إسلام ويب

شمائل الرسول (زهده)للشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الزهد الحقيقي هو زهد محمد صلى الله عليه وسلم، فهو لا يفرح إن زادت دنياه، ولا يحزن إن نقصت، وليس الزهد كما يفهمه بعض الناس بأن يمتنع عن الطعام والكساء ونفسه تريدهما، أو يبتعد عن الدنيا وروحه لها ساجدة. ولقد كان من شدة زهده صلى الله عليه وسلم أنه يبيت الليالي لا يجد ما يسد به رمقه من الجوع، حتى كان يضع الحجارة على بطنه من شدة الجوع عليه الصلاة والسلام.
    الحمد لله الذي يجمع بين الأرواح ويؤلف بين القلوب، وأصلي وأسلم على حبيب القلوب والأرواح محمد بن عبد الله، اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هادين مهديين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، واجعلنا لجميع المسلمين هينين لينين، نعوذ بك اللهم من التعسير والتنفير والشقاق والنفاق وسيئ الأخلاق.

    أحبتي في الله: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه ويجمعنا في مستقر رحمته على منابر من نور، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ووالدينا ووالديكم وأحبابنا وأحبابكم، وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    وبعد محاضرة الطريق إلى الأقصى، نعود إلى شمائل محمد صلى الله عليه وسلم لنحيا معها كأننا نشاهدها بالعين، ونلمسها بالقلب، ونستشفها بالأرواح، كيف لا وهو الذي نذكره أكثر من ذكرنا أنفسنا وآبائنا وأولادنا، وحبه أغلى من أنفسنا وإلا فالإيمان مدخول.

    أحبتي.. من أحب نفسه فوق حب محمد فليراجع إيمانه، الآن جددوا إيمانكم واعقدوه على حب محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الفاروق : (إني أحبك يا رسول الله! أكثر من كل شيء إلا نفسي، قال: بعد يا عمر؟ قال: ونفسي يا رسول الله! قال: الآن يا عمر) أي: الآن نعم.

    وحديثنا اليوم عن شمائله في زهده وهو إمام الزاهدين، والزهد أحبتي ليس كما يفهمه بعض الناس بأن يمتنع عن الطعام والكساء، وقلبه يتلظى ويتلهف، ويبتعد عن الدنيا وروحه لها ساجدة، ويبتعد عن الدرهم والدينار وله في قلبه صدىً، إنما الزهد هو زهد محمد صلى الله عليه وسلم لا يفرح إن زادت دنياه، ولا يحزن إن نقصت، إنما شعاره:

    اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة     فارحم الأنصار والمهاجرة

    لا خير إلا خيرك، لا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.

    قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:131-132] هذه الآيات تتحدث عن زهد محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف رباه الله على ذلك: وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ [طه:131] وكأن العيون لصاحب الطمع تخرج من أحداقها وتمتد، فبعض الناس إذا لم يزهد أو يقنع بما آتاه الله، فقد تمتد عينه آلاف الكيلوات وهو في بيته أو على فراشه، يحسد البعيد والقريب، ويطمع في كل شيء ولا يرضى بما قسم الله له، ودائماً حياته في تعاسة وانتكاسة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة) القطيفة: هي اللباس، يعبد هيئته وثيابه، دائماً ينظر في المرآة، وفي أعطافه، وفي لبسه، وفي عباءته، وفي ثوبه، وفي سرواله، فإذا لم ير التمام والكمال في ذلك فإنه يكون حزيناً، لا يحزن لأن زوجته لم تصل لكنه يحزن لأن ثيابه لم تكو، لهذا قال: (تعس عبد القطيفة -ثم قال:- تعس عبد الزوجة، تعس وانتكس -تعاسة وانتكاسة- وإذا شيك فلا انتقش) أي: إذا أصابته مصيبة فلا أعانه أحد عليها.

    وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه:131] وإذا الدنيا زهرة والزهرة كما تعلمون تذبل وليست شجرة تخرج ثمرة، والزهور لها فصل معين بسيط ثم بعد ذلك تذوي وتذهب سريعاً كذهاب زهور الربيع، أما الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وأنت عليك أن تختار: دعوة الله التي تقوم على لا إله إلا الله وهي الكلمة الطيبة، أو تختار زهرة الحياة الدنيا ووراءها الفتنة: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه:131].

    كثير من الناس عندما يسمع ورزق ربك ينحصر ذهنه بالمال، وإذا دعا يسأل المال، وإذا ذهب المال حزن، والله سبحانه وتعالى يخبر في كتابه الكريم: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23] والإمام أحمد بن حنبل يقول: الزاهد من كان عنده ألف دينار لا يفرح إن زادت ولا يحزن إن نقصت، والإمام ابن القيم يقول: زهدني في الدنيا ثلاث آيات في كتاب الله: قوله تعالى عن أهل الدنيا: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207].

    ثلاث آيات أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ [الشعراء:205] وبينما هم في نضرة الشباب ولذة العمر يخبطون في الأرض، يلبسون جديداً ويأكلون لذيذاً، ويستمتعون بالشهوات، ويركبون أحسن المراكب، وينامون في أطيب القصور، ويستحمون في أفخر الحمامات، ويسافرون في الشرق والغرب، وفي المنتجعات وتحت الحدائق الغناء، ثم تجد أحدهم بعد ذلك تقدم له كأساً من الحليب، فيقول الطبيب: هذا فيه دسم ويضر بصحتي، وتقدم له قليلاً من الحلوى فيقول الطبيب: فيك سكر، تقدم له قليلاً من الشاي فيقول: فيك ضغط قلب، ماذا تأكل إذاً؟ آكل خبزاً محروقاً، والملايين؟ لا أستمتع بها، زالت: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207].

    بقيت الحسرة وذهبت اللذة، ويا ليتها حسرة دنيا فقط؛ لأنه لا تكون شهوة ولذة حرام إلا على حساب الآخرة: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا [الأحقاف:20] ذهبت وانتهى كل شيء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088509790

    عدد مرات الحفظ

    777032390