اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، والنور واليقين، اللهم من أراد بنا وببلدنا وسائر بلاد المسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده واجعل تدبيره تدميره، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نسألك لأمة محمد في مشارق الأرض ومغاربها قائداً ربانياً يسمع كلام الله ويُسمِعها، وينقاد إلى الله ويقودها، ونسألك أن تنصر إخواننا المجاهدين في سبيلك. اللهم سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، ووحد صفهم، وحقق بالصالحات آمالهم، واختم بالطاعات أعمالهم.
ونسألك اللهم أن تثبت إخواننا الغرباء المنفيين من بلادهم، النازحين عن ديارهم، البعيدين عن أحبابهم وأولادهم وأزواجهم، اللهم ثبتهم بما تثبت به عبادك الصالحين، اللهم قهم فتنة النساء وفتنة الدنيا، وقهم فتنه الشبهات، اللهم وأسألك أن تفرج عن إخواننا المسلمين المسجونين في سجون الطغاة.
اللهم اكشف همهم، وادفع غمهم، اللهم احفظ دينهم وأعراضهم ودماءهم، وأموالهم وعقولهم، ونسألك اللهم أن تفرج عنهم عاجلاً غير آجل، وأن تخفف وطأة الطواغيت عليهم، اللهم خفف آلامهم بأنسهم لذكرك، وقرب معيتك لهم، اللهم اذكرهم في الملأ الأعلى.. وأذقهم حلاوة الإيمان، ونور اليقين، وبرد الرضا، وإخلاص النية، وصلاح العمل، وحسن الاعتقاد.
وأسألك اللهم لإخواننا الشهداء مغفرة ورحمة منك، اللهم اجمعنا وإياهم في ظل عرشك ومستقر رحمتك، واجعل أرواحنا وأرواحهم في حواصل طير خضر تأكل من أشجار الجنة وتشرب من أنهارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش، آمين.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا وأرحامنا.
نسألك اللهم العافية في الجسد والإصلاح في الولد، والأمن في البلد .. آمين .. آمين. برحمتك يا أرحم الراحمين!
أحبتي في الله: العنوان لا شك في مثل هذه الظروف أنه يولد إثارة، وهذا من ذكاء جمعية الإصلاح ؛ إذ أنهم يختارون العناوين الصارخة التي تجذب البعيد والقريب، ونسأل الله أن يجعلنا كلنا قرباء أقرباء متآلفين متحابين، وأن يهدينا سواء السبيل، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وقبل أن أدخل في الموضوع، أوصيكم بالإخلاص والصدق، وأن تجددوا نياتكم بأن جلوسكم هذا في الله، محبة وأخوة وتجالساً وتزاوراً حتى يبارك الله في الدرس.
أحبتي في الله: الأمن في ظل الشريعة الإسلامية لا يختلف عليه اثنان، ولا ينتطح عليه عنـزان، وإنما الناس بارتباطهم في معسكر الشرق أو معسكر الغرب، والعمالة الخائنة والأذناب الرطبة هي التي تجعلهم لا يدورون حيث يدور الإسلام، ولكن الله قرر هذا في القرآن وقرره الرسول في السنة، وقرره الواقع عبر أربعة عشر قرناً ونصف، والأمن يضرب أطنابه على الكرة الأرضية فلم تقم حرباً عالمية أولى ولا ثانية في ظل الشريعة الإسلامية، ولم يكن هناك تحت الحكومة الإسلامية العالمية سباق تسلح للنجوم ولا للفضاء ولا إرهاباً عسكرياً ولا فكرياً، وإنما كان الناس المسلم منهم والكافر يعيش في أمن وأمان، يأخذ ما له ويؤدي ما عليه، بفضل الشريعة الإسلامية.
ثم قال: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] وكأن الظلم ثوب يلبس ويتحلى به الظالم، تصور يوم أن يكون الظلم مفخرة وشطارة وذكاء، ويوم أن يكون الظلم قانوناً ومحكمة وقضاء، لا شك أنه يصبح لباساً للجسم، أيضاً معنى يلبسه: يخلطه، فالقضية هناك خليط ومزيج لم يؤخذ الإيمان كله وإنما أدخلوا فيه ميكروب الظلم، فخالطه فأصبح الإيمان مظلماً: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] وكأنهم لم يلبسوا أنفسهم ولم يلبسوا شعوبهم، ولم يلبسوا جوانب الحياة فيهم، إنما الخلط أول ما بدأ في ميادين القلوب قبل أن يبدأ في ميادين الدروب؛ فلهذا قال: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82].
