النكاح من سنن المرسلين، وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل، وقال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) ].
والنكاح في اللغة: الضم والجمع، ومنه تناكحت الأشجار، إذا انضم بعضها إلى بعض.
ويطلق على العقد وعلى الجماع، يقال: نكح فلان فلانة، إذا عقد عليها، ويقال: نكح فلان فلانة إذا جامعها.
والنكاح هو عقد الزوجية الصحيح، ولا بد له من إيجاب وقبول.
والنكاح من سنن المرسلين، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] .
وقال عليه السلام: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) ، وقال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].
والنكاح أفضل من التخلي للعبادة، يعني كونه يتفرغ لنوافل العبادة؛ لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج.
والنكاح قد يكون واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون مباحاً، فيجب على من خاف الزنا على نفسه إذا كان عنده استطاعة، فإن كان عاجزاً فإنه يصوم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).
أما إذا كان لا يخاف على نفسه الزنا وله شهوة فإنه يكون مستحباً، وإن كان لا شهوة له فالنكاح في حقه مباح، كالشيخ الكبير الذي لا شهوة له، أو من لا شهوة له.
وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (النكاح من سنن المرسلين، وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة).
كأن يقول: لن أتزوج حتى أقوم في الليل وأصوم النهار، نقول: لا، تزوج فهو أفضل من أن تتفرغ للنوافل، لما فيه من المصالح العظيمة، من تحصين نفسه، وتحصين زوجته وغض بصره، ولما فيه من التعبد بالنفقة وتربية الأولاد، ولما فيه من تكثير الأمة، والتسبب في زيادة الأولاد الشرعيين الذين يعبدون الله، ولما فيه من تحقيق لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) النكاح فيه مصالح عظيمة.
ولما جاء نفر من الصحابة فسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السر فتقالوها فقال بعضهم: أنا لا أتزوج النساء، وقال الآخر: أنا لا آكل اللحم، وقال الآخر: أنا أصلي ولا أنام، وقال الآخر: أنا أصوم ولا أفطر، فخطب النبي في الناس وقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا..؟! لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) ]
وهذا الحديث دال على تحريم العادة السرية، وهي الاستمناء باليد، لأن النبي قال: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ولم يقل: فليفعل العادة السرية.
يعني: إن أراد خطبة امرأة فله أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها من غير خلوة، بل يكون عنده محرمها، أو يتحيل، كأن يتخبأ لها في مكان ينظر إليها وهي لا تشعر، فهذا لا بأس به، ولا يجوز له أن يخلو بها، أو يسافر معها فكل هذا من الأسباب التي تجر إلى الفاحشة، لأنها أجنبية، ولا يكلمها في الهاتف.
لا يجوز للإنسان أن يخطب امرأة إذا علم أنه خطبها غيره لحديث: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) إلا إذا ردوا الأول أو أذن له، أو لم يركنوا إليه.
والنظر إلى المرأة عند الخطبة مباح وقد يكون مستحباً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأحد الصحابة: (اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) وأقل ما في الأمر الاستحباب.
لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة التي تعتد من الوفاة أو المطلقة البائنة، أما المطلقة الرجعية فيحرم؛ لأنها زوجة الأول فإذا كانت رجعية فلا يجوز مطلقاً لا تصريحاً ولا تعريضاً لأنها زوجة تبقى في بيت زوجها حتى تخلو من العدة، أما المطلقة البائن فيجوز التعريض ولا يجوز التصريح؛ لأن التصريح وسيلة إلى العقد، قد يكون سبباً في كونها تزعم انقضاء العدة قبل أن تنقضي.
ومن التعريض أن يقول: إني لمثلك لراغب، إني أريد امرأة خيرة دينة صالحة مثلك أو ما أشبه ذلك، وهي تجيبه بقولها: لا يرغب عن مثلك، أو ما أشبه ذلك، من تعريض دون التصريح، قال الله تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، أي: تنتهي العدة، فالآية فيها تحريم التصريح وإباحة التعريض.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة فيقول: لا تفوتيني بنفسك، وأنا في مثلك لراغب، ونحو ذلك ].
