إسلام ويب

الثبات ومواجهة الكيدللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المكايد التي تكاد للإسلام عظيمة، تربتها النفس البشرية الضعيفة، وماؤها الثقافة الغربية، والزارع الشيطان وأعوانه؛ فينبغي للمسلم الثبات على دينه، والاستقامة على منهجه والحذر من مضلات الفتن والأهواء .
    الخطبة الأولى:

    الفلاح في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

    أما بـعد:

    أيها الناس! أيها المؤمنون حقاً! اتقوا الله عز وجل واشكروه على نعمة الإسلام.

    أيها المؤمنون! بين أيديكم دينٌ عظيم اختاره الله لكم، ومنَّ به عليكم، وفضلكم به على كثير ممن خلق تفضيلاً، فهو دين الإسلام، دين اشتمل على كل ما اشتملت عليه أديان الأنبياء، بل دينٌ نسخ جميع الأديان إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19].. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] وينوه رب العزة والجلال فيقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].

    والذي بعث لتبليغ هذا الدين هو محمد صلى الله عليه وسلم خير رسول عرفته البشرية، فهو أفضل المرسلين وخاتم النبيين، من الله على المؤمنين ببعثته، فهو نور سطع على الدنيا انجلت به ظلمات الجهل والشرك، يقول المولى جل وعلا بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164] فبمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاح، فالله جل جلاله علَّق سعادة الدارين بمتابعة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاوة في الدنيا والآخرة.

    وقد أقسم رسول البشرية محمدٌ صلى الله عليه وسلم: بأن لا يؤمن أحد حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.

    عباد الله! هذا ربكم جل وعلا في محكم البيان يوصيكم ويقول: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

    عباد الله! بالتمسك بهذا الدين، دين العزة والكرامة، دين مكارم الأخلاق بجميع أنواعها، دين العزة والرقي والأمن والطمأنينة، دين المحاسن بأنواعها؛ بالتمسك به يحصل الأمن والأمان والسلامة والإسلام، إن دين الإسلام ما وجد من فضيلة إلا حث على التخلق بها، ولا من رذيلة إلا حذر من قبحها وبين سوء عاقبتها، فما بال أكثرنا يسير على غير هدى ويقلد الكفار فيما حرمه الله ورسوله؟

    نماذج للثبات على الدين

    قد أهمل الكثير أمر الدين، واستهانوا بحقوق الله ورسوله، وعبثوا بواجبات دين الإسلام، وتجرئوا على انتهاك حرمات الله، واستبدلوا ذلك بأخلاق الكفار وعاداتهم وتقاليدهم مع الأسف الشديد!

    أيها المسلمون! إن المسلم الحقيقي لا يرضى لدينه بديلاً مهما كلفه الأمر، ومهما بذل من قبيل الكفرة من المغريات، أو ناله منهم من الأذى.

    نعم. إن المسلم يبقى أمام كل فتنة صلباً في دينه متمسكاً بعقيدته، ولنا في سلفنا مثالاً، فهذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه يشتد عليه أذى الكفار حتى أنهم يطرحونه على ظهره في رمضاء مكة الملتهبة بالحرارة، ويضعون الصخرة الثقيلة على صدره يريدون منه أن يترك هذا الدين، فيصمد ويثبت على دينه ويقول: [[أحدٌ أحد]] هذا مثال ضربه لكم بلال رضي الله عنه؛ ضربه للذين إذا قيل لهم أنت موسوس أو أنت مطوع انحرف وابتعد عن دين الله.

    وهذا حبيب بن زيد يقول له مسيلمة الكذاب: قل لا إله إلا الله، فيعلنها ويقول: لا إله إلا الله، فيقول له مسيلمة: قل: أشهد أن مسيلمة رسول الله، فيقول: لا أسمع، ثم يقطعه مسيلمة عضواً عضواً ويأبى أن يقول: مسيلمة رسول الله حتى لقي ربه صابراً محتسباً، هكذا الابتلاء يا عباد الله.

    وهذا عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه يأخذه ملك النصارى أسيراً عنده ويقول له: اتبعني وأشركك في ملكي، فيأبى ويقول: لا أبغي بدين محمدٍ صلى الله عليه وسلم بديلاً، ثم يحمي ملك الروم النحاس بالنار ويغلي القدور لتعذيبه، وعند ذلك يبكي عبد الله بن حذافة ، فيطمع ملك الروم برجوعه عن الإسلام ويقول: تتبعني وتترك دينك، فيرد عليه عبد الله بن حذافة رضي الله عنه بقوله: ما بكيت خوفاً على نفسي، ولكن وددت أن يكون لي نفوساً عدد شعري تعذب في سبيل الله فتدخل الجنة بغير حساب.

    الله أكبر الله أكبر!

    وهذا عمار بن ياسر وأبوه وأمه سمية وأهل بيته عذبوا في الله ليتركوا دين الإسلام فصبروا على العذاب وتمسكوا بالإسلام، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليهم وهم يعذبون ويقول: {صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة}.

    وهذا خباب بن الأرت عُذب في الله وصبر على دينه، وكان من تعذيب المشركين له أن أوقدوا له ناراً وسحبوه عليها فما أطفأها إلا شحم ظهره لما ذاب، كل ذلك وهو صابر على دينه لا يتزحزح عنه قيد شعرة، وكانت أم أنمار وهي سيدته أشد حنقاً عليه من قومها فجعلت تجيء إلى خباب يوماً بعد يوم فتأخذ حديدة محمية من كيره الذي يلين فيه الحديد لصناعة السيوف، فتأخذ تلك الحديدة وتضعها على رأسه حتى يدخن رأسه، ويغمى عليه وهو يدعو عليها، واستجاب الله دعائه فقد أصيبت بصداع لم يسمع بمثل آلامه قط، فكانت تعوي من شدة الوجع كما تعوي الكلاب، وقام أبناؤها يستطبون لها في كل مكان فقيل لهم: إنه لا شفاء لها من أوجاعها إلا إذا دأبت إلى كي رأسها بالنار فجعلت تكوي رأسها بالحديد المحمى فتلقى من أوجاع الكي ما ينسيها آلام الصداع، وهكذا جزاء الظالمين يا عباد الله: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42] ألا فليحذر الذين يحدثون في دين الله ما ليس فيه أن يدعو عليهم الصالحون فتستجاب دعوتهم.

    حنظلة يضحي بحياته في أيام عرسه

    أيها المسلمون! هذه نماذج من ثبات المسلمين على دينهم مع شدة الأذى والتعذيب، أضف إلى ذلك ما قدموه في سبيل حماية هذا الدين ونشره، من جهاد بالأنفس والأموال؛ يتساقط منهم مئات الشهداء في المعارك وهم مغتبطون بذلك فخورون، بل تركوا من أجله الديار والأموال، وهاجروا فراراً بدينهم أن يخدش أو يدنس يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، وما ذلكم إلا لما عرفوا في هذا الدين من الخير والسعادة، وتأصل حبه في قلوبهم حتى صار أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأموالهم وديارهم، وإليك أنموذجاً شيقاً ظهر من شابٍ من شباب الإسلام الذين جاهدوا في الله حق جهاده، إنه حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنه؛ حيث تزوج بامرأة جميلة، ودخل بها تلك الليلة وجامعها ولم يغتسل من جنابته وإذا بمنادي الجهاد يقول: حي على الجهاد.. حي على الجهاد، فخرج تاركاً زوجته الجميلة وفراشه الدافئ والتحق بصفوف المسلمين وقتل شهيداً، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عجباً وهو يسأل عن أهل حنظلة، ودل على زوجته، فتعجب الصحابة: لماذا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما سأل زوجته: ما شأن حنظلة ، قالت: إنه جامعني وخرج قبل أن يغتسل من الجنابة لما سمع منادي الجهاد، قال: لقد رأيت الملائكة تغسله بماء السلسبيل في صحائف من ذهب وفضة بين السماء والأرض.

    حال بعض المسلمين اليوم

    هكذا المسلمون الذين يغارون على دينهم، أما مسلمو هذا الزمان فهم يسمعون الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم فلا يجيبون داعي الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحنظلة رضي الله عنه يخرج من زوجته الجميلة ومن فراشه، وقبل أن يغتسل من الجنابة يلتحم في صفوف المسلمين ويخر صريعاً في سبيل الله إجابةً لنداء الله، والمسلمون الآن أكثرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله تشكو إلى الله صلاة الفجر من أفعالهم، لا يعرفون الصلاة إلا في رمضان، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

    ألا يخافون من عقاب الله ألا يخشون أن يكونوا من المنافقين الذين موعدهم في الدرك الأسفل من النار، نعم. أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، فليحذر الذين يتخلفون عن صلاة الفجر أن يكونوا من المنافقين الذي موعدهم الدرك الأسفل من النار، فالظهر والعصر والمغرب والعشاء كلها فرائض لله ألحق بها الفجر يا عبد الله، اتق الله قبل أن يأتيك هاذم اللذات وأنت لا تعرف صلاة الفجر.

    اتق الله يا عبد الله، خف الله، راقب الله؛ منادي الله ينادي: الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم، وقد أثقلك عن صلاة الفجر سهرك مع الملاهي والمعاصي.. لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

    عبد الله! رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول: {من صلى البردين دخل الجنة} أتدري ما البردان؟ إنهما الفجر والعصر فحافظ عليهما إن أردت أن تكون من أهل الجنة.

    وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه، وجنبنا جميعاً ما يغضبه ويأباه إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087508947

    عدد مرات الحفظ

    772756530