إسلام ويب

هل من عودة إلى الله [1، 2]للشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله سبحانه لم يخلق خلقاً معصومين عن المعاصي والآثام إلا الأنبياء، فقد كتب الله لهم العصمة حتى يكونوا أهلاً للرسالة والبلاغ، لكنه قد جعل للعبد المذنب مخرجاً من الذنوب، وهو: التوبة إلى الله عز وجل، فالتوبة سبب لنجاة العبد وحلول البركة والرزق، وتكثير الأموال والأولاد، وهي موجبة لرحمة الله سبحانه وتعالى، فالبدار إلى التوبة النصوح بشروطها.

    1.   

    البدار البدار إلى التوبة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

    أما بعد..

    أيها الأحباب الكرام! إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم تحت ظل عرشه ومستقر رحمته، اللهم لك الحمد أنت الذي خلقتنا ورزقتنا وكفيتنا وآويتنا، كبرتنا من صغر، وقويتنا من ضعف، وشفيتنا من مرض، وكسوتنا من عري، وأطعمتنا من جوع، وسقيتنا من ظمأ، وعلمتنا من جهالة، وهديتنا من ضلالة، ودللتنا إليك من حيرة، وحببت إلينا الإيمان وزينته في قلوبنا، وكرهت إلينا الكفر والفسوق والعصيان، ووفقتنا إلى التوبة، وأعطيتنا من قبل أن نسأل، فلا تردنا ونحن نسأل يا أرحم الراحمين!

    اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، انصر المجاهدين في فلسطين ، وفي أفغانستان ، وفي كل مكان، وردنا إلى الكويت رداً جميلاً، واحفظ إخواننا المرابطين هناك، اللهم احقن دماءهم، وصن أعراضهم، وآمن روعاتهم، واستر عوراتهم، وأعنا على نصرتهم يا رب العالمين!

    واغفر اللهم لنا تقصيرنا وذنوبنا التي كانت سبباً في بلائنا، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

    الذنب كبير، والعمل قليل، ولا نثق إلا برحمتك يا أرحم الراحمين! لو كانت لنا مثل جميع حسنات عبادك ما دخلنا جنتك إلا برحمتك، ولو كانت علينا مثل جميع ذنوب عبادك إلا الشرك ما يئسنا من رحمتك، ونسألك أن تسعنا مغفرتك يا أرحم الراحمين! يا غفور! يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد اغفر خطايا وذنوبنا!

    أيها الأحباب الكرام! نتذكر الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتوب ويستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإذا أراد أن يختم صلاته يقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وخطئي وعمدي، وهزلي وجدي، وكل ذلك عندي) يعلم أمته كيف تتواضع أمام الله، المعصوم الذي تاب الله عليه في سورة التوبة يقول: (وكل ذلك عندي) فماذا نقول نحن؟!! ولو كان لنا في كل يوم معصية بأي وجه نقابل الله خلال عمرنا الطويل، وفي كل يوم لنا ذنب واحد وفي الشهر ثلاثين ذنباً. كم في السنة؟ كم في العمر؟ فلنتذكر -أيها الأحباب- أن الله قال للمؤمنين: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:31] وتوبة المؤمن لما عمل، ولما لم يعمل، ولما علم، ولما لم يعلم، ولعل هناك من الذنوب لا تعرفها ويعلمها الله، لكنه يغفر ويحلم ويصبر، وما أصابكم جميعاً من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير سبحانه وتعالى.

    كانت أسماء ذات النطاقين رضوان الله عليها ابنة الصديق ، وزوجة المبشر بالجنة الزبير ، وأم الخليفة الشهيد/ عبد الله بن الزبير ، وأخت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا أصابها الصداع تمسك رأسها بيديها، وتقول: (هذا بذنبي ويعفو عن كثير، هذا بذنبي ويعفو عن كثير) وبعض المسلمين اليوم إذا أصيب شكا ربه إلى الناس، فيشكو الذي يرحم إلى الذي لا يرحم، يتأوه ويتألم، ويقول: حدث لي كذا .. وحدث لي كذا .. وحدث لي كذا .. والإمام أحمد رحمة الله عليه سمعه ابنه وهو في نزعه الأخير وله أنين، فقال: يا أبتاه! إن الأنين من الشكوى، فقطع الأنين حتى مات:

    سبحان علام الغيوب     عجباً لتصريف الخطوب

    تغدو على مهج النفوس     وتجتني ثمر القلوب

    حتى متى يا نفس تغترين بالأمل الكذوب

    الأمل الكذوب: أمل التسويف، سوف أتوب، سوف أنيب، والنفس الأمارة بالسوء المسوفة تقول له: تمتع في شبابك، فإنها فرصة العمر، وآخر العمر موت، ولا تقول له: وبعد الموت بعث، إنما توهمه أن الحياة فقط هي حياة الدنيا.

    الأمل الكذوب يظل صاحبه يتبعه، فيقطعه الأجل، ومعظم أهل القبور ماتوا وهم مشغولون خلف الأمل، ولو بعثهم الله وسألتهم: على أي شيء ماتوا؟ لقال كثير منهم: متنا ولم نتم الدار، ولم نزوج الأولاد، ولم نكثر الأموال، ولم نحصد الزروع.

    كثيرٌ منهم يموت ويوصي أبناءه: اقبضوا قيمة الشقة الفلانية، والشقة العلانية، ولا يتذكر شق الأرض الذي فيه يلحد، ولا يبقى للإنسان إلا أملٌ واحدٌ: وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46].

    تغدو على مهج النفوس     وتجتني ثمر القلوب

    حتى متى يا نفس تغـ     ـترين بالأمل الكذوب

    يا نفس توبي قبل ألا      تستطيعي أن تتوبي

    واستغفري لذنوبك الرحمن     غفار الذنوب

    إن المنايا كالرياح عليك     دائمة الهبوب

    والموت شرعٌ واحـدٌ     والناس مختلفو الدروب

    ولقلما ينجو الفتى بتقاه     من لطخ العيوب

    من ينجو من العيوب والذنوب؟ إذاً التوبة! التوبة! وا أسفاه على لحظات التوبة ساعة الأسحار عند وجوب الاستغفار! يوم ينـزل الجبار إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ وينام العاصون، ويستيقظ الطائعون الذي لم يذنب يبكي بعد قيام الليل لا يدري يأتيه الصباح أو لا يأتيه، أتعبهم القيام، وأضناهم الصيام، فلما جاء وقت السحر، تذكروا ما هم عليه من تقصير، وأنهم ما وفوا الله حقه، وأن حق الله أعظم وأكبر وأكثر، تذكروا وهم يقومون عن الطاعات كأنهم يقومون على الكبائر والمعاصي، فأكثروا الاستغفار بعد الاستغفار وقت الأسحار: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] أما العاصون فهم يغطون في النوم لا يبالون، كل ليلة ينـزل الله إلى السماء الدنيا ويقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ ينام السكارى والزناة وأكلة الربا وقاطعو الأرحام ويتقدمون إلى النار ولا يبالون، والطائعون يبكون يقول أحدهم: إلهي وسيدي وخالقي ومولاي إن نظرت إلى ذنوبي فإني أستحق العقوبة بعد العقوبة، ولكنك أنت الستير، فاغفر لي واسترني، ولو كانت لذنوبي رائحة ما جلس إلي أحدٌ من الناس.

