إسلام ويب

هذا الحبيب يا محب 116للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في مرض موته أستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أن يمرّض في بيت عائشة فأذن له، وكان من نعم الله على عائشة أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها بين سحرها ونحرها، وما إن علم الناس بوفاة رسول الله حتى طاشت عقولهم، وكان أبو بكر أربطهم جأشاً، إذ وعظ الناس، وتلا عليهم من آيات الكتاب، فسكن ما بهم، وقد تولى غسل رسول الله ودفنه أهل بيته، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    انتهى بنا الدرس إلى أحداث السنة الحادية عشرة، وها نحن نقضي هذه الساعة مع رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو يتهيأ إلى الملكوت الأعلى؛ ليفارق هذه الحياة وأهلها، فصلوا عليه وآله تسليماً.

    قال: [ولما كان يوم الخميس وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأربع ليال، اجتمع عنده ناس من أصحابه في منزله، فقال: ( ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً )]، الكتف: كتف الشاة هو العظم الذي يكتب فيه، فما كان لهم ورق كما عندنا [( فتنازعوا عنده )]، أي: أن الأصحاب تنازعوا عنده، فهذا رضي وهذا لم يرض، كل بحسب اجتهاده ومراعاة لصالح الأمة الإسلامية [( وأخذوا يردون عليه صلى الله عليه وسلم، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه )]، أي: اتركوني؛ فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه [( وأوصاهم بثلاث: فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب )]، أي: أخرجوا الكفار الوثنيين من جزيرة العرب، وفي قوله: (جزيرة العرب) تجوّز مشى عليه الناس، وإلا هي شبه جزيرة وليست بجزيرة، فالجزيرة ما يحيط بها البحر من كل جوانبها، وشبه الجزيرة كشبه جزيرة العرب فمن جهة الشام لا يوجد بحر، ولكن تعارفوا على أنها جزيرة العرب، والرسول صلى الله عليه وسلم بهذا يريد أن يطبق قول الله عز وجل: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، لماذا؟ لقرب وفاته صلى الله عليه وسلم، فهذه الجزيرة العربية هي قبة الإسلام وعاصمته، فيجب أن تطهر وتنظف، فلا يبقى فيها يهودي ولا مشرك.

    وقد سبق أن ذكرت للمستمعين والمستمعات أن فرنسياً احتج علينا في فرنسا، وقال: نحن نسمح لكم في بلادنا أن تفتحوا مساجد وتؤذنون وتصلون، وأي فرد من أفرادنا يعمل عندكم لا تسمحون له أن يفتح قداساً؟ فكتبت في الجريدة بفضل الله ورددت عليه، وقلت له في الرد: سمحنا لكم في كل ديار الإسلام بأن تكون لكم كنائس وقدس، وهي موجودة، لكن جزيرة العرب عبارة عن مسجد، فهل يعقل أن تبنى كنيسة في مسجد، كما لا يعقل أن يبنى مسجد في كنيسة، فلا يقبل هذا ولا ذاك، فانقطع.

    وعلى كل حال الشاهد عندنا: يجب أن تخلو جزيرة العرب من الكنائس ومعابد غير الإسلام، وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طبقها عمر ، وأجلى اليهود من الجزيرة، ولم يبق مشرك فيها ولا معبد لغير الله عز وجل.

    واحتج أيضاً فقال: إن مجموعة من إخواننا في جدة عملوا مجمعاً دينياً، فجاءت هيئة الأمر بالمعروف فأجلتهم وطردتهم من المركز.

    والشاهد عندنا في قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ).

    قال: [( وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم )]، فإذا جاءكم وفد من الهند .. من السند .. من العرب .. من غيرهم من المشركين والنصارى، فأجيزوهم كما كنت أجيزهم [( وسكت صلى الله عليه وسلم عن الثالثة )] فما عرفت أبداً.

    قال: [ولما كان يوم الإثنين الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم والناس في صلاة الصبح، وأبو بكر يصلي بالناس لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها، فينظر إليهم وهم صفوف في الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهَمَّ الناس أن يفتنوا في صلاتهم فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستار، وانصرف الناس وهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح. ( ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر أخو عائشة رضي الله عنهما وفي يده سواك )] أي: عود أراك يستاك به [( وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري )]، من هذه التي تخبر؟ إنها أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها وأرضاها [( فرأيته )]، أي: رأت النبي صلى الله عليه وسلم [( ينظر إليه )]، أي: إلى عبد الرحمن والسواك بيده، [( وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار أن نعم )] أي: خذيه [( فناولته إياه فاشتد عليه )] أي: وجده قاسياً صلباً [( فقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته بأمره فاستن به، وهو مستند إلى صدري )]، أسألكم بالله: الذين سمعوا هذا الخبر اليقيني هل يصح منهم أن لا يستاكوا؟ أبعد هذا تهجر السواك وتقول: أنا أكتفي بالمنشفة أو بالفرشاة! وما أحبه رسول الله يجب أن نحبه، وإن كرهته طباعنا، إذ لا يتم إيماننا الصادق به إلا بحب ما يحب، وكره ما يكره.

    قال: [( وبين يديه ركوة ماء )] أي: إناء فيه ماء [( فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه، ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، وآخر كلمة قالها: اللهم الرفيق الأعلى ) وفاضت روحه صلى الله عليه وسلم].

    وأعلمكم أن ساعة عينت لنا وحددت بالضبط، وسوف نلاقي الذي لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله نسأل أن نقول: اللهم الرفيق الأعلى، ونشتاق إلى لقاء الله، ونختمها بلا إله إلا الله: ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )، فلهذا ينبغي أن نعيش على كلمة لا إله إلا الله، ولا تفارقنا ليلاً ولا نهاراً، حتى إذا حضرت الساعة ودقت تجدنا أهلاً لذلك، فنقولها ونرددها حتى تقبض الروح.

    وقد بلغني أن شخصاً كان معنياً عناية كاملة بأصوات المغنيات والمغنين كحال القرآن عند الصالحين، فحضرته الوفاة وهو يغني بأصوات العواهر والمغنين الفاجرين، وهكذا تقول القاعدة: (من عاش على شيء مات عليه).

    قال: [ومن سفهي] أي: قالت رضي الله عنها وأرضاها: ومن قلة عقلي وبصيرتي، فهي تتهم نفسها بالسفه وضعف العقل والفهم والتدبر، وهذا من تواضعها رضي الله عنها، وإلا لو جمعنا نساء العالم كلهن -والله- ما كن كـعائشة [وحداثة سني]؛ لأنها صغيرة السن، فقد كان عمرها ثماني عشرة سنة فقط، وقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة تسع [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض في حجري]، أي: أسندته إلى حجرها هكذا بين يديها [ثم وضعت رأسه على وسادة] في الفراش [وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي] وا أسفاه وحسراته في غير شعور.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521207

    عدد مرات الحفظ

    777098499