إسلام ويب

تفسير سورة الفاتحة [12]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حثنا الله تعالى أن نطلب منه أن يهدينا صراطه المستقيم، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. كما حثنا على أن نطلب منه أن يجيرنا من صراط المغضوب عليهم، وهم اليهود، وصراط الضالين، وهم النصارى.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] إلى آخرها أن الله يقول: (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

    وقوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] مفسر للصراط المستقيم، وهو بدل منه عند النحاة، ويجوز أن يكون عطف بيان، والله أعلم.

    والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء، حيث قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70] ].

    المنعم عليهم أربعة أصناف: النبيون، والصديقون، والشهداء، والصالحون، والصالحون: هم سائر المؤمنين على تفاوت في مراتبهم، والصالحون ثلاث طبقات: السابقون المقربون، والمقتصدون، والظالمون لأنفسهم.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال الضحاك عن ابن عباس : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] بطاعتك وعبادتك، من ملائكتك وأنبيائك والصديقين والشهداء والصالحين، وذلك نظير ما قال ربنا تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.. [النساء:69] الآية.

    وقال أبو جعفر الرازي : عن الربيع بن أنس : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] قال: هم النبيون.

    وقال ابن جريج عن ابن عباس : هم المؤمنون. وكذا قال مجاهد ، وقال وكيع : هم المسلمون، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. والتفسير المتقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما أعم وأشمل، والله أعلم ].

    لكن القول بأنهم المسلمون أوسع؛ لأن المسلم يطلق على العاصي وغير العاصي، وأما المؤمن فلا يطلق إلا على المطيع، ولا يطلق على غيره إلا بقيد.

    مرض القلوب بالنفاق

    قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:125] والمراد بالمرض النفاق، وهو يزيد وينقص، والكفر كذلك يزيد وينقص، والإيمان يزيد وينقص، وأدلة الزيادة هي أدلة على النقص، وكذلك يستدل بحديث: (أن النساء ناقصات عقل ودين)، وحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) ووجه الدلالة: أنه إذا نقصت شعبة من الإيمان نقص الإيمان، ومثله حديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فهذا فيه دلالة على نقص الإيمان.

    بيان صحة إمامة الصديق

    قال الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسير قوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]: فيها وجهان:

    الأول: يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأنه داخل فيمن أمرنا الله أن نسأله سلوك صراطهم؛ لأن الله بين لنا من هم أهل الصراط المستقيم الذين أنعم عليهم، فعد منهم الصديقين، وقد بين صلى الله عليه وسلم ذلك.

    وفيها رد على الرافضة الذين ينكرون إمامته، ويقولون: إنه مرتد! وإنه اغتصب الخلافة، والصحابة أجمعوا على خلافة الصديق وإمامته، وهم لا يجمعون على معصية، وهو داخل في الصديقين، بل هو أول الصديقين.

    ومما يدل على أنه صديق قول النبي صلى الله عليه وسلم حين ارتقى جبل أحد هو وأبو بكر وعمر وعثمان ، فاهتز أحد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أثبت أحد؛ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان) والشهيدان هما: عمر وعثمان ، وهذه شهادة لـأبي بكر رضي الله عنه بأنه صديق.

    دخول مريم عليها السلام في الذين أنعم الله عليهم

    والوجه الثاني الذي ذكره الأمين الشنقيطي قوله: قد علمت أن الصديقين هم من الذين أنعم الله عليهم، وقد صرح تعالى بأن مريم ابنة عمران صديقة في قوله: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة:75] الآية، فهل تدخل مريم في قوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] أو لا؟

    قال الشنقيطي : دخولها فيهم يتفرع على قاعدة أصولية مختلف فيها، والقاعدة تقول: هل ما في القرآن العظيم وما في السنة من الجموع الصحيحة المذكرة ونحوها مما يختص بجماعة الذكور تدخل فيه الإناث أم لا يدخلن فيه إلا بدليل منفصل؟

    وفي هذا الوجه الذي ذكره الأمين رد على ابن حزم القائل: بأن مريم نبية!

    والرد عليه: أن الله تعالى سماها صديقة في مقام الامتنان، فكان أشرف وصف لها الصديقة، ولو كانت نبية لذكرها الله بالنبوة، وابن حزم يقول: إن النبوة قد تكون في النساء، وقال: إن مريم أم عيسى نبية، وكذلك أم موسى نبية؛ لقوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص:7] قال: وهذا وحي من جنس ما ينزل على الأنبياء، وكذلك أيضاً سارة امرأة إبراهيم بشرتها الملائكة فهي نبية! وهذا من أغلاطه رحمه الله، والصواب: أن النساء ليس فيهن نبية، وأعلى ما جاء في حقهن الصديقية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088582990

    عدد مرات الحفظ

    777486707