    أيا من ليس لي منه مجير     بعفوك من عذابك أستجير

    أنا العبد المقر بكل ذنبٍ     وأنت السيد المولى الغفور

    فإن عذبتني فبسوء فعلي     وإن تغفر فأنت به جدير

    أفر إليك منك وأين إلا     إليك يفر منك المستجير

    والمستجير محمد صلى الله عليه وسلم تفقده أم المؤمنين عائشة فتتلمس في الظلام، فتقع يداها على راحة قدميه وهو ساجد يناجي ربه ويقول: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ويقول: (ربي اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم) ويقول في دعاء سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

    أحبابنا الكرام! بعد هذه المقدمة لابد من التوبة والرجوع إلى الله على جميع المستويات حكاماً ومحكومين، رجالاً ونساءً، مدنيين وعسكريين، توبوا إلى الله جميعاً، لأن الله لو حاسبنا بحقه لهلكنا، وإنما يحاسبنا بفضله وبره ورحمته لا إله إلا هو، ولو تفحصنا الكتاب لوجدنا الله يقسم الناس إلى قسمين: تائب، وظالم، ولا ثالث لهما، يقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].

    إذاً نقول: تبنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، فاغفر لنا يا أرحم الراحمين! ونحن الآن نمر في فتنة ومحنة، وكما تعلمون أن البلاء لا يكون إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، وهذا أوان التوبة، الأعداء في الداخل وفي الخارج ومكر الليل والنهار، وقد رفع الشيطان لواءه، وأحاط به شياطين الإنس والجن يأزون الناس أزاً، يلبسون عليهم دينهم، يتمسحون مرة باسم الإسلام، فيذبحون الإسلام باسم الإسلام، ويخنقون الحرية باسم الحرية، ويهدرون الكرامة باسم الكرامة، وهناك كثيرٌ من الشعوب قد سلب منها التوحيد، وعبدت القبور والأضرحة، وأشركت بالله وهي لا تعلم، وهناك مؤتمرات ومؤامرات تعقد لاقتلاع الإيمان من صدور المؤمنين، ولكن هيهات! هيهات! إن جبال الإيمان في قلوب المؤمنين لا تزول ولا تحول: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46] ( وإن كان) أي: وما كان مكرهم لتزول منه جبال الإيمان الراسيات الثابتات، لأن الله هو الذي يثبتها.

    1.   

    الله يريد من عباده التوبة والرجوع إليه

    أحبابنا الكرام! إلى متى يستمر الإنسان في غيه؟ إلى متى لا يعود إلى ربه والله سبحانه وتعالى الغني عن عباده الذي لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية يريد من عباده التوبة: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:27-28].

    سبحان الله! الله يريد .. والمخلوق يريد .. وشتان بين إرادة الله وإرادة المخلوق! الله يريد أن يتوب عليكم .. ويريد الذين يتبعون الشهوات .. انظر إلى هذه الكلمة كيف تستوعب واقع الحياة، شهوة السمع من غناء ومجون وموسيقى ووساوس وهمسات وآهات، وشهوة البصر؛ كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، هذه الأسنمة للجمال الأعجمية مائلة من فراغها، ولو كانت بها عقول مؤمنة ما مالت ولا أمالت، كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها.

    يريدون نزع الحجاب، يريدون تعرية المرأة، ولكن الله سبحانه وتعالى أوجد لهذا الدين رجالاً يحمونه ويغارون عليه ويحفظونه: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] عليك أن تتوهم وأنت تمشي على هذا الميل من يستطيع أن يمشي ثلاث خطوات؟ حاول أن تنحني إلى الشمال حتى تلمس يدك قدمك، ثم امش، تجد الناس يضحكون عليك، وجانبك يتقطع من الألم، ورأسك يدور، ولا تطيق التفكير، ومنظرك مشوه، وعليك أن تتخيل كل الناس وهم يميلون هذا الميل العظيم وهم يمشون، تنقلب الدنيا إلى حركات قرود، وليست حركات بشر، الناس كلهم لا يشبهون البشر في مشيهم، وإنما يشبهون القرود التي تقلد كل شيء: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] وقد جعل الله دينه لطيفاً خفيفاً ظريفاً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء:28] بالزواج الحلال الطيب المبارك، والنظرة الحلال، واللمسة الحلال، والكلمة الحلال: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28] يعلم ضعف الإنسان، ولكن سبحان الله! الحلال واسع، فضيقه الناس، والحرام ضيق فوسعه الناس، تزيين الشيطان، الله يقول عن الأرض: جعل لكم الأرض، وسخر لكم ما في البحر، الله أكبر! لكم، ولكن ترك الناس ذلك، وأخذوا يتلصصون ويبحثون عن الحرام.

    1.   

    سعة رحمة الله سبحانه لعباده

    من سعة رحمة الله رفع كتابة الذنب ست ساعات

    أحبابنا الكرام! ماذا يقول الله سبحانه وتعالى عن التوبة والتائبين؟

    اسمعوا: للإنسان ملائكة كتبة، ملك يكتب الحسنات، وملك يكتب السيئات، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (إن صاحب الشمال- أي: الملك الذي يكتب السيئات- ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها، ألقاها- أي: ألقى السيئة ولم يكتبها- وإلا كتبت واحدة) وفي رواية: (يقول ملك الحسنات لملك السيئات: إذا ارتكب العبد سيئة انزع) أي: ارفع قلمك لعله يتوب، لعله يعمل حسنة بعشر أمثالها فتؤخذ واحدة وتحمى السيئة ويبقى له تسع، من يعطي ويرحم مثل الله؟ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135] ادفع مليون دولار واطلب مغفرة ذنب واحد، من يغفر؟!

    هل هناك مخلوق يملك أن يعطيك صك غفران؟ لا يوجد، إلا أن تتجه إلى الخالق وتترك المخلوق، ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولو كان غفران الذنوب بسعة الأرصدة، لدخل معظم الفقراء النار، ولكن الذنوب يعلمها علام الغيوب، فيغفرها للعبد، وما أجمل العبد إذا تاب! ورب ذنبٍ أدخل صاحبه الجنة، ورب طاعةٍ أدخلت صاحبها النار، كيف يكون هذا؟ ذاك يذنب، فيرى ذنبه كبيراً عظيماً كالجبل، فينكسر قلبه، وتدمع عينه، ويجدد التوبة، وتراه دائماً يرى ذنبه أمامه يخاف أن يؤخذ، يستحي من لقاء الله، يقوم ويقعد، يدخل ويخرج كأنه الآن يموت، فيرفعه الله بتلك التوبة، ويجدد إيمانه ويزيده رفعة وطاعة، ولعل هناك من فعل الطاعة، فاستكثرها على ربه: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [المدثر:6-7] ولكن هذا العبد استكثرها على الله، قال: من مثلي؟ قال: صل، فصليت، قال: صم، فصمت، قال: تصدق، فتصدقت، ماذا يريد ربي أكثر من ذلك؟

    هذا مسكين!

    يذكر أن رجلاً عبد الله ستين عاماً صياماً وقياماً، فلما جاءه في المنام هاتف رآه. قال: تدخل جنة ربك برحمته أم بعملك؟

    قال: بعملي، ومن مثل عملي؟! ستون عاماً قياماً وصياماً، فحرك الله في عنقه عرقاً أي: عضلة مؤلمة تضرب عليه في الليل والنهار، فلما جن عليه الليل، وأراد أن يقوم تحركت، فالتوى عنقه، وانكفأ على وجهه، وأخذ يتلبط على الأرض من الألم، فلما جاء وقت الصيام، أراد أن يصوم، فلم يستطع، فسقط على وجهه من الإعياء، فلما مرت عليه ثلاث ليال، رأى الرؤيا في المنام، فقال له: ما تقول بعملك أم برحمة ربك؟

    قال: لا. إنما برحمة ربي.

