إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 86للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أهم أحداث السنة السابعة عمرة القضاء، حيث كانت قضاءً لعمرة أرادها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في السنة السادسة ولم تتم، فعادوا جميعاً إلى المدينة بعد أن تحللوا بذبح ما عندهم، وحلقوا وقصروا، وفي عمرة القضاء ظن المشركون أن المسلمين في شدة، فأرادوا النيل منهم، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالاضطباع والرمل؛ ليظهروا للمشركين شدتهم وقوتهم، وبعد التحلل من العمرة بنى النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث، وكانت آخر أمهات المؤمنين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    ها نحن في أحداث السنة السابعة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، قال المؤلف رحمه الله وإياكم:

    [ورابع أحداثها] أي: أحداث هذه السنة السابعة [عمرة القضاء] أي: العمرة التي قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث خرجوا في السنة السادسة يريدون العمرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة رجل، فعلمت قريش بخروجهم فتسلحت وجمعت رجالها، وخرجت تستقبل رسول الله والمؤمنين؛ لقتلهم وردهم عن الاعتمار، ودبّر الله العليم الحكيم أمراً فتم صلح يسمى بصلح الحديبية، والحديبية: مكان يبعد عن مكة قرابة عشرين كيلو متر.

    ومن بنود هذا الصلح أن يعود الرسول ورجاله ذلك العام فلا يعتمرون، ويأتون للعمرة في العام القادم، على أن تخلو لهم مكة ثلاثة أيام يعتمرون ثم يعودون إلى المدينة.

    إذاً: مضت السنة، وجاءت السنة التي تليها، ولهذا سميت: عمرة القضاء.

    قال: [إنه بموجب صلح الحديبية الذي تم في السنة الفارطة] الماضية [خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه رضوان الله عليهم بعد أن استعمل والياً على المدينة عويف بن الأضبط الدؤلي ] من بني دؤل، استعمله على المدينة والياً عاماً يحكم البلاد حتى يعود صلى الله عليه وسلم [وكان عدد المسلمين ألفين ما عدا النساء والصبيان] الرجال كان عددهم ألفين كلهم يريد العمرة [ومن بين أفراد هذا العدد من صُد عن العمرة في السنة الماضية] من بين الألفين رجال كثيرون ممن أحرموا في السنة الماضية وتحللوا بعد أن نحروا وذبحوا؛ لمنع قريش الكافرة دخولهم إلى مكة.

    قال: [وذلك في شهر ذي القعدة من سنة سبع] وذو القعدة من الأشهر الحرم، وهو ما بين شوال والحجة، والأشهر الحرم أربعة أشهر؛ ثلاثة مجتمعة وواحد فرد: القعدة والحجة والمحرم، ثلاثة أشهر مجتمعة، ورجب وهو ما بين شعبان وجمادى فرد، وقد ذكر تعالى هذه الأشهر في كتابه فقال: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36].

    وهل للشهر الحرام ميزة؟ إي نعم، فالعمل الصالح فيه أكثر أجراً ومثوبة من غيره، وإذا لم يقاتلنا العدو لم نقاتله فيه، تعظيماً لما عظم الله.

    قال: [بناء على بنود الاتفاقية القاضية بأن يرجع صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الحديبية فلا يدخلون مكة ولا يعتمرون على أن يعودوا في السنة القابلة فتخلى لهم مكة ثلاثة أيام يعتمرون ثم يعودون لا يمسهم سوء، وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء أو القضية أو عمرة الصلح أيضاً] قل فيها: عمرة الصلح، أو عمرة القضية التي تمت، أو عمرة القضاء.

