السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقد انتهى بنا الدرس إلى المعجزة الثانية والعشرين.
والمعجزات جمع معجزة، وهي آية تدل على نبوة ورسالة صاحبها إذ لا نبي إلا بالمعجزات.
وهذه المعجزات بلغت ألف معجزة عند رسولنا صلى الله عليه وسلم، فوفقنا لذكر بعضاً منها، وها نحن نسردها معجزة بعد معجزة.
وما السر في ذلك؟
السر أن نؤمن إيماناً صادقاً بأن محمداً رسول الله للأدلة القاطعة والبراهين الصارمة.
ومظاهر أننا آمنا به حق الإيمان:
أولاً: أن نتبعه ونمشي وراءه، فإذا أمرنا أطعنا، وإذا نهانا انتهينا، وإذا أحب لنا شيئاً أحببناه، وإذا كره لنا شيئاً كرهناه، فنحبه أكثر من حبنا لأنفسنا وأولادنا وأهلينا؛ وبذلك نفوز بإيماننا به صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
وهاكم هذه المعجزات.
قال: [شفاء علي رضي الله عنه بتفاله صلى الله عليه وسلم].
علي بن أبي طالب هو صهر النبي صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة وابن عمه، وفي غزوة خيبر مرض بالرمد المعروف عند أهل الصحارى، فدعا علياً ليحمل الراية ويغزو بالقوم فقالوا: إنه مريض، فجيء به بين اثنين، فتفل في عينيه بريقته الشافية بإذن الله، فبرئ على الفور، ولم يمرض علي بعينيه حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه، فأي آية أعظم من هذه وإليكموها.
قال: [ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر: ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يده )]. وهذا الوسام والله لا يعادله وسام في هذه الحياة، وهذه شهادة رسول الله أن علياً يحب الله ورسوله، وهذا ليس بأعظم، وأعظم من ذلك أن الله ورسوله يحبانه.
وقوله: ( لأعطين الراية غداً ) وهم في معسكرهم بالليل ( رجلاً يحب الله ورسوله ) وإذا لم تحب الله ورسوله فاعلم أنه لن يحبك الله ورسوله، حبك أولاً، ( ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يده ) إذ استعصى فتح خيبر كذا يوماً.
ومن عجائب عمر أنه قال: كنت أتطاول، أي: أرفع رأسي ليشاهدني رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: تعال يا عمر .
قال: [( فلما أصبحوا نادى
قال: [فكانت آية من آيات النبوة المحمدية، ومعجزة من معجزاته الدالة على نبوته وصدق رسالته صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم تسليماً].
ففي غزوة أحد كان هذا الصاحب الجليل قتادة بن النعمان قد ضرب بسيف، فسقطت عينه وتدلت لكنها كانت لاصقة بعروقها إلى خده، فجيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فردها فكانت أصح مما كانت، ولو اجتمع أطباء الدنيا كلهم لا يستطيعون أن يفعلوا هذا.
قال: [إذ في أحد أصيب قتادة بن النعمان في عينه حتى سقطت وتدلت على وجنته فردها صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة فبرئت على الفور، وكانت أحسن منها قبل].
صلوا عليه وسلموا تسليماً، لهذا إذا أمركم أو نهاكم فأبشروا ولا تتململوا.
فيا أيها الذين يدخنون! اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره ذلك، ففي غزوة من غزواته اضطر الغزاة المجاهدون إلى أكل الثوم والبصل نيئين؛ لدفع غائلة الجوع، فلما وصلوا إلى المدينة أعلن أبو القاسم: ( ألا من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو آدم )، فهذا الثوم والبصل! فكيف بالسجائر المنتنة العفنة؟
فيا من آمنوا بمحمد رسولاً لله! من ليلتكم هذه والله لا تدخين، ثم إن القضية بشعة وأبشع من هذا، بكونك تدخن ثم تجري اسم الله الأعظم على لسانك، والمسلم يستاك بعود الأراك وينظف فمه؛ ليجري اسم الله على فم طيب طاهر، والمدخن يرمي السيجارة عند الباب ويدخل المسجد حرام عليه لا يدخل.
ثم إذا قلتم: ما هذا التشدد أو التشديد؟
نسألكم بالله: لما لا يدخن الإنسان ماذا يسقط منه؟ تتساقط أسنانه .. يصاب بالرمد .. يصاب بالجنون .. يضيع ماله؟ ما الذي يصيبه؟ والله لا يصيبه من التدخين إلا السوء، ولا ينجو منه إلا بعد أن يتخلى عن هذه العادة النجسة.
وشيء آخر: قال معللاً: ( فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ) وأمرنا: إذا أراد أحدنا أيها المؤمنون أن يبصق فلا يحل أن يبصق عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، ولا عن شماله فإن عن شماله ملكاً، ولكن بين يديه، فالبصاق يؤذي الملك، فكيف بالتدخين وتنفخ في وجه الملك، هذا الذي يكتب حسناتك وسيئاتك، والله لو يعرف هذه الحقيقة مدخن لما عاد يدخن أبداً ولو يجلد يومياً مائة جلدة، لكن ما عرفوا، وما علموا.
قال المؤلف: [فهذه معجزة] أي: لا يستطيع الناس أن يفعلوها، فهم عاجزون عنها [إذ ليس في استطاعة أي طبيب أو غيره أن يرد عيناً سقطت بضربة حتى تدلت على الوجنة فتبرأ لتوها، وتكون أحسن منها قبل إصابتها وسقوطها] صلوا عليه وسلموا تسليماً.
السؤر: فضلة الماء، فإذا شربت وبقي ماء فذاك يقال فيه: سؤرك.
قال: [روى ابن أبي شيبة : أن امرأة من خثعم] أي: خثعمية [أتت النبي صلى الله عليه وسلم بصبي] أي: طفل صغير [به بلاء لا يتكلم، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بماء، فمضمض فاه وغسل يديه ثم أعطاها إياه، وأمرها بسقيه ومسحه به، ففعلت، فبرئ الولد وعقل عقلاً يفضل به عقول الناس. فهذه آية من آيات النبوة المحمدية ومعجزة ظاهرة التي لا يقدر عليها البشر].
هذا صبي مصاب بما هو قريب من الموت، لا يتكلم ولا يعقل، به مس جنون، فلما أتي النبي صلى الله عليه وسلم بماء، فتمضمض وغسل يديه، ثم قال لها: أعطيه إياه، وأمرها بسقيه أي: ذلك الغلام، ومسحه به ففعلت، فبرئ الولد وعقل عقلاً يفضل به عقول الناس. فهذه آية من الآيات المحمدية، ومعجزة ظاهرة التي لا يقدر عليها البشر أجمعون.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فلهذا آمنتم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [لقد انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر] أي: يوم غزوة بدر [فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذل حطب، فقال له: اضرب به، فانقلب في يده سيفاً صارماً طويلاً أبيض شديد المتن، فقاتل به، ثم لم يزل عنده يشهد به المواقف إلى أن استشهد عكاشة في قتال أهل الردة] أي: بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فكانت هذه آية من آيات النبوة المحمدية، ومعجزة خارقة للعادة مقررة لنبوته ورسالته صلى الله عليه وآله وصحبه سلم] ولا تظنوا أن أجدادكم آمنوا به بدون علم، ولولا هذه المعجزات ما بقي الإسلام إلى الآن.
قال: [فقد روى أبو داود في سننه بسنده عن أم ورقة بنت نوفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً قالت: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم؛ لعل الله يرزقني بالشهادة!] هذه أم ورقة قالت للحبيب صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم- يعني: تعالج المرضى- لعل الله يرزقني بالشهادة! [فقال لها: قري في بيتك، فإن الله يرزقك الشهادة] أي: ابقي في بيتك والله يرزقك الشهادة، وكيف تبقى في بيتها وترزق الشهادة؟ كيف يتم هذا؟! الزمي بيتك ولا تخرجي، ويرزقك الله الشهادة، فما دمت صادقة في الرغبة والطلب الله لا يخيبك، واسمعوا القصة.
قال: [قالت: فكانت تسمى الشهيدة] فمن يوم ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا شاع الخبر بين النساء والرجال يسمونها الشهيدة رضي الله عنها وأرضاها.