    قال: يا هذا! اعلم أن عبادتك وصيامك وقيامك ستين عاماً لا يساوي في ميزان الله حق تسكين هذا العرق في عنقك، قم، فقام من نومه، وقد سكن العرق، فانطلق يتوضأ يصلي ويصوم.

    أرأيتم -أيها الأحباب- إنما أنت بالله، وبحوله وطوله تذكر دائماً لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

    من سعة رحمة الله تبديل السيئات حسنات بعد التوبة

    أحبابنا الكرام! والله سبحانه وتعالى إذا تاب العبد وأناب بدل الله سيئاته حسنات: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] يبدل الله السيئات، على عدد السيئات تكون عدد التوبات، وكل توبة حسنة، يكتبها الله سبحانه وتعالى في الميزان يفتح له رصيد من الحسنات عند توبته.

    1.   

    شروط التوبة

    أيها الأحباب: التوبة لها شروط منها: الإقلاع عن الذنب، عدم العودة إليه، الندم كلما تذكر الذنب، وأن يؤدي حق الله وحق العبد؛ أن يؤدي حق الله عليه كالزكاة إذا أخرها، ويؤدي حق العبد أن يتحلل منه، ويتبرأ من ذنبه، ويدعو له في ظهر الغيب حتى يغفر الله له ويتوب عليه.

    وكثير من الناس -أيها الأحباب- لا يأخذ هذا الأمر باهتمام، والرسول صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك، يقول أنس رضي الله عنه وأرضاه: [إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات] أي: من المهلكات، خذ على سبيل المثال الآن النظرة عندما يدخل الإنسان في الأسواق يرى النساء يقول: هذه من الصغائر، ولكن لا تنظر إلى صغر ذنبك، ولكن إلى عظمة من تعصيه، وهو الله، إن الله هو الذي ينظر إليك: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] لو استشعرت هذا، لغضضت الطرف.

    وأغض طرفي إن بدت لي جارتي     حتى يواري جارتي مثواها

    أغض طرفي، لأنني أتذكر الجمال الباقي فأضحي بالجمال الفاني، أتذكر جمال الحور وأين جمال نساء الدنيا من جمال الحور؟

    أذلك خير أم القاصرات     تخال مباسمهن البروقا

    قصرن على حب أزواجهن     فمشتاقة تتلقى مشوقا

    وترفلن في سرُقات الحرير           فتبصر عيناك مرأىً أنيقا

    إذا هبت الريح فوق الكثيـب      أثارت على القوم مسكاً سحيقا

    ويوم زيارتهم يركبون     من البر والخير نجباً ونوقا

    كلوا واشربوا فلقد طالما     أقمتم بدار الغرور الحقوقا

    فمن أقام الحقوق في دار الغرور قال له الله يوم القيامة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24].

    واحذر أخي المسلم من تيئيس الشيطان مهما كثرت الذنوب: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] تلاحظ هنا يقول الله: (جميعاً) حتى يغلق عليك وسواس الشيطان: إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] إلا الشرك، فإن الله لا يغفره، فليتذكر الإنسان هذه القضية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] سبحانه وتعالى، وليحذر العبد من الشرك ظاهره وباطنه، وليعالجه بالتوحيد، وأن يقول دائماً وأبداً: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه، ولا يهولنك وسواس الشيطان عند الذنب الذي يريد تيئيسك من رحمة الله:

    يا ابن آدم توقر     وتجمل وتصبر

    ساءك الدهر قليلاً          وبما سرك أكثر

    يا كبير الذنب     عفو الله من ذنبك أكبر

    ليس للإنسان إلا     ما قضى الله وقدر

    ليس للمخلوق تدبيرٌ بل الله المدبر

    1.   

    قصة الرجل الذي قتل مائة نفس

    تذكر -يا أخي المسلم- توبة قاتل المائة فإنها تزرع في نفسك رجاء مغفرة الذنوب وإن كثرت، قال صلى الله عليه وسلم: (كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه، فقال: إنه قتل تسعةً وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا .. فإن بها أناس يعبدون الله تعالى، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق، أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم- أي: حكماً- فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له، فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) وفي رواية في الصحيح: (فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها) وفي رواية ثالثة في الصحيح: (فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي- أي: أرض الشر- وإلى هذه أن تقربي- أي: أرض الصالحين- وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبرٍ، فغفر له).

    كم في هذا الحديث من معانٍ، يعني: أنت عليك أن تتخيل؛ هذا الإنسان الذي لم يفعل إلا التوبة غير الله من أجله نواميس الأرض وقانونها، هذه الأرض جعلها تتحرك من أجله هو إلى أرض الفاسدين، قال لهذه: تباعدي، فتباعدت الأرض، تحركت بجبالها وصخورها وبيوتها وطرقها كلها، وقال لهذه: تقربي، فتحركت، ومن يأمر الأرض فتطيع غير الله!

    كما تعلمون أن ابن المقفع جاءه بعض الزنادقة، وقالوا له: عارض القرآن، اعمل قرآناً مثله، قال: أجرب، كم تعطوني؟ قالوا: نعطيك كذا .. دخل الغرفة وأخذ يكتب، فأظلم صدره، وارتجفت يداه، وزاغت عينه، فكسر الغرفة وخرج، وإذا طفل صغير جالس تحت الشجرة يقرأ قرآناً، يقرأ قوله تعالى: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي [هود:44] قال: من يأمر الأرض فتطيع؟ ويأمر السماء فتطيع غير خالق الأرض والسماء؟! أشهد أن هذا كلام الله، قال للأرض: تباعدي من أجل تائب سبق أن قتل مائة نفسٍ، ولعل سائل يسأل، هذا الحديث يشجع على المعصية، الواحد يذنب ويقتل وبعد ذلك يتوب، والمعصية تزيد، نقول له: لا، لو طبق الناس هذا الحديث، لانقطعت الجريمة، وانقطعت المعاصي، أرأيت يوم أن قال الراهب العابد: ليس لك توبة، زادت الجريمة، أو نقصت؟ زادت، كمل المائة، ولو قال له الرجل الثاني: ليس لك من توبة، مائة وواحد، الرجل الثالث: ليس لك من توبة، مائة واثنين ... وهكذا، لكن لما قال: لك توبة، وقف، انتهت الجريمة، انقطعت الجريمة بالتوبة إلى الله.

    1.   

    التوبة النصوح سبب في الانتصار على الأعداء

    أيها الأحباب الكرام! باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس من مغربها، وما لم يغرغر العبد، والله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين.

    أحبابنا الكرام! وإذا أردنا أن ننتصر على أعدائنا فعلينا أن نكثر التوبة إلى الله رب العالمين، لأنه ما تأتي الهزائم إلا بالذنوب التي يستزل الشيطان بها الأقدام: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] ويقول: اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا [آل عمران:155].

    فإذاً الذنوب والمعاصي تمنع القطر، وهكذا المسلمون نراهم يستغيثون ويدعون، أذكر والله أنني قرأت بعض أدعية المسلمين لما جاء الاستعمار واحتل بعض ديار المسلمين وفعل بهم الأفاعيل.

    بعد الحرب العالمية الثانية عندما احتلت إيطاليا ليبيا ، وبعد ذلك تم احتلال تونس والجزائر وغير هذه الديار، واحتل الاستعمار مصر ، هل قرأتم التاريخ عندما ذبحوا العلماء، وأخذوهم بلحاهم وعمائمهم، وأخذوا يلقونهم من الطائرات أحياء. ارجعوا إلى كتب التاريخ تتحدث عم المحتلين كيف كانوا يأخذون العلماء بالعشرات والمئات أحياء يرمونهم من الطائرات؟

    واقرءوا قصة عمر المختار وما حدث له، والمعسكرات التي بمئات الألوف للشعب الليبي، وقصة مليون شهيد من الجزائر ، وماذا فعلوا بالأزهر وكيف ذبحوا المسلمين، وخاضت الخيول في بالدماء. إن كل المسلمين في ذلك الزمان أتدرون ماذا كانوا يقولون؟

    كانوا يقولون: اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، منـزل الكتاب ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، ولكن لا توجد إجابة، ذبح .. ذبح .. حتى رفعت راية الجهاد، فنزلت الإجابة، وأذكر أن بعض المسلمين لما دخل نابليون مصر ذهبوا يركضون إلى المساجد يفتحون صحيح البخاري وما ذهبوا يركضون للسيف، يفتحون صحيح البخاري ويقولون: إن فيه بركة وبركته ستطرد الاستعمار من مصر .

    إذاً أحبابنا الكرام! ننتبه أنه إذا لم تكن هناك توبة صادقة عامة معلنة من كل حرام، ولم تكن هناك التربية على التجنيد والجهاد والإعداد، إعداد القوة لملاقاة العدو، متى استغاث محمدٌ ربه صلى الله عليه وسلم؟ متى سقط الرداء عن كتفه وهو يدعو في بيته؟ أم وهو في مسجده؟ أم هو على الثكنة بعد أن عبأ المهاجرين والأنصار في بدر وصفهم صفاً كاملاً؟.

    إذاً هذه حقيقة علينا أن نعيها، وأن التوبة لا تكون إلا بإعداد العدة لملاقاة الأعداء، وبتحكيم شرع الله وكتابه، وبمحاربة العلمانيين الفاجرين الذين يحاربون الفضيلة وينشرون الرذيلة، وبستر النساء والحجز بينهم وبين الرجال.

    إذاً قضية أنني أكتفي بالدعاء، ثم أكون سلبياً بعد الدعاء وأرجو من الله بعد ذلك أن يحقق لي ما أريد هيهات! هيهات! الله يقول: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ [الأنفال:5] ما قال: لا، اجلس داخل، قال: اخرج خارج بيتك وعبئ الصفوف، وبعد ذلك ادع الله، وكما يقول الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [آل عمران:121] فلما بوأهم مقاعد للقتال رفع يديه وأخذ يدعو إلى الله رب العالمين، والله إني أقرأ التاريخ وكأني أراه يعيد نفسه في هذه الأيام في كثير من البلدان، المساجد تضج، والصالحون يدعون، وكأنهم على الطاغوت يسمون، سبحان الله!

    كنا نقرأ في الماضي تخرج أمة تستغيث، ويأتي بينها أشعثٌ أغبر ذو طمرين لا يؤبه له، في جبينه كحافر المعزة، وعلى خده خطان أسودان من دموع الليل دموع الخشية، مطأطئ الرأس يهمس يقول: إلهي ذنبي كبير، فلا تؤاخذهم بذنبي، فاسقهم، فيثور السحاب من كل مكان، أين هذا الصنف من الناس اليوم؟

    آه من المطعم الحرام، والمشرب الحرام، والمسمع الحرام، والمنظر الحرام تلك الحجب التي حجبت بيننا وبين وصول الدعاء وإجابته، لا يزال الطغاة في طغيانهم يقتلون ويسلبون.

    أذكر موقفاً ظريفاً لطيفاً تعجبت من إجابة صاحبه بعد احتلال الكويت ، تم اللقاء مع أحد المجاهدين والدعاة الذين يحاربون النظام الذي احتل الكويت في الشمال، وإذا أحد الدعاة من الكويت يقول: طال زمن الاحتلال، ونحن ندعو، فضحك هذا الرجل، قال: تدعو! قال: زمن الاحتلال له مائة يوم! نحن لنا عشر سنوات ندعو، ولا يزداد إلا قوة وجبروتاً وطغياناً، وأنت لك مائة يوم وتستكثرها! إذا أردت سرعة الإجابة، فأقبل على الله وأسرع.

    ركضاً إلى الله بغير زادِ     إلا التقى وطلب المعادِ

    والصبر في الله على الجهادِ

    وكل زاد عرضة النفاد     إلا التقى والبر والرشاد

    ما كان عجيباً أن تسمع محمداً صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، وهو القوي وجيشه القوي، ودولته المكينة، وجيشان من الرعب يسبقانه شهر وشهرين، ومع هذا ما يتكلم في محضر إلا ويقول: نعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، أي شرور نفس، وأي سيئات أعمال وعندك صديقون وأبرار ومبشرون، وأنت خير الأنبياء، وقرنك خير القرون؟

    دائماً وأبداً نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، أين الآن: نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؟

    اذكر لي أين التغير الذي حدث في حياة الناس الآن؟

    انظر الآن على مستوى دول الخليج، والكارثة قد تهدد العالم العربي والإسلامي كله، كارثة يعد لها إعداد ضخم ما يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، أين التوبة؟ هذا الغناء لا يزال، الربا يؤكل، والكاسيات العاريات في كل مكان في دولنا إلا من رحم الله، أين التوبة؟

    عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يخرج إلى الناس، ويقرع الأبواب، والمجاهدون في الجبهات، فيقول: من يريد حاجة إني ذاهب إلى السوق، فيخرج الأطفال والصبايا خلفه يشترون حوائجهم بالمئات، هو طويل ووراءه أطفال يجرون يقولون: يا أمير المؤمنين! أي: أنت الخليفة وتتعب نفسك تشتري لهذا شعيراً ولهذا تمراً ولهذا لحماً، لماذا؟

    قال:( من خلف غازياً بخير في أهله فقد غزا ومن جهز غازياً، فقد غزا) حرمتوني من الغزو، فاتركوني أخلف أهلهم بخير.

    الله أكبر! ويأتي إلى المسلم في الشارع يقول: كيف حالك يا أخي؟

    فيقول: الحمد لله.

    فيقول: إنما هذه أردت.

    أنت تقول: الحمد لله، فتكتب في ميزانك، فتفرح بها يوم القيامة عند الله، هنا الحمد لله تزيد في هذه الأمة وتقرب النصر، وكل كفران للنعم إنما يباعد النصر، خذها مقدمة ونتيجة إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ [محمد:7] مقدمة يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] هذه سنن: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [الرعد:11].

    1.   

    التوبة النصوح سبب في البركة والرزق والأولاد

    ألا رجعة إلى الله، ألا توبة إلى الله؟!

    إلى قاطع الرحم الذي له والدان لا يعرفهما ولا يصلهما ولا يبرهما، وبر الوالدين يتبارى مع الحج ويتبارى مع الجهاد (سئل رسول الله: أي الأعمال خير؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أي؟ قال: الصلاة في وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) وفي حديث آخر: الجهاد قبل بر الوالدين، وفي حديث آخر: بر الوالدين قبل الجهاد، مباريات إيمانية، وتسابق بين هذه الفرائض، ولا يدري عن والديه.

    أذكر أنه كان عندي في العمل رئيس فراشين له ست سنوات ما زار والدته وما يعرفها، فاستدعيته لأني خفت على نفسي وعلى مدرستي، قلت له: يا ظالم نفسك! ست سنوات ووالدتك تنتظرك على الأقل في رمضان وفي العيد ما تزورها.

    قال: ما أدخل بيتها.

    قلت: لماذا لم تدخل بيتها؟

    قال: لأنها ساكنة عند أخي، وأنا مقاطع لأخي.