وتفسير الظلم هنا يراد به الشرك -هذا أقوى تفسير- لم يلبسوا إيمانهم بشرك، وكأن الذي يأخذ قوانين البشر وينحي شرع الله ويحكم بشرع الإنسان، ثم يعتقد المساواة بين شرع البشر وشرع الله، فهو شرك وظلم وكفر وفسق، ومن رأى أن شرع البشر أنفع وأنجع وأحسن، فهذا أيضاً شرك وظلم وكفر وفسق، فلهذا الله عندما ذكر هذه الآية: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82] أي: إذا تحقق عدم اللبس والالتباس، يقول: أُولَئِكَ وهذه أداة إشارة للمدح والثناء وكأنه يقول: انظروا إليهم من مثلهم؟! من مثل حياتهم؟! من مثل استقرارهم؟ كأن ترى أولادك يجتمعون فتشير إليهم وتقول: أولئك أولادي، فهذه إشارة فيها مدح وثناء وفيها إبراز، وفيها توجيه للأنظار وتسليط للأضواء.
ويقول الله سبحانه وتعالى: أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ [الأنعام:82] ولهم. اللام لام الملكية، فأصبح الأمن يملكونه، نعم، متمكنين منه وهو متمكن منهم، لهم لا عليهم؛ لأن بعض الناس يكون الأمن لهم لا عليهم، لكن هنا لهم، ويوم أن يكون الأمن خادماً لهم تتحقق السعادة والرفاهية والاستقرار والاطمئنان، قال: أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ [الأنعام:82] ثم قال في النهاية: وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82].
الهداية في الجانب السياسي، الهداية في الجانب الاقتصادي، الهداية في الجانب الاجتماعي، التعليمي، والتربوي، والعسكري والأمني والشعائري والتعبدي والقانوني والدستوري، الهداية في كل شيء، وقد حصر الهداية فيهم، لا غيرهم.. لا أمريكا ، ولا روسيا ، إنما هم المهتدون.
أحبتي في الله: كم في هذه الآية من نور؟ وكم فيها من علم؟ كم فيها من هدى؟
فإذا كنت بجوار بيته تحس بهذا الأمن والبيت حجر لا يقدم ولا يؤخر، بل إن المسلم أعظم حرمة عند الله من الكعبة، فكيف إذا كنت بجوار شريعة الله، ومنهج الله، ودستور الله وقرآن الله؟ لا شك أن الأمن سيكون أعظم من وجودك بجوار الحجر الذي لا ينفع ولا يضر أما القرآن فهو ينفع ويضر، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82] هذه المنفعة: وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82] أي: مضرة للظالمين.
الشاهد أحبتي في الله! عندما تقرأ هذه الآية أو هذه السورة ترى أن منبع الأمن ومصدره من الله، فإذا أردنا أن نستنـزله فعلينا بالطاعات والعبادات، والرضوان والاصطلاح معه سبحانه، فَلْيَعْبُدُوا تقرير مكان العبودية: رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ إقرار توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية ملازم لتوحيد الألوهية.
توحيد الربوبية: أن تعتقد أن الرازق هو الله، والخالق هو الله، والمدبر هو الله، والمحيي هو الله، والمميت هو الله.
توحيد الألوهية: أن لا تتخذ معه إلهاً آخر، لا شجر ولا بقر ولا حجر ولا بشر، إنما لا إله إلا الله: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:3-4].
وفي تل الزعتر، أذكر أن الصحف كتبت أن آباءً أخذوا أشلاء الأطفال الممزقة وطبخوها لبعض أولادهم من شدة الجوع، إذاً عندما يذكر الله مظهر الإطعام، ما يكون إلا بالأمن والإيمان وإذا فقد الأمن لا تستطيع أن تصل إلى عتبة الباب إلا ويلتقطك قناص، فلا تستطيع أن تأخذ سلة الخبز لتحضر للأولاد خبزاً، قال: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:4].
فازدهار التجارة، وازدهار الحضارة والتقدم التكنولوجي والصناعي لا يكون في مساره الصحيح، وقد يوجد التقدم العلمي المادي ولكنه ليس في مساره الصحيح ونهايته تعيسة منكوسة، فهم في شقاء، وفي عذاب، والأمراض الجنسية تفتك بهم، والدمار والرعب، وتهديد القاذفات والحاملات، والعابرات والناقلات، والرءوس النووية تقض مضاجعهم ويخرجون طوابير في مظاهرات ضد هذه الأسلحة الفتاكة.
