ولو امتد شهر رمضان شهوراً وامتدت معه المعونة والمؤونة من الله، لصار عذابه عذباً, وليله نوراً, ونهاره ذكراً, ولعلمنا قولة الحبيب صلوات الله وسلامه عليه يوم أن جاءه رمضان فواصل ليلة ثم ليلة ثم ليلة والناس يشهدون, وأراد الصحابة أن يواصلوا فنهاهم, لأنه قدوة للضعفاء قبل أن يكون قدوة للأقوياء, فقال: (لا تواصلوا) ونهى عن الوصال, وقال: (لست كهيئتكم، إنما أبيت ربي يطعمني ويسقيني).
وقال العلماء: هذه سقيا الروح .. سقيا طاعة, فالروح لها غذاء غير غذاء المعدة والأمعاء, ولو كان يعني الطعام والشراب المعروف لما اعتبر مواصلاً للصيام ولا يعتبر صائماً, الذي يأكل طعاماً مادياً ويشرب شراباً مادياً فهو مفطر وليس صائماً, إنما كان هو صائم في الليل وصائم في النهار ثلاثة أيام عليه الصلاة والسلام.
إذاً الغذاء والشراب الذي كان يعنيه هو هذا الذي أنتم تحسونه في نهار رمضان وأنتم صائمون, ألا تجدون لذته؟ ألا تحسون أنسه؟ ألا تستشعرون رحمته وبركته وأحدكم عند الإفطار يقول: الحمد لله, لا عطش ولا جوع، الحمد لله على رمضان, الحمد لله على الصيام, وكلكم تغمركم البهجة والفرحة, وهل يفرح الجائع؟
اذهب وانظر إلى وجوه الجائعين في الدنيا, تجدها وجوهاً بائسة, تجدها وجوه صفراء هزيلة كئيبة، تطويها الآلام والأحزان، والعطشى كذلك, لكن جوعى وعطشى رمضان من نوع آخر, فإذا امتنع غذاء البطن فهناك غذاء القلب والروح قد عوض تعويضاً كبيراً, وإذا جاء وقت المغرب ووقت الإفطار تسابق الناس إلى تعجيله اتباعاً لسنة محمد صلى الله عليه وسلم وتقوية لأبدانهم, وإحساساً بالفرحة, فالصائم له فرحتان: فرحة عند فطره, وفرحة يوم لقاء ربه.
تذكرت -أيها الأحباب- في هذا وأنا صائم وعجبت كل العجب لمن ترك منهج الله ودينه وشرعه وحكمه وأراد أن يفرض على الناس أوامر ونواهي وقيود وقوانين ليست من الله, لهذا شقيت البشرية وتعست, وتمزقت شر ممزق, وكل بقعة فيها فساد في الأرض إنما مصدرها البعد عن الله.
قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] كسبت الحرام وابتعدت عن الحلال, إمام يقول لكل الخلق: امتنعوا من الفجر إلى المغرب عن أحب شيء إليكم, عن مادة حياتكم المادية, امتنعوا عن الماء: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30] امتنعوا عن الطعام، وهو الذي يقول: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:57] وامتنعوا من شهوة الزوجة وهو الذي خلقها للشهوة الحلال، ثم يستجيب المسلمون راغبين فرحين مستأنسين مستبشرين يهنئ بعضهم بعضاً لقدوم شهر الجوع والعطش وحرمان الشهوة, يهنئ بعضهم بعضاً ويتزاورون: بارك الله لكم في شهركم، بارك الله لكم في صيامكم.
والرسول صلى الله عليه وسلم هنأ الصحابة وهنأ أمته يوم قال: (أظلكم شهر عظيم، شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين) هذه تهنئة محمد صلى الله عليه وسلم, فلم يذكر هذا من مجرد الذكر, بل هذه تهنئة يهنئ أمته بهذا الشهر عليه الصلاة والسلام.
أيها الأحباب: لما رأيت هذا علمت أنه لا يُصلح البشرية اليوم إلا العودة إلى منهج وتشريع الله, من يملك؟ أحضروا لي قانوناً واحداً يحكم به سلطان من السلاطين .. قانوناً واحداً في كل المواد والدساتير استطاع ذلك القانون أن يجعل الإنسان يتقبل النهي لمألوفات حياته؛ طعام وشراب.
