إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 11للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله عز وجل لعباده التداين، وجعله من عقود الإرفاق، لما فيه من سد حاجة المحتاجين، والتسهيل عليهم لتجاوز ما يعترضهم من صعوبات مالية أو غيرها، ومن باب حفظ الحقوق أمر الله بكتابة الدين والإشهاد عليه، حتى يأمن صاحب المال على ماله، فلا يمتنع عن إعانة أخيه بماله، ولا ينقطع العباد عن إسداء المعروف لذوي الحاجة منهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.

    والنداء السالف الذي درسناه بالأمس أذكر المستمعين والمستمعات بنصه أولاً، وهو قول ربنا جل ذكر بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279].

    عرفنا أن الله تعالى شرفنا وله الحمد بأن نادانا، وإلا من نحن حتى ينادينا رب السموات والأرض وما بينهما، ونادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي، يسمع ويعقل، ويقدر على أن ينهض فيفعل أو يترك، وأما غير المؤمن فهو في عداد الأموات، ومن شك فليذكر أن الذمي من أهل الكتاب في ديارنا لا يؤمر بصلاة ولا بزكاة، ولا يؤمر بالصيام ولا بالجهاد؛ لأنه ميت، فإذا نفخ الله تعالى فيه روح الإيمان وآمن تمت حياته، ويصبح متهيئاً لأن يتكلف بكل ما يكلفه الله به، هذا هو سر الإيمان.

    ثم أمرنا بتقواه، وقد عرفتم زادكم الله علماً أن تقوى الله عز وجل هي أن نطيعه ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم في أي شيء يأمران به وينهيان عنه.

    واعرفوا أوامر الله ونواهيه كما تعرفون لحياتكم الطعام والشراب والهواء، واسألوا العلماء، وائتوا بهم إلى حيكم .. إلى قريتكم، ولازموهم حتى تعلموا، وأما عدم معرفتنا فمن أخطائنا.

    ولا يمكن تحقيق ولاية الله إذا لم نطعه ونطع رسوله، فولاية الله شرطها بعد الإيمان التقوى، وقد حفظتم هذا وتكرر، أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وهم الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فلا يمكن أن تتحقق ولاية الله لأي عبد أو أمة بدون هذين الشرطين، فهذا والله ما كان، ومن لم يحققهما فهو عدو لله، وليس أبداً بولي لله، فلا بد من الإيمان والتقوى.

    وقد علم السامعون والدارسون سر هذه القضية، وهو: أن المؤمن المتقي يعمل بتلك الطاعات؛ فتزكو نفسه، أي: تطيب وتطهر، فيصبح من الطاهرين، والله يحب الطاهرين، وأما أهل خبث الأرواح، فهم بعداء عن الله بعداً لا حد له، والرسول يقول: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ). والله يقول: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]. فهو يحب التوابين لأنهم تنجسوا وتخبثوا وتلوثوا، فكرههم ولم يحبهم، ولما عملوا على تطهير أرواحهم برجوعهم إلى التكاليف المزكية للنفس فحينئذ أحبهم.

    بعد الأمر بالتقوى قال لنا تعالى في هذا النداء: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]. فمن عنده شيء من الربا معاشر المستمعين فليخرجه من صندوقه ومن جيبه، ومن كان عنده شيء من الربا في بنك من البنوك فليتنازل عنه ولا يأخذه أبداً.

    وقد صدرت فتيا من كبار العلماء أو من مجلس الفقه بأن هذه الأموال إذا كانت في بنوك بلاد كافرة كأوروبا وأمريكا واليابان والصين فهذه الأموال الربوية تعطى للجمعيات المجاهدة هناك التي تبني المساجد وتعلم الناس الإسلام، وهي فتيا سليمة وصحيحة؛ لأن الجاليات الموجودة في العالم الكافر لو نظم أمرها وعلمت طريق ربها والله لكانوا مرابطين في سبيل الله، ولفتح الله البلاد على أيديهم، ولكن مع الأسف لا تنظيم ولا توجيه ،ولا تعليم ولا عون، وهم يكافحون بأنفسهم.

    ومن هنا بلغوهم: أن الذي يقيم بين ظهراني الكافرين تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليعودوا إلى بلادهم وإن جاعوا وعروا، وإن ضربوا وسجنوا، فلا تحل إقامتهم في دار الكفر وترك دار الإسلام، اللهم إلا أن يفعلوا ما يلي:

    أولاً: يطهروا قلوبهم؛ وذلك بأن يعتقدوا المعتقد السليم الصحيح الذي يقوم بنشره من يسمون بالسلفيين، فلا بد من سلامة المعتقد، وأما مع الاعتقاد الفاسد فالعبد ليس ضامناً رضا الله حتى يكون مجاهداً في سبيله.

    ثانياً: أن يهذبوا أخلاقهم حتى تشبه أخلاق نبيهم صلى الله عليه وسلم في الصدق والوفاء، والعفة والطهر والصفاء، والمروءة والكمال والرحمة.

    ثالثاً: أن ينووا بإقامتهم في تلك البلاد الرباط في سبيل الله؛ لأن بقاءهم بين الكفار يشاهدون أنوار إيمانهم وصلاحهم يجعل الكفار يسألونهم: من أنتم؟ وما أنتم؟ وما دينكم؟ فيكونون بالفعل في سبيل الله، فإذا تمت هذه فهم مرابطون أفضل منننا مليون مرة.

    فليصححوا عقيدتهم، ويهذبوا أخلاقهم، ويعبدوا ربهم عبادة شرعية لا بالخرافات أو الضلالات، وينووا الرباط في سبيل الله، ويدعو بلسان الحال ولسان المقال إن أمكن، وليس كل أحد يستطيع أن يقول للفرنسي: يا مسيو! أعرض عليك الإسلام فاقبله، فمن استطاع أن يدعو بلسانه فذاك، ومن لم يستطع باللسان فبسلوكه الحسن المتفوق.

    هذا بالنسبة إليهم، وأما بالنسبة إلى العالم الإسلامي فقد سبق أن بكينا، وليس هناك من يسمع بكاءنا، فضلاً عن أن يمسح دموعنا، وقلنا: يا أمة الإسلام! إنكم خلفاء محمد صلى الله عليه وسلم في إبلاغ رسالته، ونشر رحمة الله في العالمين، فأنتم خلفاء محمد صلى الله عليه وسلم، فبلغوا هذه الدعوة ليسعد بها الإنس والجن، ولا تتركوا البشرية يئول أمرها إلى مصير مظلم، وتخلد في عالم الشقاء، لا تخرج منه أبداً، فإنكم مسئولون، ولا تقولون: نحن ضعفاء عجزة، والغرب الكافر قوي ويملك ما لا نملك، فهذا ليس بعذر، فالشرق والغرب لا يمنعون وجودكم بينهم، ولا يمنعون أبداً دعوة الله في بلادهم، فنحن لسنا بحاجة إلى بواخر حربية ولا سلاح ولا قوة حتى نرسو بسفننا على ميناء إيطاليا أو بريطانيا ونحارب حتى ندخل، فهذا الأمر قد كفاكم الله، فالآن فرنسا فيها ألف مسجد، وبريطانيا مثل ذلك، وألمانيا كذلك، والعالم بكامله، وكذلك أمريكا، فلستم بحاجة إلى أن تغزو أبداً، فالبلاد مفتوحة، والغزو يكون عندما تكون البلاد مغلقة، ولا يقبلون دين الله ولا من يقول به، فحينئذ يضطر المسلمون إلى الغزو؛ من أجل نشر رحمة الله وهداية بني عباده، وهذا الموضوع قد كفاكم الله إياه، فلم يبق عذر، فبلغوا، ولا تقولوا: لسنا أهلاً للبلاغ، وكونوا لجنة عليا على غرار رابطة العالم الإسلامي، والمفروض أن الرابطة هي التي تقوم بهذا، وهذه اللجنة أولاً تبعث لجنة من ثلاثة أنفار يطوفون في العالم الغربي والشرقي، ويحصون الجمعيات في تلك البلاد الإسلامية، ويعرفون أعدادها وطاقاتها وما عندها وما تقوم به، وتوضع خارطة بذلك من اليابان إلى أمريكا، وحينئذ يجب على كل مسلم أن يساهم بدينار أو درهم في العام في فريضة الجهاد، فتوضع ميزانية ضخمة عظيمة لا نظير لها، تتكون من ألف مليون مشترك، ويتم هذا في سرية كاملة، بلا تبجح ولا صياح ولا ضجيج؛ حتى ما نهول الدنيا ونرهب العالم بلا شيء، وحينئذ تتولى هذه اللجنة إدارة تلك الجمعيات في الجاليات كلها، وتكون هي التي تبعث الإمام والمربي والمعلم، وتدفع الإيجار، وتبني المسجد، وتعلم الأطفال على حسابها، وأهل البلاد فقط يجتمعون في بيت ربهم، ويمتثلون أوامر الله ورسوله، التي يسمعونها من هؤلاء الموجهين المربين المرشدين، ووالله لو يتم هذا بهذا النظام فلن تمر خمسة وعشرين سنة حتى ترون تلك الديار تدخل في الإسلام، ولا يكلف هذا إلا النية الصادقة، والرغبة فيما عند الله والدار الآخرة، هذا هو الطريق، وكتبنا في هذا كتابات، ولكنها كأنما توزع على الأموات، فأحدهم يقول: هذا الشيخ خيالي، وآخر يقول كذا، وآخر يقول: هذا عميل .. هذا ذنب، ما شاء الله! ضاعت أمة القرآن، وعلى كل حال هذا البكاء ينفعنا الله به إن شاء الله.

    قال تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [البقرة:278-279] ولويتم رءوسكم، فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]. والرسول قد مات، وسيفه انتهى، ولكن الله حي لا يموت. وحرب الله أنواع، ومنها فتنة فقط تقع في البلد، فيقتل الأب ابنه، وما أعظم الفتن التي تقع في العالم! وهاهم يخوضون فيها، وهي تنتقل من بلد إلى بلد.

    إذاً: فمن كان عنده شيء من الربا فليتركه لأصحاب البنوك إذا كان مسلماً يخاف الله، ولا يستلمه، ومن كان لا يخاف على فلوسه ونقوده في بيته أو في جيبه فيتركها في جيبه أو في بيته ولا يضعها عندهم، ومن قال: أخاف فيجوز إيداعها عند اليهودي، فالرسول أودع عند يهودي. ومن أراد أن يسلم فلا يراه الله أمام بنك ربوي أبداً، ولو جاع أو عطش أو ظمأ أو مات أو التصق بالأرض، ولا يستلف من بنك أبداً، والله يغنيه أيضاً ولا يتركه، ولكن أهل الغفلة يفتحون التجارات بالمال الربوي، ويشترون السيارات بالمال الربوي؛ لأنهم ما عرفوا، ووالله أنهم لم يعرفوا.

    فلنحفظ هذا النداء ونعمل به إن شاء الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088604101

    عدد مرات الحفظ

    777595453