إسلام ويب

شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [13]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام فضائل جمة لم يحز عليها أحد غيره، فقد فضله على سائر المخلوقات، وجعل رسالته خاتمة الرسالات، وهو خير من وطئ الثرى بقدمه، وخير من علا السماوات بأمر ربه، وهو مشرع السنة، وأول من تفتح له الجنة، وهو صاحب الشفاعة التي يعجز عن القيام بها أولو العزم من الرسل. ومن عقيدة أهل السنة عدم الشهادة لأحد بالجنة أو النار إلا لمن شهدت له النصوص بذلك.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فصل: ونعتقد أن محمداً المصطفى خير الخلائق، وأفضلهم، وأكرمهم على الله عز وجل، وأعلاهم درجة، وأقربهم إلى الله وسيلة، بعثه الله رحمة للعالمين وخصه بالشفاعة في الخلق أجمعين ].

    عقد المؤلف رحمه الله هذا الفصل لبيان فضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخصائصه التي اختصه الله بها وفضّله ورفعه على العالمين.

    (ونعتقد) يعني: ونعتقد معشر المؤمنين ومعشر المسلمين. (أن محمداً): أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني رسول الله وخاتم النبيين وخير الخلق، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، فهو عليه الصلاة والسلام سيد الناس وخير الناس وخير الخلائق أجمعين، يشمل هذا الملائكة والنبيين وغيرهم، فهو خير الخلق وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل.

    فالخيرية والأفضلية والإكرام من الله عز وجل من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فهو عليه الصلاة والسلام خير الخلق وأفضل الأنبياء والمرسلين، فالأنبياء أفضل الناس والمرسلون أفضلهم، وأولو العزم أفضلهم ونبينا عليه الصلاة والسلام أفضل أولي العزم، وأفضل الرسل وأفضل الخلق أجمعين، فهو خير الخلق وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل وأعلاهم درجة؛ لأن درجته عليه الصلاة والسلام الوسيلة، والوسيلة: درجة في الجنة لا تنبغي أن تكون إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث: (من قال مثلما يقول المؤذن، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حصلت له الشفاعة).

    فالوسيلة منزلة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وبعض العامة يقول: آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة ويزيد: والدرجة الرفيعة، وهذا غلط؛ لأن الدرجة الرفيعة هي الوسيلة، لكن هذه من زيادات العوام.

    كما أن بعض العوام يزيد في الاستفتاح يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك، ويزيد: ولا معبود سواك، فلا إله غيرك يعني: لا معبود بحق سواك، فالعامة يزيدون من عند أنفسهم.

    فنبينا عليه الصلاة والسلام أعلى الناس درجة، ومنزلته أعلى منزلة، وهي الوسيلة وسقف عرش الرحمن، وأقربهم إلى الله وسيلة يعني: وجاهة ومكانة عند الله عز وجل، فأقرب الناس مكانة ووجاهة عند الله هو نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا كان موسى عليه الصلاة والسلام قال الله عنه: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب:69]، فمحمد صلى الله عليه وسلم أعظم وجاهة، قال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، والعالمين: تشمل الجن والإنس والعرب والعجم، فهو عليه الصلاة والسلام أرسله الله رحمة للعالمين، أما المؤمنون فإن الله تعالى رحمهم ببعثته وأنقذهم به من النار، وأما الكفار فإنه قامت عليهم الحجة، ولما أوجب الله الجهاد جاهدهم النبي الكريم وأصحابه، فإذا قتلوا كان هذا تخفيفاً من عذابهم لو استمروا في حياتهم على الشرك، فيكون هذا رحمة لهم؛ لأنهم لو استمروا على الكفر لزاد عذابهم، فإذا قتلوا في الجهاد في سبيل الله خف عذابهم.

    وقوله: (بعثه الله رحمة للعالمين)، يشير إلى قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، (وخصه بالشفاعة في الخلق أجمعين) هذه من خصائصه، وهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف جميعاً وهي للمؤمنين وللكفار عامة؛ لأنها شفاعة في إراحة الناس من الموقف، يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يريحهم الله من هذا الموقف ويحاسبهم، وهي المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون والآخرون عليه الصلاة والسلام.

    قال: [ روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب ميسرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) ].

    هذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، وهو من أصح الأحاديث.

    يروي جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي).

    الأولى: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، يعني: إذا سمعه العدو من مسافة شهر خاف وارتعب، وهذا سلاح أعطاه الله إياه، وهو أن العدو إذا سمع به من مسافة شهر أصابه الرعب، والرعب سلاح، وهذه الخاصية له ولأمته عليه الصلاة والسلام وللعاملين بشريعته، فالله تعالى ينصرهم على أعدائهم، ويرعب أعدائهم من مسيرة شهر، من الخوف والرهبة والخوف.