    هل هذا عذر؟! هذا عذر أقبح من ذنب، ويقدر الله ويموت، ولم يزر والدته، وهي تبكي وتترقب لقاءه، وهي أم، وهناك من الأثرياء الأغنياء في القرن العشرين، والله أعرفهم يتبرع أحدهم لتعمير الفاو بالملايين وقد قلنا له: يا هذا! لك أرحام من نفس عائلتك في وطنك وفي خارج وطنك ماذا لو وصلتهم واقتلعتهم من الفقر ومن الديون؟ قال: لا، لا.

    وأذكر أنه لما أريد بناء بعض المساجد في الفاو ، اشترطوا أن يكون للصلاة فقط، وألا يدرس فيه القرآن، وقد جاء هذا في أخبار المملكة العربية السعودية وسمعت ذلك بأذني، تبني مسجداً بدون حلقات قرآن، تصلي عشر دقائق، ولو أنك تزيد دقيقة واحدة فإنك تخرج إلى الخارج، هذه مؤامرة.

    أين عبادة الله في صلة الرحم؟ كم من أختٍ الآن تبكي أخاها تريد أن تراه، هنيئاً لمن له أبوان يعيشان فيوفق إلى برهما، ولا تعرف حقيقة ما أقول إلا بعد فوات الأوان.

    بعض الناس أهلهم وأمهاتهم في الكويت يفرك يده ويقول: آه لو بريت والدتي بكلمة، أو لقمة، أو زيارة، أو درهم! حجب بينه وبينها وأنت ما تدري، يقول: ابن عمر: [إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح].

    وأذكر أنني قابلت أحد النازحين من الكويت يقول: أمسيت كويتياً، وأصبحت عراقياً، وأمسيت في الليلة الثانية لا هوية لي حتى رقم السيارة أخذوه، ما هذه التقلبات السريعة خلال أربع وعشرين ساعة، من يرد قدر الله؟ إذا نزل القدر، عمي البصر، نسألك اللهم اللطف، فالطف بنا يا لطيف.

    فليتحسس كل مسلم نفسه، وأعماله، وليعرف واجبه في النصر والتمكين، وأنتم في بلد أسبغ الله عليها نعمه ظاهرةً وباطنةً، فحذاري عباد الله أن تفرطوا فيها بالمعاصي، إنما صونوها بالطاعات، واحفظوها بفعل الخيرات وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعل الواجبات، وترك المحرمات، والإكثار من التوبات والاستغفار: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] وستعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً كما كانت، هكذا أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، لقد رأيت وأنا أطير على الرياض بالطائرة البقع الخضراء المستديرة، وينابيع الماء تحتها تسقيها ليخرج القمح المبارك يأكل منه أهل المشرق، وأهل المغرب، وخبراء جيولوجية الأرض ومنهم الدكتور/ زغلول النجار الموجود في الإمارات ، أو في الدمام ، يقول لي: والله لو حدثت انكسارات في محابس الأرض، وأقبية المياه في أرض نجد ، أو السعودية، لتفجرت أنهار من تحت أرض السعودية أكثر من أنهار النيل والفرات ، إنهم فوق محيطات من المياه العذبة تجمعت منذ ملايين السنين، ولو علم أهلها ما تحتهم من ماء ما سكنوها من الخوف، وصدق الله: وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22] إنما خازنها ربها سبحانه وتعالى، فاحمدوا الله كثيراً، واشكروه كثيراً.

    رأيت الذنوب تميت القلـوب     وقد يورث الذل إدمانها

    يورث الذل والاستعمار والاحتلال والتشريد (وقد يورث الذل إدمانها).

    وترك الذنوب حياة القلـوب     فخيرٌ لنفسك عصيانها

    إذا كنت في نعمةٍ فارعها     فإن المعاصي تزيل النعم

    وداوم عليها بشكر الإله     فإن الإله سريع النقم

    اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك يا أرحم الراحمين!

    يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً     فلقد علمت بأن عفوك أعظم

    إن كان لا يرجوك إلا محسـنٌ     فبمن يلوذ ويستجير الآثم

    ربي دعوتك كما أمرت تضرعاً     فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

    ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرجـا     وجميل عفوك ثم إني مسلم

    1.   

    محبة الله للقلوب المنكسرة المخبتة

    أحبابنا الكرام! إن الله يحب القلوب المنكسرة المخبتة الخاضعة الخاشعة، التي تحس بالتقصير والإشفاق، كان الصديق إذا صلى بالناس من شدة بكائه لا يفقه المصلون قراءته، وكان عثمان رضي الله عنه وأرضاه يأخذ تبنةً من الأرض، ويقول: [يا ليت عثمان هذه التبنة] وكان أبو بكر يقول: [لو أن قدمي اليمين في الجنة والأخرى خارجها، ما أمنت مكر الله] وكان الفاروق يقول: [لو نادوا في عرصات يوم القيامة: يا أيها الناس! ادخلوا كلكم في الجنة إلا واحداً، لقلت: عمر بن الخطاب ] ويأتي عمر إلى حذيفة بن اليمان ، ويقول: [يا حذيفة ! لقد سمى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين، فهل ذكرني عندك وسماني عندك؟] ما قال: أنا مبشر بالجنة، فقال له حذيفة : [لا. ولا أخبر أحداً بعدك].

    إنهم يعيشون مع الإشفاق، ويصعدون دائماً إلى الله، فلنحيا حياة المشفقين التائبين المخبتين المنكسرة قلوبهم، ولنتذكر أنه لا يبقى إلا الله، كل باكٍ فسيبكى، كل ناعٍ فسينعى، كل مدخرٍ سيفنى، كل مذكور سينسى، ليس غير الله يبقى، من علا فالله أعلى، كل مستخفٍ بسرٍ فمن الله بمرأى، إنما شيئاً كفيناه وهو الرزق له نسعى ونخشى ونشقى، يقول الله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة:82].

    أحبابنا الكرام! التوبة التوبة! والإنابة الإنابة! والاستغفار الذي لا ينقطع (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وإذا أردت أن يقيك الله من مصارع الغفلات فعليك بالاستغفار ولزوم التوبة إليه، واعلم أن توبته من توفيقه، إذا رأيت نفسك تتوب، فاعلم أن ذلك من توفيق الله، فتاب عليهم ليتوبوا، سبقت توبته توبتهم، وتب من الصغائر والكبائر، واحذر من محقرات الذنوب يجتمعن على العبد والمرء، فيهلكنه، ومثلها كمثل قوم في فلاةٍ أرادوا أن يوقدوا ناراً، فأحضر هذا عوداً وذاك عوداً، فأوقدوا النار، كذلك الذنوب.

    أحد الصالحين فعل ذنباً بأن نظر إلى أمرد جميل لم يصرف عينه عنه، وكان يحفظ القرآن، فنسي القرآن بعد أربعين سنة، جاء هذا في الكتب، وبعض الفرق الضالة تأتي بالمردان بحجة أنهم يريدون أن يعلموهم الطريقة، ويقول ضالهم للأمرد: قل لا إله إلا الله، فإذا قال المسكين: لا إله إلا الله، صاح شيخه وقال: وي، ادن مني واقرب لأقبل الشفتين اللتين تهلل، فكان جزاؤهم في الدنيا أن سلب الله منهم التوحيد، وجعلهم عباداً للقبور بها يستغيثون، وإليها يعوذون ويلوذون، ولها يسألون، ولا يعرفون لله حقاً، ولا لرسوله حقاً، ونزلت عليهم الشياطين والأبالسة ترقص معهم في رقصهم وتصرعهم وتلبسهم في زارهم، فطهر الله بلادكم من هذا ببركة دعوة الإمام وشيخ الإسلام/ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، فاحمدوا الله على هذه النعم، نشأة ذرية من مشرق السعودية إلى مغربها , من شمالها إلى جنوبها، ليس من حرص والد، وإنما هو من توفيق الله: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف:58].

