إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 80للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لمجالس العلم آداب يجب على طالب العلم التأدب بها، فطلب العلم يصاحبه التربية أيضاً، ومن آداب مجالس العلم التفسح فيها، وخاصة إذا طلب المعلم أو المربي من بعض طلابه التفسح أو الانتقال إلى مجلس آخر، فلا يجدوا في أنفسهم عليه بل يسارعون في الاستجابة، وقد وعد الله المتأدب بهذا الأدب بالسعة في الدنيا والآخرة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. سائلين الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم، وأن يرضى عنا كما رضي عنهم. آمين.

    النداء الذي درسناه أمس مضمونه وما مفاده والعلم الذي استقيناه وفزنا به هو: أننا عرفنا أنه لا يحل للمؤمنين أن يتناجوا- أي: يتساروا- بالكلام السر بينهم دون أخوهم، فإذا كانوا ثلاثة فلا يحل أن يتناجى اثنان دون الثالث، وإذا كانوا ثلاثة فلا يحل أن يتناجوا إذا كان الرابع بعيداً لا يدري عنهم ماذا يقولون، وهكذا الخمسة والستة. وهذا النهي لأن الله ولي المؤمنين، وهو لن يسمح ولن يأذن لأحد أن يؤذي وليه، فيدخل عليه هما أو غما، أو كرباً أو حزناً. وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث ). فإذا أردت أن تتحدث مع أخ لك وأخوك موجود معهم فأسمعه كلامك، ولا يتناجى اثنان دون الثالث، أو ثلاثة دون الرابع، أو أربعة دون الخامس؛ لأن هذا الذي لم يعلم ما يقولون يصاب بهم أو حزن؛ هذا والله لا يحل بيننا؛ لأننا أولياء الله.

    قال ربنا -وقوله الحق- في الحديث القدسي كما في صحيح البخاري : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). ولا يجوز لنا أن ندخل الحزن والكرب على مؤمن بسبه وشتمه، أو بتعييره وتقبيح سلوكه، كما لا يجوز لنا أن نؤذي مؤمناً في جسمه بضربه وسحبه على الأرض، أو بتجويعه وتعطيشه، وكذلك لا يجوز لنا أن نؤذي مؤمناً في عرضه في ابنته وامرأته، ولا أن نؤذي مؤمناً في درهمه وديناره، فهذا والله لا يجوز، وإن دماءنا وأموالنا وأعراضنا حرام علينا إلى يوم القيامة.

    المسلمون لم يعرفوا أن إيذاء المؤمن لا يجوز، ولم يسمعوا يوماً كلاماً كهذا، ولم يفتح أحدهم صدره له، ولم يعزم على أن يطبق ويعمل بما فيه.

    والدليل والبرهان على هذا: واقعنا الذي نعيشه، فنحن أكثر من ألف مليون مسلم، وقد انتشر فينا الزنا والسرقة، والإجرام والقتل، وسفك الدماء، وحتى الحيوانات لا تعذب كتعذيبنا، ونحن ندعي الإيمان والإسلام، ونريد أن تفتح لنا أبواب السماء، وندخل الجنة دار السلام، ونحن نعيش على أوهام.

    والله قد حكم الله فينا وقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. وقال: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14]. والفجار هؤلاء ليسوا فرنسيين ولا إيطاليين، وإنما الفاجر منا هو الذي خرج وفجر عن نهج الله المستقيم، وعن طريقه المستوي، فترك الواجبات وأهملها، وأقبل على المحرمات وغشاها وتعاطاها.

    والفاجر من فجر، كما يتفجر الماء من الأنبوب. فكل من يترك الواجبات ويستهين بها ولا يبالي فهو والله فاجر، وكل من يغشى المحرمات على علم ومعرفة ويتعاطاها وهو يعرف أنها محرمة بالكتاب والسنة فهو فاجر.

    وحتى نخفف عن أنفسنا نقول: إن المسلمين منذ قرون لم يتربوا في حجور الصالحين، ولا جلسوا بين يدي المربين يربونهم على الأخلاق والآداب، ويزكون أرواحهم. وقد مضى أربعة قرون والمربون خرافيون استغلاليون، وكانوا يربون تحت شعار: التربية الصوفية، وكانت الأمة ما عدا أولئك همج يأكل بعضها بعضاً.

    وأنا لم أبالغ في هذا، فقد استعمر العالم الإسلامي باستثناء هذه البقعة حماها الله، وقد حكمتنا بريطانيا وهولندا، وبلجيكا وفرنسا، وإيطاليا وأسبانيا، وفعلوا بنا العجب، ولو كنا مؤمنين حقاً فوالله ما سلط الله علينا أعداءه وأعداءنا، وحاش لله! وهو ولي المؤمنين أن يأذن لأعدائه أن يهينونا ويضلونا.

    ولنقرأ قول الله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]. والله لا يكذب، وتعالى الله عن الكذب. وإلى الآن فنحن ما زلنا في سكرة، بل نزداد هروباً، ونزداد تعرضاً لغضب الله، ووالله إن غضب علينا الجبار مرة ثانية فإنه سيسلط علينا ما لم يكن في الحسبان، فلنتأدب ولنرجع.