هذا مثال التعريض: لا تفوتيني بنفسك، وأنا في مثلك لراغب، أريد أن أتزوج إنسانة صالحة.. وما أشبه ذلك.
لا يجوز النكاح إلا بالإيجاب والقبول، والعقد إيجاب وقبول، إيجاب الولي أن يقول: زوجتك بنتي، وإذا كان وكيلاً: زوجتك بنت موكلي فلان، وكذلك القبول يقول: قبلت هذا الزواج، أو قبلت لموكلي فلان إذا كان وكيلاً؛ لأنه يجوز للولي وللزوج أن يوكلا.
وهناك أشخاص لا ولاية لهم كالكافر والصغير والعاضل وتنتقل الولاية إلى من بعدهم. وقد يكون الإنسان هو الولي وهو الزوج، كما لو كانت المرأة بنت عمه وهو أقرب الأولياء وأراد أن يتزوجها فيتولى العقد من الجانبين، ويزوجها من نفسه، ويقول: تزوجتك، ويقول: قبلت.
وتقديم القبول على الإيجاب لا يصح فلا بد أن يقدم الإيجاب على القبول، فإذا قال شخص: قبلت الزواج، والولي لم يوجب لا يصير زواجاً؛ لأنه لا يصح أن يقبل شيئاً لم يعطه؟!
ولا يصلح أن يقول الولي: قبلت، لأن القبول من الزوج والإيجاب من الولي، كما لا يتقدم القبول على الإيجاب، ولا بد أن يعيد القبول بعد إيجاب الولي.
هذه السنة المستحبة، البدء بخطبة الحاجة قبل عقد النكاح، يخطب الولي العاقد، أو أحد الشاهدين بهذه الخطبة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ثم يقرأ الثلاث الآيات، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وآية النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، وآية الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] ، ثم يقول الولي: زوجتك فيقول: قبلت، أو زوجتك بنت فلان فيقول: قبلت هذا الزواج، هذه سنة مستحبة، وقيل: يستحب أن يكون العقد مساءً يوم الجمعة، لأن فيه ساعة مستجابة.
إعلان النكاح هو الفارق بينه وبين السفاح، فالسفاح في الخفاء والسر، أما النكاح فيعلن، ومن ذلك الضرب بالدف، فهو من باب الإعلان، ولابد في النكاح عند العقد من أربعة: ولي وزوج وشاهدان، ولو تواصى هؤلاء على الكتمان فهو غلط كبير وكان ينبغي لهم أن يعلنوا.
ولا يصح عقد النكاح وهم محرمون وإن فعلوا ذلك فهو نكاح باطل وفاسد، لقول النبي: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) وهذا إذا كان محرماً، أما إذا كان وقت الحج وهم لم يحرموا فلا حرج.
وإذا كانوا محرمين وعقدوا قبل طواف الإفاضة فالعقد فاسد ولا يصح إلا بعد الرمي والحلق والطواف ويجدد العقد.
أي: لا بد من: أولاً: الولي وهو شرط الحديث: (لا تزوج نفسها والمرأة المرأة فإن الزانية هي التي تزوج نفسها) (وأيما امرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل باطل باطل) ، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء أن الولي شرط لصحة النكاح، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يجوز للمرأة أن تزوج نفسها، وأنه لا يشترط الولي، وهذا باطل، يحصل به مفاسد عظيمة فإن الإسلام جعل الولي هو الذي يتولى العقد حفظاً للمرأة وصيانةً لها، ولا سيما في العصر الحاضر.
ثانياً: الشاهدان لحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).