    فنسأل الله أن يلطف بأمة الإسلام، وأن يبرم لها أمر رشد يعز فيه وليه، ويذل فيه عدوه، ويعمل فيه بطاعته ورضاه، نسأله سبحانه وتعالى أن يجمع الأمة كلها على قائد رباني يسمع كلام الله ويسمعها، وينقاد إلى الله وينقادها، ويحكم بكتاب الله ويحرسه، وأن يجعلنا لجميع المسلمين هينين لينين سمحين قريبين حبيبين كالأرض الذلول يطؤها الكبير والصغير، وكالسحاب يظل البعيد والقريب، وكالمطر يسقي من يحب ومن لا يحب، وأن يعلمنا فقه الدعوة، ويرزقنا فيها الحكمة، ويحفظنا من خطوات الاستعجال، ويجعلنا في حماس متزن، لا حماس متهور: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [الروم:60] ونسأله أن يفرج عن إخواننا المسجونين والمعتقلين في مشارق الأرض ومغاربها، وعلى وجه الأخص تحت الأنظمة الطاغوتية التي تأخذ الصالحين ولا ذنب لهم إلا الإيمان والإسلام: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج:9] وأن يجبر قلوب أمهات الشهداء والمأسورين والمسجونين، أسال الله سبحانه وتعالى أن يرزقهم الصبر والاحتساب، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ ديارنا وأعراضنا ودماءنا وأموالنا وديننا ودعوتنا ودعاتنا.

    اللهم من أرادنا والمسلمين سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدبيره تدميره، واحرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين!

    اللهم احفظ أمننا وإيماننا، وأصلح أولادنا وبناتنا وأزواجنا برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم اجعل نساءنا وبناتنا مسلمات مؤمنات قانتات ذاكرات شاكرات حافظات للغيب بما حفظ الله، اللهم أنبت هذه الذرية نباتاً حسناً، اللهم أنبتهم نباتاً حسناً، اللهم حقق بهم آمالنا، اللهم انصر بهم دينك، وأعز بهم دينك، وافتح بهم بلاد الكافرين برحمتك يا أرحم الراحمين!

    إلهي ومولاي بك نجول ونصول، نجعلك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نسألك بعزتك وذلنا بين يديك إلا رحمتنا، وبقوتك وضعفنا وغنائك عنا وفقرنا إليك إلا أغنيتنا، هذه نواصينا الخاطئة بين يديك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، عبيدك سوانا كثير، وليس لنا ربٌ سواك، نسألك مسألة المسكين، ونبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وندعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته، ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه يا أرحم الراحمين!

    أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الأسئلة

    الجمع بين محاربة العلمانيين وبين الدعاء بالنصر عليهم

    السؤال: فضيلة الشيخ! تقولون: إن الدعاء لا يكفي في محاربة الفتن والعلمانيين، وإنما يجب علينا أن نحاربهم، وفي محاضرة البارحة في جامع الذياب تأمروننا بالاتزان والهدوء، كيف نوفق بين كلام البارحة وكلام الليلة جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الحمد لله، لعل هذه المحاضرة تكمل المحاضرة التي قبلها، والله عندما يقول في كتابه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] علينا ألا نوسع دائرة الحكمة، فتصير خنوعاً وخضوعاً، ولا نضيقها فتصير مجابهةً وقتالاً، وإنما علينا أن نعرف كيف نتعامل مع الناس، وأن نتعلم فقه الدعوة، فعندما ننكر منكراً نعرف فقه إنكار المنكر بألا يتولد ما هو أنكر منه (ودرء المفاسد يقدم على جلب المصالح).

    لقد كنت أقرأ أن المستشرقين الخبثاء الذين يلبسون على الناس الإسلام يطرحون سؤالاً، ولكن لا يريدون منه الجواب المعروف، وإنما يريدون من ورائه إثارة فتنة، لكن الغر الغشيم يندفع، فيأتي بالجواب الغير مطلوب، ثم يتحول إلى أداة بأيدي المستشرقين، أو أيدي العلمانيين لإجهاض الدعوة إلى الله، وهو لا يعلم. يأتي مثلاً المستشرقون، فيقولون: لماذا سكت الإسلام عن الرق؟ وإن الرق هذا ضد الإنسانية، ولماذا يكون في الإسلام رقيق، مالك ومملوك؟

    فيأتي واحد وينبري، ويقول: لا. الإسلام لا يقر الرق، والرق انتهى وهو غير موجود، ومصدر الرق الجهاد، والجهاد الآن محرم كما هو في كل الدساتير، الحرب الهجومية محرمة، يعني: لا تجاهد. إذاً ما هناك رق، فتوصل المستشرق من خلال هذا السؤال إلى تعطيل الجهاد مع أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وهكذا يتلاعبون بالأمة، فيأتي العلمانيون فيدحرجون قضية حادة صارخة تصطدم بمشاعر المسلمين، بل بعاداتهم وتقاليدهم التي نشئوا عليها، وأخلاق العفة والستر والحياء، فيحدث شيء غير متوقع، ثم يستفيدون بعد ذلك من ردود الفعل الغير متزنة، ولو شكلت لجنة وعليها أهل الحل والعقد وأخيار العلماء من أهل العلم والحلم، ودرست وجعلت هناك مطالب وفتاوى، وإنكاراً وتعريفاً، وقامت هذه اللجنة بأدب واحترام، والتقت مع من بيده السلطة، وبحثت الأمر لكان هذا أجدر من أن يأخذ كل واحد عصاه ويبدأ يصطدم مع الناس.

    أذكر أننا مررنا في الكويت في بعض الظروف أنه قام بعض الشباب وعمل نوعاً من الربكة الأمنية في بعض الدول العربية، وظهر شعار "اقضوا على الإرهابيين"، وصارت أيضاً قضية الاختلاط، وبدأت تكتب الصحف (القردة يغزون الجامعات) يعنون بالقردة: الشباب المتدين الملتحي، حسبنا الله ونعم الوكيل! وكنا نحن الدعاة ساعتها نستغيث ونقول: اللهم سلم، اللهم سلم، لأن مثل هذا الحدث في مثل ذاك الظرف لا تزال فيه الدعوة صغيرة وناشئة وضعيفة مثلما ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يخاف عليها، مرة يبعثها إلى الحبشة ، ومرة ثانية إلى الحبشة ، ومرة ثالثة إلى المدينة المنورة حتى يحافظ على عناصر الدعوة قبل أن تبيدها قريش وتقضي عليها؛ لأن بيدها السيف والصولجان، والأقلام والإذاعات والجرائد، وكل شيء بأيديهم، وبسرعة تلفق أي تهمة، ثم بعد ذلك يتحمل جريرتها شباب الصحوة، فالأعداء يمكرون، والرسول صلى الله عليه وسلم من المصلحة أن يقضي على عبد الله بن أبي بن سلول ، كبير المنافقين، واتهم عائشة في عرضها رضي الله عنها، ومع هذا لم يفعل، ولم يحقق هذه المصلحة لحدوث مفسدة أعظم وأكبر وأخطر، ماذا يقول الناس؟ يقولون: يقتل محمد أصحابه، فكف عنه وتركه حتى قضى الله عليه.

