إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 70للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقي المسلمون في غزوة الأحزاب شدة وخوفاً وبلاءً، وذلك أن المشركين قد أحاطوا بالمدينة من كل جانب، وتواطأ معهم بنو قريظة حين نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك المنافقون كانت لهم مواقف مخزية، أما المؤمنون فقد صبروا وثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأت المواجهة حين وجد بعض المشركين فرجة في الخندق فدخلوا منها، فتبارز علي رضي الله عنه هو وعمرو بن عبد ود، فقتله، وقذف الله الرعب في قلوب المشركين فنكصوا على أعقابهم، ولما عظم البلاء بالمسلمين واشتد الكرب عليهم التجأ الرسول إلى الله تعالى بدعاء صادق مخلص، فأنزل الله بالمشركين شر هزيمة، وكفى الله المؤمنين القتال.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وأذكركم بأننا في غزوة الخندق أو الأحزاب، وهي من أحداث السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة.

    أولاً: عرفنا أسباب وقوع هذه الغزوة، وكيف حفر الخندق، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حفره مع رجاله.. وعرفنا أيضاً بعض الآيات التي ظهرت عند حفره.

    والآن مع [موقف مخزٍ للمنافقين] من هم المنافقون؟

    هم الذين كانوا يظهرون الإيمان، ويعملون بشرائع الإسلام كالصلاة والزكاة وهم لا يؤمنون برسول الله نبياً رسولاً، ولا بالقرآن كتاب الله وحياً وتنزيلاً، ولا بلقاء الله والوقوف بين يديه يوم يلقاه الخلق.

    قال: [لما شرع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في حفر الخندق] وقد حفر الخندق وراء جبل سلع [كان المؤمنون يواصلون العمل وإن كانت لأحدهم حاجة ضرورية استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له، فيذهب إلى أهله] أي: بالمدينة [فيقضي حاجته ويعود] لأن نساءهم وأطفالهم كانوا بالمدينة، وهم يخرجون للعمل، ومن كانت له حاجة في بيته استأذن، فيأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم فيأتي إلى منزله فيقضي حاجته، لكن لا يخرج من الخندق والعمل فيه إلا بإذن من القائد صلى الله عليه وسلم، هذا بالنسبة للمؤمنين.

    [أما المنافقون، فإن أحدهم يورّي بقليل من العمل] كأن الفأس بيده وهو يشتغل ساعة أو ساعة ونصفاً ثم يتسلل ويعود إلى أهله؛ لأنه لا يريد انتصار محمد ولا انتشار الإسلام [ثم يذهب إلى أهله بدون إذن ولا استئذان، في خفاء] ما استأذن ولا أذن له [فأنزل الله تعالى فيهم قوله: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]].

    معاشر المؤمنين والمؤمنات! هذه الآية وإن كان نزولها خاصاً في حادثة معينة في يوم معين لكنها باقية ببقاء هذه الأمة، ألا -والله- فليحذر المؤمن والمؤمنة من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [النور:63] معنى لواذاً: متسترين بشيء أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63]، والفتنة قد تكون ردة، وانتكاسة في القلب، وخروجاً من الإسلام، فليحذر الذين يخالفون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعاكسونه ويعملون بخلافه عامدين متعمدين، أن تنتكس قلوبهم فلا يعودون إلى الإسلام، أو يصيبهم عذاب أليم في أبدانهم أو أولادهم أو أموالهم.

    [ونزل في المؤمنين الصادقين ثناء الله عليهم] كما نزل في المنافقين الوعيد والتهديد والتحذير، نزل أيضاً ثناء الله على المؤمنين الصادقين [قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ] أي بصدق وحق [ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ] كوجودهم في غزاة أو عمل يتطلب الجماعة والحضور [ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ] فلا يستطيع أبو بكر ولا عثمان ولا عبد الرحمن ولا سعد ولا سعيد أن يخرج من جلسة الرسول وهو يعلم أو يبين أو يرشد بدون إذن، لكن المنافقين تجد الواحد منهم يطأطئ رأسه ويجعل ظله شخصاً آخر ثم يشرد.

    أما إذا كان الأمر ليس بجامع، ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالاجتماع أو الحضور أو الإصغاء؛ فحينئذ ليس هناك من حاجة إلى أن يستأذن، فالاستئذان عندما يمنع القائد من الانصراف.

    قال: [ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ] استئذانهم من الرسول آية إيمانهم وصدق إسلامهم [ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ] وإذا كان هناك مثل أبو بكر أو عمر لا يأذن له الرسول؛ فهذا لأنه رجل بألف، أما إذا كانت شخصية ليست ذات أثر في الاجتماع أو العمل فإنه يأذن لها صلى الله عليه وسلم، ولا يقول قائل: ما دمنا نستأذن فيجب على الرسول أن يأذن لنا، ولكن ترك الله الأمر للرسول القائد المسير للحركة والعمل، فإذا رأى شخصاً يحتاج إلى ذلك أذن له.

    سبحان الله هذه التعاليم من ينزلها، من يعطيها، من يمنعها سوى الله؟!!

    قال تعالى: [ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ [النور:62]] أي: ائذن لمن شئت منهم، إذا كان الأمر لا يتطلب بقاءه هذا اليوم أو هذه الساعة، واستغفر لهم أيضاً؛ خشية أن تكون هناك حالات طلبت الاستئذان وخرجت ولم يكن هناك داع إلى الانصراف أو الخروج [ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62]] غفور لعباده المؤمنين رحيم بهم.

    إذاً: عرفنا هذا الموقف المخزي للمنافقين، وهو أنه إذا كان لأحدهم أدنى شيء في بيته فإنه لا يستأذن ثم يتسلل ويخرج، أو يستأذن بالكذب فيقول: امرأتي كذا، أو في بيتي كذا، وهو كاذب؛ لأنهم غير مؤمنين، أموات ولا يشعرون، وأن الله ندد -تعالى- بهم وهددهم وتوعدهم؛ لأنه وليهم وربهم فقال: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

    وخالف المسلمون أمر نبيهم في الشرق والغرب ففعلوا المنهيات وتركوا الواجبات المحمدية، فأصابهم الله بالفتنة والانتكاسة، وأصبحوا أذلة، بل أكثر ذلاً من اليهود والنصارى! أما استعمروا وحكمهم الكفر؟ ووالله لهذه الآية أصدق ما يقال في حالهم: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ماذا يحذرون؟ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. ونحن كأفراد أيضاً، الذي يتعمد منا مخالفة أمر رسول الله ونهيه فلينتظر ما يصيبه من فتنة في نفسه أو أهله أو عذاب أليم؛ لأنها سنن لا تتبدل، فالطعام يشبع، والماء يروي، ومخالفة أمر الله ورسوله من شأنها أن تنتج هذا النتاج.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529320

    عدد مرات الحفظ

    777148914