تخيل أن رمضان غير مشرع من قبل الله ولكن مادة دستورية قانونية من وضع البشر وعقدت عليها لجان أطباء محلية وعالمية وقرروا: لابد من صيام شهر كامل في العام وإلا ستتعرض البشرية إلى كوارث صحية وأمراض نفسية وعقد..إلخ, ثم يكون القانون بحماية الداخلية وتقوم بتطبيقه وتنفيذه والذي لا ينفذه سيعاقب أو يسجن أو يغرم، لا ولن تجد من يطبق هذا القانون بهذه الأعداد الهائلة التي في أقصى الصين الشعبية واقفين على رءوس بيوتهم وصخور الجبال ينظرون هل هلّ هلال رمضان؟ فإذا هلّ تعانقوا وفرحوا ومنهم من يسجد لله رب العالمين من شدة الفرح الغامر.
إن الأرض هي أرض الله, والسماء سماء الله, والخلق عبيد الله ولا يصلحهم إلا منهج ودين الله, هذه حقيقة ثابتة أثبتها رمضان, الطفل الصغير الذي في السابعة تقول له: يا بني كل؟ يقول: لا أريد أن آكل, أنت لا تتحمل، جسمك نحيف وتذهب إلى المدرسة والشمس شديدة أنت تعبان يقول: لا أنا لست تعبان أريد أن أصوم, أي قانون بشري يستطيع أن يفعل هذا حتى في الأطفال؟ ابحثوا نقبوا ستجدون كل هذه القوانين تفرض نفسها بالنار والحديد والسجون والمعتقلات والمشانق، والدماء بعد الدماء، والإبادة بعد الإبادة, ولو أعطي الإنسان حريته لكي يعبر بالصدق ولو ساعة في العمر عن شعوره تجاه ذلك القانون لصاح في وجهه وأسقطه وداسه بالنعال.
والتاريخ يشهد: فقد جاءت ظروف وانطفأت الكهرباء في نيويورك لمدة ست ساعات، فتحول كل الناس في ظلام أمريكا ذات الحضارة والمعسكر الأول المدني والرقي كما يزعمون, تحولوا كلهم إلى لصوص، لم يبق محل لذهب أو أجهزة أو أدوات إلا كسر وسرق, وشارك في السرقة بعد التحقيقات الأطباء والمهندسون والعلماء والأساتذة والبروفسورات، حتى أن بعض القضاة اعترفوا أنهم شاركوا في السرقة, هذا يبين لك فشل أثر ذلك القانون البشري في نفوس الناس, لهذا كان الله يسمه بالجهل, وتطبيقه بالجهل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
فرمضان أثبت لكل سلطان أن السلطان لله, من يتقبل الحكم بقناعة وبرضا؟ من له أثر على الروح؟ من له أثر على القلب؟ ما الذي يوجد الضمير الإيماني؟ ما الذي يجعلك تتقي الله حيثما كنت؟ ما الذي يأتي بك دون ضابط وشرطي سيارة ومخفر ومحكمة وقاضي وقانون محامي؟ هو الله سبحانه وتعالى ودينه وأمره.
فظهرت حكمة من حكم هذا الصيام: أنه إذا أقبل رمضان صار الحلال حراماً, فالطعام والماء والزوجة حلال صارت حراماً في شهر رمضان, فإذا انتهى رمضان عاد الطعام والشراب والزوجة في نهار شهر شوال حلالاً كما كانت؛ ليتذكر الناس طول العام أن رب الشهور هو رب رمضان, لم يأت رب آخر للشهور الأخرى، قال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ [التوبة:36] أصبح من الواجب على كل مشرع ومقنن وقاضٍ ومحكمة وحاكم كما أطاعوا الله فصاموا وتركوا الطعام والشراب والجماع وهو حلال طاعة لله لأن الله أمر, ليتذكروا طول العام أنهم عليهم أن يطيعوه بحكمه, فالله يحكم جميع شئون حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والعسكرية والسلوكية والأخلاقية والشعائرية والشرائعية القانونية, ليتذكروا ذلك جيداً, وإلا سيكونون مخادعين أنفسهم يوم أن يصوموا في نهار رمضان ممتنعين عن الطعام والشراب والشهوة, وفي باقي الشهور يأتون بتشريع غير تشريع الله.
