إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 34للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أن تسامعت قريش بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر من مكة في طريق هجرتها إلى المدينة جن جنونها، فخرجت في إثرهما علها تدركهما قبل وصولهما إلى مهاجرهما، ولكن رجال قريش عجزوا عن اللحاق بنبي الله وصاحبه أو العثور على أي أثر لهما، عند ذلك أعلنت قريش عن مكافأة قوامها مائة من الإبل لمن أتى بالنبي حياً أو ميتاً، فخرج القافة من قبائل العرب طمعاً في أن يحوزوا هذه المكافأة، ولكن حفظ الله نبيه من كيد أعدائه، وبلغ طيبة الطيبة، وأعلن بعدها قيام الدولة الإسلامية في المدينة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد ..

    أيها الأبناء! والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة السبت من يوم الجمعة المبارك ندرس السيرة النبوية العطرة من كتاب هذا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا محب. وبين يدي الدرس عندي مسألتان أطرحهما للسامعين:

    أولاً: سألني سائل قال: أرى بعض المصلين لا يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، بل يقف فقط معتدلاً ويقول: الله أكبر. فسألت من يفعل هذا، فقال: إني إباظي! يعني أنه منسوب إلى عبد الله بن إباض، والأصل من الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه.

    هذه المسألة يا معشر الأبناء! ذات عروق مديدة وطويلة في تاريخ هذه الأمة، وما زالت آثارها إلى الآن، ولكن في الإمكان علاجها لو صدقنا الله وآمنا بلقائه.

    فمثلاً: بصورة عامة -وإني والله لأتكلم على علم- أقول: الفرقة التي أصابت المسلمين فأصبحوا كتلاً وتجمعات، منشؤها ليس الخوف من الله، ولا الرغبة في الدار الآخرة، وإنما السياسة والعصبية، فقد هبطت الأمة إلى الأرض، فأصبحت تعيش على التعصب، ووجد من يقول: إقليمي! وبلدي! وموطني! ومذهبي! وطائفتي ..! وهذا من كيد أعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والمجوس، فهم الذين وضعوا عناصر الفرقة والتمزيق.

    فمن هنا كل طائفة تجتهد بواسطة أئمتها وعلمائها أن تبقى متباينة مع الآخرين، وقد تتبعنا هذا في المذهب الشيعي فما وجدنا عبادة -من الوضوء إلى الرباط - إلا ويضعون لهم فارقاً يفرقهم عن جماعة المسلمين؛ حتى يبقوا مستقلين يسوسوهم ساستهم ويقودهم أئمتهم.

    فإخواننا الأباظيون يعرفون مجتمعهم ومذهبهم، فما الذي يحملهم على أن يتعصبوا لمذهبهم ولا يذوبون في جماعات المسلمين؟! فقط لا يرفع يديه؛ لأنه متلزم بمذهب .. هذا وقد رأى المسلمين في الشرق والغرب الكل يرفع يديه، هل يريد الدار الآخرة أم لا؟ هل هو مؤمن بالله ولقائه أم لا؟ هل الأمة كلها أخطأت في رفع يديها عند تكبيرة الإحرام؟ هل وهم جماعة لا يساوون واحد إلى مائة على الحق؟ وما هي أدلة الحق؟ ائتي بالأدلة والبراهين: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله، أو حدثنا فلان عن فلان عن علي بن أبي طالب ، أو فلان عن فلان عن مالك ، فهذه كلها أدلة.

    كيف نبيع آخرتنا بهذه العصبية؟ نحن نبحث عن سنة رسول الله وحيثما وُجدت فرحنا بها وعملنا، وإن خالف هذا العمل أهلي وقبيلتي بكاملها.

    والشاهد عندنا في أننا ما زلنا ملتصقين بالأرض، وما عرفنا الطريق إلى الله بعد، هو كلمة حنبلي، ومالكي، وشافعي، وحنفي -مع أنها ليست بضارة- لأن الكل من أهل السنة والجماعة، ومع هذا ليس من حقي أن أقول: أنا حنبلي. ولِم أدعُ إلى الفرقة؟ أليس هؤلاء إخواني؟ وكذلك ليس من حقي أن أقول: أنا حنفي. وما معنى حنفي؟ هل جلست بين يدي أبي حنيفة ودرست وتعلمت، وإذا فرضنا أنك جلست بين يديه وتعلمت وعرفت، ثم التفت يوماً فوجدت سنة عند فلان من الناس فهل يمنعك هذا من ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مسلم؟! لولا عدم العلم والبصيرة، يجب أن تفرح لأنك وجدت سنة حقيقية، فلم تتركها.

    وقد كانت السياسة في يوم من الأيام مهيمنة على هذا الأمر، حتى وقع من أحد ملوك المغرب قوله: (من قبض يقبض)، يعني من رأيتموه يصلي قابضاً يديه اقبضوه إلى السجن. إنه هبوط ليس فيه عدل. ومن قال: كيف ولِم؟ نقول: انظر إلى حال المسلمين كيف تمزقوا وتشتتوا وذلوا وهانوا واستعبدوا واستغلوا، ولو كانوا أمة واحدة على منهج الحق لجمعوا الدنيا كلها تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكن الذنوب والآثام والهبوط هو الذي حصل.

    إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي القبض، وليغضب من يغضب، ومالك -والله- لا يغضب، أقسم بالله ما تعصب إمام من أئمة الإسلام، فمتى وصلت السنة فرح وعمل بها، وكيف يغضب أو يتعصب الذي يريد الله والدار الآخرة؛ هذا ليس إيمان حقيقي ولا إسلام لله، إن مالك هو الذي روى القبض وروى عنه محمد بن يوسف المصري وروى البخاري عن محمد بن يوسف المصري حديث الموطأ، فكيف يسبل مالك ؟!

    وقد بينت لكم العلة: إن التقوقع والتجمع هو الذي أيد هذه البدع وأثبت الناس عليها، يقولون: كيف نكون مالكية ثم نذوب في الأحناف أو الشافعية، والشافعي يقول كذلك، والحنفي كذلك، والزيدي، والأباظي .. وما هكذا دين الله، فدين الله مبني على الإذعان والانقياد ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمتى صح الخبر عن سيد البشر آمنا به وعملنا في حدود طاقتنا وقدرتنا.

    فأي مسلم أتى إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ووجد الناس كلهم يرفعون أيديهم فعليه أن يرفع يده، ولو لم يكن عنده دليل على هذا، وعلى فرض أنه وجد دليلاً فعليه أن يدخل في جماعة المسلمين ولو ترك السنة. وهذا من باب الفرض فقط، ولا نفرق المسلمين ولا نتميز عنهم.

    إذاً: هذا مرده إلى الجهل أولاً، وعدم البصيرة واليقين بالدار الآخرة وما فيها، كسائر الذنوب والآثام، ولا سبيل أبداً إلى الرفعة والسمو والكمال إلا بالعلم الحق؛ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462248

    عدد مرات الحفظ

    776869272