إسلام ويب

أدعياء النبوةللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ختم الله رسالاته وأديانه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، ولا معصوم من البشر بعده، ومن العجيب ظهور طائفة من الناس يخالفون هذا، ويقرون العصمة لأئمتهم، وفي هذا الدرس يتعرض الشيخ للرد على من قال بالعصمة للأئمة وذكر الأدلة على ذلك، وأتبعهما بذكر بعض أدعياء النبوة على مرور التاريخ.
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ الصادق الأمين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين، اللهم لك الحمد حمداً لا ينبغي لأحد سواك، ولا يجزي عليه أحد غيرك، أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، اطلعت على قلوب عبادك فوجدت قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير القلوب وأطيبها، فاخترته لرسالتك ونبوتك، وبعثته رسولاً للعالمين، وجعلته خاتم النبيين وإمام المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ثم اطلعت على قلوب عبادك فوجدت قلوب أصحابه خير القلوب، فهديتهم واجتبيتهم: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78].

    اللهم لك الحمد خلقتنا من عدم، وأسبغت علينا وافر النعم، صورتنا في الأرحام، وأنشأتنا في ظلمات ثلاث، وكتبت في الأرحام أرزاقنا وأعمارنا وسعادتنا وشقوتنا، فأنت ربنا لا إله إلا أنت، لا إله غيرك ولا معبود سواك، فإن نظرت إلى ذنوبنا وخطايانا فهي كثيرة، وإن حاسبتنا بحقك فنحن مقصرون، وليس لنا بعد الذنب الكبير إلا الرب الكبير.

    يا واسع الرحمة، وكبير المغفرة، اغفر لنا أجمعين، واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروما، نسألك بنورك الذي ملأت به عرشك يا غفور يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما تريد، لا إله إلا أنت، اجعل موتنا شهادة، ودماءنا مسكاً، وخير أعمالنا الخاتمة، وخير أيامنا يوم لقياك، واجعل قلتنا كثرة، وذلتنا عزاً، وضعفنا قوة، وفقرنا غنى، ومرضنا شفاء، وضلالتنا هداية، وجهالتنا علماً ودراية، أنت ربنا ثبتنا يوم الفتنة، وأطعمنا يوم الجوع، واسقنا يوم الظمأ، واسترنا يوم العورة، وثبتنا يوم الفزع، وأمِّنا يوم الجزع، لا إله إلا أنت، نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك.

    أما بعد: عباد الله.. إني أحبكم في الله.

    ودرس اليوم في العقيدة، ويجب أن نعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة: بأن محمداً خاتم النبيين وسيد المرسلين، ولا معصوم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الدرس سنفصل القول حول ذلك إن شاء الله.

    والسبب الذي دعاني لهذا الدرس: أن هناك فئة من الناس يعتقدون أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم تختم بموته العصمة؛ وأن بعده اثني عشر إماماً لهم العصمة مثله، يشرعون زيادة على شرعه، وهؤلاء قال عنهم علماؤهم -عن هؤلاء الأئمة-: إنهم خلقوا من مادة نورانية ليست كمادة البشر تخضع لها جميع ذرات الكون. وهذا كفر وضلال، إنما كل مولود من بني آدم خلق من ماء مهين، كما خلق آدم من طين بأمر رب العالمين.

    ولا يوجد بشر -لا نبي ولا رسول- مخلوق من غير ذلك، فالذي يقول: إن الأئمة خلقوا من نور تخضع له ذرات الكون، فذرات الكون تخضع لنور الله لا لنور أحد، ذرات السماوات وذرات الأرض وذرات كل المخلوقات تخضع لله الذي من أسمائه الحسنى "النور" سبحانه، فتبطل تلك الدعوى التي يروج لها اليوم.

    شهادة التاريخ بكذب مسيلمة

    ما هو دليلنا على أنه لا معصوم بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟!