    فالذي أريده -أيها الأحباب- أن تنتبهوا، ألا يتحاجز الناس في مثل هذه القضايا، وتصير الحكومة في جانب والشعب في جانب، ويبدأ التراشق، وإنما من الحكمة أن يكون هناك لجنة من العلماء في كل أمر محدث من محدثات الأمور التي هي ضلالة وفي الضلالة بدعة، والبدعة في النار، لكن لا ينفرد كل شخص بتصرفه الشخصي ويجعل نفسه هو البطل في الساحة لكي يقضي على هذا المنكر، فإن -والله يا إخوة- لم يبق مكان تستطيع أن تقعد فيه في بعض المساجد، وهذا أمر شاهدته في رمضان، فهناك شباب من العاشرة إلى الثلاثين سنة يقومون الليل ويصومون النهار في مثل هذه المواقع، والذي يريد أن يتأكد، فليذهب في العشر الأواخر من رمضان ويرى الحرم كيف يمتلئ إلى آخر العمارات، وإلى أعلى السطوح، هذا المشهد يشاهده العالم كله، ينقل في الأقمار الصناعية ويشاهد في التلفاز، فتحترق قلوب مؤتمرات التبشير والتنصير، ومؤتمرات الإلحاد، ومؤتمرات الشيوعية ، لهذا قبل الهجوم على الكويت بأسبوعين ظهر هناك في ديار الكفار منشور يقول: إن العرب أصبحوا يتكاثرون في الجزيرة تكاثراً غريباً لابد من حده، من يصدر مثل هذه المنشورات؟

    الإرهابيون المتعصبون مثل: الكاهن اليهودي الذي قتل بواسطة مسلم مصري اسمه/ نصير ، نصره الله وأيده.

    فإذاً علينا أن نحافظ على مكاسبنا كمسلمين، وألا نفقد منابرنا، ولا دعوتنا، ولا دعاتنا، وأن نتذكر أن هناك فقهاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن هناك علماء عندهم أدلة شرعية، ولهم خبرة في التعامل في مثل هذه القضايا، فلنكثر من الالتصاق لهم ومشاورتهم، وأن نبتعد عن الحماس الفائر الذي نتائجه لا تحمد عقباها، ولنستشر كثيراً أهل العلم والذكر، ولا نخيب إن شاء الله إذا استشرنا، أنا أقول هذا عن تجربة في الكويت وفي خارج الكويت ، ولربما آية من آيات الله لا يجيد أحد استخدامها واستشهادها تؤدي إلى فتنة، وهي آية، ومعظم الفرق المنحرفة تتكئ على آيات وأحاديث، ارجعوا إلى المؤلفات في الفرق الضالة تجدون: بيان بن سمعان وفرقته البيانية يقول: أنا مذكور في القرآن، أين؟ قال: في قوله تعالى: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران:138] أنا بيان ، فاتبعه الآلاف في عهد علي بن أبي طالب وقرنه خير القرون جاء عبد الله بن سبأ اليهودي ابن السوداء يتظاهر في الإسلام في ذاك العهد عهد العلم، عهد النبوة، عهد الخلافة الراشدة خير القرون، فاتبعه خلق عظيم يظنون أن علياً هو الله، فماذا نقول نحن في هذه الأزمنة الهدامة؟

    يحفر لهم الأخاديد يقول لحارسه قنبر : احفر الأخاديد، وحرقهم في النار يريد أن يقضي عليهم بأشد العقوبات، قالوا: الآن زاد يقيننا أنك الله، لأنه لا يحرق بالنار إلا صاحب النار.

    لما رأيت الأمر أمراً منكراً     أشعلت ناراً ودعوت قنبر

    ولا نفع معهم شيء، وقصة الخوارج مع عبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب مشهورة ومعروفة لديكم، لقد رفعوا آية: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57] ما نقبل حكم علي ، ولا عمرو بن العاص ، ولا أبي موسى الأشعري ، ولا حكم معاوية ، الحكم لله، لكن ابن عباس قال لهم: [إن الله رضي حكم الإنسان في أرنب يصيده وهو محرم يحكم بها ذوا عدل، وأنتم ما تريدون حكم الله في دماء المسلمين] الله يريد حكم الإنسان بأرنب، وأنتم ما تريدون حكم الإنسان في دماء المسلمين.

    فقالوا: إذاً لماذا لم يجعلنا علي نأخذ سبايانا في معركة الجمل، ونحن غلبناهم؟

    قال لهم ابن عباس : [ومن منكم يريد أن يأخذ أم المؤمنين عائشة سبية عنده؟! قالوا: الله أكبر!، نأخذ أمنا سبية؟ قال: وهذا هو، لو قال لكم: تأخذون السبايا، لأخذتم عائشة معهم].

    إذاً احرص على العلم الشرعي واعرف فقه الدعوة، ولا تقدم رجلاً ولا تؤخرها إلا وتسأل نفسك: أنا أنفع، أو أضر؟ خذ تجربة من أخيك، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في دعوتكم، وأن يزيدكم ولا ينقصكم، وأن يصلكم ولا يقطعكم، وأن يمنحكم ولا يمتحنكم، وأسأله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه الديار وسائر بلاد المسلمين لتقوم خلافة الإيمان والإسلام المنتظرة التي بشر بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم أن أخبر عن نهاية الحكم الجبري بالنار والحديد، قال بعدها: (وتكون خلافة راشدة على منهاج النبوة) فنسأله أن يحقق الله ذلك لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

    أسباب التسويف في التوبة

    السؤال: ما هي الأسباب في نظركم التي تؤدي بالإنسان إلى التواني عن التوبة والالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى؟

    الجواب: من الأسباب: طول العمر، لأنه يظن أنه سوف يعيش ثمانين عاماً، أو تسعين عاماً، وأنه يتمتع بشبابه الآن، وبعد ذلك يتوب، لكن أما يدري هذا المسكين أن التوبة إنما تكون من توفيق الله، قد يعيش تسعين عاماً في المعاصي، لكن إذا جاء الموت لا يوفق إلى التوبة، وكما يقول الشاعر الأندلسي لما مات نديمه وحضرت وفاة ابن شهيد، قال: ادفنوني بجوار نديمي، ثم قال شعراً ونديمه تحت الأرض، وهو فوق الأرض يحتضر:

    يا صاحبي قم فقد أطلنا     أنحن طول المدى هجود

    فقال لي لن نقوم منها     ما دام من فوقنا الصعيد

    تذكر كم ليلةٍ لهونا     في ظلها والزمان عيد

    تذكر كم ليلة رقصنا وغنينا وفرحنا وشربنا وضحكنا وقنصنا وذهبنا

    تذكر كم ليلةٍ لهونا     في ظلها والزمان عيد

    وكم سرورٍ همى علينا     سحابةً ثرةً تجود

    كلٌ كأن لم يكن تقضى     وشؤمه حاضرٌ عتيد

    شؤم الذنب يطاردنا من مكان إلى مكان، الفرحة ذهبت، وجاءت الترحة والغصة والعذاب.

    حصله كاتبٌ حفيـظٌ     وضمه صادقٌ شهيد

    يا ويلنا إن تنكبتنا          رحمة من بطشه شديد

    يا رب عفواً وأنت مولى     قصَّر في أمرك العبيد

    ثم مات، فالأمل بأنه سيتوب، لن يتوب، لأنه كما يقول الإمام ابن القيم : الدوام على المعاصي بريد الموت على الكفر، والدوام على الطاعات بريد الموت على الإيمان والإسلام، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طـه:124] وقال عن الموت على الإسلام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] مقدمة ونتيجة.

    الأمر الثاني: صحبة الأشرار، أنه يصحب أناساً يزينون له المعصية: يا شيخ! افرح .. واستأنس .. وكيِّف .. وفرفرش .. والدنيا جميلة، والحياة حلوة، وهذا خير فائت، وربك غفور رحيم، دائماً يذكرونه: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49] لكن أبداً ما يأتي على لسانهم: وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:50] فيبدأ يتواكل، ويوسع الرجاء حتى يدمن على الذنوب والمعاصي، ومن أدمن على الذنوب والمعاصي، يجد للابتعاد عنها وحشة، الإنسان إذا ألف نوعاً من الحياة ونوعاً من الذنوب لا يطيق، شخص يقول له: يا بن الحلال تعال صل، ما يضرك؟ ما يكلفك؟ ما قلنا لك: تصلي بدينار، تعال صل بدون مقابل. وتبدأ تجره إلى باب المسجد وتسحب يده، ولكنه يهرب، ويمسكه واحد من يمينه وواحد من شماله ويدخلونه المسجد غصباً، لكن تعال انظر عند تكبيرة الإحرام كأنه يصيد طيراً. بسبب كثرة تراكم الذنوب والران على صدره وقلبه، وكثرة إحاطة الشياطين من حوله، وعدم ترويض النفس على طاعة الله أصبحت ثقيلة وكبيرة: وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] فصحبة الأشرار الذين يزينون له المعاصي، تجعله يبعد عن التوبة، يقول له: تعال اشرب، يقول: ما عندي فلوس، لقد صرفت آخر قرش على البيت لقد اشتريت لهم عشاء ويضيق صدره، فيقول: تعال على حسابي، ولو قلت له: تصدق بدرهم في سبيل الله، يجدها ثقيلة: من يقول: تصل؟ ومن يضمن لي أنها ما تسرق؟ ويقول لصاحبه: تعال اشرب على حسابي، أرأيتم كيف؟! أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8] هكذا على الإطلاق: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ [غافر:37] فرعون يذبح الأبناء، ويستحيي النساء، ويستبد الشعوب، حتى في آخر لحظة من لحظات عمره لم يوفق إلى التوبة: تبت إلى الله، لا إله إلا الله، آمنت بالله، لطيفة خفيفة خاصة في البحر والموج يغرقه يحتاج إلى كلمتين يتوب فيها بصدق: آمنْت بالذي آمنَت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، وجبريل يقول في الحديث: (لو رأيتني يا رسول الله وأنا آخذ من طينة البحر، وأضعها في فم فرعون) حتى لا يسلم من شدة إجرامه، جبريل يكرهه ويبغضه، ومات على الكفر والعياذ بالله، فلهذا لا تحسب أنك توفق إلى التوبة.

    الإمام ابن القيم في كتاب الجواب الكافي يذكر عجائب وغرائب، يقول: الذي هو مولع بتربية الحمام وتشغله عن الطاعة والصلاة، وأربع وعشرين ساعة وهو في السطح يصفق ويصفر وفي آخر لحظة من لحظات عمره الناس حوله: يا بن الحلال قل: لا إله إلا الله، يقول: آه على (القلاب)، آه على (القلاب)، ويموت وهو يقول: آه على (القلاب)، الطير الذي يقلب، الذي قلبه مولع بالغناء، يقولون له: قل لا إله إلا الله محمد رسول الله، ما يستطيع، لأنه طول عمره وهو في السيارة أو الشارع أو وهو ينام يتحدث عن الحمام.

    كذلك من اكتشف أن صوته جميل وهو في الحمام، تراه دائماً يدندن ويطنطن بلسانه، فإذا قيل له: قل: لا إله إلا الله عند الموت، قال: أحب حبيبي، وأعبد حبيبي، أحب حبيبي، وأعبد حبيبي، أحب حبيبي، وأعبد حبيبي إلى أن يموت.

    كذلك الذي قلبه مولع بالبيع والشراء، تراه عندما ينادى (حي على الصلاة)، ولا يغلق دكانه ولا يذهب يصلي، إذا جاء الموت، أعظم ما يكون عند الموت الفتانان، والجسم ضعيف، والروح تقعقع، وشيء عظيم، ويأتيه شيطان بصورة أمه وأبوه، هذا يقول له: مت يهودياً، وهذا يقول له: مت نصرانياً، الواحد يصيبه صداع خفيف في الدنيا ما يطيقه، فكيف بنـزع الموت؟! كيف بخروج الروح؟! يصاب بصداع خفيف يركع ورأسه يريد أن ينفجر، يسجد وينقر الصلاة نقراً من شدة الصداع، كيف بخروج الروح؟! فلهذا لا يظن أنه يوفق إلى التوبة إذا داوم على الذنوب والمعاصي، أبداً، فلهذا عليه أن يحرص على لزوم ذكر الله، ينام عليه، ويستيقظ عليه، فالذي ينام على لا إله إلا الله ويستيقظ على لا إله إلا الله، أول ما يأتيه الملك في القبر: من ربك؟ يقول: ربي الله لا إله إلا الله.

    فالحذر من رفقة السوء، الحذر من طول الأمل! الحذر من صبوة الشباب! الحذر من إدمان النظر إلى المعاصي في التلفاز، والنساء الكاسيات العاريات، ويتمتع وحاله ما أحد عندي، ويقفل الدار وحاله ما يوجد أحد يراني، ربك يراك: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] وينظر .. وينظر .. ومع المدة في لحظة من لحظات الغفلة يسمع شيئاً داخل صدره أغلق؟ وإذا هو حائل إلهي نزل بينه وبين كل الطاعات، حائل رهيب نزل في القلب.

    واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، والله سبحانه وتعالى يعطينا بين الحين والآخر مذكرات لهذا الحائل، وهذا كالذي نظارته بيده وهو يبحث عنها، تقول له أم الأولاد: ما الذي تبحث عنه؟ يقول: نظارتي، فنقول: نظارتك بيدك، من الذي حال بينك وبينها؟ إنه الله، فكيف لو حال بينك وبين قلبك؟ نزل حائل حي على الصلاة يظلم الوجه ويضيق الصدر وتتحشرج النفس ما يستطيع يرفع رجل ويقدم رجل حتى يطلعوه الناس من المسجد، فلهذا احذروا من هذا الحائل الذي يأتي بسبب الإدمان على الذنوب والإصرار عليها.

    بعض الناس تراه، وخاصة في تقلبات الميتين، وأحوال الميتين، وهناك أشرطة في هذا لعل بعضكم سمعها يرى أن هناك من الناس من في قلبه إصرار على كبيرة، خبيئة موجودة انطوى عليها قلبه ولم يتب منها، فجأة تنفجر، تنفجر هذه الخبيئة فتغطي على كل مشاعره، واحد يختم القرآن، ويصلي الجماعة، ويذهب إلى العمرة، ويصوم رمضان، لكنه يأكل ربا بدون ما أحد يعرف ذلك، يقول: ما دام ليس هناك أحد يعرف، بيني وبين الله، الله غفور رحيم، ولم يعلم أن درهم ربا يأكله وهو يعلم أشد عند الله من ستٍ وثلاثين زنية، والربا بضع وسبعون باباً وشعبة أيسرها وأهونها كأن يأتي الرجل أمه، فيظل طاوياً عليها وكابتاً عليها، يلهث في تحصيل الربا، وكلما جلس مع الناس: والله أنا بخير، الفلوس زادت، والمال كثر، والزرع نما، ويتحدث ويخدع نفسه، وهو لا يدري أنه شاهر السيف على ربه يحاربه، فإذا جاءت لحظة الموت، ظن أن الختمات التي أداها هذه كلها سوف تنفعه، وإذا بها كلها تطيش، وما يبقى منها شيء، نعم، فلهذا الحذر: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:30].. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] وكم من المليارات والأموال أبيدت، وتصرف بها أعداؤنا وتلاعبوا بها وجردوها علينا، وحرمونا منها، وحجزوا بيننا وبينها بسبب هذه الحرب الخفية التي لا يكاد أن ينتبه إليها أحد.

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ومبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين!

    سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765793815