إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (120)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحج والعمرة من العبادات العظيمة التي حث الشارع ورغب فيهما، لما فيهما من الخير والأجر والفضيلة، ولهما أركان كالإحرام، وواجبات كالإحرام من الميقات، ومحظورات كالتجرد من المخيط، وكلها أحكام شريفة، تحوي الكثير من الحكم والأسرار.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الجامع للشريعة الإسلامية عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وجمع المسلمين على كلمة الحق، فلا فرق بين هذا وذاك، فمذهبهم واحد، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأولادهم وأحفادهم، وها نحن مع [ المادة الثالثة: في الترغيب في الحج والعمرة] الحج فريضة الله على كل مسلم ومسلمة، والعمرة واجبة على كل مسلم ومسلمة، وهيا بنا نسمع الترغيب من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حتى نرغب ونعتمر ونحج إن شاء الله تعالى.

    [ لقد رغب الشارع في هاتين العبادتين العظيمتين ] أي: الحج والعمرة [ وحث على فعلهما ودعا إلى ذلك بأساليب متنوعة، وأضرب من البيان مختلفة، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور ) ] ومعنى ( جهاد في سبيله): من أجل أن يعبد الله وحده لا شريك له [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ) ] وهو يشير إليه [ ( فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ] ولا يوجد ترغيب أعظم من هذا الترغيب؛ ولهذا حج المؤمنون من الأندلس غرباً ومن الهند شرقاً على أرجلهم. فأفضل الأعمال عند الله إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيله، ثم حج مبرور، والحج المبرور ذاك الذي تأتي به كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تزيد ولا تنقص [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ] والمبرور هو الذي يؤدى كما أداه رسول الله وأصحابه، وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا ابتداع [ وقوله ] صلى الله عليه وسلم في الترغيب: [ ( جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج المبرور ) ] فالكبير الشيخ المسن، والضعيف المريض، والمرأة أي: المسكينة، فجهاد الكبير لعجزه والضعيف لمرضه والمرأة لعجزها الحج المبرور، فهو جهادهم، وأما أصحاب القوة والإرادة فالجهاد هو المطلوب لهم [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة ) ] أي: إذا اعتمرت وزدت عمرة ثانية [ ( كفارة لما بينهما ) ] فالذنوب التي وقعت من العام الماضي إلى العام الآتي تمحى بالعمرة، فإذا اعتمرت في شعبان ثم اعتمرت في ذي القعدة فالذنوب التي بين العمرتين تمحى بإذن الله مع التوبة الصادقة والإنابة الحقة [ ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ). ] وهذا ترغيب، فقد رغبنا رسولنا صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة، فلهذا نحج ونعتمر [ كما رهب ] فقد رغب ورهب أيضاً، فالمؤمن يأخذ بالرهبة والرغبة، فالرغبة يفعلها والرهبة يتركها [ من تركهما، وحذر من التقاعس عن فعلهما بما لا مزيد عليه ] من الوصايا [ فقال ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ( من لم تحبسه حاجة ظاهرة، أو مرض حابس، أو منع من سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً ) ] فمن لم تحبسه حاجة ظاهرة وأمر شغله وهو قوي، أو مرض حابس، وهناك مرض يقدر صاحبه على المشي، ولكن هذا مرض يحبس، أو منع من سلطان جائر كأن تمنعه الدولة ( ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً) [ وقال علي رضي الله عنه: من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ] ويوجد اليوم من المسلمين الملايين ليسوا بعاجزين أبداً، بل أقوياء، وذووا أموال ولم يحجوا [ وذلك لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] ] فـعلي يعلل كلمته: فليمت يهودياً أو نصرانياً بقوله: ( وذلك لقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97])، ومن لم يستطع فليس عليه سبيل، ثم قال تعالى: وَمَنْ كَفَرَ [آل عمران:97]، أي: كفر بالحج فلم يحج فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، أي: ليس في حاجة إليهم، فسواء حججت أو لم تحج فالله في غنى عنك، وبيته محجوز [ وقال عمر رضي الله عنه ] وهو خليفة للمسلمين [ لقد هممت أن أبعث رجالاً ] أي: من رجاله [ إلى هذه الأمصار ] أي: المدن من الشام إلى العراق، إلى مصر وغيرها [ فينظروا كل من كانت له جدة ] أي: قدرة ووجد [ ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين ] ولا أشك أن مؤمناً يسمع هذا ثم يقصر، بل يحج كيف ما كانت الحالة، والذي ما سمع هذا لا يحج. ولهذا فاجتماعنا في بيوت ربنا كل ليلة وطول العام ندرس كتاب الله وسنة الرسول هذا سبيل نجاتنا، وطريق نجاحنا وفوزنا، ويوم أعرضنا عن بيوت الله وعن كتاب الله وسنة الرسول وقعنا في ظلمة الجهل، فغمرنا الجهل والفسق والظلم والشر والفساد.

    و عمر بن الخطاب الخليفة الثاني يخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: ( ما سلك عمر فجاً )، أي: طريقاً واسعاً، ( إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه ). وهذا عجب، فالشيطان لا يقوى أن يشم رائحة عمر أو يرى وجهه، ولا إله إلا الله! وأضافوه ليلة على عشاء أو غداء فوضعوا عدة أنواع من الطعام، وليس كما عندنا اليوم، فقد وضعوا نوعاً أو نوعين أو ثلاثة، ونحن عندنا سبعة، فما إن نظر إلى الطعام بألوانه حتى ارتعدت فرائصه كالأسد وقام، وقال: أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [الأحقاف:20]. وأبى أن يأكل، ونحن نسرق ونخطف ونكذب، ونأكل الرشوة والربا من أجل أن نأكل سبع أكلات في اليوم. ونعوذ بالله منا.

    وهذه قاعدة: كل من يكفر بشيء فرضه الله فهو كافر وليس بمسلم، وأيما عبد يكفر بالصلاة ويقول: لن أصلي، ويقول للحج أو في الصيام أو في بر الوالدين أو في تحكيم شرع الله: لا أعترف به فقد خرج من الإسلام. وهذه قاعدة عامة. فما دام قادراً وقال: لن أحج ولن أكلف نفسي فليس بمسلم، فتضرب عليه الجزية. هذه المادة الثالثة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530326

    عدد مرات الحفظ

    777156581