    الثانية: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)، وهذه من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وهي لهذه الأمة جميعاً، (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فيصلي الإنسان في أي مكان، في البر في البحر في الجو، حيثما أدركتك الصلاة تصلي بخلاف الأمم السابقة فإنهم لا يصلون إلا في معابد خاصة، أما نحن والحمد لله نصلي في أي مكان، فإذا سافر الإنسان فإنه يقف ويصلي سواء في البلد أو في المسجد أو في البيت أما من سبقنا فهم لا يصلون إلا في معابدهم الخاصة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل).

    الثالثة: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) يعني: الأموال التي يأخذها المسلمون من العدو في الجهاد في سبيل الله، فإذا قاتل المؤمنون الكفار فإنهم يغنمون أموالهم ومواشيهم ودوابهم وذراريهم ونساءهم، فتكون الذراري عبيداً لهم، والنساء جوارياً، والرجال كذلك يسترقونهم أو يقتلونهم، والأموال تكون لهم.

    وأما الأمم السابقة فإن الغنائم لا تحل لهم، بل تجمع وتأتي نار من السماء تأكلها على أن هذه علامة القبول، أي: أن علامة القبول أن تأتي نار من السماء تأكل ما جُمع، أما نحن فأحل الله لنا الغنائم.

    الرابعة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأعطيت الشفاعة)، وهي الشفاعة العظمى في أهل الموقف حتى يقضى بينهم وهذه خاصة به عليه الصلاة والسلام.

    الخامسة: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)، وهذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة به، كان كل نبي يبعث إلى قومه، وكان يوجد نبيان في وقت واحد، ومثال ذلك: أن لوط وإبراهيم في وقت واحد، كل واحد يرسل إلى قومه، أما نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه بعث إلى الناس عامة: العرب والعجم والجن والإنس وجميع الخلق، ونسخت الشرائع بعد بعثته عليه الصلاة والسلام، وليس بعده نبي، وليس للحصر قوله: (أعطيت خمساً) بل جاء في الحديث الآخر: (أعطيت ستاً)، وذكر السادسة: (وأعطيت جوامع الكلم)، وفي اللفظ الآخر: (واختصرت لي الحكمة اختصاراً)، يعني: أعطي جوامع الكلم بأن يأتي بالكلام القليل الذي يضم معاني غزيرة.

    قال: [ وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة فرفع إليه الذراع -وكانت تعجبه- فنهش منها نهشة، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة..)، وذكر حديث الشفاعة بطوله ].

    حديث الشفاعة حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما، قوله: (نهس)، بالسين المهملة وروي: (نهش) بالشين، والنهس بالسين هو القطع بأطراف الأسنان، والنهش بالشين بالأضراس، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة، يعني: دعي إلى وليمة فرفعت إليه ذراع اليد وكانت تعجبه عليه الصلاة والسلام فنهش منها نهشة بطرف أسنانه، ثم قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة)، وفي اللفظ الآخر: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، وهذا من خصائصه أنه سيد الناس عليه الصلاة والسلام في الدنيا ويوم القيامة، وتظهر سيادته يوم القيامة حينما يجمع الله الأولين والآخرين، عليه الصلاة والسلام.

    قال: [ وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتي يوم القيامة باب الجنة، فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك)، رواه مسلم ].

    الحديث رواه الإمام مسلم -كما قال المؤلف رحمه الله- في كتاب الإيمان، باب: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أول الناس يشفع في الجنة)، رواه الإمام أحمد في مسنده.

    وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يستفتح باب الجنة، وهو أول من يدخل الجنة، وأول من يدخلها من الأمم أمته عليه الصلاة والسلام، قال: (آتي يوم القيامة باب الجنة، فاستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك)، هذه من خصائصه ومن فضائله عليه الصلاة والسلام.

    قال: [ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)، رواه مسلم وأبو داود ].

    كما قال المؤلف رحمه الله، الحديث رواه مسلم في كتاب الفضائل، ورواه أبو داود في كتاب السنة، ورواه الإمام أحمد في المسند، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)، هذه من فضائله عليه الصلاة والسلام أنه سيد الناس، (ولا فخر) أي: لا يكون عن فخر عليهم؛ بل يخبرنا عن ذلك؛ لأنه لو لم يخبرنا لم نعلم، وهذا من تبليغ الشريعة التي يبلغها، فيقول: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)، لا يقول عن فخر، وإنما يقول عن تبليغ، يبلغ الأمة ويخبرهم بفضله عليه الصلاة والسلام.

    قال: (وأول من ينشق عنه القبر)، يعني: في يوم البعث حين يبعث الله الناس من قبورهم، وتعود الأرواح إلى أجسادها تنشق القبور عنهم، وأول من ينشق عنه القبر نبينا صلى الله عليه وسلم، (وأول شافع، وأول مشفع) لأنه يشفع الشفاعة العظمى يوم القيامة ويشفعه الله، فهو أول شافع وأول مشفع، أول شافع لنا، وأول مشفع من قبل الرب سبحانه وتعالى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462853

    عدد مرات الحفظ

    776871779