هذا في ترتيب الأولياء: أولى الناس في تزويج المرأة أبوها، ثم جدها، ثم ابنها، ثم ابن ابنها، ثم أخوها الشقيق، ثم أخوها لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن عم الشقيق، ثم ابن العم لأب، ثم معتقها إذا كانت رقيقة، ثم عصبة المعتق وهم أبو المعتق وجد المعتق وابن المعتق وابن ابنه وأخو المعتق وابن أخي المعتق ... وهكذا، مثل عصبة النسب، هذا هو المشهور.
وقيل: إن الابن مقدم على الجد لأنه مقدم على الجد، وقيل: إن الأخ والجد في مرتبة واحدة على ميراث الجد والإخوة لكن هذا هو المذهب.
ووكيل كل واحد يقوم مقامه، فالأب إذا وكل وكيلاً يقوم مقامه، وكل وكيل ينوب عنه في تزويج ابنته يقوم مقامه، والجد إذا وكل يقوم مقامه، والابن إذا وكل يقوم مقامه، والأخ إذا وكل يقوم مقامه، وكذلك الزوج له أن يوكل من يقبل الزواج عنه. أما الخال والعم لأم وأبناؤهما فليس لهم ولاية لأنهم ليسوا من العصبة.
وأما بالنسبة للبلوغ ففيه خلاف، والصحيح أنه لابد منه، وقال بعضهم: المميز له أن يزوج وإن كان ابن عشر سنين، والأرجح أنه لابد أن يكون بالغاً ومسلماً، وموجوداً لم يغب غيبة منقطعة ولا عاضلاً، فإن كان كافراً سقطت ولايته أو كان صغيراً أو كان عاضلاً منعها من الزواج تشكوه إلى القاضي أو غاب غيبة طويلة وحينئذٍ تنتقل الولاية إلى من بعده.
وهنا مسألة وهي: هل المرأة لها أن تشهد في النكاح؟
والجواب: ليس لها ذلك، ولابد أن يكون الشاهدان اثنين ذكرين عادلين سميعين ناطقين بصيرين.
يعني: لا يجوز أن يعقد العم الزواج مع وجود الأب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يصح تزويج أبعد مع وجود أقرب إلا أن يكون صبياً ]
كأن تكون المرأة لها أخ ولها عم، فيتولى تزويجها الأخ لأنه الأقرب؛ إلا إذا كان صبياً لم يبلغ بعد فتنتقل إلى من بعده.
قال المؤلف رحمه الله: [ إلا أن يكون صبياً أو زائل العقل ]
لأن زائل العقل لا ولاية له.
قال المؤلف رحمه الله: [ أو مخالفاً لدينها ]
الكافر لا ولاية له على المسلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ أو عاضلاً لها ]
يعني: منعها من الزواج وتنتقل الولاية إلى من بعده.
قال المؤلف رحمه الله: [ أو غائباً غيبة بعيدة ]
إذا غاب ولم يمكن الاتصال به تنتقل إلى من بعده.
قال المؤلف رحمه الله:[ ولا ولاية لأحد إلى مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة ]
آخر الأولياء السلطان، إذا لم يوجد لها ولي فتنتقل الولاية إلى الحاكم الشرعي.
والمسلم يكون له ولاية على من تحت مملكته، وقد يكون تحته غير مسلمين يهوداً ونصارى يدفعون الجزية فيكون له ولاية عليهم، وكذلك السيد إذا كانت عنده أمة ولو كانت كافرة يكون ولياً عليها.
وهذا لا بأس به بعد العقد لأنها قد أصبحت زوجة .. ولو جامعها فلا بأس، لكن لا ينبغي له أن يجامعها حتى يعلن النكاح لأنه هذا يصير سبباً للمفاسد، فقد يجامعها ثم تحمل ثم لا يعلن النكاح إلا بعد ستة أشهر ثم تأتي بالولد بعد الإعلان بشهرين أو ثلاثة وبعد ذلك تكون المشاكل.