قال: [وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في بيتها مؤذناً يؤذن لها] أي: حفظت القرآن فطلبت الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمح لها بإيجاد مؤذن لها في بيتها.
قال: [وكانت قد دبرت غلاماً لها وجارية] ومعنى دبرت غلاماً وجارية: وعدتهم بالانعتاق بعد وفاتها، فيا عبدي فلان! ويا أمتي فلانة! بعد أن أموت فأنتما حران. وهذا التدبير يجوز.
قال: [فقاما إليها بالليل فغماها في قطيفة لها حتى ماتت] أي: وضعاها عليها حتى ماتت، وهما عبدان كافران ما أسلما [وذهبا، فأصبح عمر فطلبهما] أي: رفعت الشكوى على خلافة عمر [فجيء بهما، فصلبهما عمر رضي الله عنه، فكان أول من صلب في المدينة] شهيدة أم لا؟ قتلت أم لا؟ قتلها كافران أم لا؟ في بيتها.
غطياها بقطيفة فماتت، وهربا فرفعت القضية إلى إمام المسلمين خليفة المسلمين عمر فطلبهما فعثر عليهما فصلبهما، وكانا أول من صلب في المدينة؛ لجريمتهما النكراء، فهذه معجزة وإخبار بالغيب. فقد قال: قري في بيتك فأنت شهيدة، وتمت الشهادة.
قال: [فهذا إخبار بغيب، فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فكان آية نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزة من معجزاته. فصلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً].
قال: [أول خبر: قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنه] الحسن هو ابن فاطمة ، وابن علي ، وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم [( إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )] فجاءه وهو يحبو، وهو طفل صغير فقال: ( إن ابني ) يجوز أن تسمي ابن بنتك ابني ولا حرج ( هذا سيد ) ومن قال: ليس بسيد فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )والفئة: الجماعة أو الطائفة.
قال: [فكان الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد أصلح الله به بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي الله عنهم أجمعين] نعم قد أصلح الله به بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي الله عنهم، وذلك بعد وفاة علي .
قال: [( فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فمات أبو بكر بمرض أصابه] أي: ما استشهد، وإنما مات في بيته لمرض أصابه [وقتل عمر في المحراب شهيداً] قتله المجوسي أبو لؤلؤة فكان كما أخبر [وقتل عثمان في داره شهيداً، فرضي الله عنهم أجمعين] من يستطيع أن يخبر بهذا الغيب؟
اضطرب الجبل، فلما اضطرب قال: اسكن يا جبل! لماذا تضطرب؟ ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان.
النبي هو صلى الله عليه وسلم، والصديق أبو بكر ، من يدرينا أن أبا بكر لا يموت شهيداً؟ وهو قد خاض المعارك كلها، ومع هذا ما مات في القتال، وأما عمر فقد مات في المحراب، قتله مجوسي اسمه أبو لؤلؤة ، فهو شهيد. وأما عثمان فقتله الاشتراكيون الماديون الذين هاجموا المدينة من كل جهة، فحاصروها وقتلوه بدعوى أنه يعين الوظائف لأهل قرابته ويمنعنا، وهذه فكرة يهودية معروفة، هي الاشتراكية. فقتل في بيته وذبح! والمصحف ما زال الآن ملطخاً بالدم! والذي أخبر بهذا الخبر لن يخبر به إلا رسول فقط، وتم كما أخبر.
وقريش لما فشلت أعلنت جائزة بمائة بعير لمن يأتيها برأس محمد صلى الله عليه وسلم، وكان سراقة بن جعشم رجل فارس وبطل فقال: أنا أظفر بهذه، فخرج وراء الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم معه خريت جغرافي ممتاز، ما أخذ الطريق المعتاد.
قال: [وثالث خبر: قوله صلى الله عليه وسلم لـسراقة بن مالك وقد خرج في ملاحقته صلى الله عليه وسلم يوم هجرته حيث أعطت قريش جوائز لمن يأتيها بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال له وقد ساخت قوائم فرسه في الأرض مرتين] فلما قرب من أبي بكر والرسول صلى الله عليه وسلم فإذا بفرسه تدخل رجلاه في الأرض، ثم يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: ادع الله لي، فيخرج، ثم يمشي وراءه ويسقط مرتين! ورجلا الفرس تسوخان في التراب.
قال: [قال له: ( كيف بك إذا ألبست سواري كسرى؟ )] فالرسول صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول لـسراقة الذي جاء ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ويأتي برأسه: ( كيف بك إذا ألبست سواري كسرى؟ )كيف يلبس سواري كسرى؟! وكسرى هو ملك فارس أو الفرس، وسواراه في يديه على عادة ملوكهم، كيف إذا ألبسته أنت، وألبسكه أحد؟!
وتمضي الأيام والأعوام، ويتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى أبو بكر ويتولى عمر ، ويغزون فارس، وسراقة رضي الله عنه معهم، وعمر يلبسه السوارين تحقيقاً لوعد رسول الله وخبره.
قال: [فلما أتي بهما عمر رضي الله عنه ألبسهما إياه، وقال: الحمد لله الذي سلبهما كسرى وألبسهما سراقة] من يستطيع أن يخبر بهذا الخبر؟ كيف يتم حرفياً؟ هذا أمر عظيم! وليس خبراً عادياً يأكل بطاطس في البلاد الفلانية أو كذا، هذه دولة كاملة تسقط، وسوارا الملك يعطى لـسراقة ! والله إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [فهذا غيب محض، وقد تم كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان آية نبوته ومعجزته التي لا يقدر عليها أحد من عباد الله إلا من أوتي المعجزات] مثله صلى الله عليه وسلم.
آمنتم برسالته أم لا؟
لما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله تقولها على علم أم لا؟ كيف عرفت أنه لا إله إلا الله؟!
فإن قيل: يا شيخ! نحن لسنا أهل علم.
أقول: يكفينا أنه بلغنا أن الله شهد أن محمداً رسول، ما نقبل شهادة الله؟! وأن الملائكة كلهم شهدوا أن محمداً رسول، ما نقبل شهادتهم؟ وأن أولي العلم من الأنبياء والرسل والعلماء، الكل شهدوا أن محمداً رسول الله، ونحن ما نشهد؟! وهذا فتح الله عليه في قوله تعالى من سورة آل عمران: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18] فالكل شهدوا أنه لا إله إلا الله أم لا؟ ونحن ما نشهد؟ أعوذ بالله.
ومع هذا موجبات الشهادة أولها: هذا الكلام، كلام من هذا؟ يوجد كلام بدون متكلم في الأرض .. في الكون؟ هذا كلام الله، هذا كتابه أنزله، هذا الكون كله من أوجده؟ من يميت ويحيي؟ من يعطي ويمنع؟ أليس الله؟ كيف لا نشهد أنه لا إله إلا هو؟!
وشهدنا أن محمداً رسول الله بالمعجزات أم لا؟
وأكبر آية على أنه رسول الله إنزال القرآن عليه، ولو لم يكن رسول الله فكيف ينزل عليه كتابه؟ أم أنه لم ينزل عليه كتابه؟ هل تشكون؟ هل ذهبت عقولنا؟ هذا القرآن على من أنزل؟ أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم في ظرف ثلاث وعشرين سنة! وعرفنا أول آية نزلت وآخر آية.
فدعوى علي دعوى حق، ودعوى معاوية دعوى حق، ولما بدأت الفتنة وهيجها الثالوث الأسود، فماذا يصنع معاوية وماذا يصنع علي ؟ خرجا بجيشيهما لإنهاء الفتنة وإنهاء الحرب! فأشعلها الطابور الخامس. وكلاهما على حق، لا يريد إلا الإسلام ونصرة الدين، رضي الله عنهم أجمعين.
فهذا خبر نبوي وغيب.
وقوله: ( لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة ) أي: ليست واحدة ظالمة وواحدة كافرة! بل دعواهما واحدة كل منهما يريد الحق فقط وأداء الواجب.
قال: [فكان هذا الخبر آية نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم].
قال: [( وليتمن الله هذا الأمر )] أي: والله ليتمن الله هذا الأمر الذي هو انتصار الدين الإسلامي وانتشاره [(حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إلا الله والذئب على غنمه )]، وتم هذا، فما شهدت الدنيا أمناً ولا طهراً ولا صلاحاً أكثر من دولة الإسلام الأولى التي قامت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [وقد تم هذا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان آية نبوته ومعجزتها التي لا يقدر عليها أحد إلا الله جل جلاله وعظم سلطانه].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نشهد أن لا إله إلا الله، وهذه الشهادة تتطلب منا أن نعرف ما يحب الله وما يكره.
يا عباد الله! يا إماء الله! الذي لا يعرف محاب الله ولا يعرف مكارهه لن يكون ولياً لله، ولن يظفر أبداً بولاية الله، وهذه الخطوة ضرورية كضرورة الطعام والشراب للإبقاء على الحياة، فلا بد وأن نعرف ما يحب الله وما يكره، وما يحب رسوله وما يكره، من الاعتقادات والأقوال والأفعال، والصفات والذوات؛ من أجل أن نفعل المحبوب فتزكو عليه نفوسنا وتطيب وتطهر، وبذلك يحبنا ربنا ويكرمنا.
ومعرفة ما نهى الله عنه ورسوله معناه: أننا نبتعد عن مخبثات النفس ومدسيات النفس البشرية، وبذلك تصفو قلوبنا، وتطهر نفوسنا، وتزكو أرواحنا، ونأتي إلى الجزاء بمجرد أن نغمض أعيننا في ساعة آتية لا محالة.
وقد صدر الحكم الإلهي الصارم: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: نفسه وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] أي: نفسه.
ومعنى أفلح: فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة.
ومعنى خاب: خسر نفسه وأهله، وخسر دار السلام وألقي به في أتون الجحيم ملايين السنين.
نترككم لله! عندي سؤال: هل كلكم يعرف محاب الله ومكارهه؟
لا والله، ما كلكم يعرف ذلك.
لماذا لا يقوم واحد ويقول: يا شيخ! إذاً: ما هي محاب الله، وما هي مكارهه؟
هل فيكم من يفعل ذلك؟ وقل مثل ذلك في العالم الإسلامي بكامله، قل ما شئت؛ لأن الروح خاملة، ولو كان هناك صدق لقيل: والله لا تبرح مكانك حتى تعرفنا بمحاب الله لنعرفها الآن ونفعلها غداً، وتعرفنا بمكاره الله لنعرفها حتى نكرهها ونبتعد عنها.
ولكن ماذا نقول؟
عليكم بالاجتماع في بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم ورجالكم كل ليلة من صلاة المغرب إلى العشاء، ولو غضبت أوروبا، ولو اهتز مكان روسيا، ولو تحطمت جدران أمريكا. هذا أمر لا يهمهم ولا يهمكم أنتم، فإذا دقت الساعة السادسة وقف العمل وذهبنا بنسائنا وأطفالنا إلى بيوت ربنا -فالمساجد مبنية- ونصلي المغرب كما صلينا، ونجلس كما جلسنا كل ليلة، فما يمضي عام أو عامان ويبقى من لا يعرف المحاب والمكاره، والله لا يبقى! ومن غير هذا الطريق ليس ممكناً أن يعم الناس هذا الخير أبداً.
عرفتم الطريق أم لا؟
إذا عدتم إلى دياركم .. إلى قراكم .. إلى مدارسكم اجتمعوا في بيوت ربكم. والنساء عليهن الستارة، والأطفال نظموهم صفوفاً كالملائكة، وأنتم أمامهم بعد صلاة المغرب تقرءون آية من كتاب الله تتغنون بها وتحفظ، وتشرح لكم ويبين لكم مراد الله، فتعلموا وتعملوا، وغداً حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال: كيف؟! أقول: يوجد كتاب: المسجد وبيت المسلم، به ثلاثمائة وستون آية وحديثاً بمعدل كل ليلة عاماً كاملاً، ليلة آية وليلة حديث.
وإذا أهل المسجد خافوا في بلادهم، أقاموها في بيوتهم، فيقرءون كتاب المسجد وبيت المسلم، ليلة آية وليلة حديثاً، ويبتعدون عن الملاهي والأباطيل، فوالله تتعلمون وتصبحون عالمين.
أما فقط مددنا أعناقنا وسكتنا، فيا ويلنا إن طال الزمان أو قصر والعياذ بالله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر