إسلام ويب

شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [15]للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التزام ما جاء في الكتاب والسنة واتباع ما ورد فيهما مطلب شرعي، وواجب ديني على كل من اعتنق الدين، وآمن بالرسالة، ودخل في الملة، ولا يصح إسلام العبد ولا يستقيم إلا إذا آمن وصدق بكل ما جاء عن رب العزة والجلال، وما جاء في تشريع محمد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنُّوا اهتدى، ومن استبصر بها بَصُر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ].

    يسرد المؤلف رحمه الله الأدلة والآثار في فضل الاتباع، فالاتباع ما جاء في الكتاب والسنة عملاً بقول الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، وهذه المقالة لـعمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو الخليفة الراشد الذي ضمه بعض العلماء إلى الخلفاء الراشدين الأربعة، وهذه المقالة رواها الآجري في كتابه الشريعة، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وابن بطة في الإبانة.

    يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه: (سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته وقوة على دين الله) يعني: هذه السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي وحي من الله، وولاة الأمر طاعتهم تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، ولهذا قال الله تعالى في كتاب العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، ولم يعد الفعل مع أولي الأمر لبيان أنّ طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، ولهذا قال: (سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً) والمقصود بولاة الأمر: الذين يعملون بالشريعة.

    قال: (الأخذ بها تصديق لكتاب الله)؛ لأن السنة وحي ثان ولا تخالف كتاب الله، فالأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته؛ لأن طاعة رسوله من طاعة الله، قال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54]، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].

    قال: (وقوة على دين الله)، لا شك أنها قوة على دين الله؛ لأن دين الله هو العمل بالشريعة التي هي الكتاب والسنة، فالعمل بالسنة قوة على دين الله، قال: (ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها)؛ لأنها من عند الله، فلا يغير أحد شرع الله إلا طاغوتي، فليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، ومن خالف هذه السنن التي هي وحي من الله لا ينظر في رأيه. (فمن اقتدى بما سنوه اهتدى)؛ لأنه سار على الطريق المستقيم، (ومن استبصر بها بصُر، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً).

    أختم بقول الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:114-115]، وهذه الآية استدل بها العلماء على حجية الإجماع؛ لأن إجماع المسلمين مبني على دليل، فإذا أجمعت الأمة على شيء فهو مبني على دليل إما من كتاب أو من السنة، ولهذا فإن الإجماع حجة قاطعة.

    قال المؤلف رحمه الله: [ وقال الأوزاعي : اصبر على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم ].

    وهذه المقالة للأوزاعي رحمه الله، رواها اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وهو العالم المشهور، يقول: (اصبر على السنة) أي: على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، (وقف حيث وقف القوم) يعني: أهل السنة، (وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم)؛ لأن السلف الصالح على الحق وعلى الطريق المستقيم، وأهل السنة إذا أجمعوا على شيء فهو الحق، والمراد بهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    فأهل السنة هؤلاء يلزمون السنة ويقفون عندها، فعليك أن تتبع آثارهم، ومن شذ شذ في النار.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال نعيم بن حماد : من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه تشبيهاً ].

    وهذه المقالة لـنعيم بن حماد ، وهو أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي من أشهر المحدثين رحمه الله، توفي سنة ثمانٍ وعشرين ومائتين، وهذه المقالة عنه أوردها الذهبي في العلو، وشيخ الإسلام في الفتاوى وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، يقول رحمه الله: (من شبه الله بخلقه فقد كفر)؛ لأن المشبه في الحقيقة لا يعبد الله، وإنما يعبد وثناً، يظهر له خياله، وينحت له فكره فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن، فالمشبه لا يعبد الله إنما يعبد وثناً، ولهذا قال نعيم رحمه الله: (من شبه الله بخلقه قد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر)؛ لأنه عطل الرب؛ لأن إنكار الصفات والأسماء معناه: تعطيل للرب، معناه: يكون الشيء عدماً، والشيء الذي ليس له أسماء ولا صفات لا وجود له، فلهذا يكفر من أنكر وصف ذات الله.

    قال: (وليس ما وصف الله به نفسه تشبيهاً) أي: ما وصف الله به نفسه لا يعد تشبيهاً، وإنما وصف الله تعالى نفسه بصفات لا يماثله أحد من خلقه، وهذا كلام صحيح وهذا على العموم، أما الشخص المعين فلابد من إقامة الحجة عليه.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال سفيان بن عيينة : كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره، لا كيف ولا مثل ].

    وهذا أخرجه الدارقطني في كتاب الصفات، والصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.

    وسفيان بن عيينة إمام مشهور رحمه الله يقول: (كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره) يعني: يجرى على ظاهره، فقراءة: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40]، تفسيره إثبات العلم لله، وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134] تفسيره، إثبات السمع والبصر.

    (لا كيف ولا مثل)، لا تقل: كيف سمع الله، ولا تقل: سمع الله يماثل سمع المخلوقين، وإنما أثبت الصفة ولا تكيف ولا تمثل.

    وقال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255]، وهذه فيها إثبات العلم فلا تتكلم ولا تتأول ولا تكيف، وبمجرد ما تقرأه يتبين لك التفسير.

    كذلك قوله: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام:73] فيها إثبات العلم هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، إثبات اسمي الرحمن الرحيم، فقراءته تفسيره من دون تكلف ولا كيف ولا مثل.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أبو بكر المروذي : سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش، فصححه أبو عبد الله وقال: تلقته العلماء بالقبول، تُمَر الأخبار كما جاءت ].