    ونحن مازلنا مصممين على ألا نعود إلى الله، والبرهان والدليل على ذلك: أن دولنا من أندونيسيا إلى موريتانيا لم يبلغنا أن حكومة منها أصدرت قراراً ومرسوماً ملكياً جمهورياً سلطانياً بألا يتخلف مؤمن عن الصلاة أبداً إذا نادى المنادي، ولذلك لم يبلغنا أن دولة استقلت من شعوب العالم الإسلامي عربي أو أعجمي أصدرت مرسوماً جمهورياً: أنه لا بد من جباية الزكاة ومحاسبة المواطنين عليها بكل دقة؛ لأنها قاعدة الإسلام. فهذا لم يحصل، بل إنهم يجبون الضرائب الكافرة. ونحن لا نلوم المسئولين؛ لأنهم جهلة مثلي ومثلكم، فهم لم يجلسوا في حجور الصالحين، ولا تربوا بينهم. ولذلك فه لن يسموا ويكملوا ويرتفعوا.

    وأذكركم بقول إسماعيل وإبراهيم وهما يبنيان البيت العتيق، فقد قالا: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]. واستجاب الله وبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، فرباهم في حجره على الكتاب والسنة وزكاهم، فتخرج من بين يديه رجال لم تحلم الدنيا بمثلهم في عدلهم واستقامتهم، وفي طهرهم وصفائهم، وفي علمهم ومعرفتهم. والبرهان على هذا: أنه في خمسة وعشرون سنة تجاوز الإسلام نهر السند شرقاً والأندلس غرباً. وحدث كل هذا بالعلم وليس بالجهل، وبالطهر والصفاء، وليس بالخبث والنجس.

    الحيلة حتى نصبح مثل الصحابة: أن يبدأ كل شخص بامرأته وبناته وأولاده، ويستبدل بالتلفاز والفيديو كتاب المسجد وبيت المسلم. ويجتمعوا عليه، ويتعلمون ليلة آية وأخرى حديثاً طول العام، فيتغنون بالقرآن الكريم، ويهتدون بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحول ذلك البيت إلى كتلة من نور؛ حتى ترحل الشياطين ولا تقيم فيه، فتعذب كلمات أهل البيت، وتطيب نفوسهم، فتنخفض أصواتهم، ويتلاقون على ذكر الله وحبه. ونحن لا نستطيع هذا، ولا نقدر عليه، وعلماؤنا كحكامنا فالكل والله قد قصر، ولم يؤدي واجبه. والعلة هي أننا تعلمنا العلم في حجور الدكاترة، وتعلمناه للشهادات وللوظيفة، وليس لله، وحتى النساء هكذا أيضاً، وهذا العلم لا ينفع. والعالم الذي يدخن أو يحلق لحيته أو إن امرأته في الشوارع تتجول لا يستطيع أن يربي، ولا أن يزكي، وكذلك الحاكم لم يعرف الله أبداً، ولم يحفظ من أسمائه سوى الله، ولذلك فهو لن يستقيم على منهج الله.

    فهيا بنا نعود، وإذا أردنا العودة فلنبدأ من البيوت، فأهل كل بيت يجتمعون، ويتعلمون ليلة آية وأخرى حديثاً، وهكذا كل ليلة من المغرب إلى العشاء، أو من صلاة العشاء إلى أن يناموا، ولن يبقى من يقول البذاء، أو ينطق بالسوء، أو يشاهد عاهرة تغني، أو يسمع صوتها، أو يلهث ويجري وراء الدنيا، أو يتكالب عليها، بل تزكوا النفوس، وتطيب الأرواح، وتصبح البيوت كتلاً من النور هنا وهناك.

    ونعود إلى نداء أمس، فهو يبين أنه لا يحل لمؤمن أن يتناجى مع آخر ويتركان أخيهما الذي معهما؛ لأن ذلك يصيبه بالكرب والهم والحزن، فلا نتناجى بالإثم والعدوان، ولكن إن تناجينا فنتناجى بالبر والتقوى، كما قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]. وأما أن نتناجى وأخونا وحيداً يفكر فهذا لا يجوز؛ لأنه يؤذي ولي الله. ومن آذى ولي الله فليتحمل الجزاء. ولا تقولوا: ليس هناك أولياء لله، بل يوجدون، ولكن فيهم ضعف في الولاية، وفي المراتب؛ لأن الولاية رتب كرتب الجنود من عسكري إلى جنرال، فهم ليسوا في مستوى واحد، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضلهم أبو بكر ، ولم يسامه البقية أو يحاذوه، بل كانوا دونه.

    وكل مؤمن تقي فهو لله ولي، ولا يشترط لذلك بناء قبة، ولا وضع تابوت على قبره، بل نعترف لكل مؤمن يقيم الصلاة ويعبد الله بولاية الله، ومن ثم فلا نؤذيه ولو بنظرة شزرة، أو بصوتٍ عالٍ نزعجه به.

    ونعيد تلاوة نداء أمس؛ تذكيراً للناسين، وتعليماً لغير العالمين.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:9-10].

    وبعض الحاضرين قالوا: نريد هذه النداءات، فقلنا: تعالوا بعد العصر إلى البيت، وكل واحد يأخذ نسخة، فلم يأت أحد، وقال: لا نعرف البيت، والذي لا يعرف يسأل، والقاعدة ربانية تقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534605

    عدد مرات الحفظ

    777183739