فالذي يشهد شهادة الزور يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وأزور الزور أن تُحكم الأرض ومن في الأرض بغير سلطان الله وشرعه, وكأن الذي يحكم يقول: هذا تشريع الله فاشل, وهذا تشريع البشر ناجح, ولولا أني أرى نجاحه ومصلحته وتفضيله لما أتيت به, ولما حكمت به, لا يفعل ذلك عاقل, لأن هذا متناقض: يطيع الله في الصوم فيجعل الحلال حراماً, زوجته بين يديه فلا يأتيها وهو صائم, لا يشرب الماء وهو عطشان طاعة لله, ثم يأتي بشرع يفضله على شرع الله! هذا لا عقل له, لأنه متناقض, والمتناقض لا يحترم, لهذا كان الله سبحانه وتعالى يعنف ويشدد على بني إسرائيل ويتهم عقولهم حيث يقول: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [البقرة:85] من أين جاء الخزي هذا؟ جاء من هذا التناقض العقلي: أطيعه في قضية الصيام والامتناع عن الطعام والشراب والنكاح, وفي نفس الوقت أخالفه في تشريعه وحكمه الذي حكم فيه البعيد والقريب والصغير والكبير, هذا التناقض لا يفعله إنسان عنده عقل, كالذي يبني ويهدم في نفس الوقت, والله يربأ بعباده أن يكونوا هكذا سبحانه وتعالى.
لهذا كان من سمات الصائمين: التقوى، قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] انتبهوا إلى هذه النقطة الحساسة في سائر حياتكم, بحيث إن رمضان مدرسة، أن الآمر هو الله, وأن المشرع هو الله, والمحلل هو الله, والمحرم هو الله, الآخذ المعطي الخافض الرافع المعز المذل الحاكم الحكيم هو الله, تمثل ذلك في سلوكك وأنت صائم في رمضان, قال: كل أكلت, قال: لا تأكل, لا تأكل, فإذا انتهى رمضان احذر أن تنتهي أنت عن هذه الطاعة, وتنقلب على عقبك, بل استمر عليها الآن فالرب واحد حي لا يموت, والأمر ثابت: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] أنت خلق والأمر تشريعه, فعليك الطاعة.
هذه خاطرة سريعة نسأل الله أن ينفعنا بها ويعيننا على فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين, وهذا في الحقيقة ينسحب الحكم على كل مسلم, أي لا تظن أني ركزت على قضية الحاكمية وبرأت الآخرين, لا, المرأة التي لا تتحجب وهي صائمة، هذا تناقض لا يليق بعاقل, الذي قال: صومي رمضان، هو الله, والذي قال: تحجبي، هو الله, أتطيعينه في الصيام وهو أشق من الحجاب؟
يعني: الحجاب إذا وضعتيه على رأسك لا يجوعك ولا يعطشك, بل يزينك ويجملك, وكم من امرأة لا جمال لها وجملها الحجاب, لا احترام لها ووقرها الحجاب.
فلهذا ليحذر المسلم من هذا التناقض المقيت: أن يطيع الله في شيء ويعصيه في شيء آخر، فالآمر والناهي واحد وهو الله سبحانه وتعالى, وهذه من أخلاق اليهود وليست من أخلاق المسلمين, قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] انظر التعقيب: أفلا تعقلون؟ أأنتم مجانين؟ ما هذا التناقض؟ تصومين وتتحجبين في الصلوات, وفي نفس الوقت تكشفين حجابك للأجانب, والذي أمر بالصيام والصلاة والحجاب هو الله, حيث قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] وهو الذي قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] وهو الذي قال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] وهو الذي قال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ [الحج:27] الرب واحد.