إذاً: ليس هناك أمن؛ لأن المسار العلمي لم يكن في خطه الصحيح، نعم قال: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:4].
النصوص تكون مجرد نصوص موجودة في بطون الكتب والمصاحف، وموضوعة على رفوف، محبوسة، ولكن المتنفس الوحيد لها هو المجتمع، فلنستمع إلى قول الله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] لاحظت؟ أول مظهر بينه الإيمان: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:55] من قبلهم: يعني أنها تجربة ناجحة وليست نظرية، فالإسلام ليس فيه نظريات، الإسلام كله حقائق: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42] لأنه من الحق، كله حق، وعلى الحق، ومن الحق، وبالحق.
فلهذا النظرية قابلة للتغيير والتبديل والتحويل، والنظرية الماركسية إلى الآن وهم يبدلون فيها ويغيرون، والرفقاء الآن من كثرة التبديل والتغيير نحر بعضهم بعضاً، وحتى الآن المناحر والمذابح جارية. أما القرآن لا. القرآن يقول: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] إيمان يصدقه العمل، إيمان بلا عمل خداع وزيف ومكر، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور:55] لام التوكيد والقسم: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ [النور:55] وليس الدين الذي يرتضيه الزعماء، إنما الدين الذي يرتضيه رب الأرض والسماء، ليس الدين الذي يرتضيه العلماء العملاء، إنما الدين الذي ارتضاه الله لهم: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور:55] وهنا يسبق الخوف ويتبع الأمن حتى تعرف قيمة الأمن، والأمن بدون خوف يفقد بسرعة، ولا يؤدي دوره، وهو نعمة غير ملموسة، لكن لا تعرف قيمة قرص الخبز إلا بعد أن تخاف في تحصيله وتجوع، لهذا ظهر من بيننا جيل يركب السيارات الصاروخية، ويذبح الناس في الشوارع، وينقلب، وكل رأس شهر له سيارة جديدة؛ لأنه لم يستخلص الدراهم والدنانير من أفواه الأسماك والبحار والرعب والبرد والسفر والقوس، إنما جاءته الأموال هينة سهلة، فلهذا لا يعرف قيمتها، فلهذا يقول: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ [النور:55] سبحان الله! وينسب الخوف لهم؛ قال: خوفهم. لأن الخوف لم يأت من خارج، إنما الخوف جاء من الداخل: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] لا تبحث عن الأمن في مجلس الأمن، إنما ابحث عن الأمن فيك أنت، ولهذا قال: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور:55] قال: (أمنا) ولم يقل أمنهم، قال: (أمنا) أطلقها هكذا: وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور:55] ثم يعرض لهم صمام الأمان الذي يجعلك دائماً تحافظ على الأمن والإيمان.
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] إذاً: بداية الكفر والفسق، خمر، مخدرات، الأفلام الخليعة، الجنس الصارخ، اغتصاب: رجال الأمن يغتصبون بنتاً عمرها ست عشرة سنة، ورجال الأمن يهربون المخدرات، قال: فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].
في ليلة سمع الناس في المدينة صرخة -صوت مرعب- مثل زئير الأسد، أو أو وحش كاسر، والصحابة لم تكن بيوتهم كبيوتنا تضاء الأنوار ويبدأ الإنسان يحدد مواقع أقدامه، لكن عندهم مشاعل بسيطة، تحتاج إلى جهد حتى توقد، ويبدأ يقربه ويبحث في الظلام ويتلمس، وهي مدة طويلة، حتى أشعلوا المصابيح ولبسوا السلاح وخرجوا، وإذا الرسول صلى الله عليه وسلم قد عاد على حصان بلا سرج وقد علق السيف على رقبته وهو يبتسم، ويقول: (عودوا لن تراعوا، لن تراعوا).
متى خرج صلى الله عليه وسلم؟ متى نفض النوم عنه؟ متى هب؟ متى وصل إلى الحصان؟
متى قضى على هذا الصوت المرعب، واطمأن على أمن المدينة، وعاد؟!
رأيت هذه الصورة تبين حرص القائد صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى يثبت للنائمين والقائمين الثقة المتبادلة بالقيادة؛ لأن الثقة ضرورية في قضية الأمن النفسي.