وهذا القول باطل، فلابد من الشاهدين، ولا يصح النكاح إلا بولي وزوج وشاهدين.
للأب تزويج أولاده وبناته الصغار، أما تزويج البنت الصغيرة إذا وجد لها كفؤ وهي في سن البلوغ فلا بأس، لما ثبت عن النبي أنه خطب إلى أبي بكر رضي الله عنه عائشة وهي صغيرة وزوجها إياه، لما لها من الحظ والمصلحة، فإذا وجد الإنسان الكفؤ لابنته وخاف فوته زوجها وهي صغيرة.
وتزوج قدامة بن مظعون بنت الزبير وأمها في النفاس فقيل له في ذلك فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني وإن عشت فهي زوجتي.
أما الكبيرة البالغة ففيها خلاف: هل للأب أن يزوجها أم لا؟ في المذهب عند الحنابلة أنه يجوز للأب أن يزوجها ولو لم يستأذنها؛ لأنه كامل الشفقة، والقول الثاني: أنه ليس للأب أن يزوج البالغة ولو كانت بكراً إلا بإذنها، وهذا القول روي عن الإمام أحمد وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ، وقال ابن القيم : وهذا هو الذي ندين الله به، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن، قيل له: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تصمت).
أما الذكور الصغار فالحنابلة قالوا: للأب أن يزوجهم، أما الأولاد الكبار فلا يزوجهم إلا بإذنهم، وكذلك الثيب لا يزوجها إلا بإذنها بالاتفاق.
وبالنسبة للذكور الصغار فقد روي عن عمر أنه زوج ابنه وهو صغير.
وكذلك قياساً على البنات الصغار، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج عائشة وهي صغيرة، وقياساً على التصرف في المال، أما إذا كانت صغيرة لها إذن كبنت تسع، فالصواب أنه لابد من استئذانها؛ لكن لو زوجها أبوها ولم يستأذنها فالزواج صحيح.
أما غير الأب فلا يجوز مطلقاً بالإجماع؛ سواء كانت صغيرة أو كبيرة لكن الخلاف عند وجود الأب خاصة؛ لأنه كامل الشفقة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم، وبناته الأبكار بغير إذنهم، ويستحب استئذان البالغة ].
يستحب استئذان البالغة عند الحنابلة والقول الثاني أنه يجب.
قال في الشرح: (أما الذكور فلما روي عن عمر أنه زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعاً، رواه الأثرم ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية، فملك تزويجه في ابنته الصغيرة، وسواء كان عاقلاً أو معتوهاً؛ لأنه إذا ملك تزويج العاقل فالمعتوه أولى.
وأما تزويجه للإناث فإن للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر بغير خلاف؛ لأن الله سبحانه قال: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، فجعل للائي لم يحضن ثلاثة أشهر، ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح.
والرواية الأخرى: لا يجوز تزويجها إلا بإذنها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تنكح البكر حتى تستأذن، قيل: يا رسول الله! فيكف إذنها؟ قال: أن تسكت) متفق عليه، وعنه: لا يجوز تزويج ابنة التسع إلا بإذنها لقوله عليه السلام: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو ابنها، وإن أبت فلا جواب عليها) رواه أبو داود ، واليتيمة: من لم تبلغ، وقد جعل لها ابناً وقد انتفى الابن في حق من لم تبلغ تسعاً بالاتفاق ).
قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب استئذان البالغة وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنه ]
البالغ من البنين لابد من إذنه وكذلك الثيب لابد من إذنها، وهذا في حق الأب، وأما غيره من الأولياء فلابد أن يستأذنوهم في كل شيء، وليس لغير الأب من الأولياء أن يزوج الصغير ولا الصغيرة بل ينتظر حتى تبلغ.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويستحب استئذان البالغة، وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنه، وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها ]
كالجد والأخ والعم وغيرهم؛ كل هؤلاء لا يزوجون الصغير والصغيرة ولا يزوجون إلا بالرضا والرفق.
قال المؤلف رحمه الله: [ وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها، وإذن الثيب الكلام، وإذن البكر الصمات ]
إذن البكر السكوت، أما الثيب فلا بد أن تتكلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها) ]
وإذا تكلمت يكون من باب أولى، خلافاً لـابن حزم فإنه يقول: لو تكلمت البكر فلا يعتبر إذن؛ وهذا الجمود عند الظاهرية.
يعني: لابد أن يكون لها كفؤ، والعرب أكفاء، فلا يزوج عربية بأعجمي، لأنها ليست بكفء له، وكذلك العفيفة ليست كفأً للفاسق فليس له أن يزوجها فاسقاً، والكافر من باب الأولى.
والقول الثاني أنه لا بأس أن يزوج المرأة عربي أو أعجمي إذا كان مسلماً ديناً واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج زينب مولاه زيد بن حارثة وهي قرشية وهو مولى، وكذلك أبو حذيفة زوج ابنة أخيه من مولاه ثابت .
أما مسألة القبيلي وغيره فلا بأس بذلك لكن إذا خشي من الشقاق فيترك درأ للفتنة والمفسدة؛ لأن بعض القبائل إذا تزوج منهم خضيري حصل نزاع وشقاق. وإن كان الأصل العمل بحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) سواء كان مولى أو قبيلياً أو خضيرياً عربياً أو أعجمياً مادام مسلماً ليس فاسقاً فهو كفء، هذا هو الصواب. والفقهاء يرون أن العرب أكفاء للعرب وأن العجم ليسوا أكفاء فلا يزوجوا.
قال في الشرح: (لكن إن لم ترض المرأة أو لم يرض بعض الأولياء ففيه رواية ثانية إحداهما: العقد باطل؛ لأن الكفاءة حقهم تصرف فيه بغير رضاهم فلم يصح كتصرف الفضولي، والثانية: يصح ولمن لم يرض الفسخ سواء كانا متساويين في الدرجة أو متفاوتين فيزوجوا الأقرب، فلو زوج الأب بغير الكفء فرضيت الثيب كان للإخوة الفسخ، ولأنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة فملكا الفسخ متساويين).
لكن هذا يكون من قبل الحاكم، فيطالبون الحاكم بالفسخ، وهذا على قول، والصواب أن الزواج صحيح والعقد صحيح، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر ذلك كما سبق، فدل على أن الكفاءة إنما تكون في الدين، لكن درء المفاسد قاعدة في الشريعة ينبغي مراعاتها؛ لأن بعض القبائل يرضون بذلك وربما اجتمعت وفسخوه بالقوة، فإذا كان يخشى ذلك فلا يفعل درءاً للمفسدة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وليس العبد كفؤاً لحرة ولا الفاجر كفؤاً لعفيفة ]
العبد لا يزوج حرة إلا إذا رضيت ورضي الأولياء فلا بأس.
مثل ابن عمها هو وليها إذا لم يكن هناك أحد قبله، فهو يتزوجها لنفسه إذا رضيت، ويتولى هو طرفي العقد، يقول: تزوجتك، ثم يقول: قبلت وقيل: يوكل وكيلاً، يزوجه إياها، مثل الحاكم الشرعي.
وكذلك السيد له أن يزوج عبده بأمته يقول: زوجت عبدي فلان بفلانة مولاته وقد روي عن بعض السلف أنه قال: أترضين أن أتزوجك؟ قالت: نعم، قال: تزوجتك، وهو وليها، فتولى طرفي العقد، لأنه هو الولي وهو الزوج. فإذا كانت عنده وليس هناك أحد أقرب فيحضر شاهدين ويتولى طرفي العقد.
إذا قال للأمة: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك بحضرة الشاهدين تم العقد.. العتق والنكاح، فيصير مهرها هو عتقها، وهذا له أجره مرتين؛ لأنه أعتقها وتزوجها كما جاء في الحديث، وفيه أن: (من الذين يؤتون أجرهم مرتين: رجل أعتق أمته وتزوجها).