أيها الأحباب الكرام: نسأل الله أن ينفعنا، ويغفر لنا، ويجعلنا من عتقاء رمضان، ويتولانا، ويعيننا على أنفسنا والشيطان، هو ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الجواب: الأخ يسأل عن بعض الناس الذين يرتكبون الكبائر بأنهم يمتنعون قبل رمضان بأربعين يوماً, ولعله ورد في الأثر: (من شرب الخمر لا تقبل له صلاة أربعين يوماً) فهو يحسب حسابه قبل أربعين يوماً ويكسر آخر كأس, من أجل العداد يشتغل فيكمل يوم الأربعين مثل المرأة النفساء, لكن طلوعه هو من الكأس وليس من النفاس! فأول يوم من أيام رمضان الأربعين تنتهي ويبدأ يصوم ويصلي ويعبد الله سبحانه وتعالى, وفي العيد يختمها بتبن, حيث يسافر يسكر ويزني ويعربد ويقول: عفا الله عما سلف وينتظر رمضان القادم وهكذا!
هناك أحاديث يخبر أن الله سبحانه وتعالى قبل دخول رمضان يكون كتب أجره وثوابه للمؤمنين, وكتب والعياذ بالله وزره وشقاءه للمنافقين, وهذه من صفات المنافق, الذي من صفاته تتبع عورات المسلمين, والله سبحانه وتعالى يعلم من العبد ما لا يعلمه العبد من العبد, الذي بيت النية على ذلك مثله كمثل فرعون والعياذ بالله الذي لما رأى الغرق يقول الله عنه: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] لكن الله سبحانه لم يقبل هذا منه, لأن الله يعلم في طيات قلب فرعون أنه لو نجى من البحر ورجع على العرش سيزيد البطش والطغيان والجبروت, فرد إيمانه ورد توبته, فالتوبة النصوح هي التي أمر الله بها حيث قال: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] فمن شروط التوبة: الإقلاع عن الذنب، والندم عليه ويتحسر إذا ذكره, فلا يفتخر, مثل بعض المدمنين في آخر ليلة من رمضان صفق من الفرحة وهو يغني:
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق |
يعني بها الخمر هي مشتاقة له وهو مشتاق لها, هذا والعياذ بالله مختوم عليه من أول الشهر, لأن (الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) والنية السيئة إن انطوى عليها القلب قد تحبط الكثير من العمل, وأنتم تتابعون في كتاب الله صفات المنافقين وستجدون من ذلك الكثير الكثير, انطوت قلوبهم على نوايا سيئة؛ لهذا يقول الله سبحانه وتعالى عن الذي بنوا المسجد الضرار: إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ [التوبة:110] قال بعض المفسرين: تقطع قلوبهم بالتوبة, لأجل الله سبحانه يقبلها منهم.
فهذا الإنسان الذي تفكيره هكذا، هذا في الحقيقة يستهزئ بالله وبدينه, فرب رمضان هو رب شوال, الله سبحانه وتعالى ينادي المؤمنين: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنزل آية لم تكن في رمضان، فقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] فما نزلت هذه في رمضان, وإنما نزلت في شهر من شهور السنة, وباقي الآيات التي تحرم المحرمات من الزنا والخمر والفاحشة والمنكرات ما ظهر منها وما بطن لم تنزل في رمضان, فالله حرمها طول 23 سنة والوحي ينزل بها على محمد صلى الله عليه وسلم.
فرمضان يريد الصادقين, لهذا الله سبحانه وتعالى ماذا قال عن صفات رمضان؟
قال: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] والقرآن من سورة الفاتحة إلى سورة الناس, فإما أنك تطبقه من سورة الفاتحة إلى سورة الناس وإلا أنت ما احترمت القرآن (ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) يعني: الختمات التي أنت قرأتها في رمضان وتمر فيها على الخمر والميسر والزنا وقلبك منطوي خلال هذه القراءة على العودة إلى الخمر والميسر والزنا والحرام، في هذه اللحظات القرآن يلعنك, كذلك آكل الربا يختم ختمات في رمضان ويمر على آيات الربا وقلبه منطوي على الربا، في هذه اللحظة القرآن يلعنه.
فانتبهوا أيها الأحباب إلى هذا, ورب استغفار يحتاج إلى استغفار, ورب توبة تحتاج إلى توبة.
ومن شروط التوبة أيضاً: عدم العودة إلى الذنب, وإتباعه بالعمل الصالح, راجعوا آيات التوبة: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] وقال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82] ولم يقل: ثم اعتدى, وإنما قال: ثم اهتدى, وهكذا كل الآيات والأحاديث والله أعلم.
الجواب: صلاة التراويح صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ثمان ركعات وركعتي الشفع وركعة الوتر, وجاءت الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها أنه: (كان يصليها في رمضان إحدى عشرة ركعة لا يزيد في رمضان ولا في غير رمضان عن ذلك) وورد ثلاث عشرة ركعة يعني: مع ركعتي سنة العشاء.
والصحابة رضوان الله عليهم صلوها خلف الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك، ثم في الليلة الرابعة ما خرج إليهم مخافة أن تفرض عليهم رحمة بأمته, ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة يصلونها في بيوتهم, ويصلونها في المساجد فرادى, وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجمعهم على إمام, وفي رواية الموطأ يروي الإمام مالك: (أن عمر جمعهم على إحدى عشرة ركعة), وفي حديث آخر: (أنها إحدى وعشرين ركعة), وجاء هذا الحديث (إحدى وعشرين ركعة) من طريقين, الراوي الأول حديثه صحيح, والراوي الثاني اختلفوا في تصحيحه, وقالوا: لعله صحف, فخلال ما ينسخ الإنسان أو راوي الحديث بدل أن يقول: إحدى عشرة قال: إحدى وعشرين, أي: إحدى عشرة صارت عشرين, هكذا يقولون.
لكن عندي أنا حكم في المسألة وهو: أن الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما كانوا يصلون خلفه التراويح كانوا يطولون في الصلاة, ثمان ركعات كانت تأخذ معظم الليل, وفي قيام الليل أيضاً كان ما بين انتهاء القيام إلى الفجر ما يقارب من خمسين آية يعني: يتسحرون, ثم يعودون إلى صلاة الفجر, هكذا كان قيامهم, وهكذا كانت تراويحهم وصلاتهم, حتى إن حديث القرآن والصيام الذي يقول: (يأتي الصيام والقرآن فيشفعان يوم القيامة فيقول الصيام: يا رب! أظمأته نهاره فشفعني فيه فيشفع, ويقول القرآن: اللهم إني أسهرته الليل وحرمته من النوم فشفعني فيه فيشفع) فمعنى هذا أن القرآن كان يسهرهم الليل لهذا يطلب الشفاعة لهم يوم القيامة.
الآن قيام وتراويح الناس تسهر الليل يسهرهم القرآن الليل؟! بعضهم يسهرون على التلفاز, والبعض الآخر على اللغو والغفلة, إلا من وصل رحماً أو فعل خيراً أو بذل صدقةً أو قرأ علماً أو ذكر ذكراً ... وهكذا.
فأقول: إن الأئمة الأربعة والذين ذكروا في كتبهم كالإمام النووي , والإمام مالك , وأحمد , والشافعي , وأبو حنيفة زادوا في كتب الفقه التي جاءت عنهم ومن بعدهم على إحدى عشرة ركعة مع علمهم بالنص الصحيح الذي ذكرته عائشة وما كانت هذه الزيادة التي أجمعوا عليها كلهم عبثاً, فهم كلهم يعلمون هذا الحديث وقرءوه ومر عليهم في كتبهم في الصحاح, لكن رأوا بأن ما ورد عن عمر حديث صحيح حيث إن الصحابة لا يجمعون على ضلالة, وأمته لا تجتمع على ضلالة, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ) وعمر من الخلفاء الراشدين.
الأمر الثاني: بأنه لو صلاها الناس ثمان في زماننا هذا لأخذت لها عشر دقائق, فالذي يريد أن يطول الصلاة أفضل له من الثمان إحدى عشرة ركعة, والذي لا يريد أن يطول مثل الصحابة يكثر الركعات، ففي تكثير الركعات أجر وثواب عند الله رب العالمين، للحديث الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (سنّ الله صيام رمضان وقيام ليله) هذا حديث وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم, من أراد أن يلتزم بالنص فحديث عائشة في الموطأ (إحدى عشرة ركعة ما كان يزيد عليها) لكن متى كان ينتهي منها؟
تتفطر قدماه, والناس تتراكض على السحور, فالذي لا يطيق هذا الطول يصليها إحدى وعشرين أو ثلاثاً وعشرين خفيفة أو يزيد أو ينقص, يرتاح في الوقوف، وفي نفس الوقت يأتيه الأجر من الله رب العالمين, فلا نتعصب للعشرين، ونقول: هي السنة.
كذلك لا نجبر الناس على الثمان ونحرمهم من الأجر في رمضان, والثمان هي السنة، ولكن أصبحتُ مع الأسف أرى في معظم مساجد الكويت الآن الساعة (8.45) تكون قد أكملت, الناس الآن تصلي خلف الإمام أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] ثمان ركعات يتساهلون فيها, فيقول الواحد منهم: ثمان ثمان، والسنة ثمان, فأصبح الناس الذين يقفون ساعة كاملة في رمضان يتعبدون الله سبحانه وتعالى, يصلي ثمان ركعات وخرج, إلى أين يذهب؟ يذهب القهوة الشعبية عند التلفزيون يشاهد فيديو, ويلعب بلياردو, ويشرب سيجارة, يروح في المطعم ولغو وفلم..إلخ.
فلهذا ننتبه أيها الأحباب إلى هذه الخطورة, عندما نريد إحياء سنة للرسول صلى الله عليه وسلم نحييها بالوضع الصحيح, ونفهم الناس التفهيم الصحيح والمقصد من الثمان أو الإحدى عشرة حتى الناس يعرفون الطاعة والعبادة الصحيحة, لأنهم يصلون ثمان ركعات في عشر دقائق ويقعدون بعدها من الساعة التاسعة إلا ربع إلى الثالثة من الليل وهم في القهاوي والمطاعم وأمام التلفزيونات, والله أعلم.
الشيخ: لا تصلِ وحدك في الصف الأخير، فإن هذا منهي عنه, ولكن حاول أن تزحزح إحدى أطراف الصف الأخير وأن توجد لك مكاناً عن يمينه أو عن شماله أو تجد لك بين المصلين مكاناً, فإذا بذلت هذا السبب وما وجدت لك مكاناً فلك أن تصلي وحدك خلف الصف, ولا تسحب, وهذا الذي أفتى به الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه, أما نص الحديث الذي نهى فيه عن صلاة المنفرد خلف الصف، فقالوا: ذلك لمن لم يبذل السبب, أي: أنه دخل مباشرة ووقف في آخر الصف وكبر هذا لا صلاة له, إلا أن يبذل السبب, وبذل السبب يأخذه ابن تيمية , وابن تيمية -كما تعلمون- حنبلي المذهب وكذلك ابن القيم إلا أنه يلتزم بالنص, إذا خالف رأي المذهب النص قدم النص على الرأي -رحمه الله- فالنص ينهى صلاة المنفرد خلف الصف, لكن هناك آيات وأحاديث موجودة تبين بأن من بذل الوسع والاستطاعة ثم لم يتمكن هذا يجوز له أن يصلي خلف الصف منفرداً وذلك في قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] هذه آية لها دخل في الموضوع, وفي قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] فهو بذل الوسع واتقى الله ما استطاع في الحركة التي فعلها, حاول أن يجد له مكاناً عن اليمين وعن الشمال فلم يستطع, والله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] أما الذي لا يبذل هذه الاستطاعة وهذه المحاولة فيقول الإمام ابن تيمية : إن صلى منفرداً بدون بذل المحاولة لا صلاة له, وكما قال الحديث, والحديث يعني هذا النوع من الناس, أما السحب وغير السحب هذا لم يرد ولم يقل به أحد.
السائل: هل يقف في النصف؟
الشيخ: يقف في النصف خلف الإمام, فتوى الإمام ابن باز أنه لا صلاة له، وعليه أن ينتظر، أي: لا يبذل الوسع بحيث إنه يبحث عن مكان، ولكن لينتظر حتى يأتي إنسان آخر, قالوا: وإن فاتته ركعة؟ قال: وإن فاتته الركعة, فإن لم يأت إنسان يصلي معه وانقضت الصلاة يصليها مفرداً في المسجد, لالتزامه بالنص والله أعلم.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الصائم بأن يعجل الإفطار: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار) وتعجيلها عند بداية قول المؤذن: الله أكبر، عندما يبدأ الأذان تفطر مباشرة، والإمساك قبل أذان الفجر الثاني بثوان, ويمتنع عن الطعام.
الجواب: لا، لا يجوز فهذا اختلاط, أولاً: قدوم غير المسلمين إلى الكويت لا يجوز, لأن الكويت من جزيرة العرب , والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إقامة الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم في جزيرة العرب , والكويت من جزيرة العرب , إلا إذا أنتم أخرجتموهم إلى الخوسات وكاظمة , فهي ليست من جزيرة العرب , لأنها خلف البحر, جزيرة العرب هي الأرض التي يحدها الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر , هذه هي جزيرة العرب , فـكاظمة والخوسات والمطلاع وما وراءها ليست من جزيرة العرب التزاماً بالنص النبوي, فلا يجوز إقامة اليهود والنصارى لقوله: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) وأمر ابن الخطاب يهود خيبر للعهد الذي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا خانوا العهد يجلون, فلما خانوه في عهد عمر وقتلوا أحد الصحابة -قيل مع النصارى- أجلاهم عمر فلم يبق لا يهودياً ولا نصرانياً.
واليوم الناس يحضرون هؤلاء الخدم ويقيمونهم ولا يبالون بالنص النبوي, فإقامة اليهود والنصارى في جزيرة العرب هذه للإقامة الطويلة فهي مكتوبة في الجواز إقامة, أي: أنه لا يأتي لعمل يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، بل إنه يأتي للإقامة, ويربون الأولاد ويأتوننا بعادات وتقاليد, والفليبينيات النصرانيات لا ندري ماذا وراءهن!... إلخ.
كذلك لا يجوز جمعهم النساء والرجال في منزل واحد, لأن الحمام سيكون واحد, وهن متبرجات, وهم كذلك، ليس لهم خلق الذي يذهب الفليبين ومانيلا يعرف طبيعة النساء والبنات إلا المسلمات, المسلمة القروية الفلاحة المتدينة هذه نعم, والذي يذهب تايلاند وبانكوك يعرف بأن النساء صدور الرجال في الشوارع! وفي الطرقات! وهذه أصبحت لا تخفى على أحد, فإذا أحضرتهم هؤلاء مع أن إحضارهم لا يجوز, فتجعلون كل زوج وزوجته في سكن مستقل, حتى لا يكون بهذا الاختلاط كل واحد يستلم زوجة الآخر ولا يبالون لأن هؤلاء لا دين لهم, ومن لا دين له لا مروءة له, ويسكرون ويمكرون وأصبحوا عراة ولم تعد شقة، بدون رقيب ولا حسيب, والله أعلم.
الشيخ: في العشر الأواخر من رمضان وفي الوتر منها, وهناك حديث يقسم عليه الصحابة أنها ليلة [27] لكن هي في العشر, فمن أقام العشر ضمن ليلة القدر لا محالة, ومن فاته يوم أو ليلة من ليالي العشر فلا ضمان له, حتى وإن صلّى [27] انتبهوا إلى هذا, يعني بعض الناس يذهب العمرة [25] و[26] إلى ليلة [27] يقيم الليل, وبعدها لا يبالي ويقول: قد أصاب ليلة القدر, لا, أنت غير ضامن, الضامن من أقام العشر كلها, أما من فاتته ليلة في أولها أو آخرها فهو غير ضامن, لأنها هذه الليلة دوارة في العشر بالذات, فقد ورد بوترها وقد ورد بشفعها. والله أعلم.
السائل: يقال إن هناك ظاهرة طبيعية وأن الجو صافي..إلخ؟
الجواب: لا يوجد إلا أن أحد الصحابة يقول: تظهر الشمس بيضاء لا شعاع لها ولا ضياء عند شروقها في صبيحة اليوم السابع والعشرين, لكن هذه علامة لا تكفي فهو اجتهاد صحابي, فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالعشر وكان (إذا جاءت العشر شد المئزر وأيقظ أهله وأقام ليله).
الشيخ: إذا أراد أن يأخذ يخبر شريكه بذلك, لا بد من إعلامه واستئذانه, ويأخذ من رأس المال.
السائل: المقصود أن الشريكين كل واحد على حده في عمل معين, ولكن إذا أحب أن يشتري بضاعة هذا الشريك منه سيعطى شخص آخر, فهل يعطى من رأس المال أو من مكسبه؟
الشيخ: لا من مكسبه, يشتري منه كأنه إنسان من خارج.
سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر