إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 104للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة إلى عشرين ليلة، وكان يقصر الصلاة، ويجمع طوال هذه المدة، وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في تبوك خطبة بليغة وجيزة، وتمت في تلك المدة أعمال جليلة، فوقعت مصالحات ومعاهدات بينه وبين قبائل من تلك النواحي، وأرسل خالداً رضي الله عنه إلى أكيدر بن مالك الكندي، فلقيه يصيد البقر، فأسره ثم جاء به إلى المدينة، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فقد انتهى بنا الدرس إلى [المقام المبارك] وهذا المقام المبارك مقام الحبيب صلى الله عليه وسلم في تبوك، فقد خرجنا معه من المدينة وانتهى بنا المسير إلى تبوك، وقررنا معه ما شاء الله، والآن هو يقيم في مدينة تبوك كذا يوماً، فهيا نقضي هذه الساعة معه صلى الله عليه وسلم كأننا نشاهده بأعيننا، ويا لها من سعادة حرمها أهل الغفلة!

    قال: [وانتهى مسير الحبيب صلى الله عليه وسلم بنزوله بتبوك، وأقام بها بضع عشرة ليلة إلى عشرين] أي: ما بين السبع عشرة إلى عشرين ليلة قضاها في تبوك. وتبوك هو اسم ماء، وقد أصبحت الآن مدينة، وهي شمال المدينة وجنوب الشام.

    قصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وجمعها في تبوك

    [وكان يقصر الصلاة، ويجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء] وهنا قال بعض أهل العلم: المسافر يقصر ما دام مسافراً.

    ولا عبرة بالزمان الذي أجمعت عليه أمة الإسلام تقريباً، والقول الصحيح: أن هذا ليس فيه دليل على جواز الجمع والقصر، وإن كان فيه دليل على جواز الجمع والقصر فلأنه لم يؤمر بالرحيل ولا بالمقام لأنه ينتظر أمر الله له.

    وهكذا المسافر إذا سافر من المدينة إلى تبوك أو إلى جدة، فإذا كان قد حدد مدة إقامته بيومين أو ثلاثة إلى أربعة يجب أن يقصر وله أن يجمع، وإذا كانت المدة أربعة أيام أو خمسة أو أكثر فلا جمع ولا قصر، وإذا كان لا يدري متى يعود غداً أو بعد غد فله أن يقصر حتى يعود ولو أقام ستة أشهر.

    فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك قرابة عشرين يوماً يقصر ويجمع فلأنه كان ينتظر أمر ربه إما بالعودة وإما بمواصلة السير إلى الروم.

    والذي عليه أئمة الإسلام وأهل السنة أن المسافر إذا خرج من بلده وترك الديار وراءه وحضرت الصلاة قصرها، فيصلي الرباعية ركعتين، أما الثلاثية كالمغرب والثنائية كالصبح فهي على ما هي عليه، وإذا وصل إلى البلد الذي يريده بعد يومين أو ثلاثة أو أربعة نظر هل هو عازم على الإقامة به يومين أو ثلاثة فقط، أم أنه عازم على إقامة خمسة أيام أو ستة أو سبعة، فإن عزم على أكثر من أربعة أيام وجب عليه أن يتم صلاته، ويكون سفره قد انتهى لأنه استقر، فإذا رحل وعاد إلى بلاده وترك تلك البلاد وراءه قصر الصلاة أثناء الطريق.

    أما إذا كان لا يدري متى يخرج من المدينة التى نزل بها هل بعد يوم يومين أو ثلاثة، فهذا لم يستقر رأيه على الإقامة أو السفر فإنه يقصر، والدليل وقوف الرسول صلى الله عليه وسلم بتبوك قرابة عشرين وهو يقصر؛ لأنه لا يدري: أيقيم أم يسافر؟! فقد كان ينتظر أمر ربه الذي يجيبه ويعلمه.

    قال: [تخفيفاً على أصحابه] وهم جيش من اثني عشر ألفاً أو قرابة ذلك [وحتى لا يوقعهم في حرج أو مشقة] فقد قال تعالى عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهيا نأخذ هذا الخلق لنتخلق به، ونرحم -فقط- أزواجنا وأولادنا! [ولم يتم الصلاة خلال هذه المدة؛ لأنه لم تحدد مدة إقامته، وإنما ينتظر الأمر من ربه تعالى] كان لا يدري أينزل جبريل يقول له: سافر أم تقدم [إذا أمره بالإقامة أقام، وإذا أمره بالمسير سار].

    استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أمر بقائه أو انصرافه من تبوك

    [وقد استشار أصحابه في المسير إلى الشام والمسير إلى بلاد الروم] يعني: استشار أصحابه طالما لم يكن هناك أمر من الله عز وجل، هل يواصلون السير إلى بلاد الروم لقتالهم، أو يرجعون إلى المدينة، أو يبقون في تبوك مدة معينة [فقال له عمر ] رضي الله عنه [إذا كنت أُمرت بالمسير فسر] (أُمرت) بالبناء للمجهول، ومن يأمره؟ إنه الله عز وجل [فقال صلى الله عليه وسلم: ( لو أمرت ما استشرتكم! )] أدبهم. فقال: لو أمرت ما استشرتكم، لكن لم يأتني أمر، فلهذا أخذت برأيكم.

    [فقال عمر : يا رسول الله! إن للروم جموعاً كثيرة] أكثر من مائتي ألف [وليس بها أحد من أهل الإسلام] حتى نعول عليه، أو يخدمنا بعض الشيء [وقد دنوت منهم وأفزعهم دنوك، لو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله لك في ذلك أمراً، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً إلى المدينة، ولم يلق كيداً] ولا مكراً ولا قتالاً، فقد بلغه أن الروم تجمعوا لغزوه في عقر داره، فقال: إذن نغزوهم بدلاً من أن يغزونا، وأعلن التعبئة العامة -كما علمتم- صراحة، ما وارى ولا أخفى، وخرج معه المؤمنون، فلما نزل بتبوك على مقربة من بلاد الروم انتظر أمر ربه إليه فلم يؤمر بشيء، فأقام بها قرابة عشرين يوماً، ثم استشار رجاله وعزم على المسير إلى المدينة.

    قال: [فقد نصره الله بالرعب مسيرة شهر؛ فلم يخرج إليه الروم] قال صلى الله عليه وسلم: ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )، فأنزل الله الرعب في قلوب الروم وفزعوا، فلم يستطيعوا أن يغزوه أو يخرجوا إليه.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) فحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ، وإذا لم تجد الماء تيمم بالتراب ( وبعثت إلى الناس كافة وكان الرسول يبعث إلى أمته خاصة، وأوتيت الشفاعة ) أي: المقام المحمود الشفاعة العظمى. ونصرت بالرعب أي: يقذف الله الرعب في قلوب أعدائه فينهزموا.

    قال: [ولم يقربوا من ساحته خوفاً وفزعاً منه صلى الله عليه وسلم بعد أن عزموا على حربه وغزوه في عقر داره!].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088465051

    عدد مرات الحفظ

    776887478