إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 75للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المنافقون شر الناس جميعاً؛ فهم لخبثهم ومكرهم وكيدهم للإسلام وأهله وطعنهم فيه وفي حملته دخلوا في الدين وتظاهروا به، ومن جملة ما فعلوه في هذا السبيل افتراؤهم على أم المؤمنين الطاهرة المطهرة عائشة رضي الله عنها ورميهم لها بالإفك، كي يطعنوا في نبي الإسلام ودين الإسلام وحملة الإسلام، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، فقد كشفهم وفضحهم، وبين كذبهم وافتراءهم وإفكهم، وبرأ عائشة رضي الله عنها مما قالوه، وسيجازيهم في الآخرة بالعذاب الأليم، وهم موجودون في كل زمان، وقى الله الإسلام والمسلمين شرهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى [حادثة الإفك] المؤلمة، وهذه الحادثة تمت على إثر غزوة بني المصطلق، التي سبقت دراستها في الأسبوع الماضي.

    قال المؤلف غفر الله له والسامعين والسامعات: [عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من غزوة بني المصطلق وقريباً من المدينة] وهم عائدون [نزل الرسول صلى الله عليه وسلم منزلاً] ليلاً للاستراحة [ثم رحل، وحدث في ذلك ما حدث، ولنترك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، صاحبة القصة تحدثنا عنها بالتفصيل] إذ هي صاحبة القصة [كما روى ذلك أصحاب السنن وأهل التفسير.

    قالت رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه] وأيتهن خرجت قرعتها تخرج معه، إذ لا يتأتى أن يصحب معه مجموعة من النساء، فهو يأخذ واحدة؛ يستعين بها على حوائجه أثناء سفره ذهاباً وإياباً وإقامة [فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه] وهنيئاً لها [فلما كانت غزوة بني المصطلق، أقرع بين نسائه، فخرج سهمي، فخرج بي معه] فضل الله وتدبيره [وكان النساء إذ ذاك يأكلن العُلق لم يَهجهن اللحم فيثقلن] تريد أن تقول رضي الله عنها أن تلك الفترة كانت صعبة والطعام كان قليلاً، فكان النساء يأكلن العلق، وهذا الأكل القليل لم يهج اللحم فيهن، فهن ضعيفات؛ لقلة الأكل.

    قالت: [وكنت إذا وصل بعيري جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين يُرحلون بعيري، فيحملون الهودج وأنا فيه فيضعونه على ظهر بعيري] لخفتها كانت تركب في الهودج وتبقى جالسة، فإذا أرادوا الرحيل يأتي الرجال فيأخذون الهودج وهي فيه فيضعونه على البعير؛ لأن وقتها كانت آيات الحجاب قد نزلت، فليس من طريقة إلا هذه، فكانت تدخل في الهودج وهو كالقبة، أو كالسيارة الصغيرة، وتجلس فيه، فإذا جاء الرجال أخذوا الهودج ووضعوه على ظهر البعير، وهذا معناه: أنها كانت قليلة اللحم، خفيفة جداً.

    [ثم يأخذون برأس البعير ويسيرون] يقودون البعير [قالت: فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك] تعني: ارتحل [-وكان قريباً من المدينة- بات بمنزل بعض الليل، ثم ارتحل هو والناس، وكنت قد خرجت لبعض حاجتي، وفي عنقي عقد لي من جُزع ظفار] والجزع هو الخرز، وظفار مدينة في جنوب اليمن نسب إليها الخرز [انسل من عنقي ولا أدري، فلما رجعت التمست العقد فلم أجده، فرجعت إلى المكان الذي كنت فيه ألتمسه فوجدته، وجاء القوم الذين يرحلون بعيري فأخذوا الهودج -وهم يظنون أني فيه- فاحتملوه على عادتهم وانطلقوا، ورجعت إلى المعسكر، وما فيه داعٍ ولا مجيب -أي ما فيه أحد- فتلففت بجلبابي واضطجعت إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وكان تخلف عن المعسكر لحاجته] قضاء الله وقدره. هو أيضاً تخلف يقضي حاجته، وارتحل القوم وبقي هو في الوادي، والله يسوق أقداراً لأقدار.

    قالت: [فلم يبت مع الناس، فلما رأى سوادي] أي: ظلمتي، ظلام جسمها في الليل [أقبل حتى وقف علي فعرفني -وكان رآني قبل أن يضرب الحجاب-] فلذا عرفها لما نظر إليها.

    أين جماعة كشف الوجوه يحضرون الليلة معنا؟! لو كان الحجاب عبارة عن تغطية الرأس فقط لكان الشيخ محتجباً، أي حجاب هذا؟! الحجاب: هو الذي لا يرى من ورائه من المرأة شيء، هذا هو الحجاب، أما أن تكشف المرأة عن وجهها وتغني في الشوارع أنها محتجبة، فنحن محتجبون أيضاً، والسعوديون كلهم محتجبون، وهل يظهر مني أنا غير وجهي؟! إذاً: نحن متحجبون.

    وما زال القوم يجادلون إلى الآن، وهناك فتنة قائمة بين البنات في المدارس. إذاً: حسبنا الله ونعم الوكيل. وسوف يتحمل من أثار هذه الفتنة بين نساء المؤمنين مسئوليتها.

    قالت: [فلما رآني استرجع] أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وهذا شأن المؤمن إذا أصابته مصيبة، فإنه يرجع إلى الله ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، يفعل بنا ما يشاء، ويحكم فينا بما يريد [وقال: ما خلفك؟ فما كلمته] يعني: ما ردت عليه؛ لأنه أجنبي، وسكتت، ما قالت: تخلفت لأني ذهبت أقضي حاجتي وجئت وما وجدتهم، وربع ساعة وهي تحدثه، لا! لكن لم تكلمه.

    قالت: [ثم قرب البعير] أدنى بعيره منها [وقال: اركبي، فركبت وأخذ برأس البعير مسرعاً] يقوده [فلما نزل الناس واطمأنوا طلع الرجل يقودني] لما نزلوا منزلهم واستقروا وإذا بـصفوان بن المعطل يقود البعير الذي على ظهره عائشة [فقال أهل الإفك فيَّ ما قالوا] رأوا الرجل يقود بعيراً بأم المؤمنين، وجاء بها وحده، بعد أن نزل المعسكر قبل ذلك، فقالوا الذي قالوا، وكانت كلمة الخبيث ابن أبي : والله ما نجت منه! وهي أول كلمة قالها رئيس المنافقين وكبيرهم، ثم انتشر الكلام.

    قالت: [فارتج المعسكر] واضطرب [ولم أعلم بشيء من ذلك] ما تدري ما الذي حدث [ثم قدمنا المدينة فاشتكيت شكوى شديدة] أصابها مرض أو حمى [وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي] هذا الحديث؛ حديث الإفك وصل إلى الرسول، وأن الناس يقولون كذا وكذا، ووصل إلى أبي بكر وإلى زوجه أم رومان وعائشة لا تدري [ولا يذكران لي منه شيئاً] لا الرسول ولا أمها ولا أبوها [إلا أنني أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه] الذي كان يعاملها به [فكان إذا دخل علي -وأمي تمرضني- قال: ( كيف تيكم؟ ) لا يزيد] يدخل عليها وأمها معها تمرضها، فلا يزيد على: كيف تيكم؟! بدون اسم للإشارة.

    قالت: [فوجدت في نفسي مما رأيت من جفائه، فاستأذنته في الانتقال إلى أمي لتمرضني] في بيتها [فأذن لي، وانتقلت، ولا أعلم بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي] تماثلت للشفاء [بعد بضع وعشرين ليلة. وكنا عرباً لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف؛ نعافها ونكرهها، إنما كان النساء يخرجن كل ليلة] قالت: في تلك الفترة، كنا ما زلنا على حالة العرب لا نتخذ المراحيض في بيوتنا، ولكن تخرج المرأة إلى خارج الحي فتقضي حاجتها وترجع.

    قالت: [فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح بنت أبي رهم بن المطلب وكانت أمها خالة أبي بكر الصديق ، فوالله إنها لتمشي، إذ عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطح ! ] لما عثرت في إزارها قالت: تعس مسطح ! [فقلت لها: لعمر الله بئس ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدراً] يعني: كيف تدعين عليه؟ [قالت: أوما بلغك الخبر؟ قلت: وما الخبر؟ فأخبرتني بالذي كان، فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي، فرجعت] ما استطاعت أن تقضي حاجتها وعادت إلى المنزل.

    قالت: [فما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي، وقلت لأمي: تحدث الناس بما تحدثوا ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً؟! فقالت لي: يا بنية! خففي عليك؛ فوالله قل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن وكثّر الناس عليها.

    قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم ولا أعلم بذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس! ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيراً -يعني: صفوان - ولا يدخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي)] هذه خطبة الرسول التي خطبها في المسجد بعد أن انتشر الخبر.

    [قالت: وكان كِبر ذلك] أي: ذلك الإثم أو الإفك [عند عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ؛ وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة] أي: تساميني [عنده غيرها، فأما زينب فعصمها الله] بدينها، فما قالت الكلمة الباطلة [فلم تقل إلا خيراً، وأما حمنة فأشاعت تضارني لأختها، فشقيت بذلك.

    وتكلم أناس في المسجد حتى كادت تكون فتنة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليَّ فدعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، فاستشارهما في الأمر] وهما أقرب الناس إليه [فقال علي رضي الله عنه: سل الجارية وهي بريرة ] التي كانت تعيش دائماً في صحبة عائشة [فسألها وضربها علي فحلفت وما زالت تحلف أنها ما تعلم عن عائشة إلا خيراً، وأنها ما كانت تعيب عليها شيئاً] أي: على عائشة [إلا أنها كانت -أي: بريرة - تعجن العجينة وتأمر عائشة بحفظها فتنام عنها فتأتي الشاة فتأكلها] تقول الجارية: هذا الذي أعرف عنها أني أعجن العجين، ثم أقول لها: احفظيه حتى نقرصه أقراصاً ونطبخ، فتنام وتترك الشاة تأكله، بمعنى: أنها خيّرة فوق العادة، لا تحمل شيئاً في نفسها، فكيف تتهم بهذه التهمة؟!

    قالت: [ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وامرأة من الأنصار وأنا أبكي، وهي تبكي] دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها أبواها: أبو بكر وأم رومان وامرأة من الأنصار وهي تبكي رضي الله عنها [فجلس] أي: النبي صلى الله عليه وسلم [فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: ( يا عائشة )، وذكرت كلاماً، وكيف كانت حالها إذ ذاك، حتى قالت فقلت كما قال أبو يوسف : فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]] هذه الكلمة واجهت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    [ثم قالت: فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه، حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه، فسجي بثوبه، ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه] جاء الوحي، وغشي بإغماءة معتادة عند نزول الوحي [فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت وما باليت، قد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: أفاق [حتى ظننت لتخرجن أنفسهما؛ فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس] كاد أبو بكر وزوجه أم رومان أن يموتا؛ خشية أن ينزل وحي فيحقق ما قال الناس، أما هي فعليمة بحالها.

    [قالت: ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: ذهب ذلك الإغماء [فجلس، وإنه ليتحدر من وجهه مثل الجمان] من العرق [في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: ( أبشري يا عائشة قد أنزل الله براءتك ) قالت: قلت: الحمد لله، ثم خرج إلى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك ثم أمر بـمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش -وكانوا ممن أفصح بالفاحشة] ونطق بها [فضربوا حدّهم] أقام عليهم الحد في المسجد.

    [وروي أنها لما نزلت براءتها، قال لها أبواها: احمدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: لا أحمد إلا الله الذي برأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقد عرفت الحقَّ لأهله )] الذي يُحمد هو الله الذي برأها، وهذا من فقه هذه المؤمنة، وأنزل الله فيها سبع عشرة آية من سورة النور، وختمها ببشرى لها بدخول الجنة.

    ومع هذا ما زال إخواننا المخدوعون المغرر بهم المضللون وإلى هذه الساعة يسخرون من عائشة ويسبونها ويشتمونها، ويقولون: ارتكبت الفاحشة! أي عقول هذه؟ عقول بشر أم حيوانات؟ كيف يطاق هذا الكلام؟ كيف تقبله من أمك أو من أبيك أو من شيخك؟ كيف ترضى بالدياثة لرسولك، وتزعم أنه رسول الله ثم يقع الخبث في أهله؟ سبحان الله! كيف عقول هؤلاء البشر؟! ويتقربون -في نظرهم- إلى الله بهذا، ولكن المرء إذا فقد عناية الله وتركه فإنه يهبط إلى أسفل الدركات وينسى عقله ودينه وكرامته!!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522200

    عدد مرات الحفظ

    777109316