    يقول الإمام الطحاوي رحمة الله عليه: وأنه خاتم الأنبياء - أي محمد صلوات الله وسلامه عليه - ودليله في ذلك قوله تعالى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ومن أعاجيب ما قرأت -وكلكم ستعجبون!- عن مسيلمة، وكلنا سمع عن مسيلمة ، هل هناك مخلوق على وجه الأرض -يحب الإسلام أو يعادي الإسلام- عندما يذكر مسيلمة لا يذكر معه الكذاب؟ حتى الكفار من اليهود والنصارى، والمستشرقين الذين يكتبون ضد الإسلام، إذا قالوا: مسيلمة ، قالوا: مسيلمة الكذاب، أليس هذا صحيحاً؟

    كلكم سمعتم مسيلمة الكذاب، وسبب تسميته بالكذاب؛ أنه كذب على الله، فقال: أنا نبي مع محمد، نصف الأرض له، ونصف الأرض لي، وكما نزل عليه وحي فقد نزل عليَّ وحي، فسماه السلف الصالح بالكذاب، أما هو فقد تسمى باسم يحرم أن يتسمى به المخلوقون وهو اسم (الرحمن) فقال: أنا رحمان اليمامة . فكذب كذبتين:

    الكذبة الأولى: ادعاء النبوة.

    والكذبة الثانية: أنه رحمان .

    فلصق به هذا الاسم إلى يوم القيامة، فلا يذكرون اسم مسيلمة إلا وتذكر صفته: مسيلمة الكذاب ، إلا فرقة واحدة، هذه الفرقة التي تزعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس خاتم المرسلين والأنبياء والمعصومين، منهم من يعتقد أنه خاتم الأنبياء والمرسلين لكن كلهم يعتقدون أنه ليس خاتم المعصومين، فبعده اثنا عشر إماماً، أحد عشر إماماً ظهروا أمام الناس بتشريعات لم يأت بها محمد صلى الله عليه وسلم، والإمام الثاني عشر لا يزال مختفياً منذ ألف عام وهو الملقب "بالقائم" وينتظرون خروجه؛ لكي يخرج القرآن الصحيح الذي أخذه معه في ساعة اختفائه.

    هذه الجماعة الوحيدة التي تعتقد أن مسيلمة ليس كذاباً بل هو مجاهد مؤمن صادق، وأن أبا بكر الصديق هو الكذاب، فقلنا لهم: لماذا؟ قالوا: لأن أبا بكر الصديق اغتصب الإمامة والخلافة من علي بن أبي طالب، فلما علم بذلك مسيلمة، ثار للحق وانتصر للحق؛ لأنه يعلم أنه لا خليفة بعد الرسول إلا علي، فحارب مسيلمة بأربعين ألفاً من قبيلته أبا بكر والصحابة الكافرين حتى يسترد الخلافة المغتصبة من أبي بكر إلى علي، فهم يعتبرون مسيلمة مجاهداً وبطلاً يترحمون عليه.

    وقد ذكر الإمام ابن تيمية في كتابه منهاج الاعتدال الذي لخصه الإمام الذهبي في كتابه العظيم: المنتقى، ذكر النص الذي يترحم به أولئك الناس على مسيلمة الكذاب!! ويعتبرونه صادقاً مجاهداً قاتل من أجل الحق، ونصرته، ضد أبي بكر وعمر والصحابة أجمعين لأنهم اغتصبوا الخلافة والإمامة من علي بن أبي طالب .

    هل يخطر ببال أحدكم يوماً من الأيام أن إنساناً يجرؤ على أن يقول مثل هذا؟

    تشبيه الرسالات ببناء اكتمل بمحمد صلى الله عليه وسلم

    قال صلى الله عليه وسلم: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه) انظر إلى أفصح الناس وأبلغ الناس محمد صلى الله عليه وسلم! كان يكفيه أن يقول: أنا خاتم النبيين - كلمتين- والقرآن قال عنه: خاتم النبيين، لكنه صلى الله عليه وسلم رحمة بأمته يمثل ويصور لها، ويعطيها الحركة في الكلمة حتى يثبت المعنى، فما تمر على بيت من البيوت وتجد هذا البيت كاملاً إلا من شيء واحد إلا وتتذكر رسالة محمد ورسالات الأنبياء من قبله.

    قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية) هذا الرجل الذي بنى البيت جمله وحسنه؛ لكن في إحدى زواياه وجدت حفرة مسودة مظلمة مكان لبنة، ومن البديهي أن أي إنسان يمر ويرى هذا الجمال في هذا البناء، ويرى في زاويته حفرة سوداء، إلا يسأل ويقول: ما هذه الحفرة التي تشوه الجدار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال صلى الله عليه وسلم: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) رواه البخاري.

    هذه هي النتيجة التي أراد أن يتوصل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأنا خاتم النبيين) ضرب المثل بالبناء الناقص من تلك اللبنة، فكانت اللبنة هي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن البلاغة والفصاحة والإعجاز ليس في هذا فقط وإنما هو في عدة أمور:

    أولاً: شبَّه الرسالات كلها من آدم ثم نوح إلى محمد كبناء واحد متماسك، (فالمونة) التي تمسك اللبنة بجانب اللبنة (والطابوقة بجانب الطابوقة) بهذا البناء، أتعرفون (المونة والحشو) الذي يجعل اللبنة تمسك باللبنة ويتماسك البناء حتى يصير صرحاً ما هي؟ لا إله إلا الله، كل الأنبياء جاءوا بها، قال تعالى : اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59].

    ثم انظر كيف جعل الرسالات بناء ولم يجعلها هدماً، جعلها بناء كالمبنى البارز والشيء الواضح لكل إنسان يراه، والطفل الصغير لو سألته: ما هذا؟ لقال: هذا بناء! هذا بيت! والمرأة والكبير والصغير والأعرابي، وذلك لوضوح الرسالات؛ فإنها لا تخفى كما لا يخفى البناء، انظر إلى الفصاحة والبلاغة!

    ثم إن هذا البناء اتخذ للسكن والطمأنينة، كذلك الرسالات لا يسكن القلب ولا يطمئن إلا إذا اتبع الأنبياء وآمن بالله رب العالمين، والرسالات والنبوات يأوي إليها كل شارد وحائر وخائف، وكل جائع ومرعوب، كما يأوي الإنسان إلى السكن، فيجد فيه الطعام والشراب والمنام، والظل والدفء، يا له من تصوير عجيب اختاره صلى الله عليه وسلم وهو يمثل لرسالته ونبوته، عليه الصلاة والسلام!

    ثم أخذ يتكلم عن أسماء الله سبحانه وتعالى وكل ثمين وغالٍ عند العرب تتعدد أسماؤه، العرب لما أحبوا الحصان الأصيل وضعوا له عشرات الأسماء، ولما أحبوا الناقة المفيدة النافعة وضعوا لها عشرات الأسماء، لما خافوا من الأسد وضعوا له عشرات الأسماء، ولأن الله أعظم من كل عظيم فله تسعة وتسعون اسماً كلها حسنى، أنزلها على البشر، واختص لنفسه أسماءً أخرى حسنى لا يعلمها البشر وأمرهم أن يدعوا ربهم بما علموا من هذه الأسماء وبما لم يعلموا، لكي ينزل عليهم الخير والرضوان.

    فقال صلى الله عليه وسلم في دعائه المشهور الذي علمه أبا أمامة المهموم المديون: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي).

    فكان عليه الصلاة والسلام يخبر أمته عن بعض صفاته هو حتى لا يختلط على الناس، لا يستوي النبي والرسول وعامة الناس، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري : (لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب) العاقب هو الذي ليس بعده نبي ولا رسول ولا معصوم إذاً: أصبحت هذه الآيات وهذه الأحاديث تبين بكل وضوح أنه لا نبي ولا رسول ولا معصوم بعد محمد صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533074

    عدد مرات الحفظ

    777173690