إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله القائل في كتابه:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
[الطلاق:2-3] والذي يعطينا الضمان المعيشي لنا ولذريتنا في التقوى والدعوة إلى الله، فيقول سبحانه:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
[النساء:9].
اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا مبشرين وميسرين ولا تجعلنا معسرين ومنفرين، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك منها غير مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نسألك تحرير المسجد الأقصى، وأرض فلسطين وأرض لبنان والفلبين والأفغان.
اللهم انصر جندك وأولياءك المجاهدين .. سدد رميهم، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وفك أسرهم، واجبر كسرهم، وحقق بالصالحات آمالهم، واختم بالطاعات أعمالهم، واحفظ توحيدهم، واحقن دماءهم، وصن أعراضهم، وغض أطرافهم، واحفظ قلوبهم برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من النار وجحيمها، حرم وجوهنا والحاضرين ووالدينا والمسلمين عن النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار الأخيار، استعملنا فيما يرضيك، ولا تشغلنا فيما يباعدنا عنك، واقذف في قلوبنا رجاءك، واقطع رجاءنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك، ونسألك لأمتنا قائداً ربانياً يَسمع كلام الله ويُسمعها، وينقاد إلى الله ويقودها، ويحكم بكتاب الله وتحرسه، لا يخضع للبيت الأبيض، ولا يركع للبيت الأحمر إنما شعاره:
وإذا اعتز الناس بدنياهم اعتز عليهم بدينه فصاح صيحة سلمان :
بشرى للمرابطين في سبيل الله
أيها الأحباب الكرام: أجد نفسي مضطراً أن أعيش مع أشلاء القتلى في
جنوب لبنان ، إنني لا أستطيع الكلام عن الحيض والنفاس وإخواني يقتلون هناك، طرقت في الخطبة الأولى قضية السلام والاستسلام، وفي الخطبة الثانية في الجمعة الماضية ضرورة وحدة الصف وجمع الكلمة وأنهما أقوى سلاح نواجه به اليهود، أما اليوم فإنها الشهادة وما أدراك ما الشهادة؟!
الجهاد والرباط منطلقاً من عقيدة التوحيد وحسن الاعتقاد؛ حتى لا يحبط العمل، وتهدر الدماء، ويأتي الإنسان يوم القيامة فلا يجد ثواباً ولا أجراً عند الله.. نخشى أن تكون دماؤنا وأرواحنا بلا ثمن في الدنيا وبلا ثمن في الآخرة.
من هنا.. من منبر الدفاع عن المسجد الأقصى أوجه إلى إخوتي وأخواتي، والأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى، والأخوات الصابرات، والأزواج والزوجات الحزينات.. أوجه هذه الصيحة بأن يعقدوا نية الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، لا يخرُجَنَّ أحدٌ من بيته إلا ونية الرباط والجهاد في سبيل الله معقودة، فأنتم في أسمى عبادة مفقودة، فقدت من كبار الناس وصغارهم إلا القليل، وسأحدثكم يا أهل جنوب لبنان عن فضل ما أنتم فيه إذا صحَّحْتم الاعتقاد فعلمتم أن الله واحدٌ في أسمائه وصفاته وأفعاله، وأن خاتم النبيين محمد، وأن الله هو ملك الملوك، وأن خير القرون قرنه وخير القادة أصحابه، وأن لله جنة لا يدخلها إلا الموحدون، ولله نار لا يدخلها إلا العصاة المشركون الملحدون.
أيها الإخوة والأخوات هناك: اسمعوا ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا نصاب باليأس؛ فيكون يأسنا رحمة وخوفنا أمناً، ويكون قنوطنا رجاءً، فهذه أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم تندفع في أسماع الزمان والمكان والبشر إلى يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: (رباط شهر خير من صيام الدهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر -أي: يوم القيامة- وغذي عليه برزقه وبريح من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله) ويقول صلى الله عليه وسلم: (رباط ساعة في سبيل الله خير من عبادة ليلة القدر عند الحجر الأسود) والركعة عند الحجر الأسود تعدل مائة ألف ركعة، ولكن ساعة في غبار الخنادق لإعلاء كلمة الله ليس كمثل تلك الركعة بل هو خير منها عند الله.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (ارموا -أي: أطلقوا النار والرصاص والسلاح في وجه العدو أصبتم أم لم تصيبوا- من بلَّغ العدو بسهمٍ رفعه الله به درجة، ما بين الدرجتين مائة عام) فماذا أعد الله لمن يطلق طلقات الرشاش المتتالية في وجه العدو في الدقيقة الواحدة يطلق أكثر من مائتي طلقة، والطلقة بمائة درجة؟ فماذا أعد الله للمجاهدين اليوم؟!
ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف) .
جزاء المجاهدين في سبيل الله
يا أهل الجنوب في
لبنان أحبوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحبوا
سعداً و
خالد بن الوليد ، أحبوا
أبا عبيدة عامر بن الجراح وارفعوا لواءه عالياً فهو الذي حرر أهل الشام من استعمار الرومان بصيحة: الله أكبر، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم فريقاً من أصحابه يعلمون الناس القرآن فاقتطع الكفار طريقهم، وجاء أحد الكفار إلى
حرام بن ملحان رضي الله عنه فضربه بالسيف على رأسه؛ فطار الدم، فتلقف الدم في يده ومسح وجهه كأنه يمسح المسك وصاح: فزت بها ورب الكعبة!
أيتها الأمهات اللواتي دَفنَّ في قبر واحد أكثر من عشرين جثة ممزقة! أسأل الله أن تأتي تلك الأشلاء يوم أن يركبها الله لونها لون الدم وريحها ريح المسك، لنا ولشهداء فلسطين ولبنان ودير ياسين وشهداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إن أمتنا غالية؛ ضحت كثيراً، وقدمت كثيراً، وبذلت كثيراً، والمؤامرة عليها كبيرة، وعلى قدر عظم هذا الدين تعظم التضحية أيها الإخوة.
ثابت بن قيس وصموده في المعركة
ثابت بن قيس في معركة
اليمامة ، معركتهم مع
مسيلمة الكذاب ، وقد كان
مسيلمة واحداً في عهد الصحابة، وأصبح في زمننا اليوم مسيلمات لا يعلم عددهم إلا الله منهم الخفي ومنهم الجلي، ونسأل الله أن يرينا فيهم ما أرانا في
مسيلمة الكذاب.
وقف ثابت بن قيس وصاح في المسلمين: انظروا هكذا كنا نقاتل على عهد رسول الله، ثم حفر لنفسه حفرة ودفن نفسه وجرد سيفه، والأعداء يهجمون بزخمهم على الجيوش الإسلامية وثابت ثابت، وظل يضرب يميناً وشمالاً حتى تطاير لحمه من على جسده بسيوف العدو وفاضت روحه إلى الله.
إنها أمثلة في القديم والحديث، الأخت التي ركبت سيارتها الملغومة واندفعت إلى القافلة اليهودية، أخت مجهولة الاسم، ومنهم من يقول: إنها زينب، ومنهم من لا يعرف اسمها، ولكن الذي فوق السماء السابعة يعلمها، فجرت قافلة اليهود فتطايرت أشلاؤهم القذرة، وصدق الشاعر أحمد مطر إذ يقول:
أم عمارة تضرب مثلاً في الجهاد
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الأمانة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.
أما بعد.. أيها الأحباب الكرام!
في المذكرات التي نشرت اليوم عن كارتر اسمعوا ماذا يقول، يقول: كنت وزوجتي مهتمين منذ فترة طويلة بالمنطقة -أي: بـفلسطين - من خلال قراءتنا للكتاب المقدس -أي: التوراة- ولما زرتهم ذهبت يوم السبت إلى الكنيس الإسرائيلي لا أستطيع الاقتراب من إسرائيل أو دخولها دون التفكير بالتوراة، وغادرناها وكلنا على ثقة بأنها يجب أن تظل قوية بوجه جيرانها العرب.
الله أكبر! إننا نوجه نداء إلى قيادات العالم العربي والإسلامي: إنكم بعد أن تذهبوا إلى مجلس الأمن وإلى هيئة الأمم وقبل أن تذهبوا إلى زيارات البيت الأبيض أو الأحمر نناشدكم ونطالبكم أن تقرءوا القرآن بمقابل قراءة كارتر للتوراة، وإلا لن تستطيعوا أن تفهموا الحكومة اليهودية والحكومة التي تتآمر معها علينا، كارتر عرف كيف ينتصر لليهود؛ لأنه قرأ التوراة، ولن تعرفوا كيف تنتصروا عليهم حتى تقرءوا كتاب الله.
لا توجد موسوعة ولا تقرير ولا بحث ولا علم فصَّل اليهود وبينهم ككتاب الله وسنة رسوله، ولكن هل يفعلونها؟ معاذ الله! إنهم عنها مبعدون، لأنها رجعية، لأنها عصبية، لأنها تَطرُّف، لأنها تأَخُّر، وللمرة العاشرة يتخذ البيت الأبيض حق نقض الفيتو ضد قضيتنا، للمرة العاشرة أو الحادية عشرة إحدى عشرة دولة تدين إسرائيل في مجازر جنوب لبنان من خمسة عشر، ويلتفت المندوبون إلى مندوبة البيت الأبيض فترفع يدها مسقطة تلك الإدانة ومعتبرة أن دخول اليهود في الجنوب وفعلها حق شرعي لليهود، ولا مجال.. نتمسح على أعتابهم ونسأل الاستسلام.
أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها: مزيداً من الشهداء، مزيداً من الدماء، والله لا يضيع أجر المحسنين.
يا أختي المسلمة الحزينة! هناك في قرية الزراريا ومعركة وقرى جنوب لبنان :
وإلى أختنا التي فقدت زوجها وولدها وأخاها وأباها هناك، اسمعوها وهي تنادي:
وصدق الله:
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً
[الإسراء:7]
اللهم إنا نسألك أن ترينا في اليهود وأعوانهم يوماً أسودا، اللهم إنا نشكو إليك ظلم الطواغيت فأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم جمد الدماء في عروقهم، احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، أنت الغني بعلمك افتح بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين.
اللهم منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، ومجري الحساب، وهازم الأحزاب، اهزم أعداءنا يا رب العالمين!
اللهم إنا ندفع بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، وخفف لوعاتنا، اللهم إنا نسألك يا أرحم الراحمين صلاة في المسجد الأقصى غير خائفين ولا وجلين برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ربنا اجعلها ساعة إجابة وساعة إنابة:
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
[البقرة:127-128].
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.