قال المؤلف رحمه الله: [ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية ، وجعل عتقها صداقها ].
وهنا مسألة لا بد من التنبيه عليها وهي أنه إذا زوج الأب رجلاً فاسقاً والأخ لا يريده فله أن يرفع خصومة ودعوة للمحكمة ويقول: إن والدي زوج أختي رجلاً فاسقاً وأنا لا أرضى، فتنظر المحكمة، فإذا ثبت أنه فاسق يفسخ له.
والإماء الإناث والعبيد الذكور، فللسيد أن يزوج الذكور ويزوج الإناث بغير إذنهم لأنه مالكهم وسيدهم، والملك أقوى من الزواج لأنه ملكهم فله أن يزوج عبده ولو لم يستأذنه إذا كان صغيراً وكذلك الأمة، أما الكبير البالغ فلابد من استئذانه، لكن إذا كان صغيراً ورأى المصلحة في تزويجه زوجه وزوجها الكفء كما أن الأب له أن يزوج بنته الصغيرة كفؤاً قبل البلوغ.
إذاً: إذا كانوا صغاراً فلا يحتاج لاستئذانهم وأما الكبير فلا بد من إذنه، لكن ما هو حد الصغر هل سن البلوغ، أو التمييز؟
قال المؤلف رحمه الله: [ وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها ]
له أن يزوج أمة موليته، يعني: إذا كان له أمة أعتقها ثم ملكت هذه الأمة أمة، فمن الذي يزوجها؟ الذي يزوجها سيد سيدتها؛ لأن المرأة لا تتولى العقد لنفسها ولا لغيرها، فإذا كانت امرأة عندها امرأة وأرادت أن تزوجها فلا تزوجها بل سيزوجها سيدها الذي أعتقها.
العاهر: الزاني، يعني: السيد ليس له أن يجبره إذا كان كبيراً، والعبد ليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده، فكما أن السيد لا يجبر عبده الكبير على الزواج فكذلك العبد ليس له أن يتزوج حتى يستأذن سيده، وإذا تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر أي: زان.
قال المؤلف رحمه الله: [ وأيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر، فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته، إلا أن يهديه بأقل من قيمته أو المهر ]
إن تزوج بغير إذن سيده فالمهر يؤخذ من رقبته، يعني يباع وتؤخذ قيمته مهراً لها، إلا إذا أحب السيد أن يفاديه، ينظر الأقل فإن كان الأقل القيمة فاداه، وإن كان الأقل المهر دفع المهر.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته، إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر، ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح، ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول، وإن أصابها فلها مهرها ]
إذا تزوج امرأة يظنها حرة فبانت أمة، فلا مهر عليه وله أن يفسخ، وإذا جاءه أولاد منها يكون أولادها أحراراً؛ لأنه مغرر به؛ لكن يفدي هؤلاء الأولاد من غره بها، ويطلب المهر من الذي غره.
أما إذا علم قبل الدخول فيفسخ ولا مهر لها.
قال المؤلف رحمه الله: [ وإن أولدها فولده حر يفديه بقيمته ويرجع بما غرم على من غره ويفرق بينهما ]
ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء، فإن كان ممن يجوز له ذلك فرضي فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق ]
ويجوز له نكاح الإماء بشرطين كما سبق: إذا كان لا يجد ثمن الحرة، وإذا خشي على نفسه العنت وهو الزنا، قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فإذا كان ممن يجوز له ورضي البقاء معها فحينئذ يكون أولاده بعد الرضا أرقاء، لأنه رضي، وفي الأول يكونون أحراراً؛ لأنه لم يعلم وغرر به.
والأمة إذا أرادت الزواج يزوجها سيدها بعد مثلها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر