الشفاعة أنواع: منها ما هو متفق عليه بين الأمة، ومنها ما خالف فيه المعتزلة ونحوهم من أهل البدع.
النوع الأول: الشفاعة الأولى، وهي العظمى، الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين.
وقد جاءت أحاديث الشفاعة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فدفع إليه منها الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً، فيقولون: يا نوح! أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى: فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، اصطفاك الله برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، قال: هكذا هو، وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، غفر الله لك ذنبك ما تقدم منه وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأقوم، فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، فيقول: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى) أخرجاه في الصحيحين بمعناه، واللفظ للإمام أحمد .
والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه أنهم لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى، في مأتى الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء، كما ورد هذا في حديث الصور، فإنه المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث، فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من مقامهم، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه، فإذا وصلوا إلى الجزاء إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار .وكان مقصود السلف - في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث - هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم، فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث.
وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور، ولولا خوف الإطالة لسقته بطوله، لكن من مضمونه: (أنهم يأتون آدم ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فيذهب فيسجد تحت العرش في مكان يقال له: الفحص، فيقول الله: ما شأنك؟ وهو أعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني، في خلقك، فاقض بينهم، فيقول سبحانه وتعالى: شفعتك، أنا آتيكم فأقضي بينهم، قال: فأرجع فأقف مع الناس، ثم ذكر انشقاق السماوات، وتنزل الملائكة في الغمام، ثم يجيء الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء، والكروبيون والملائكة المقربون يسبحون بأنواع التسبيح، قال: فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يقول: إني أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع أقوالكم، وأرى أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، إلى أن قال: فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم، إنه خلقه الله بيده، ونفخ فيه روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه، وذكر نوحا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم محمدا صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب، ثم أستفتح، فيفتح لي، فأحيي ويرحب بي، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا، فيأذن لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول الله لي: ارفع يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه، فإذا رفعت رأسي، قال الله -وهو أعلم-: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة، فيقول الله عز وجل: قد شفعتك، وأذنت لهم في دخول الجنة).. الحديث. رواه الأئمة: ابن جرير في تفسيره، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، والبيهقي وغيرهم .
النوع الثاني والثالث من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلونها.
النوع الرابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. وقد وافقت المعتزلة هذه الشفاعة خاصة، وخالفوا فيما عداها من المقامات، مع تواتر الأحاديث فيها.
النوع الخامس: الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب، ويحسن أن يستشهد لهذا النوع بحديث عكاشة بن محصن ، حين دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، والحديث مخرج في الصحيحين.
النوع السادس: الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه، كشفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذابه، ثم قال القرطبي في التذكرة بعد ذكر هذا النوع: فإن قيل: فقد قال تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]. قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع عصاة الموحدين، الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة.
النوع السابع: شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة، كما تقدم. وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول شفيع في الجنة).
النوع الثامن: شفاعته في أهل الكبائر من أمته، ممن دخل النار، فيخرجون منها، وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث. وقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة، فخالفوا في ذلك، جهلاً منهم بصحة الأحاديث، وعناداً ممن علم ذلك واستمر على بدعته. وهذه الشفاعة تشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون أيضاً. وهذه الشفاعة تتكرر منه صلى الله عليه وسلم أربع مرات. ومن أحاديث هذا النوع، حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) رواه الإمام أحمد رحمه الله.
وروى البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي ، قال: اجتمعنا وناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك ، وذهبنا معنا بـثابت البناني إليه، يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا، فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة ، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا كان يوم القيامة، ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم، فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى، فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، لكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني، فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها، لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل) . قال: فلما خرجنا من عند أنس ، قلت لبعض أصحابنا لو مررنا بـالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة ، فحدثناه بما حدثنا به أنس بن مالك ، فأتيناه، فسلمنا عليه، فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد ، جئناك من عند أخيك أنس بن مالك ، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه؟ فحدثاه بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه؟ فقلنا لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني وهو جميع منذ عشرين سنة، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا؟ فقلنا: يا أبا سعيد ، فحدثنا، فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً! ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حديثي كما حدثكم به، قال: (ثم أعود الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله) وهكذا رواه مسلم .
وروى الحافظ أبو يعلى عن عثمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء)، وفي الصحيح من حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً، قال: (فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيراً قط).. الحديث.
ثم إن الناس في الشفاعة على ثلاثة أقوال: فالمشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة المعروفة في الدنيا، والمعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر، وأما أهل السنة والجماعة، فيقرون بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، وشفاعة غيره، لكن لا يشفع أحد حتى يأذن الله له ويحد له حداً، كما في الحديث الصحيح، حديث الشفاعة: (إنهم يأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، فيقول لهم عيسى عليه السلام: اذهبوا إلى محمد، فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأذهب، فإذا رأيت ربي خررت له ساجداً، فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي، لا أحسنها الآن، فيقول: أي محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأقول: ربي أمتي، فيحد لي حدا، فأدخلهم الجنة، ثم أنطلق فأسجد، فيحد لي حداً ذكرها ثلاث مرات)].
فأما ما يتعلق بتعريف الشفاعة فإنا نحتاج إلى شيء من ذكر معاني الشفاعة اللغوية لكي يتحدد المعنى الشرعي بشكل أدق.
فالشفاعة في اللغة: من الشفع، وأحياناً يقال: الشفع، وهو ضد الوتر، والشفع هو الزوج من العدد أو من الأشياء، فالواحد وتر وما انضاف إليه يعد شفعاً، ومن معاني الشفاعة: الزيادة والانضمام والإضافة والاقتران والمعاونة والمساعدة.
والشافع هو المعين، والمُشفِّع هو الآذن بالشفاعة، أو الذي يطلب منه الشافع الحاجة، أو ما يشفع به، والمُشَفَّع هو الذي يؤذن له بأن يشفع أو تطلب منه الشفاعة، بمعنى أن يشفع عند غيره، وكذلك الذي يؤذن له بالشفاعة، أما المشَفَّع فهو الآذن الذي تطلب منه الحاجة التي هي موضوع الشفاعة.
أما الشفاعة المنفية فهي المردودة، وهي الشفاعات البدعية التي يفعلها الكفار والمشركون وأهل البدع، لكنها لا تنطبق عليها الشروط الشرعية، كالاستشفاع بالحي فيما يتعلق بمصير الإنسان يوم القيامة، فإن الأحياء لا يستطيعون أن يشفعوا في الحياة الدنيا فيما يتعلق بمصير الإنسان يوم القيامة، إنما تكون يوم القيامة لمن يأذن الله له.
ومن الشفاعات الممنوعة المردودة الاستشفاع بالأموات فيما يتعلق بمصائر العباد يوم القيامة، ونحو ذلك مما سيأتي ذكر شيء من أصنافه.
أما الشفاعات في الدنيا فمنها ما هو جائز ومنها ما هو ممنوع.
فأما الجائز منها فأوله ما يتعلق بشفاعة الناس في دنياهم فيما يتعلق بنفع بعضهم لبعض بما يقدرون عليه، ومنه ما يسمى عند الناس بالوساطة، فهذا أمر جائز إذا لم يكن فيه ظلم ولا تجاوز لحدود الشرع، ولا تحريم حلال ولا تحليل حرام، فإذا وافق الشرع فهو جائز، بل إنه من أبواب الحسبة، ومن الأمور التي يلتمس فيها الأجر من الله عز وجل؛ لأنها نفع للناس ونفع الناس من أعظم أبواب الخير.
وهذه المسألة تسمى شفاعة تجوزاً، ولا تدخل في الشفاعة الشرعية المعنية بالكتاب والسنة، فليست من الشفاعة الدينية التي تتعلق بمصائر العباد يوم القيامة، أو بأمورهم الغيبية.
أما الشفاعة الشرعية المتعلقة بمصائر العباد فإن منها ما هو جائز، ومن صوره الاستشفاع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة، وهذا يدخل في التوسل، فهو إلى معنى التوسل أقرب، لكن تجوز بعض أهل العلم في تسميته شفاعة، كما أن أهل الأهواء سموه شفاعة وأدخلوا فيه شفاعة الآخرة، بمعنى أنهم خلطوا بين الشفاعة الجائزة في الدنيا وتوسعوا فيها حتى أدخلوا فيها الشفاعات الممنوعة في الدنيا والممنوعة في الآخرة، فمن هنا سمي هذا النوع من التوسل شفاعة، أي: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحياة، والمقصود به التوسل بدعائه، وقد يسمي بعض الناس التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم توسلاً أو شفاعة، وهذا فيه تجوز، وفيه أيضاً خروج عن الحد الشرعي لمعنى الشفاعة ومعنى التوسل، وفرق بين التوسل والتبرك، فبينهما وجوه اقتران ووجوه اختلاف، لكن التبرك بمعناه الواسع الذي يفهم عند الناس الآن يدخل فيه كثير من الصور التي تعمل اليوم، وأما التبرك الشرعي فأكثر الصور التي تعمل الآن لا تدخل فيه، فالمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز الاستشفاع به في حياته، بمعنى: طلب الدعاء منه، وهذا حدث كثيراً من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك دعاؤه للأعمى، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لكثير من الصحابة، ودعاؤه لأمته، ودعاؤه لأصناف من الخلق.
ومسألة التبرك سيأتي الكلام عنها، وبمناسبتها نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع التبرك بذاته وبأشيائه المباشرة في حياته، لكن بعد مماته لا يجوز التبرك بما انقطع من آثاره، وآثاره كلها انقطعت.
الصورة الثانية من الشفاعات الشرعية الجائزة في الدنيا: الاستشفاع بدعاء الرجل الصالح أو نحوه، بمعنى أنه يجوز أن تقول لغيرك: ادع الله لي، لكن بشرط ألا يكون ذلك على جهة الاعتماد على دعائه، وأن يكون لمناسبة، بمعنى أن لا يكثر منه الإنسان، فإذا أكثر منه اتكل على غير الله، وترك السبب المباشر، وهو اتخاذ الوسيلة إلى الله عز وجل بعبادته ودعائه التي هي أوجب الواجبات على كل أحد، لكن إذا جاء لذلك مناسبة فإنه يشرع للإنسان أن يطلب من غيره من الصالحين ومن المؤمنين ومن المسلمين أن يدعوا له إذا اقتضى الحال ذلك، كأن يكون المقام مقام ضرورة، أو لمكان فاضل أو لزمان فاضل أو نحو ذلك.
ومن صوره التي هي أعم من ذلك كله الاستشفاع بالحي فيما يقدر عليه، وبعض هذه الأمور تدخل في باب الشفاعة، وبعضها يدخل في باب الوسيلة أو التوسل، وبعضها يدخل في باب الحوائج العادية التي ليست من أمور العبادة.
وعلى هذا فالاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته انقطع، والاستشفاع بالمسلمين وبالمؤمنين وبالرجال الصالحين بعد وفاتهم -أو فيما لا يقدرون عليه- ممنوع، وكذلك الاستشفاع بأي أحد من الخلق حياً أو ميتاً فيما لا يقدر عليه، فهو من الشفاعة الممنوعة.
ويدخل في الشفاعات الممنوعة في الدنيا الاستشفاع بالأحجار والأشجار وغيرها، فإنها لا تشفع في الدنيا ولا في الآخرة، حتى الذين يعلقون الاستشفاع بهذه الأشياء على الآخرة -بمعنى أنهم يقولون: نستشفع بها الآن لتشفع لنا يوم القيامة- فإنهم بذلك يقعون في الشرك.
أما الشفاعة في الآخرة فإن منها الجائز، ومنها الممنوع.
أما الشفاعة الجائزة فهي التي تتوافر شروطها كما ورد في كتب أهل السنة، وهي:
أولاً: أن تكون الشفاعة عند الله عز وجل، وهو سبحانه الذي يشفع عنده الشافعون.
ثانياً: أن تكون الشفاعة بعد إذن الله عز وجل، كما قال عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] .
ثالثاً: رضا الله عز وجل عن الشافع وعن المشفوع له، وعلى هذا فالكافر لا يشفع؛ لأن من لا يرضى الله عنه لا يشفع، وكذلك الكافر لا يُشفع له ولا يأذن الله بالشفاعة له؛ لأن الله عز وجل بعدما وصف الكافرين بصفاتهم الرئيسة، وهي أنهم لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يؤمنون باليوم الآخر؛ قال سبحانه: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]، والمقصود أن الشافعين الذين تتوهم شفاعتهم لا يشفعون لهم، وكذلك الذين رضي الله عنهم لا تنفع شفاعتهم لهؤلاء الكافرين، ولذلك لم تثبت الشفاعة لكافر أبداً يوم القيامة على الإطلاق إلا فيما ورد من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بأن يخفف له من عذاب جهنم، نسأل الله السلامة، وهذه شفاعة لا تتوافر فيها كل شروط الشفاعة؛ لأنه لا ينجو بها من النار، وما عدا هذا النوع من الشفاعة فإنه لم يرد في الشرع، وكل ما يزعمه أهل الباطل وأهل البدع من شفاعات يدعونها لأشخاص أو لفئات أو لطوائف أو لجمادات أو لأي نوع من المخلوقات تخرج عن هذه الشروط وهذه الضوابط، فإنها ليست صحيحة، وتدخل في الشفاعة المردودة المنفية.
فالشفاعة المطلقة هي ما ثبت من أن جميع الأنبياء، وكذلك طوائف من المؤمنين، وكذلك جميع الرسل والملائكة يشفعون لطوائف من أهل التوحيد غير مسمين، ولا يعرف أحد منهم بعينه.
والشفاعة المقيدة منها ما قيد بالنوع ومنها ما قيد بالشخص، أما الشفاعة المقيدة بالنوع فشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وأما الشفاعة المقيدة بالأشخاص فإنا لا نعرف منها إلا ما ورد من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بأن يخفف عنه من العذاب.
وكذلك بالنسبة للشافعين، فمنهم شفعاء غير معينين، ومنهم شفعاء معينون بوصف، فمثلاً: ورد أن الأنبياء جميعاً يشفعون وأن الرسل يشفعون وأن الملائكة يشفعون دون تحديد لأحد بعينه، وورد أن المؤمنين يشفعون دون أن يحدد أحد منهم بعينه، لكن ورد في بعض النصوص أن طائفة من المؤمنين لهم شفاعة خاصة، وكذلك ورد أن نوعاً من أبناء المسلمين يشفعون، وهم الأطفال الذين يموتون قبل سن البلوغ إذا احتسبهم أهلهم، فإنهم يشفعون، كذلك وردت بعض الشفاعات المقيدة المخصصة مثل شفاعة القرآن، وشفاعة الصيام، ونحو ذلك من الشفاعات التي لا يجوز إثباتها إلا لمن ثبتت له أو لما ثبتت له، أما ما يدعيه أهل الأهواء وأهل البدع من إطلاق الشفاعة وصرفها لمن يهوون فهذا باطل، وأكثره يدخل في أنواع الشرك، فما كان منه صرفاً للدعاء لغير الله عز وجل وطلب النفع من غيره فهو شرك، وما كان منه يدخل في التبرك فهو على درجات، وما كان منه يدخل في التوسل فهو على درجات، منه ما هو شرك، ومنه ما هو بدعة مغلظة، ومنه ما هو دون ذلك، والله أعلم.
