إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (62)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العدل خلق عظيم من أخلاق الإسلام، تميز به المسلمون في حياتهم على مر العصور، والله تعالى يحب العدل والعادلين، والعدل من أعظم الواجبات التي أمر الله تعالى بها، ووعد عليها الأجر العظيم والثواب الجزيل، وللعدل مجالات يجب على المسلم أن يعمل به فيها، حتى تقوم الحياة وتستمر؛ لأنه إذا ضاع العدل ضاع الإنسان وقيمه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، الكتاب الحاوي للعقيدة والآداب والأخلاق والعبادات والمعاملات، فهو إذاً: خلاصة الشريعة بكاملها.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى [ الفصل الخامس: في خلق العدل والاعتدال] كيف نظفر بهذا الخلق ونحصل عليه.. العدل والاعتدال؟

    هيا بنا نسمع ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم نسأل الله أن يرزقنا العدل والاعتدال في كل شئون حياتنا!

    [المسلم ] هذه الكلمة العذبة الحلوة الطيبة: المسلم، أي: الحسن الإسلام، العريق في هذا الوصف، المسلم الكامل الإسلام، الذي أسلم قلبه ووجهه لله، من أسلم الشيء يسلمه؛ إذا أعطاه، ومنه السلم في البيع والشراء، أسلم قلبه فلا يتقلب قلبه طول حياته إلا في طلب رضا الله، وأسلم وجهه إلى الله فلا ينظر إلى غير الله [يرى أن العدل بمعناه العام من أوجب الواجبات وألزمها ] إي والله! العدل من أوجب الواجبات وألزمها، فلا يحل لمؤمن أن يحيف أو أن يجور أو أن يعدل عن الطريق [ إذ أمر الله تعالى به ] أي: بالعدل [ في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] ] هذا خبر الله عز وجل من سورة النحل، فالله يأمر عباده المسلمين بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فتؤدي العبادة على أتم وجوهها وأحسن هيئاتها؛ لأنك تعبد الله وأنت تراقبه عز وجل. وأما إيتاء ذي القربى: فهو إعطاء القرابة حقوقهم، فلا تبخس أحداً حقه منهم. هذا نظام الإسلام، العدل.. الإحسان.. إيتاء ذي القربى [ وأخبر تعالى أنه يحب أهله ] أي: أهل العدل والإحسان [ فقال تعالى: وَأَقْسِطُوا [الحجرات:9] ] أي: اعدلوا في قولكم وعملكم وأحكامكم وقضائكم [ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] ] اللهم اجعلنا منهم! فالله يحب المقسطين العادلين الذين لا يحيفون ولا يجورون ولا يميلون أبداً. [والإقساط] ما هو الإقساط؟ الإقساط ليس تقسيط البضاعة والدراهم بل [العدل، والمقسطون العادلون ] الإقساط العدل والمقسط هو العادل الذي لا يحيف ولا يجور ولا يظلم [ وأمر به تعالى ] أي: بالعدل [ في الأقوال كما أمر به بالأحكام ] فإذا قلت فاعدل في كلامك، وإذا حكمت بين اثنين أو أكثر فاعدل في حكمك، فكما أمر بالعدل في الأحكام أمر به في الأقوال، إذا قلت فلا تحف فتكذب أو تجور أو تخفي حقاً وتغمطه [ قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152] ] يا عباد الله! أيها المسلمون! إذا قلت يا عبد الله فاعدل، فالله تعالى يقول: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا في القول وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى أي: من أقربائك فلا تحف ولا تجر بل قل العدل، ولا تغطي ولا تستر، قل العدل ولو كان المقول فيه من قرابتك [ وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] ] كلام من هذا؟ كلام الله جل جلاله. وإذا قلتم وتكلمتم فاعدلوا في كلامكم، لا تشم رائحة الجور أو الميل أو الحيف أو مراعاة للقرابة أو الصداقة أو المال أو الجاه وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] سواء حكمت بين اثنين أو بين قبيلتين، سواء كنت قاضياً أو حاكماً أو لم تكن كذلك، وإنما حكموك فاحكم بينهم واعدل [ ولهذا ] من أجل هذه التعاليم الإلهية [ يعدل المسلم في قوله وحكمه ويتحرى العدل في كل شأنه؛ حتى يكون العدل خلقاً له ] من أخلاقه [ ووصفاً لا ينفك عنه ].

    معاشر المستمعين! لو علمنا هذا من صبانا وتدارسناه والله ما كنا نحيف ولا نجور، ولكن الجهل وظلمة القلب صاحبها لا يهتدي!

    وا أسفاه أن يعيش المسلمون في الشرق والغرب جاهلين بالله وتعاليمه، بالإسلام وأحكامه وشرائعه!

    ولهذا يعدل المسلم في قوله إذا قال، وفي حكمه إذا حكم، ويتحرى العدل ويطلبه في كل شأنه؛ حتى يكون العدل خلقاً من أخلاق المسلم ووصفاً لا ينفك عنه، فلان عادل، فلان من أهل العدل.

    [ فتصدر عنه ] أي: عن هذا المسلم العادل [ أقواله وأعماله عادلة بعيدة عن الحيف والظلم والجور، ويصبح بذلك عدلاً لا يميل به هوى، ولا تجرفه شهوة أو دنيا، ويستوجب محبة الله ورضوانه وكرامته وإنعامه، إذ أخبر تعالى أنه يحب المقسطين، وأخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام عن كرامتهم عند ربهم ] تأمل! ما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم [ بقوله: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ) ] المقسطون بيضاً كانوا أو سوداً، عرباً أو عجماً، أغنياء أو فقراء. المقسطون بما علمتم على منابر من نور إلى يمين الرحمن يوم القيامة. أية منزلة أعظم من هذه المنزلة؟! فلهذا لن نجور ولن نحيف ولن نبعد عن الحق ولو كنا نحكم على أنفسنا أو أهلينا أو أقاربنا.من هم المقسطون؟ [ ( الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) ] من الوظائف.

    [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) ] من هؤلاء السبعة؟ [ ( إمام عادل ) ] حاكم عادل [ ( وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ) ] من صباه [ ( ورجل معلق قلبه في المساجد ) ] إذا خرج من المسجد يعود إليه لا يكاد يفارقه [ ( ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) ] رجلان تحابا في الله طول حياتهما يجتمعان على الله ويفترقان على الله وحبه [ ( ورجل ) ] فحل [ ( دعته امرأة ذات منصب وجمال ) ] ليطأها [ ( فقال: إني أخاف الله ) ] رفض الوصول إليها ومواقعتها [ ( ورجل تصدق بصدقة ) ] قليلة أو كثيرة [ ( فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) ] يخفي الصدقة ولا يظهرها حتى لا يقال: فلان يتصدق، أو فلان بخيل أو شحيح، يخفيها حتى لا تعلم الشمال ما أنفقت اليمين، إذ الصدقة تكون باليمين، من يمينه يضعها في يمين الآخر [ ( ورجل ذكر الله خالياً ) ] ليس معه أحد في بستانه.. في سيارته.. في مسجده.. على سجادته في بيته [ ( ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) ] بالدموع شوقاً إلى الله، أو خوفاً منه تعالى، بكى وفاضت عيناه بالدموع. كم رجل هؤلاء؟ سبعة. اللهم اجعلنا منهم أجمعين! أرأيتم قيمة العدل؟!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521868

    عدد مرات الحفظ

    777104479