    [ولما قارب الرسول صلى الله عليه وسلم دخول مكة] وكانوا ألفي رجل -كما علمتم- زيادة على النساء والصبيان [أخلت قريش له مكة] فدخل الرجال والنساء والأطفال، وبعضهم نزل برءوس الجبال، وحسب الاتفاقية في السنة الماضية أن تخلى له مكة حتى لا يصطدم رجاله بأحد من رجال مكة [فلزموا بيوتهم وأنديتهم] لا أسواق ولا غيرها [ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم راكباً على ناقته وخطامها بيد عبد الله بن رواحة ] زمام الناقة أو خطامها بيد عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وأرضاه [وهو ينشد ويقول] ماذا يقول؟

    [خلوا بني الكفار عن سبيلـه خلوا فكل الخير في رسوله

    يا رب إني مؤمن بقيله أعرف حق الله في قبوله] نشيد لذيذ! كان يقود الناقة وينشد هذه الأناشيد العذبة، وعبد الله بن رواحة هو شهيد مؤتة رضي الله عنه.

    قال: [وتحدث المشركون فيما بينهم وقالوا:] وهم في أنديتهم ومنازلهم [إن محمداً وأصحابه في عسرة جهد وشدة، وزين لهم الشيطان ذلك في نفوسهم حتى هموا بالانقضاض عليهم] وهم في أنديتهم وسوس لهم الشيطان وأملى عليهم أن محمداً ورجاله في عسر وشدة وضيق، وبالإمكان أن ينقضوا عليه وتنتهي المشكلة نهائياً، وإلى الآن يوسوس أيضاً لأوليائه؛ ليحركهم على أعدائه، وما مات أبو مرة ولن يموت حتى تطلع الشمس من مغربها.

    قال: [وعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم] بالوحي الإلهي، فهم يوسوس لهم الشيطان، والرسول يُعلمه المَلك [فلما دخل صلى الله عليه وسلم] المسجد الحرام [اضطبع واضطبع أصحابه] ويصلح أن يكون دخل مكة أو دخل المسجد الحرام، ونحن نضطبع عندما ندخل المسجد أو نقاربه، والذين يضطبعون من المدينة أو جدة ليس بسنة ولا أجر فيه، وإنما الاضطباع يكون عندما تريد أن تدخل المسجد الحرام.

    والاضطباع: افتعال من اضطبع يضطبع اضطباعاً، إذا رفع الرداء فوضعه على ضبعه، والضبع غير الضبوع، فالضبوع حيوان من حيوانات البر، لكن الضبع: العضل ما بين العنق إلى الذراع، فيكشف عن ذراعه؛ ليقوى على الأخذ والبطش والدفع إذا كانت حرب، بخلاف إذا كان مقيداً بالإحرام فإنه يكون كأنه مكتف بكتاف، لا يستطيع فعل شيء.

    قال: [وقال: لهم] هيا نحفظ هذه الكلمة المحمدية [( رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة )] هذه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنيئاً لمن فاز بها، ليرهب هذا العدو ويفزعه؛ حتى يكف عن التخمين والتفكير في الانقضاض والقتال [ثم استلموا الركن] والاستلام معروف، فإن أمكن أن تضع شفتيك فوق الحجر الأسود فافعل، وإن لم تتمكن للزحام ضع يدك عليه ثم ضعها على فمك، والحجر الأسود من الجنة، وهو يمين الله في الأرض، من استلمه ووضع يده عليه كأنما وضع يده على يد الرحمن عز وجل، فليف بالعهد، ولا يخلف، ولا ينقض، ولا ينكث.

    قال: [وهرولوا في الطواف ثلاثة أشواط] والهرولة: مشية يمشيها العسكر في الصباح للتدريب، وهي بين الجري والمشي [فرأت قريش بأم عينيها مظاهر القوة، فذهب وسواسها من نفسها] وما كانوا يعرفون هذا، فذهب وسواسها وقالوا: لن تستطيعوا أن تنقضوا عليهم وتضربوهم، فهم أقوياء قادرون.

    [وبقي الاضطباع والهرولة سنة] من سنن الحج والعمرة [ترمز إلى ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون دائماً وأبداً وهو القوة؛ لإحقاق الحق وإبطال الباطل] بقي أن الاضطباع والهرولة ترمز إلى أن المسلمين يجب أن يكونوا في كل أزمنتهم وعصورهم وبلادهم أقوياء؛ ليرهبوا العدو الكافر المشرك، فخلدت هذه السنة، ولكن لم ينتفع بها المسلمون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088519188

    عدد مرات الحفظ

    777084692