إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (114)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ضرب الله عز وجل مثلاً بمن خرجوا من ديارهم من بني إسرائيل فراراً من الموت فأماتهم الله عز وجل ثم أحياهم، فكان ضرب هذا المثل في هذا السياق توطئة للأمر الإلهي للمؤمنين بالجهاد في سبيله من أجل أن يعبد وحده سبحانه، ومن أجل رفع الظلم عن المظلومين، ثم أمرهم سبحانه وتعالى أن يقرضوه قرضاً حسناً لأجل إعداد العدة والإنفاق على الجيوش التي تخرج مجاهدة في سبيل الله.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في دراسة كتاب الله في هذه الليلة؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الرجاء، فأنت ربنا وولينا، ولا رب لنا ولا ولي لنا سواك.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:243-245].

    ذكر حادثة إماتة الفارين من بني إسرائيل من الطاعون

    معاشر المستمعين والمستمعات! هذا الاستفهام: أَلَمْ تَرَ [البقرة:243] موجه إلى من؟ إلى من أنزل الله عليه كتابه، واصطفاه ليبلغ عنه شرعه ودينه، هذا الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا حادثة مضت في التاريخ؟ هذه الحادثة كانت في بني إسرائيل على عهد حزقيل عليه السلام، ولعلهم طولبوا بالجهاد، فجبنوا وآثروا الدنيا على الآخرة، فأصابهم الله بوباء طاعون، عافانا الله وإياكم وسائر المؤمنين، ففروا هاربين من تلك المدينة، وهذه المدينة في شرق واسط، يقال لها: داوردان، عاصمة مدينة كبيرة يسمونها في الزمان الأول بالقرية، ففروا هاربين وكانوا ثلاثين ألفاً أو يزيدون، إذا قال تعالى: وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243].

    إذاً: فأماتهم الله عز وجل موتة واحدة، ثم سأله عبده ونبيه حزقيل إحياءهم فأحياهم أجمعين، حادثة من أحداث التاريخ، والله! لكما تسمعون: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243]، خرجوا حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ [البقرة:243] بأمر التكوين: مُوتُوا [البقرة:243]، فماتوا عن آخرهم، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243].

    دلالة الآية الكريمة على تعرض القاعدين عن الجهاد للبلاء

    وهذا المثل الصالح لكل أمة تجبن وتقعد عن الجهاد في سبيل الله، قد يصيبها الله بوباء، قد يصيبها بجدب وقحط، قد يصبها بمحنة مقابل عصيانها، والحامل عليه هو الخوف من الموت، مع أن الموت كتبه الله على كل نفس، وله ساعة محدودة لا تتقدم ولا تتأخر.

    وهذه الآية نزلت أيام كان المؤمنون يدعون إلى الجهاد، حيث أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين من كل جهات الدنيا، ولا بد من أن يقاتلوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ ليعلمهم ما ينبغي أن يكونوا عليه، ألا وهو الصبر والجهاد، فإن الفرار من الموت لا يقي من الموت، يفرون منه وهو ملاقيهم، فر الرجل من الموت هارباً وإذا الموت يلاقيه في طريقه، فلم إذاً؟

    معنى قوله تعالى: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، حقاً وصدقاً إن الله لصاحب فضل عظيم على الناس:

    أولاً: وهبهم حياتهم، وأوجد وجودهم.

    ثانياً: أوجد لهم هذا الكون بكامله، ومقومات الحياة من الهواء والغذاء والماء، ثم يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل، هذه العطايا الإلهية لم لا تشكر؟

    إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243] فضل عظيم، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، ولم لا يشكرون؟ لأن الشياطين تمنعهم من أن يشكروا، تصرف قلوبهم وألسنتهم وجوارحهم عن طاعة الله عز وجل، وشكر الله كما يكون باللسان بأن نقول: الحمد لله معترفين بنعمه علينا؛ نشكره أيضاً بطاعته بفعل ما يأمرنا بفعله، وترك ما يأمرنا بتركه، ويكون أيضاً بصرف النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها على العبد، صرف النعم فيما وهبها الله لعبده أن تصرف فيه، هذا هو الشكر.

    ولهذا تقرر وبيننا وعلمنا أن الشكر أولاً يكون بالاعتراف بالقلب، اعترف بالنعمة لله عز وجل، ثم ترجم ذلك بلسانك، وقل: الحمد لله، ثم اصرف تلك النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها عليك، وإياك أن تصرفها فيما يغضبه ولا يرضيه عنك.

    الإرشاد النبوي بشأن دخول أرض الطاعون والخروج منها

    وهنا يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الطاعون الذي يوجد الآن في هذه الأزمنة؛ ذكر أن سببه بقية من بقايا أصيب بها طائفة من بني إسرائيل، مضى زمان على البشرية وما وجد هذا المرض، وأول ما وجد في بني إسرائيل في طائفة منهم، قد تكون هذه الجماعة التي فرت من الوباء.

    إذاً: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض وأنتم لستم بها فلا تقدموا عليها )، وهذا ما يعرف الآن بالحجر الصحي، أي: المنع الصحي؛ حتى لا ينتشر الوباء، هكذا يقرر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عن الطاعون: إنه بقية مرض أو رجس أصاب طائفة من بني إسرائيل بذنوبهم عقوبة من الله تعالى لهم.

    وبناء على هذا أيها المؤمنون: إذا نزل هذا الوباء في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه، فقد خرج هؤلاء فأماتهم الله، خرجوا هاربين، إذاً: فأنزل الله بهم الموت فماتوا، ثم أحياهم للعظة والعبرة، وإذا نزل ببلاد وأنتم خارجها فلا تدخلوا عليهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530912

    عدد مرات الحفظ

    777158849