فإن الداعي تارة يقول: بحق نبيك، أو بحق فلان، يقسم على الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين].
الشارح هنا ذكر صورة من صور الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وكأنه أراد أن تكون هذه الصورة وما يشبهها أمثلة على قاعدة، وهي أن الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره قد يقصد به الاستشفاع بذاته، فإذا كان باعتبار ذاته وسيطة عند الله عز وجل؛ فهذا لا شك أنه باطل، وإذا كان المقصود به اعتبار ذاته المباركة، فيكون استشفاعاً من باب التبرك، فهذا جائز في حياته صلى الله عليه وسلم، وإن كان المقصود بالاستشفاع به الاستشفاع بدعائه وهو حي فهذا حق وجائز، وكذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يستشفع بذاته تبركاً، فلا يتبرك بذات غير النبي صلى الله عليه وسلم، إنما يتبرك بدعائه بمعنى أن يطلب منه الدعاء فقط.
قال رحمه الله تعالى: [أحدهما: أنه أقسم بغير الله].
هذا إذا كان المقصود القسم، والغالب على أذهان الناس في مثل هذا الإطلاق أن يُقصَد به الإقسام أو الحلف بحق نبيه، لكن قد يراد بكلمة (بحق نبيك) مجرد الاستشفاع بدون إقسام، بحيث لا تكون الباء باء القسم، بل تكون باء السببية، لكن الشارح غلب المدلول اللغوي العام عند الناس لمثل هذه الألفاظ، وهو أنه يقصد به الحلف.
قال رحمه الله تعالى: [والثاني: اعتقاده أن لأحد على الله حقاً، ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حق، إلا ما أحقه على نفسه، كقوله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ، وكذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ رضي الله عنه وهو رديفه: (يا
وعلى هذا يكون قول القائل: (بحق نبيك) أو (بحق فلان من الصالحين أو غيرهم) فيه نوع من الاعتداء في الدعاء من جانب، كما أنه من التوسل البدعي من جانب آخر.
أما أنه اعتداء في الدعاء فلأنه سأل غير حقه، أما الأمر الثاني فلأن حق الشخص المسئول بحقه كائن له؛ لأن الله عز وجل ضمن حقوق العباد، والله عز وجل ضمن إجابة الدعاء إذا انتفت الموانع؛ ولأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل إنسان عمله، فحق الغير له، فلا يجوز لأحد من الناس أن يسأل الله بحق غيره، لا سيما أن الله عز وجل وعده بأن يفي له بحقه، فالمشروع لكل إنسان أن يسأل بحقه هو، بأن الله وعد السائلين، وهذا الذي يدعوه هو من السائلين، ولأن الله عز وجل جعل حقوق العباد لا تتعداهم، فكل إنسان له عمله وعليه وزره.
فالسؤال بحق الآخرين سوء أدب مع الله عز وجل واعتداء في الدعاء وظلم للآخرين؛ لأن الذي يسأل بحق الغير لم يعرف حقيقة ما وعد الله به العباد، ثم إنه لم يقدر الله حق قدره، ثم إنه اعتدى على حقوق غيره الذين جعلت حقوقهم لهم.
إذاً: لا يجوز، بل لا يشرع، بل من البدعة -وربما يصل إلى الشرك- أن يسأل الإنسان حق غيره أو بحق غيره، أو يعلق إيمانه ورجاءه وطمعه بحق غيره.
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع
إن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع
فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: (بحق السائلين عليك) وبين قوله: (بحق نبيك) أو نحو ذلك؟
فالجواب: أن معنى قوله: بحق السائلين عليك: أنك وعدت السائلين بالإجابة، وأنا من جملة السائلين، فأجب دعائي].
هذه العبارة هي تعليل لجواز مثل هذا الدعاء حتى ولو لم يثبت النص، فالحديث الذي أورده ضعفه الكثير من أهل العلم، وعلى هذا لا يعد الاستدلال به على سبيل الجزم والقطع، إنما يستأنس به، ولكن إذا رجعنا إلى قواعد الشرع في مسألة الدعاء والتوسل والشفاعة وجدنا أن الإنسان إذا سأل ربه بحق السائلين على اعتبار أنه هو من السائلين، وأنه سأل ربه فعلاً؛ يكون هذا التوسل مشروعاً؛ لأنه تعلق بالوسيلة التي شرعها الله، وهي الدعاء لله عز وجل وما وعد الله به الداعي.
فالسؤال بحق السائلين قد يجوز، لكن فيه نوع التواء؛ لأن الإنسان يجب أن يثق بوعد ربه عز وجل، وإذا عمل عملاً صالحاً فإنها وسيلة إلى الله، فعليه أن يدعوه بالأدعية المأثورة، والله عز وجل علام الغيوب، يعرف أن هذا الإنسان له رصيد من الطاعات وله رصيد من فعل الخير، فلا ينبغي للإنسان أن يتكلف في الدعاء بحيث يتعلق بمثل هذه العبارة (بحق السائلين)، هذا إذا كانت ما ثبتت شرعاً، أما إذا ثبتت فلا بد من قبولها، لكن يظهر -والله أعلم- أنها لم تثبت أو أنها ضعيفة، وعلى هذا فتكون جائزة، لكن الأولى أن الإنسان ينصرف إلى الأساليب الواضحة في الدعاء وإلى الأدعية المأثورة.
قال رحمه الله تعالى: [بخلاف قوله: (بحق فلان)، فإن فلاناً وإن كان له حق على الله بوعده الصادق؛ فلا مناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل، فكأنه يقول: لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي! وأي مناسبة في هذا وأي ملازمة؟!].
اعتبر هذا التوسل من الاعتداء في الدعاء؛ لأنه توسل بحق الغير، وكأنه ما وثق بوعد الله له، هذا من ناحية.
والناحية الأخرى أن من يفعل هذا يجهل الأصل الشرعي المعلوم، وهو أن لكل إنسان عملاً، ولا أحد ينفع غيره.
فهذا السؤال نوع من الاعتداء؛ لأنه اعتداء على حق الآخرين، وفيه نوع من عدم الثقة بالله عز وجل، وذلك كله اعتداء.
قوله هذا يقصد به ما ضربه مثلاً قبل، وهو (بحق فلان) أو (بحق النبي صلى الله عليه وسلم) أو نحو ذلك.
قال رحمه الله تعالى: [ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أحد من الأئمة رضي الله عنهم، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية، والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع] .
العبادات بخلاف الأحكام، فالأحكام الأصل فيها السعة والأصل فيها الاجتهاد والإباحة، فأمور الحلال والحرام الأصل فيها الإباحة، لكن العبادات مبناها على التوقيف، أي: موقوفة على ما ورد في الشرع.
فلا يأتي المبتدع ويقول: إن العبادات قربات، والله عز وجل أمرنا بالتقرب إليه بكل ما هو من القربات، فأنا سأصلي صلاة أخرى، أو سأقول من الدعاء ما شئت ... إلى آخره. نقول: لا، العبادات مبناها على التوحيد، أي: لا نعبد الله عز وجل إلا بما شرع.
ولا يجوز التوسع في باب العبادات والأدعية في أصولها لا في ألفاظها، فالألفاظ إذا كانت صحيحة فهذا أمر آخر، لكن القصد في أصول الدعاء وفي العبادات لا يجوز الخروج عما ورد في الشرع.
هذا الأثر ضعيف، لكن القصد أنه هنا سأل الله بواسطة أمر آخر، وهو معقد العز من العرش، وهذه العبارة أيضاً فيها غموض من حيث المقصود، فما المقصود بمعقد العز؟ هذا أمر اختلف فيه أهل العلم، فيبقى من الأمور المجهولة، فمثل هذه العبارات الغامضة لا ينبغي أن يعول عليها.
الناحية الأخرى: أن فيه إشارة إلى تعليق الدعاء بسبب وسيط، وهذا مما لا ينبغي من الإنسان ولا يجوز.
السؤال بالجاه أعظم وأكبر ذرائع أهل البدع قديماً وحديثاً إلى الشرك والبدعيات، فتعلقهم بجاه الغير من أعظم الذرائع التي يتعلقون بها ويتذرعون بها إلى أفعالهم الشركية والبدعية، وذلك أنهم زعموا -كما زعم المشركون قديماً- أن عندهم من التقصير والذنوب ما يجعلهم لا يجرءون على أن يدعوا الله مباشرة، وهذه شبهة من شبه الشيطان، فزعموا أن هؤلاء الصالحين والأنبياء والملائكة لهم جاه عظيم، فجعلوا هذا الجاه هو الوسيلة أو الوسيط، وزعموا أنه يدخل في الوسيلة المشروعة، مع أنه هو الشرك بعينه، فالسؤال بجاه فلان معناه أنه يتخذ هذا الجاه وسيطاً بينه وبين ربه، والوسيط هو الشريك وهو الند، وهو الواسطة التي ادعاها المشركون، وعدهم الله بها من المشركين، بل عدهم الله من أعظم الناس شركاً.
فالسؤال بالجاه هو تعلق بالغير، ولو لم يتعلق بشخصه، فالتعلق بالجاه كالتعلق بالشخص لا فرق بينهما، إلا أن التعلق بالجاه أكثر التباساً، فبعض أهل البدع قد لا يجرؤ على أن يجعل ذات فلان أو شخص فلان هو الوسيط بينه وبين ربه فيشرك به، إنما يجعل الجاه وسيطاً، والجاه أمر معنوي.
وهذا أيضاً نوع من الشرك فيه غموض وفيه التباس، فلذلك صار أعظم ذرائع المشركين وأهل البدع الذين يدعون الإسلام في عصرنا هذا وقبله.
قال رحمه الله تعالى: [وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه، يطلبون منه أن يدعو لهم وهم يؤمنون على دعائه، كما في الاستسقاء وغيره، فلما مات صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه لما خرجوا يستسقون: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) معناه: بدعائه هو ربه وشفاعته وسؤاله، ليس المراد أنا نقسم عليك به، أو نسألك بجاهه عندك؛ إذ لو كان ذلك مراداً لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأعظم من جاه العباس ].
هذه الحجة حجة قوية وقاطعة، وتسد باب الاستدلال على أهل الأهواء الذين زعموا أن قصة استشفاع الصحابة بـالعباس دليل على جواز الاستشفاع بالذوات أو دعاء الذوات ودعاء الأشخاص من دون الله والتعلق بهم.
وهذه الحجة التي ذكرها الشارح هي أن الصحابة لو كان مقصودهم الاستشفاع بذات العباس لكانت ذات النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته قريب إليهم، فهو مدفون بين ظهرانيهم، ولذا لما اضطروا إلى الاستشفاع استشفعوا بـالعباس ، ثم إنهم حينما استشفعوا عرفنا الصورة التي استشفعوا بها، فالصورة العملية التي استشفعوا بها عرفناها قطعاً من خلال الرواية الثابتة ومن خلال إجماع الصحابة على الفعل، وهي: أن الصحابة رضي الله عنهم طلبوا الدعاء من هؤلاء الأشخاص، ولا يقصدون التمسح بذوات هؤلاء الأشخاص كـالعباس أو غيره، إنما طلبوا الدعاء، وهذا أمر معلوم بالروايات القاطعة الدالة على أنهم حينما اجتمعوا دعوا الله وطلبوا من العباس أن يدعو وهم يؤمنون بعده.
فهذه الصورة في الاستشفاع بالأحياء فيما يقدرون عليه، أو بدعائهم، وكل الصور التي وردت عن السلف -سواء في عهد الصحابة أو بعدهم- ترجع إلى هذه الصورة، لم يرد عن السلف من الصحابة ومن بعدهم أنهم استشفعوا بالذوات.
الاستشفاع الذي هو اتخاذ الوسيلة عند الله عز وجل -بمعنى عبادته سبحانه- أعظم الواجبات، وهو الغاية من خلق الخلق، فعبادة الله عز وجل هي أعظم ما يستشفع به، بل هي الوسيلة التي ذكرها الله عز وجل، وهي توحيد الله وعبادة الله، وهي تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع شرعه، وهي الإيمان بمعناه الشرعي الصحيح الذي يشمل الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، هذه هي الوسيلة الصحيحة، وهي التي يستشفع بها ويتوسل بها إلى الله عز وجل.
هنا ذكر ثلاث صور من الصور الكبرى للتوسل:
الأولى: التوسل بدعاء الوسيلة وشفاعته يوم القيامة، وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعة الشافعين الذين يؤذن لهم.
الصورة الثانية: التوسل إلى الله عز وجل بالعبادات المشروعة، وبالأمور الإيمانية، سواء كانت اعتقاداً أم عملاً، فهذه وسيلة مشروعة.
فهنا وسيلتان: وسيلة لكل إنسان، وهي عبادة الله عز وجل، ووسيلة وعد الله بها يوم القيامة، وهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي نوعان: شفاعته العظمى وتسمى الوسيلة، وكذلك شفاعته لأهل الكبائر، وهذا لا تطلب في الدنيا، ولا سبيل إلى معرفتها في الدنيا، إنما تكون يوم القيامة بشروطها.
الصورة الثالثة: التوسل بمحبة السائل واتباعه، يعني: محبة السائل لنبيه صلى الله عليه وسلم وبإيمانه به، كأن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بحبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو باتباعي له، فهذا توسل مشروع؛ لأنه توسل من الشخص بعمله.
وهناك صورة من هذا النوع خفية لم يشر إليها الشارح، وهي أن بعض الناس قد يتوسل إلى الله عز وجل بتقديسه من يقدسه من المخلوقين، ويظن ذلك نوعاً من المحبة، كالذين يقدسون الأولياء أو الذين يقدسون الأئمة، أو الذين يقدسون الأشجار والأحجار، ويزعمون أن ذلك من أعظم الإيمان، فيتوسلون بذلك إلى الله زاعمين أن ذلك من الوسيلة، وهذا نوع من الشرك.
الصورة الرابعة: الإقسام بالمتوسل به، فهو إقسام بغير الله عز وجل، وحلف بغير الله لا يجوز.
أما التوسل بذاته فلا يجوز؛ لأن الذات لا تنفع، والإنسان لا ينفعك منه إلا دعاء الرجل الصالح؛ لأن الله عز وجل وعد بإجابة الدعوة حتى وإن كانت بالغيب، لذلك شرع للمسلم أن يدعو لغيره من المسلمين الغائبين والحاضرين الأحياء والأموات.
فهذه من الوسائل المشروعة التي جعلها الله من المنافع العامة بين المسلمين وبين المؤمنين، فالمسلم يدعو لأخيه في ظهر الغيب، ويدعو لمن سلفه، فهذا أمر من الوسيلة المشروعة، لكن تسميته وسيلة لم تكن معتادة عند الناس، فربما يتعلق به وجه ممنوع، وهو الاعتماد على دعاء الغير.
ونرى هذه السمة موجودة عند بعض الناس أو بعض الفرق والفئات، وهي أن كل من لقي منهم أحداً من المسلمين قال: ادع الله لي. فهذا قد خرج عن الحد الشرعي في طلب الدعاء من الغير بشروط وضوابط، حيث يؤدي ذلك إلى الاتكال.
قوله: [والتوسل بذاته] أي: بذات الشخص، بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره.
وقوله: [هو الذي كرهوه] يقصد أبا حنيفة وصاحبيه، وصحيح أن السلف حرموه وجعلوه من البدع المغلظة، بل من الشرك أحياناً، فالتوسل بالذوات لا يجوز؛ لأن الذوات لا تنفع.
قال رحمه الله تعالى: [وكذلك السؤال بالشيء، قد يراد به التسبب به؛ لكونه سبباً في حصول المطلوب، وقد يراد به الإقسام به].
السؤال بالشيء الذي هو العمل الصالح أو نحوه ليس على إطلاقه، فهناك من الأشياء ما لا يجوز السؤال بها، فأمور الغيب هي أشياء، لكن لا يجوز أن تسأل الله بها.
فقوله: [وكذلك السؤال بالشيء] أي: بالشيء الذي يعمله الناس، أو بالشيء الذي هو من عمل الإنسان نفسه.
قال رحمه الله تعالى: [ومن الأول: حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، وهو حديث مشهور في الصحيحين وغيرهما، فإن الصخرة انطبقت عليهم فتوسلوا إلى الله بذكر أعمالهم الصالحة الخالصة، وكل واحد منهم يقول: (فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون) فهؤلاء دعوا الله بصالح الأعمال، لأن الأعمال الصالحة هي أعظم ما يتوسل به العبد إلى الله ويتوجه به إليه ويسأله به؛ لأنه وعد أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله].
يعني: انضم إليه وانضاف إليه.
قال رحمه الله تعالى: [ فهو أيضاً قد شفع المشفوع إليه، فبشفاعته صار فاعلاً للمطلوب، فقد شفع الطالب والمطلوب منه، والله تعالى وتر لا يشفعه أحد، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فالأمر كله إليه، فلا شريك له بوجه، فسيد الشفعاء يوم القيامة إذا سجد وحمد الله تعالى فقال له الله: (ارفع رأسك، وقل يسمع، واسأل تعطه، واشفع تشفع)، فيحد له حداً فيدخلهم الجنة، فالأمر كله لله. كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران:154]، وقال تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128]، وقال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، فإذا كان لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه لمن يشاء، ولكن يكرم الشفيع بقبول شفاعته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء) .
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف! لا أملك لكم من الله من شيء، يا
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء) هذه الشفاعة مخصصة تتعلق بأمور الخلق في دنياهم، أي: شفاعة بعضهم لبعض، ولا تدخل فيها الشفاعة عند الله عز وجل؛ لأن الأمر هنا بالتماس الأجر أمر تكليف، والشفاعة المعنية في الآخرة لا تكليف فيها، إنما تحدث بإذن الله عز وجل، وليس فيها طلب الأجر، ولا تحدث إلا ممن ذكرت أوصافهم.
أما الأمر هنا: (اشفعوا تؤجروا) فهو أمر لكل مسلم، إذاً: فلا بد من أن تكون الشفاعة الواردة في هذا الحديث فيما يتعلق بأمور الناس في دنياهم، وفي مصالحهم، وفيما يقدرون عليه، أقول هذا لأن بعض المسلمين قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا) يعم الصالحين والأولياء في قبورهم، وأنهم يتقربون بالشفاعة لمن جاء يستشفع بهم ويدعوهم عند القبور، وأنهم ممن أتيحت لهم الشفاعة وأذن لهم فيها، وأنهم بذلك ممتثلون لأمر الله عز وجل، وهذا خطأ شنيع في فهم النص؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا) يعني: في دنياكم، أما بعد الممات، أو فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا أمر غير وارد، وليس هو من أبواب التكليف ولا مما يلتمس فيه الأجر.
قال رحمه الله تعالى: [في الصحيح أيضاً: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، أو شاة لها يعار، أو رقاع تخفق، فيقول: أغثني أغثني، فأقول: قد أبلغتك، لا أملك لك من الله من شيء)، فإذا كان سيد الخلق وأفضل الشفعاء صلى الله عليه وسلم يقول لأخص الناس به: (لا أملك لكم من الله من شيء)؛ فما الظن بغيره؟! وإذا دعاه الداعي وشفع عنده الشفيع فسمع الدعاء وقبل الشفاعة؛ لم يكن هذا هو المؤثر فيه كما يؤثر المخلوق في المخلوق؛ فإنه سبحانه وتعالى هو الذي جعل هذا يدعو ويشفع، وهو الخالق لأفعال العباد، فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها، وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه، وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر، وأن الله خالق كل شيء].
الجواب: الشفاعة في الدنيا تختلف مفاهيمها عند الناس، فمنهم من يدخل في الشفاعة في الدنيا التوسل بالأشخاص الأحياء والأموات ويعدها شفاعة مشروعة، أو يسميها شفاعة مع أنها لا تدخل في باب الشفاعة إلا تجوزاً.
ومنهم من يدخل ما يتعلق بالتبرك، وهو التبرك بالأشخاص، فبعض الناس يقول: إنها التبرك بفلان من الناس. أي: طلب البركة منه والتمسح بذاته، بجسمه، والتعلق بأشيائه، كما يحصل من الصوفية المبتدعة الآن يتعلقون بكل ما يتصل بالأولياء وما فيهم وما حولهم، فيتبركون بثيابهم، وبأجسامهم، وبفضلاتهم، وبكل شيء، ويقولون: هذا تبرك، ويدخلونه في الوسيلة المشروعة، يزعمون أنه من باب الوسيلة التي أمر الله باتخاذها، وأيضاً يدخلونه في مسمى الشفاعة.
ومما يتعلق بالشفاعة الشفاعة عند الله عز وجل، فالشفاعة عند الله عز وجل منها ما هو ممنوع، باتخاذ الوسائط، وكذلك الشفاعة يوم القيامة ممن لا يرضى الله عنهم ولا يرضى لهم الشفاعة.
وأما حديث: (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط)، فقد اختلف فيه أهل العلم، وليس هناك تفسير قاطع لمعنى هذا الحديث، فمنهم من قال: (لم يعملوا خيراً قط) بمعنى: أنهم ممن أسلموا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل. لكن هذا منقوض بأن هؤلاء يكونون من أهل الجنة ولا يدخلون النار؛ لأنهم ماتوا على توحيد الله، والإسلام يجب ما قبله.
ومنهم من قال: إن المقصود به أن الله عز وجل يخرج من الناس بعثاً ليس لهم أعمال صالحة إطلاقاً.
وهذا هو الراجح، وفيه إثبات أن الأمور بيد الله عز وجل، وأن العباد لا يحكمون على أحد معين بأنه في جنة أو نار، وهذا يستثنى من القواعد العامة التي فيها تحقيق الوعيد وتحقيق الوعد؛ لأن الله عز وجل فعال لما يريد، فمما سيفعله عز وجل هذا الأمر، وهو أنه يخرج من الناس بعثاً لم يعملوا خيراً قط، وذلك راجع إليه سبحانه.
الجواب: هذا سؤال جيد، فمن كان في مرحلة الطفولة إلى العاشرة ينبغي أن يعلم الأصول العامة للدين الإسلامي، فيعلم أركان الإسلام، ويفهمها تفهيماً فيه شيء من التفصيل، ويعلم أركان الإيمان ويفهمها تفهيماً فيه شيء من التفصيل بدون ذكر الخلافات، ويعلم أصول الاعتقاد العامة التي ليس فيها غموض ولا غرابة، ويقتصر فيها على ما هو واضح بالأدلة، أو مستقر في بداهة العقول، أما الجزئيات والتفريعات أو ما كانت أدلته غامضة أو معانيه غامضة؛ فينبغي أن يجتنب في تعليم الصغار.
ثم إنه ينبغي ألا يكون تعليم الصغار على سبيل الامتحان والسؤال، فيجوز أن يكون من وسائل تعليم الصغار السؤال والجواب في غير العقيدة، إلا في الأمور الكبرى الواضحة، مثل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ لكن الأمور الأخرى لا ينبغي أن تأتي على شكل سؤال، بل ينبغي أن يفهمها الطفل أولاً، ولذلك أرى أن من الأخطاء الشنيعة: سؤال الصغار بمثل: أين الله؟ أو عن الاستواء أو عن الرؤية، فلا ينبغي هذا حقيقة؛ لأن هذا فيه نوعاً من امتحانهم وإلقاء اللبس على أذهانهم الصافية التي لا تستوعب هذه الأمور -وإن كانت من أصول الدين- إلا بتعليم، نعم علمهم أولاً، ثم اسأل بعد ذلك.
الجواب: لا ينبغي أن توقع نفسك في جدال المخالفين من أهل الأهواء المغلظة إلا باستعداد علمي جيد، وبضمانات وشروط قل أن تحدث إلا في أجواء قليلة جداً، ومن أهمها: أن تعرف أن صاحبك جاد ويريد الحق، وأن تلم بالقضية التي تريدها، وإلا يصل ذلك إلى حد إضاعة الوقت والمجالس الطويلة، ولا يصل إلى حد تكلف الحجج لمجرد إلزام الخصم، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر