إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 80للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما صالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً في الحديبية، وأمن جانبهم ومكرهم، تفرغ لدعوة الملوك والرؤساء إلى دين الله تعالى، فبدأ يراسلهم ويكتب إليهم الكتب يدعوهم فيها إلى دين الإسلام، فمنهم من آمن واتبع الرسول، ودخل في الإسلام، ومنهم من امتنع وتكبر وتجبر، فزال ملكه فيما بعد، ومنهم من لم يجب لكنه عظم الكتاب واحترم الرسول صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، وبهذا دخل الإسلام مرحلة جديدة من تاريخه، فقد سمع به الملوك والرؤساء ورعاياهم، فكان لهذا فضل كبير في دخول الناس بعد ذلك في دين الله أفواجاً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وها نحن في آخر أحداث السنة السادسة من هجرته صلى الله عليه وسلم، وقد انتهينا إلى كتب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابتها وبعث بها إلى الملوك والرؤساء، فهيا نعيش مع رسولنا صلى الله عليه وسلم هذه الساعة، ونستمع إلى كلامه الطيب السياسي الحكيم الرشيد، وهو يخاطب الملوك والرؤساء على اختلاف أجناسهم وديارهم.

    أيها المحبون! أما من لا حب له، فلا يقوى أن يسمع كلام من لا يحب، وحاشانا أن يوجد بيننا من لا يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحبه فريضة، والله إنه لفريضة، وما آمن من كره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صام الدهر كله وقام الليل كله، فلابد من حبه حباً أكثر من النفس والمال والولد، ما السر في فرض الله تعالى حب نبيه علينا؟

    لأن الإنسان بفطرته إذا أحب أحداً أطاعه، ويصبح مستعداً لو قال له: أعطني نفسك، أن يعطيه إياها، ولولا فرض حب رسول الله على المؤمنين ما اتبعوه ولا مشوا وراءه؛ فلهذا على التلاميذ أن يحبوا شيخهم، فإذا لم يحبوه لم يطيعوه، فإذا قال لهم: احفظوا الكلام الفلاني لا يحفظون، أو راجعوا كذا لا يراجعون، ولا سيما إذا كان الشيخ مزكياً للنفوس مربياً للأرواح فطاعته واجبة.

    ومع الأسف أطاع إخوانكم آباءهم وأجدادهم -رجال الجهل، تحت عنوان التصوف والطرق- طاعة عمياء وما استفادوا؛ لأنهم لا علم لهم ولا بصيرة ولا هداية في الدين فضلوا وأضلوا، نريد أن نطيع من يربينا ويزكي أنفسنا على الكتاب والحكمة، ولنقرأ لذلك قول ربنا عز وجل في كتابه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، ويزكيهم: أي يزكي أنفسهم ويطهرها من أوضار الشرك والجرائم والموبقات والمعاصي.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [مكاتبة الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك والرؤساء.

    وفي هذه السنة السادسة من الهجرة] هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة التي ولد بها وتربى وترعرع، وأوحي إليه فيها، وأسري به إلى السماء منها، وأقام بها وهو نبي ورسول ثلاث عشرة سنة، ثم أمره الله بالهجرة إلى المدينة لتصبح داراً وقبة للإسلام، فهاجر وأقام بالمدينة عشر سنين، ثم قبضه الله إليه.

    قال: [وبعد عقد الصلح مع قريش] الصلح الذي عقده بينه صلى الله عليه وسلم وبين قريش ومدته عشر سنين، وتمت كتابة العقد ووقع عليها: على أن المؤمنين يتجولون في الحجاز ونجد والجزيرة كما يشاءون لا يعترضهم أحد، والمشركون يتجولون يأتون المدينة يدخلون حيث شاءوا.

    ولا ننسى أن سهيل بن عمرو -رضي الله عنه وأرضاه- كان ممثل قريش في كتابة العقد والصلح، فلما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الكاتب أن يكتب -وهو علي بن أبي طالب - بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : لا نعرف الرحمن الرحيم، ولكن اكتب باسمك اللهم، أما رجال الرسول صلى الله عليه وسلم فتغيرت وجوههم وتألموا وعلى رأسهم عمر ، فقال: اكتب يا علي : ( باسمك اللهم، هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله )، فقال سهيل : لا، لو عرفناك رسول الله لِمَ نقاتلك؟ ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.

    قولوا لي من يقدر على هذا الموقف سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب: ( هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله ) فصاح عمر ! وقال: يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: ( اسكت يا عمر أنا رسول الله ولن يضيعني ).

    هذه هي السياسة الرشيدة، النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يفتح المجال لدعوة الله تنتشر في الأرض، ويريد أن يرفع الآلام والأتعاب وتلك الاضطهادات عن المؤمنين في مكة وغيرها.. ويريد أن يخفف عن أصحابه من المؤمنين والمؤمنات.