    وأبو بكر المروذي صاحب الإمام أحمد ، كان إماماً في السنة شديد الاتباع، يقول: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات، إثبات الصفات كالسمع والبصر والعلم والقدرة والرؤية: أن الله يرى في الآخرة، والإسراء والعرش، وقصة العرش لعلها الاستواء على العرش، فصححها أبو عبد الله وقال: تلقتها العلماء بالقبول، يعني: هذه نصوص الصفات، تلقتها العلماء بالقبول، تمر الأخبار كما جاءت، يعني: لا تؤول تأويلاً يخالف ظاهرها، بل تمر كما جاءت، فقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] تمر كما جاءت، وفيها إثبات الاستواء.

    وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] تمر كما جاءت وفيها إثبات العلو، لا يؤول تأويلاً يخالف ظاهره، هذا معنى قوله: (تُمرُّ الأخبار كما جاءت)، فتلقته العلماء بالقبول في إثبات المعاني وإثبات الصفات من غير تأويل، وإنما تمر كما جاءت لا تحرف ولا تؤول.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة : اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل، من غير تفسير ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنهم لم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه وصفه بصفة لا شيء ].

    أثر أبو بكر المروذي موجود في الاستفرادات، وتذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء، وأما هذا الأثر عن محمد بن الحسن الشيباني هو الصاحب الثاني لـأبي حنيفة ، والصاحب الأول أبو يوسف ، وهذا الأثر موجود في الصفة لـابن قدامة وعند ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة، يقول رحمه الله: (اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل)؛ لأن النصوص فيها إثبات صفة الرب كالعلم والقدرة والسمع والبصر من غير تفسير، يعني: من غير تفسير يخالف ظاهرها كتفسير المؤولة، وكتفسير الجهمية -فمثلاً- قوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] اتفقوا على أنه إثبات صفة العلم، من غير تفسير للعلم بما يخالف الظاهر، أو تفسير كتفسير الجهمية الذين ينفون العلم، ولا تشبيه للعلم مثلاً بعلم المخلوق، من غير تفسير ولا تشبيه، من غير تفسير يخالف الظاهر، كتفسير المؤولة والمحرفة، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك، أي: فسر النصوص تفسيراً يخالف ظاهرها كتفسير المؤولة قد خرج مما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فإنهم لم يفسروا، يعني: لم يفسروا تفسيراً يخالف الظاهر؛ ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، كقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] أفتوا بإثبات العلم.. وهكذا. وقوله عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر)، فقد أفتوا بإثبات الرؤية، ثم سكتوا، (فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة)، -أي: جماعة المسلمين-؛ (لأنه وصفه بصفة لا شيء)، يعني: الجهم، وصفه بصفة العدم والمعدوم؛ لأن الجهم أنكر الأسماء والصفات، والجهم بن صفوان هذا من أهل خراسان، كان مولى لبني راشد، وهو الذي كان خروجه في أوائل المائة الثانية، وأخذ عقيدة نفي الصفات عن الجعد بن درهم ، والجعد بن درهم أول من تكلم في نفي الصفات، ثم أخذ عنه الجهم ، فـالجهم أنكر الأسماء والصفات، فمن قال بقول جهم فقد وصف الله بصفة لا شيء، فقد وصفه بالعدم، والمعدوم هو الذي ليس له أسماء ولا صفات، وهذا كفر وضلال نعوذ بالله.

    ورواه ابن قدامة أيضاً في ذم التأويل، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال عباد بن العوام : قدم علينا شريك بن عبد الله ، فقلنا: إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) والرؤية، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال: إنما جاء بهذه الأحاديث من جاء بالسنن كالصلاة والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث ].

    عباد بن العوام هو ابن عمر بن المنذر ، الإمام المحدث الصدوق من نبلاء الرجال، توفي سنة بضع وثمانين ومائة، يقول: (قدم علينا شريك بن عبد الله ) هذا شريك بن عبد الله النخعي القاضي، الحافظ الثقة، لكن تغير حفظه بعد أن تولى القضاء، وانشغل بالقضاء فضعف حفظه، ولهذا إذا كان في السند شريك يكون الحديث ضعيفاً؛ لأنه تغير حفظه، لكنه ثقة، (قال عباد : قدم علينا شريك بن عبد الله ، فقلنا: إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث)، يعني: الأحاديث في الصفات: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) يعني: النزول، ورؤية الله في الآخرة، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال شريك : (إنما جاء بهذه الأحاديث من جاء بالسنن كالصلاة والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث)، يعني: أن الذي جاء بأحاديث الصفات هو الذي جاء بالسنن كالصلاة والزكاة والصوم والحج، فإذا كان المنكر لها يعمل بالنصوص التي جاءت في الصلاة والزكاة والصوم والحج فاعمل بالنصوص التي ثبتت بها الصفات، فالذي جاء بهذا هو الذي جاء بهذا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي جاء بالسنن والصلاة والزكاة والصوم والحج، وهو الذي جاء بالنصوص التي تثبت الصفات.

    (وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث)، فالله تعالى عرف نفسه بأسمائه وصفاته التي أثبتها في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أنكرها معناه أنه أنكر الله، وهذا باطل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088457270

    عدد مرات الحفظ

    776842670