إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 43للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • التنطع في السؤال في أمور الدين خطره عظيم، وقد نهى الله عباده عن السؤال عما لم ينزل فيه قرآن ولم تأت فيه سنة، لما في السؤال من إحفاء النبي صلى الله عليه وسلم وأذيته، وما قد يترتب عليه من نزول القرآن بما لا يطيقه العباد، وما وقع فيه أقوام من الأمم السابقة نتيجة تنطعهم في السؤال مسرود في مواطن كثيرة من كتاب الله.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا والحمد لله ربنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.

    وهيا بنا نستذكر ما يمكن أن نذكره من النداء الأربعين الذي سمعناه بالأمس، ودرسناه وعلمنا ما أمرنا الله تعالى فيه.

    وأحد الأبناء من طلبة العلم انزعج وتأثر لما قلنا: لا التفات إلى ما رآه الإمام أبو حنيفة ، وليعلم هذا الابن أننا نحب أبا حنيفة كحبنا بل أشد لآبائنا وأمهاتنا، وأننا لا نفضل مالكاً ولا أبا حنيفة ولا أحمد ولا الشافعي على بعضهم البعض، كما لا نفضل الصحابة إلا من فضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أبو بكر ، فـعمر ، فـعثمان ، فـعلي ، وما عدا ذلك فكلهم نحبهم حباً كاملاً، ونجلهم إجلالاً وإكباراً، فإذا قلنا: لا التفات إلى ما رآه ليس معناه: أنه ليس ثقة، أو أننا لا نعترف له بجلال وكمال أبداً، وإنما فقط على ما عرفتموه منا وتعودناه عشرات السنين، وهو أننا نعمل ما استطعنا على جمع كلمة المسلمين، ولا نريد التفرقة أبداً، وقد كان في الزمان الذي قبل هذا يجيء السائل يقول: أنا شافعي، فهل يجوز لي كذا أم لا؟ ويأتي الآخر ويقول: اسمع يا شيخ! أنا حنفي، فهل يصح مني كذا أو كذا؟ ويأتي آخر يقول: أنا مالكي، فهل يجوز أن أفعل كذا أو لا يجوز؟ ورابع يقول: أنا حنبلي. وهذا باطل، فلا نتفرق هذه التفرقة، فرسولنا واحد، فهو المبين لهدي الله في كتابه، وكتاب الله معنا، فلا ننتمي إذاً ونقول: نحن كذا.

    وقد بينا وقلنا: لا بأس أن يدرس شخص فقه إمام من الأئمة الأربعة، وأن يتمسك به، ويعمل به، ويفتي به؛ لأنه على حق، بشرط إذا قال أخوه: قد ثبتت السنة بكذا، وعمل بها من الأئمة فلان وفلان فلا يحمله التعصب أن يقول: لا، أنا كذا.

    ونحن في اليوم الواحد نخطئ سبعين مرة، وكلما صحح خطؤنا نحمد الله ونشكره.

    فما كان عليه جمهور الصحابة والتابعين والأئمة أولى بالاتباع، فافهموا هذا. وأعطيكم مثالاً دنيوياً: لو أخبرك خمسة وسبعون تاجراً على أن كيس الدقيق أصبح بمائتي ريال وأخبرك خمسة وعشرون بغير ذلك فإنك تأخذ بالأغلب؛ لأنه دقيقكم، ولو أخبرك تسعون رجلاً أن الطريق كذا، وجاء عشرة وقالوا: لا، الطريق وراءك فإنك تأخذ بقول الأغلب. وهذا هو السر في أننا نأخذ بما عليه أكثر الأمة، اللهم إلا في حالات ضعف، وبحث عن مخرج، إذا وقع أخونا في مأزق ضيق، فهنا يمكن أن نبحث له عن رأي حتى نخرجه من فتنته؛ حتى يشعر أنه فعل بدين الله ولم يخرج عنه. وهذا خاص بأولي البصائر والنهى وأولي العلم، وليس بأمثالنا أشباه العوام. فافهموا هذا. ومع هذا فليبشر الابن بأننا محونا كلمة: لا التفات. اللهم اجمع قلوبنا على تقواك، واجمع كلمتنا على توحيدك، واجمع أيدينا وقوانا على حمل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    نداء أمس بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]. وفهمنا من هذا أن الله ينهانا، ومن قال: نقتله كفر؛ لأنه يرد على الله، فلا يبقى مسلماً.

    والصيد: ما يصاد من الحيوانات والطيور، فقد حرم الصيد وأنتم حرم، فإذا تحللتم فصيدوا الأرانب والغزلان، ولكن إذا كنتم محرمين ودخلتم في العبادة فأنتم كالذي يحرم في الصلاة، إذا قال: الله أكبر وكبر تكبيرة الإحرام فإنه لا يضحك ولا يشرب ولا يأكل؛ لأنه دخل في عبادة مع الله، والمحرم يشبه هذا، فإذا قال: لبيك اللهم لبيك عمرة لم يبق ضحك ولا لهو ولا صيد، ولم يبق إلا ذكر الله والعبادة، وإن تكلم فللحاجة، أو عمل عملاً فللحاجة الضرورية.

    ثم يقول تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]. ومعنى هذا: ومن قتله منكم أيها المؤمنون المحرمون! متعمداً، وهنا الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة على أن التعمد والنسيان والخطأ سواء، وذكرنا اللطيفة في ذلك، وهي: أن المحرم لا يتوقع منه أن يصيد وهو ناس؛ لأنه محرم، فمن غير المعقول أن يأخذ النبل أو الرمح ويبحث عن الحيوان ويقتله وهو ناسٍ، فهذا بعيد. ومثال ذلك: لا يوجد أحد سواء من أمهاتكم أو آبائكم أو إخوانكم من قام يصلي ثم ينسى ويشرب اللبن، فهذا لم يحصل، أو أن ينسى المصلي بعد أن صلى ركعة أو ركعتين فلم يشعر إلا وهو يأكل البقل. فهذا النسيان ليس معقولاً. فكذلك المتلبس بهذه العبادة لا يعقل أن ينسى ويبحث عن الصيد ويصيد، فلا يقتله إلا متعمداً، ولا يصيد إلا متعمداً. وقال العلماء: الخطأ والنسيان يرفع عنه الإثم، ويسقط عنه التهديد الإلهي، فقد قال الله: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [المائدة:95].

    وأما قضية الكفارة فنظيرها لو صدم شخص بعيراً خطأً فإنه يغرم، وإن صدم إنساناً بسيارته أو قتله بقوسه فعليه كفارة صيام شهرين ويعطي الفدية، فمن هنا إذا أخطأ في رميه فأصاب صيداً أو نسي فهذا يرفع عنه الإثم فقط، أي: المؤاخذة والعقوبة، ولكن الفدية لا بد منها، ولا بد من جزاء؛ لأن هذا حق لله، وقد أكله كحق فلان، والذي يقتل إنساناً خطأً يدفع دية، ولا بد منها.

    وقوله: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة:95] معنى ذوا عدل أي: صاحبا عدالة. والعدل فينا هو: الذي يجتنب الكبائر، ولا ينغمس في واحدة منها، ويجتنب في أغلب الأوقات الصغائر، فلا يقارفها، وأما المعروف بشرب الحشيشة .. بالزنا .. بالربا .. بالكذب .. بالغش .. بالخيانة .. بالمكر فوالله ما تقبل شهادته، ولا يقبل حكمه، ولا نحكمه في قضية كهذه. وقال: مِنْكُمْ [المائدة:95]، أي: منكم أيها المؤمنون! أولياء الله، وليس من النصارى واليهود.

    وقوله: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95]. هذه فسحة إلهية، ففيه رحمة أولى ورحمة ثانية، فمن صاد غزالاً وجب عليه تيس، فإن لم يكن عنده فيقوم ثمن هذا التيس ويتصدق بثمنه، فإن لم يكن عنده قوم الثمن كم يساوي من الشعير أو البر، ثم يصوم عن كل حفنتين يوماً حتى يكمل.

    وفهمنا من قوله: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95] أنه لا يوصل إلى باب الكعبة، وإنما إلى الحرم، والكعبة في الحرم كالكوكب في السماء، فكل نواحيها وأطرافها كعبة في الاحترام والتبجيل والتعظيم والتقدير.

    فمن صاد نعامة حكمنا عليه ببعير، جمل أو ناقة، ومن صاد بقرة وحش فعليه بقرة من بقر الإنس، ومن صاد غزالاً فعليه تيس أو ماعز، ومن صاد أرنباً قوم ثمنه لأنه ليس له نظير، وكذلك من صاد حمامة، فالطير كله يقوم، سواء كان عصفوراً أو غراباً أو غيرهما، إلا الحمام فقد قومه السلف الصالح بنعجة، فانتبهوا، لأن الحمام مرغوب في صيده، فالذي يصيد حمامة في المدينة يغرم شاة، واحفظوا هذه، الذي يصيد في المدينة من عائر إلى ثور حمامة ويأكلها غرموه شاة بثلاثمائة ريال أربعمائة.

    والآن أعيد النداء فاسمعوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [المائدة:95]. ومن عاد إلى الصيد فالجمهور قالوا: لا نتركه، بل نأخذ الفدية، ثم نتركه لله، وبعضهم يقول: لا نأخذ منه فدية، وندعه لله عز وجل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088544128

    عدد مرات الحفظ

    777232886