إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 55للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إذا نادى الإمام للنفير العام، وأمر بالسير للجهاد؛ فقد وجب الخروج للقتال على كل مستطيع، ولزم الإثم من تثاقل عن الخروج، وامتنع عن المسير، ويدخل تحت هذا من عينه الإمام بعينه للخروج، وإذا دهم العدو بلاد المسلمين ووطء أرضهم، فوجب على أهل البلد قتاله ودفعه، ثم الذين يلونهم، وهكذا حتى يأذن الله بنصره.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.

    خاننا الوقت في نداء أمس، ولم نتأكد من صحة ما علمنا، وسنتأكد اليوم.

    الأحبار علماء اليهود، والرهبان عباد النصارى، وعلماء النصارى يسمون قساوسة، واحدهم قُس، والجمع قسس، وجمع الجمع قساوس.

    الأحبار والرهبان يأكلون أموال الناس بالباطل، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [التوبة:34]. فهم يأكلون أموال أتباعهم من العوام بغير حق، بل بالباطل. وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]. والمراد بسبيل الله التي يصدونهم ويصرفونهم عنها: الإسلام.

    فالأحبار والرهبان والله إلى هذه الساعة والدقيقة يصدون أتباعهم عن الإسلام، ويصرفونهم عنه صرفاً عجباً. والسر في ذلك: حتى يبقى لهم فقط ذلك السبيل من المال، ومن أجل المال وحب الرئاسة يحرمون إخوانهم من دخول الجنة، ويحولون بينهم وبين سبيل السعادة وطريق النجاة.

    ومن أمثال هؤلاء: علماء وأئمة الرافضة، فهم يأخذون خمس دخل الفرد، مع أن الزكاة كلها (2.5%)، أي: في الأربعين ريالاً ريالاً واحداً. وهم يفعلون هذا ليصرفوا أتباعهم عن الدين الحق.

    ولم نر من أهل السنة من نصب نفسه هذا المنصب، وأكل أموال الناس، وفجر بنسائهم، واستغلهم واستعبدهم.

    وكذلك رأينا بأعيننا مشايخ الطرق الصوفية من موريتانيا إلى إندونيسيا يستغلون العوام استغلالاً كاملاً، ويمنعونهم من سماع التوحيد والسنة، ويقولون لهم: لا تجلسوا إلى الوهابيين، ولا تسمعوا لهم. وهذا شأن من يحب الحياة الدنيا، ويرغب أن يسمو فيها ويعلو، وهو معرض عن الآخرة غير ملتفت إليها.

    قال تعالى في النداء السابق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]. وهذه الآية احتار لها أصحاب رسول الله واضطربوا، حتى جاء عمر رضي الله عنه فقال لهم: أنا أفرج عنكم، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! إن أصحابك كبر عليهم هذه الآية. ففرجها الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بقوله: ( إن الله لم يفرض الزكاة في أموالكم إلا ليطيبها لكم ويطهرها ).

    ولو كان اكتناز المال حراماً لما شرع التوارث، والله عز وجل أنزل آيات المواريث في كتابه، وبين أحكام إلإرث. وقد انعقد الإجماع على أنه يجوز للمؤمن أن يدخر ذهباً أو فضة، أو دنانير أو ريالات لحاجته، على شرط أن يزكيها كلها، وإذا وجب عليه أن ينفق أنفق، فإن أنفق وتوفر له شيء فلا إثم عليه أبداً مادام يزكيه كل عام.

    وخير ما يكنز المسلم المرأة الصالحة، وهي التي تؤدي حقوق الله وحقوق عباده كاملة.

    ومن آيات صلاحها: أنه إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في عرضه وماله.

    سألني اليوم بهلول عبر الهاتف، وقد أردت أن أطلعكم على ذلك؛ لتعرفوا أن الجهل ظلمة، وأنه ما قعد بالمسلمين والله إلا الجهل، ولو أنهم عرفوا ربهم معرفة يقينية لأحبوه وخافوه، ومن أحب الله لم يترك واجباً أمر به ولا مستحباً استحبه، ومن خاف الله لم يغش الذنوب ولم يرتكب الكبائر، ولكن الجهل منع وجود حب الله والخوف منه في القلب.

    وقد سألني هذا: أنه تزوج امرأة وأمهرها ثمانين ألف ريال، وأصابه مرض، فنذر لله إن شفاه أن يطلق هذه المرأة. فقلت له: يا بني! النذر في المعصية لا يجوز، وطلاق المؤمنة من دون جرم ارتكبته حرام، فلا تنذر لله بمعصية. وقلت له: لو قلت: لله علي أن أضرب فلاناً أو أسب فلاناً لم يجب عليك أن تفي بهذا النذر؛ لأنه نذر في معصية الله.

    ثم قال: إذا ردوا علي شيئاً من المهر فهل لي أن آخذه أم لا؟ فقلت له: لك الحق في النصف، وعلى ولي المرأة أن يرد عليك أربعين ألفاً؛ لأنك لم تبن بها، ولم تدخل عليها، فلك نصف المهر.

    والشاهد من هذا: أن الجهل فعل بنا ما فعل.

    الطريق إلى الخلاص من الجهل معروف، وهو: العلم، وسنحصل على العلم إن امتثلنا قوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43].

    وإذا أراد المسلمون عرباً أو عجماً أن يعلموا فعليهم أن يجتمعوا في بيوت ربهم مساء كل يوم من المغرب إلى العشاء بنسائهم وأطفالهم وفحولهم، وتجلس النساء وراء الستارة، والأطفال دونهن، والفحول أمامهم، والمعلم الرباني أمام الجميع، ويعلمهم ليلة آية، فيحفظونها ويفهمون مراد الله منها، ويعزمون على امتثال ما فيها، فإن كان عقيدة اعتقدوها، وإن كان أدباً تأدبوا به، وإن كان واجباً عرفوه ونهضوا به، وإن كان محرماً ممنوعاً عزموا على ألا يأتوه. ويعلمهم في الليلة الثانية حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا طول العام وطول العمر، فلا يبقى بينهم جاهل أو جاهلة، وإذا انتفى الجهل في تلك القرية أو ذلك الحي وانتشر العلم لم يبق فيها والله عهر ولا زنا، ولا كذب ولا خيانة، ولا غش ولا كبر، ولا استعلاء ولا حسد؛ لأن كل الذنوب وأوساخها ناتجة عن الجهل بالله ومحابه ومساخطه.

    والبرهان والدليل على هذا: أن أعلمنا بالله أتقانا له، وكذلك أهل القرية أعلمهم بالله وأعرفهم به أتقاهم لربهم، والملائكة لا يعصون الله لأنهم مع الله، والأنبياء لا يعصون الله لأن الله يكلمهم، وأصحاب رسول الله لم يفعلوا أفعالنا ولا عاشوا عيشتنا؛ لأنهم كانوا يتلقون العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى الآن أعلم أهل المملكة أتقاهم لله.

    وقد بلغنا أن أهل قرية في مصر -وقرأت هذا في المجلة- سلكوا هذا المسلك، ولكن ليس المسلك الذي تكلمنا عليه طويلاً، وإنما فقط أسسوا قرية سموها مركزاً، واجتمعوا فيها، وتعاونوا، وتركوا الهراء والباطل، والكلام السياسي والخبث، ولم يبق يبنهم عاطل، فقد جمعوا المال في بيت الله، وأنشئوا به مصنعاً على قدرهم ومزرعة، واشتغلوا فيهما، وانتهوا من الربا، ومن الخيانة والباطل. ولو اجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله لأصبحوا أفضل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088536487

    عدد مرات الحفظ

    777191033