    هل في العالم الإسلامي اليوم من يحسن هذه السياسة؟ والله ما سمعوا بها، ولا عرفوها، ونحن المتعنترون -والله- لو يتنازل حاكم من حكامنا في عقد من عقود الصلح بيننا وبين الكفار عن كلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) لكفرناه أجمعين ولعناه؛ لأننا ما عندنا رشد، ولا عرفنا الطريق.

    هذه الفتن الدائرة منشؤها تكفير الحكام والعلماء، تحت قانون وضعه إبليس ورجال الشياطين، وهو: الحكام ما حكموا كتاب الله فهم كفار!.. والعلماء سكتوا عنهم فهم كفار أيضاً!! والأمة صفقت لهم وسكتت فهي كافرة مثلهم، ولم يبقَ من مؤمن إلا أصحاب هذا الرأي فقط.

    وبناءً عليه قالوا: هيا نقتل ونشفِ صدورنا بالاغتيالات وبتأجيج النيران -وأظنكم تسمعون ما يجري في العالم!- وكل هذا ثمرة الجهل المركب، ثمرة العناد والمكابرة، الله تعالى يقول -وقوله الحق-: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، لِم لا نسأل العالمين العارفين؟ ولو سألوهم لقالوا لهم: ما قيمة تكفيركم للناس؟ ما هي ثمارها ونتائجها، دلونا! هل تمطر السماء؟ هل تخرج الأرض كنوزها؟ ما الذي تحصلون عليه؟ وقد درسنا من أيام في سورة النساء أن كافراً قال لـخالد بن الوليد : السلام عليكم، فقتله خالد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( هلا شققت على قلبه يا خالد )، وقد قال كلمة الإيمان، فكيف بشخص يصوم ويصلي ويعبد الله، وتكفره لتقتله؟! أي علم هذا وأية معرفة؟

    إذا ما أطقتم أن تعبدوا الله في بلاد، هاجروا واتركوها، والتحقوا ببلاد تعبدون الله فيها، ومع هذا لم يوجد بلد واحد اضطهد فيه المؤمنون عن عبادة الله عز وجل أبداً، إلا ما كان من شيوعية عدن مدة معينة وأزالها الله عز وجل، وإلا المؤمن في أي بلد يصوم ويصلي ويحجب امرأته، ويصوم الإثنين والخميس، ويتصدق بماله، ويخرج زكاته فلا يعترضه معترض.

    وما كان من قضية السّنة في اللحية، نعم قد يسخرون منك، ويستهزئون بك فتحمّل؛ لأنهم ما ذاقوا، وما عرفوا، ولو عرفوا كما عرفت ما استهزءوا بك أبداً، ثم هذا الاستهزاء أنت تكسب به أجراً وحسنات، أما الحلق بالقوة -كما يبلغنا- فيكون في أيام الفتنة، أيام الاغتيالات والتفجيرات، كل من يشتبه عليهم يقولون: هذا منهم!

    قال: [كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الإسلام الدين الحق الذي أرسل به لهداية الناس؛ كل الناس أبيضهم وأصفرهم إلى ما يكملهم عقولاً وأخلاقاً، ويسعدهم أجساماً وأرواحاً في الحياتين: الدنيا والآخرة] الأولى والثانية.

    فهمتم سر هذه الدعوة ما هو؟! إنه دخول الناس في الإسلام. لِم؟ ليكملوا عقولاً وأخلاقاً، ويسعدوا أجساماً وأرواحاً في الدنيا والآخرة، فالإسلام بشرائعه وقوانينه وأحكامه ما هو إلا وسيلة -والله العظيم- لإسعاد الإنسان وإكماله في آدابه وأخلاقه في الدنيا والآخرة، ليس لطلب مال ولا شهرة ولا سمعة، أبداً، والعرب والعجم ما عرفوا هذا.

    [فبعث صلى الله عليه وسلم الرسلَ تحمل كتبه القيمة الكريمة] وسوف نسمعها [إلى كل من كسرى ملك الفرس، وقيصر ملك الروم، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وأرسل شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى أخي عبد القيس].

    أسماء حاملي كتبه إلى الملوك

    قال: [أسماء حاملي كتبه إلى الملوك:

    أولاً: دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم] ودحية هذا كان جبريل يتمثل به، فيأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي ، وكان من خيرة رجال المدينة؛ فلهذا جعله الرسول صلى الله عليه وسلم سفيراً يبعثه إلى الملوك والرؤساء لكمال ذاته وعقله وإيمانه.

    [ثانياً: حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك مصر.

    ثالثاً: عبد الله بن حذافة إلى كسرى ملك الفرس.

    رابعاً: عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة.

    وهذه نماذج من صور لتلك الكتب].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088477675

    عدد مرات الحفظ

    776924214