قد يكون هناك أمن غذائي وأمن تعليمي، وأمن طبي ... إلخ لكن لا يكون أمناً نفسياً. لماذا؟
خذ على سبيل المثال أنت عندما تكون على عملية عسكرية مثلاً وأنت لست واثقاً من القائد الذي يخطط لك العملية هذه، قد تكون خطة محكمة ولو نفذتها تصل إلى الهدف، لكن عدم ثقتك في القائد تجعلك تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى، ولا تنفذ مرحلة من مراحل هذه الخطة إلا وتحسب لها ألف حساب للفشل والهزيمة، فالثقة معدومة والجسر مقطوع، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعم بهذه الحركة الجسر بينه وبين الشعب، لهذا أصبحوا لا يبالون، يأخذ معه خمسة يخرجون، يأخذ معه خمسين يخرجون وعندما يشتد الوطيس يلوذون خلفه، معهم سلاح يقاتلون، ليس معهم سلاح يقاتلون، ثقة في القيادة متبادلة، ولذا علي بن أبي طالب يقول: [فإذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق، لذنا برسول الله صلى الله عليه وسلم].
والشاهد أن هذه المرأة المخزومية سرقت، وكانت السرقة عندها هواية، يعني ما كانت محتاجة، وليس كل الذين يسرقون محتاجين، فقد تكون مرضاً نفسياً فلا يحسون بالعظمة والوجاهة إلا عندما ينهب الوزارة وترفع العمارات والبنايات على حساب الشعب، عند ذلك يحس أنه مسئول وأنه مسيطر، ويحس أن بيده الأمر والنهي والخلق حتى، يستشعر هذا الأمر والعياذ بالله، وينصب نفسه إلهاً من دون الله، فهذه المخزومية سيدة من سادات قريش، لم تكن بحاجة إلى السرقة، ويوم يكون الإنسان بحاجة إلى السرقة، هنا ينظر في حاله وهناك لجنة رحمة، تشكل له، كما شكلها عمر بن الخطاب، لما سرق رعاة لـابن حاطب بن أبي بلتعة جاعوا فسرقوا ناقة وشووها وأكلوها، وبعد ذلك اشتكاهم سيدهم إلى عمر ، قالوا: يا أمير المؤمنين! نحن نعمل عنده ولا يطعمنا فسرقناها فأكلناها من الجوع، فقال له عمر : [أطعمهم مما تطعم، فإن أبيت وسرقوا لأقطعن يدك أنت].
أما هذه المخزومية سرقت لوجود المرض في نفسها كما هو موجود في كل زمان ومكان عند مرضى القلوب الناهبين للشعوب، قال صلى الله عليه وسلم: لا بد أن تقطع، وهنا تحركت الشفاعات والواسطات، المسكين ما له شفاعة وما له واسطة، وأخذوا يبحثون عن أقرب قريب للقائد السياسي الذي سوف يطبق القانون، واسمه حد؛ لأن السارق يصل عند الحد ويوقف فلهذا سميت إقامته حداً قال تعالى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1].
والشاهد أنهم وجدوا أسامة بن زيد الحب ابن الحب، فذهبوا إليه، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع، فصرخ النبي في وجهه صرخة: (يا
والد يقطع يد بنته من أجل الأمن حتى لا تنتشر اللصوصية، وتصبح عصابات (مافيا) مقننة سوداء يدخلون من خلالها في الظلام ويسرقون خلف الكواليس، فلا يطيلهم القانون، فلما حدثت هذه الحادثة، أصبح كل واحد يصحح وضعه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غل شيئاً عذب به في النار) وذكر لهم قصة أحد المجاهدين سرق شملة، يعني عباية قال: وهو الآن يطوى بها في النار: (ومن غل شيئاً لا يجد رائحة الجنة إلا أن يؤخذ الحق منه لصاحب الحق، فقال أحد الصحابة: يا رسول الله! ولو شيئاً يسيراً؟ قال: ولو عوداً من أراك) فالمبدأ هو المبدأ، حتى سواك تغتصبه بلا حق ولا رضا صاحبه، وتموت ولم تستحله توقف يوم القيامة للحساب، إما أن يسامحك أو يأخذ من حسناتك.
وكل هذا؛ لأن مجرد ثغرة صغيرة في القانون تأتي منها الويلات، وكما تعلم أن الميكروب والفيروس الذي يهد الرجل كالجمل، لا يرى بالعين المجردة، يستنشقه بالهواء، ويتحول الإنسان المصارع كالحلس البالي على الأرض.
فكذلك فيروس السرقة هذا الصغير -السواك- قال لك: لا. نار وبئس القرار، وربط قضية الأمن في الجنة والنار أحسن ربط، تجعل عندك ضميراً إيمانياً متيقظاً إن غاب الشرطي وغاب القاضي والمحكمة، تصبح محكمتك منك وفيك ويصبح شرطيك ونجدتك معك.
والمادة القانونية في جميع البلدان العربية، دين الدولة الإسلام هل يعترض معترض عليها؟! هل يعترض الشرع عليه؟! هل يقول إنسان له عقل: إن هذه المادة باطلة؛ لأن الخمر يشرب، والزنا يفعل، والسرقة موجودة، والمظالم كثيرة في كثير من الشعوب؟! لا، التهمة ليست على المادة، لكن التهمة على الذين أساءوا التطبيق. وهذا هو المبدأ الإسلامي وأعطيكم صورته المشرقة يوم أن كان يطبق، وفرت الدولة الإسلامية في المدينة أموالاً طائلة، فما وظفت رجال مباحث ولا رجال أمن، ولا محاكم، ولا كثرة قضاة، وإنما كل هؤلاء كانوا في الجهاد في سبيل الله، يوفرون هذه الطاقات لفتح القلوب والدروب، والمجرم بنفسه يأتي إلى المحكمة وعنده ضمير إيماني يردعه.
هذه الغامدية قال لها بعد أن سأل وتأكد، يمكن أن تكون مجنونة، قالت: الحمل في بطني، البينة واضحة، قال: اذهبي حتى تلدي، وسكت عنها، ولم يطلبها وجاءت باختيارها بعد الولادة، نعم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ادرءوا الحدود بالشبهات) فجاءت وقالت: ولدت يا رسول الله أقم علي الحد، أعطاها فرصة ثالثة، قال: (اذهبي حتى ترضعيه وتفطميه) فذهبت وأرضعته حتى تم رضاعه حولين، وجاءت به والخبز بيده ويأكل والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر، قال: الآن أقيموا عليها الحد، فأقاموا عليها الحد.
ثلاث مرات تأتي باختيارها دون أن يسحبها شرطي أو محامٍ أو موكل دفاع أو نيابة أو .. أو .. أو .. إلى آخره. ولم يفتح لها محضراً، ولا ملفات .... إلخ ودخلت في الحفرة ودفنوا رجليها ورجموها بالحجارة وهي تستشعر لذة إقامة الحد؛ فإن الطاعة لها لذة وأنس ولو كانت مؤلمة، وطارت قطعة دم على ثوب خالد ، فلعنها، فقال له رسول الله: (لا تلعنها يا
وهذا ماعز الأسلمي الذي مات مرجوماً بجريمة الزنا وهو محصن، لو وجد في زماننا هذا الآن لرشحته حاكماً لإحدى الدول العربية، مع جريمة الزنا التي ارتكبها؛ لأن عنده ضمير، ضميره جعله يسلم نفسه، لكن هل هناك حاكم الآن يقف ويقول: أنا أنهب وأنا أسرق وأنا أقتل وأنا كذا ..؟ هناك طواغيت أبادوا قرى ومدناً وشعوباً، وحتى الآن هم المرفوع عنهم القلم، وهو إمام المنفقين وسيد المحسنين والعارف بأمور الدنيا والدين.
لا أريد أن أصيبكم بالملل، ولكن أنتقل إلى القصص والحكايات.
لا حظ الآن أنا لا أكلمك على أمن مسلم، لا. قال تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] والآية جاءت بقمة الذنوب: مشرك فتقول لك: أسمعه، انتبه تضع المسدس على رأسه وتقول له: أسلم وإلا السيف، وإنما أسمعه فقط، حتى لا تعطيه دروس ولا محاضرات، اقرأ عليه القرآن فقط: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] لأن كثرة الكلام قد يكون فيه إرهاق، دون أن تشير من بعيد ولا من قريب على زيادة النص، حتى يسمع كلام الله (ثم): وهنا (ثم) تفيد التراخي، يعني: وهو قاعد عندك يأكل ويشرب ويستقر ويطمئن ويسمع النص مرة ومرتين لعله ينشرح قلبه: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6] على ميزانية الدولة، المواصلات والاتصالات والنفقة والزاد، حتى يصل إلى المكان الآمن الذي يختاره هو، الله أكبر! إذاً: المؤمن ما له؟
هذا مشرك له حق اللجوء السياسي في الدولة الإسلامية: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] الآن الوافد المسلم يبهذل، إن لم تكن له جنسية أمريكية لا يعزز ولا يكرم، ويمسح به الأرض، في كل الديار وكل البلاد، ودون تحديد وطن عن وطن وأرض عن أرض، وأمة عن أمة، هذه بهذلة عامة، بهذلة على الصغير والكبير.
ثم طوى الجلد وبحث عن خيط حتى يربطه، فلم يجد، فعاد إلى شملته وسلب منها خيط صوف وربط الكتاب وسلمه إلى المجوسي.
والمجوسي لما رأى الحاكم ليس عنده خيط إلا من شملته، رمى الكتاب في خرجه، وذهب إلى زوجته يبكي، قالت: ما يبكيك؟ قال: لقد أتعبتيني كيف يقتص هذا الحاكم من هذا الظالم وهو لا يجد خيطاً لرسالته وكتابه إليه؟ قالت: ويحك، خذه إليه وسترى، فأخذه واستأذن وقدم له الكتاب، قال: من أين؟ قال: من عمر ، قال: ماذا؟ وجف ريقه وقام وقعد، وفتح الكتاب وقرأه فكاد أن يقف قلبه: (أعد الدار أو احضر) فقال: أعيدوا إليه الدار، وابنوا له الجدار، وأعطوه خمسمائة درهم من بيت مال المسلمين جزاء ما روعناه، فعاد المجوسي يضحك إلى امرأته، قال: صدقت يا امرأة، قالت: أرأيت؟
قاض من القضاة لا يستطيع أن يفصل في القضاء إلا بعد مشاورة السلطان لحرص السلطان على إتباب العدل، وذات يوم جيء بغلام مذبوح محمول، ووضعوه أمام القاضي، فنظر القاضي وسأل من قتله؟ قالوا: لا ندري وجدناه تحت الجدار مذبوحاً منحوراً من الوريد إلى الوريد.
والحكم الشرعي في الجريمة المجهولة هو أن يقسم أهل الحي الذين وجد فيهم القتيل خمسين يميناً، أنهم ما قتلوه، ولا يعرفون القاتل، وهذه القسامة نفذها القاضي، وأقسموا بالله.
ووصل الخبر إلى الحاكم، فحضر بنفسه يعاين الجثة، يعني: الطبيب الشرعي الذي يتخذ فيه القرار الأخير، بسبب الجريمة وجاء الحاكم نفسه، ما وكلها إلى إنسان آخر؛ لأن القضية جنة ونار، هذا القتيل سيأتي يوم القيامة تشخب أوداجه يشكو إلى الله رب العالمين الظلم، وأول من يوقف السلطان، نظر إلى الجثة فابتسم وقال: عرفت القاتل، فقال القاضي: كيف؟ قال عرفت القاتل، نعم، إذا كان الإمام عادلاً أول من يظله الله في ظل العرش، يقول تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2]: (سبعة يظلهم الله في ظله، قال: أولهم إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله).
الشاهد أن الحاكم قال: أحضروا جميع القصابين والجزارين، فأحضروهم وصفوهم في طابور، ووضعوا الجثة أمامهم، وجلس القاضي عن يمينها والسلطان عن يسارها على كرسيين وقالا: ليأتي كل جزار يتخطاها برجله ثم يمر، وجلس الحاكم هكذا كأنه لا ينظر إلى الطابور، ولكن عينه ترمقهم بطرفها، وإذا بأحد الجزارين كلما اقترب دوره رجع إلى الخلف وكلما اقترب رجع إلى الخلف ففضح نفسه: (يكاد المريب أن يقول: خذوني) نعم.. فلما وصل الدور إليه أغمي عليه، فقال: ادفنوه، فلما حملوه صاح القاضي، كيف عرفته أيها السلطان؟
قال: انظر إلى جثة القتيل، فنظر إليها، قال: ما أرى شيئاً، قال هناك مسحه سكين على ثوب القتيل، وهذه المسحة العفوية لا تأتي إلا من جزار محترف، إذا ذبح الذبيحة مسحها في الخروف، فهذا لما ذبحه مسحه لا إرادياً، فعرفت أن القاتل جزاراً.
فتعجب القاضي من ذكاء السلطان، واعترف الجزار بالجريمة وأقيم عليه الحد والقصاص.
والشاهد بأنها لم تسجل: ضد مجهول، وإنما الذي يخاف ويراقب الله، يتوصل بإذن الله إلى الفاعل.
أن صياداً ألقى شبكته يوماً في النيل ، فأخرج تابوتاً ثقيلاً جره إلى الخارج وفتحه وظن أن فيه كنـزاً ثميناً؛ لأن الصيادين في المقاهي المصرية يسمعون قصص أبو زيد الهلالي ، سلامة، وقصص قبر الزمان، وقصص ألف ليلة وليلة ، ودائماً هكذا فالقصص التي تخدر فيها الناس ليس فيها تلفازاً يخبر ولا ملاحم تخبر، ولم تكن هناك كرة، ولما فتح الصندوق وإذا ببنت في السابعة عشر من عمرها مقطوعة الرأس، ومذبوحة منذ ساعتين أو ثلاث داخل الصندوق، وملقاة في النهر، فعاد الصياد، وفكر ماذا يفعل وهو إنسان فقير، لكن الزمان الذي هو فيه البريء بريء والمتهم متهم، ليس كما يحدث في عالمنا اليوم، لو أنك ساعدت مجروحاً أو نقلت مصدوماً، فأول ما توجه التهمة لك، حتى أصبح الناس الآن لا يأمن لا على نفسه ولا على أهله، إذا شارك على مساعدة الآخرين، وأصبحت المسائل مزعزعة، لا تعرف هذا الموجود، مجرم أو قاتل؛ لأن الذي أحضره الهدف منه أن يأخذ قيمة الإقامة ألف أو خمسمائة أو ستمائة، سواء كان هذا تاجر مخدرات، أو لص فهذا عندهم لا يهم، والمهم عنده الجيب ممتلئ فقط، لكن هذا الصياد الفقير قال: والله لا أدعك حتى أعرف قاتلك، صياد مسكين! ففك الصندوق وحمله على ظهره، وذهب إلى بيت رئيس الوزراء، وكان اسمه محمود باشا في ذلك الوقت، رجل لا يترك صلاة الفجر في المسجد فقرع عليه الباب، أيقض الحرس، ماذا تريد؟ قال: أمر يتعلق برئيس الوزراء، فأيقظوه من النوم، فنـزل فرأى الصندوق فيه جثة، فدخل وفتح الصندوق وإذا هي بنت عمرها سبع عشرة سنة مقطوعة الرأس، فأخذ يتفكر كيف يصل إلى القاتل، في ذلك الوقت، ليس هناك بصمات ولا كلاب بوليسية، لكن هناك إيمان وتقوى، وهناك إله فوق السماء: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً [الإسراء:33] فلما أذن الفجر ضاقت عليه الدنيا وحشرج صدره وركبه الهم ولم يتوصل إلى رأي، فقال للصياد: خذ هذا المبلغ واكتم الأمر، ودع الجثة، وذهب يصلي الفجر وبعد صلاة الفجر فتح الله عليه.
فصلاة الفجر مباركة، والوقت ما بين الفجر والشروق من أبرك الأوقات، يوزع فيه أرزاق الناس، وأعظم الأرزاق الطاعات والعبادات، لهذا الصلاة بعده بحجة وعمره تامتين تامتين تامتين، وبعد صلاة الفجر فتح الله عليه فأمر رئيس الحرس بأن يحضر جميع القابلات اللواتي يسرحن الشعر للبنات.
وعندنا يسمونه كوافير كرمكم الله، (وهي التي تعمل عمليات المناكير، والبيتيكير، والشيطان كير) في ذلك الوقت كانت هناك امرأة عفيفة متدينه دائماً تقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وتأتي بنات الحي إليها ويسمعن منها القصص (والحزاوي) الحلوة، وتبدأ هي تمشط شعرهن وتجدله، ويقمن بحياء البنت المسلمة وعفة البنت المسلمة، وليس كما يحدث في بعض أماكن الكوافير التي تستغل لأغراض خسيسة دنيئة والعياذ بالله، فأمر بإحضار كل هؤلاء العجائز، في المنطقة والقرية التي وجد فيها الجثة، فحضرن.
فقال لهن: أنا الآن أدخلكن غرفة وسوف تنظرن شيئاً، والتي تعرف هذا الشيء تجلس، والتي لا تعرفه تذهب، وقد اختار هؤلاء النساء؛ لأنه رأى أن البنت لها جديلتين جديدتين مربوطتين آنفاً، يعني: ما انفكت الجديلة، فدخلت أول واحدة ثاني واحدة، ثالث واحدة قالت: هذه بنت فلان، وأنا بيدي منذ ساعتين جدلت شعرها، ما الذي قتلها؟
الآن حدد العائلة، فأرسل إلى أخيها، قال: انظر أختك المقتولة، قال: سبحان الله من قتلها؟ قال: قص عليَّ، قال: أختي يوم الإثنين تخرج من بيتنا وتذهب بيت خالتها، وتقعد عند خالتها يومين، ونحن نظن الآن أنها في بيت خالتها، كيف قتلت؟ قال: لا تعرف القاتل؟ لا تعرف عدواً؟ لا تعرف كذا؟ قال: أبداً.
قال: اذهب إلى صندوقها الخاص، وابحث عن شيء غريب لم تحضره لا أنت ولا أمها ولا أبوها، فذهب يبحث فوجد قطعة من القماش التركي النادرة، وقطعة سوار لا تملكها البنت فأحضرها إلى رئيس الوزراء، فأمر رئيس الحرس، قال: اذهب بقطعة الحرير هذه إلى البزازين في البلدة، والذي موجودة عنده من نوعها أحضره، واذهب بهذا السوار إلى الصاغة، فكل واحد يعرف دقته.
وفعلاً، اجتمع الصائغ مع صاحب الحرير على شخص واحد، كلهم قالوا: فلان هذا اشترى مني السوار وهذا قال: اشترى مني قطعة الحرير.
وهذا الشاب، فقال له الحاكم: لِمَ قتلت البنت؟ فخر مغشياً عليه، قال: أنا أهواها، وارتقبت خروجها، وراودتها عن نفسها أكثر من مرة، وكانت تردني إلى أن مللت، فطلبت مني أشياء ثمينة لتعجزني، فطلبت حريراً تركياً، فانتظرت لما حضر ذلك التاجر الوحيد فاشتريت قطعة منه، فأبت أن تسلم نفسها، فطلبت مني إسواراً ثميناً، فبذلت فيه ما بذلت وأحضرته لها، فأبت أن تسلم نفسها، فغضبت غضبة فقدت فيها عقلي، فطعنتها فتورطت، فجررتها إلى خرابة ووضعتها في التابوت ووجدت رأسها زائداً فقطعته ووضعته داخل التابوت ورميتها في النهر، فأمر بقطع رأسه في الغد.
انظروا! جريمة غامضة، الماء قد أخفى جميع معالمها، ومع هذا هدى الله السلطان إلى الجاني، انتهى الوقت والقصص طويلة والحكايات كثيرة.
أنى التفت إلى الإسلام في بلـد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه |
أين الأمن للاجئين؟ أين الأمن للدعاة الخالصين المخلصين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، أين الأمن لأخواتنا المسلمات العفيفات المحاربات بقوانين رسمية في نزع الحجاب الإسلامي في بعض الدول العربية؟ ماذا أعدد؟ وماذا أقول؟
كلكم في الواقع، وكلكم قلوبكم تبكي، وكلكم محزونون مثلي، ولكن الأمل بالله كبير وبهذا الدين عظيم، وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أمن الشريعة سيستتب، وقال: (تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكاً عضوضاً -أي: وراثياً يعض عليه السابق فيسلمه لله فسمي عضوضاً- ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون حكماً جبرياً) الوراثي هذا جبري، كلها الانتخابات تسعمائة وتسعة وتسعين، إلى أن يموت بالانقلاب.
أو يقال: هذا جبري سماه حكم، وسماه جبرياً لأنه يحكم بالنار والحديد والسجون والمشانق، فشخصه الرسول وأعطاه صفته الصحيحة فقال: (حكماً جبرياً ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت عليه الصلاة والسلام، ختمها بالسكوت، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقق هذه النبوة في عالمنا الإسلامي، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، والنور واليقين، اللهم إنا ندرأ بك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم منـزل الكتاب، ومنشئ السحاب، ومجري الحساب، وهازم الأحزاب، اهزم أعداء الباطل، وانصر حزب الحق.
اللهم إنا نسألك يا رب العالمين، أمناً في ديننا وفي أولادنا وفي أموالنا وفي ديارنا، وفي أعراضنا وفي حصوننا، وفي عقيدتنا، اللهم إنا نسألك أمناً في الدنيا وفي القبر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر