذلك من الألفاظ المحدثة نفياً أو إثباتاً

    قال رحمه الله تعالى: [ قوله: (وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات).

    أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة، وهي: أن للناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا بين ما أثبت بها، فهو ثابت، وما نفي بها، فهو منفي؛ لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي، ولهذا كان النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً، ويذكرون عن مثبتيها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل فيها معنى باطلاً مخالفاً لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان، ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.

    فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.

    والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني ].

    هذا الكلام كله يتعلق بالألفاظ المحدثة، والمقصود بالألفاظ المحدثة: هي تلك العبارات التي أطلقها أهل الأهواء، خاصة الجهمية والمعتزلة ومن سار على سبيلهم من أهل الكلام كالأشاعرة والماتريدية، أطلقوها في أسماء الله وصفاته، ولم ترد في الكتاب والسنة، سواء أطلقوها على سبيل الإثبات، ككلمة (القديم) وكلمة (الصانع)، أو أطلقوها على سبيل النفي كنفي المباينة والمفاصلة والعرض والجوهر والجسم.. إلى آخره، هذه العبارات كلها حينما كثرت وعمت بها البلوى قعد السلف لها بقواعد، هذه القواعد فيها تفصيل وفيها إجمال، أما التفصيل فسيأتي في الدرس القادم؛ لأن هذا الموضوع طويل، أما الإجمال فعلى ما يلي:

    أولاً: هذه الألفاظ -أي: كلمة الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء، والأدوات، والجهات، والأجسام، والجواهر، والمباينة، والمفاصلة.. ونحو ذلك مما تكلم به المتكلمون- كل هذه الأمور: تعتبر ألفاظاً مبتدعة، لم ترد في الكتاب والسنة.

    ثانياً: أنها لا تنفى بإطلاق ولا تقبل بإطلاق، يعني: لا تنفى نفياً مطلقاً ولا تثبت إثباتاً مطلقاً.

    ثالثاً: أنه لابد من التفريق بين معانيها وبين ألفاظها، فما كان فيها من معانٍ صحيحة أخذت وقبلت وردت إلى ألفاظ الشرع، وما كان فيها من معانٍ فاسدة فإنها ترد مطلقاً، أما ألفاظها فليست بملزمة، بل ينبغي تجنب هذه الألفاظ البدعية.

    رابعاً: أن ما تكلم الله عز وجل به عن نفسه وما تكلم به رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه هو الكمال المطلق الذي يدخل فيه كل كمال يمكن أن يرد في أذهان البشر أو على ألسنتهم.

    خامساً: أن كل كمال فالله عز وجل أحق به، وكل ذلك راجع إلى ألفاظ الشرع، فلا يمكن لأحد من المخلوقات أن يعبر باسم أو وصف أو فعل لله عز وجل بأعظم مما تكلم الله به عن نفسه وتكلم به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

    مواقف الناس تجاه الحد والغاية ونحوهما من الألفاظ المحدثة

    الأمر الآخر: أن الناس لهم تجاه هذه الألفاظ المحدثة ثلاثة مواقف:

    الموقف الأول: موقف أهل الحق أهل السنة والجماعة، وهو التفصيل الذي ذكرته، بأن أي لفظ يرد يقصد به وصف الله أو تسميته فإنا لا نتعجل فيه، فإن اقتضى كمالاً أخذنا بمعنى الكمال لكننا نستغني عن اللفظ؛ لأنَّه لابد أن نجد هذا الكمال فيما تكلم الله به عن نفسه، بل لله عز وجل من الأسماء والصفات ما هو جامع لكل الكمال، مثل: اسم الجلالة (الله)، ومثل (الحي القيوم)، ومثل (العلي العظيم)، (الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد..) إلى آخر ذلك من عبارات الكمال التي يدخل فيها كل كمال.

    أما المعاني الباطلة فترد، والألفاظ لا نلتزم بها، بل نردها.

    إذاً: هذا الفريق الذي يفصل هم أهل السنة والجماعة.

    الفريق الثاني أو الطائفة الثانية: هم الذين يثبتون هذه المعاني ويقصدون التشبيه أو التجسيم أو التمثيل، وهؤلاء هم المجسمة، وسيأتي الكلام عنهم في ثنايا الدرس قريباً.

    والمجسمة: هم الذين يطلقون هذه العبارات أو معانيها ويحدونها في حق الله عز وجل، وقد لا يقولون بالحدود، لكنهم يقولون بما يفهم الحدود، بأن يتصوروا لربهم تصورات تدل على الحدود، ويجعلون هذه التصورات عقائد، وكذلك الغايات والأركان والأعضاء والأدوات، فالمجسمة أشكال وأنواع، والممثلة كلهم يقولون بنوع من أنواع التحديد، والغايات والأركان، والأعضاء، والأدوات، وهؤلاء أيضاً جانبوا الحق ووقعوا في الكفر.

    وطائفة تنفي هذه الألفاظ وتنفي معها حقائق صفات الله عز وجل وأفعاله، بمعنى أنهم يجعلون هذه القواعد عندهم هي المحتكم ثم يردون إليها معاني ألفاظ كلام الله عز وجل على نهج غير سليم، فيردون هذه الألفاظ كما يردها السلف لكنهم يردون معها معاني أسماء الله وصفاته وأفعاله، فمثلاً: يقولون بأنه لا يجوز في حق الله الحد، والعلو الذاتي حد، إذاً: فالعلو منفي عن الله، ويقولون: العلو يكون علواً معنوياً، وأحياناً يقولون: الاستواء حد، والحد ممنوع، إذاً: الاستواء له معنى آخر، فيؤولون معنى الاستواء أو ينكرونه، وقد يقولون مثلاً: اليد عضو، والله منزه عن العضو، إذاً: لليد معنى آخر غير حقيقتها التي تكلم الله بها.. إلى آخره، فيردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق أسماء الله وصفاته وأفعاله.

    وهذا الصنف هم المعطلة والمؤولة، وهؤلاء اللبس عندهم أكثر من اللبس عند المشبهة؛ لأن المشبهة أمرهم واضح، فالتشبيه ينفر منه الطبع، حتى العوام الذين لا يدركون تفصيل العقيدة، فإنهم في الغالب ينفرون من التشبيه، أما التأويل والتعطيل فإنه في الغالب يكون بأمور مشتبهات، ويكون بتلبيس، فيقع فيه كثير من الناس إذا لم يتشربوا العقيدة السليمة.

    فالمهم أن أصناف الناس تجاه هذه الأمور ثلاثة:

    الأول: الذين يفصلون ويردون المعاني إلى أسماء الله وصفاته وأفعاله الواردة في الكتاب والسنة، وهم أهل السنة والجماعة.

    الثاني: الذين يقبلون هذه الألفاظ ولا يتأدبون في إطلاقها على الله عز وجل، وهم الممثلة، وهؤلاء خرجوا عن الحق وكفروا.

    الثالث: الذين يردون هذه الألفاظ ويردون معها حقائق صفات الله وأفعاله وأسمائه، وهؤلاء هم الجهمية المعطلة، والمعتزلة المؤولة، وأهل الكلام المؤولة.

    ثم قال: [ فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ] بمعنى أن هذه المعاني التي وردت بها هذه الألفاظ ما أثبته الله ورسوله منها أثبتناه، فمعانيها الحقة نردها إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.

    يقول: [ والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ]، بمعنى: يرد إليها كل شيء، فالألفاظ التي ورد بها النص أولاً تقر وتثبت ويؤمن بها، ثم تكون هي القاعدة والمحتكم والميزان، فما ورد على ألسنة البشر يرد إليها، فما كان فيها من معنى صحيح أخذ، لكن يلتزم اللفظ الشرعي ويرد اللفظ البدعي، فاللفظ البدعي قد يحتمل حقاً وباطلاً، فالحق الذي فيه نأخذه ونرده إلى ألفاظ الشرع، ونستغني عن اللفظ المبتدع، والباطل نرده مطلقاً، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني.

    1.   

    الأسئلة

    إطلاقات الإرجاء تاريخياً

    السؤال: ما حكم القول بأن من الصحابة مرجئة بسبب موقفهم من الفتنة التي وقعت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وإن كان إرجاؤهم من جهة اللغة، وهل المرجئة ظهرت في الصدر الأول كما يقول بعضهم؟

    الجواب: المرجئة من حيث الإطلاق التاريخي تطلق على ثلاثة أصناف:

    الصنف الأول: الذين توقفوا في أمر المختلفين بعد الفتنة التي تلت قتل عثمان رضي الله عنه؛ فإن هناك من الناس من توقف في أمر الفريقين الذين حصل بينهم نزاع بعد مقتل عثمان ، وهذا التوقف على درجات، منهم من توقف في أن يحكم عليهم في الدنيا من هو المخطئ ومن هو المصيب، ومنهم من زاد وتوقف في الحكم عليهم في الآخرة، وعلى أي حال هذا إرجاء تجاوزه الزمن ولم يعد له وجود، إلا عند بعض طوائف أهل الأهواء، ولم يقل به أحد من الأئمة المعتبرين.

    كما أنه لم يعد يطلق في الاصطلاح، فالاصطلاح يطلق على الإرجاء الذي هو النوع الذي ظهر بعد ذلك، وهو إرجاء الأعمال عن الإيمان، أي: إخراج الأعمال من مسمى الإيمان، وهذا يسمى إرجاء الفقهاء.

    ونوع ثالث هو إرجاء الجهمية، وهم الذين يقولون بأن الإيمان هو المعرفة فقط، وأن من عرف الله كفاه ذلك، فلا ينفعه زيادة عمل ولا يضره العصيان، إنما مجرد المعرفة بالله تكفيه وتكون طريقاً للنجاة.

    فالإرجاء الأول والإرجاء الثاني لم يعد لهما شهرة، وصار الاصطلاح الغالب أن إرجاء الفقهاء هو القول بأن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وأن الأعمال لا تزيد ولا تنقص، وأنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان.

    أما الإرجاء الأول: فإنه لم يكن واضحاً أولاً، بمعنى أنه فيه اضطراب في النقل، ثم إنه لم ينسب إلى أحد من المعتبرين، إنما نسب إلى طائفة من الذين توقفوا وليس لهم اعتبار في الدين، إما أئمة الدين من الصحابة الذين حصلت في عهدهم الفتنة، وكذلك كبار التابعين فإنهم لم يستقروا على عقيدة تسمى الإرجاء، إنما استقر قولهم آخر الأمر بعد تمحيص الأخبار على أن المقتتلين أو الذين تنازعوا بعد عثمان رضي الله عنه من الصحابة وغيرهم كلهم مجتهدون، وكلهم مأجورون، وأن الفئة الأقرب إلى الحق هي التي كانت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالجملة، والفئة الأخرى مخطئة لكنها لا تفسق بذلك؛ لأنها مجتهدة، ولأنها مأجورة، هذا ما انتهى إليه السلف آخر الأمر، ولم يعد هناك قول ثانٍ يعتد به.

    مدى صحة تسمية إرجاء أمر مرتكب الكبيرة إلى الله إرجاءً

    السؤال: أحدهم قسم ما وقع في مرجئة السنة إلى قسمين: الأول: إرجاء أمر صاحب الكبيرة إذا لم يتب إلى الله عز وجل، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، والثاني إرجاء العمل عن مسمى الإيمان، فهل الأمر الأول يسمى إرجاء؟

    الجواب: هذا ليس بإرجاء، هذا تعبير عن الحق، كلمة (يرجأ أمره إلى الله) تعبير عن الحق، وليس هذا إرجاءً بالمعنى البدعي، إنما هذا تعبير لغوي عن عقيدة سليمة، أي: أن يقال: إن العصاة يرجأ أمرهم إلى الله عز وجل إذا ماتوا على معصيتهم، فهذا ليس بإرجاء، إنما التعبير بـ(يرجأ) هنا تعبير لغوي سليم ليس بمعنى الإرجاء البدعي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768031582