إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (125)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن تطلع الإنسان إلى معرفة قدرة الله والنظر في إعجازه مما فطر عليه الإنسان، لكن فرق بين من تطلع إلى ذلك مستبعداً له وشاكاً فيه، وبين من تطلع إليه موقناً به ومؤمناً إيماناً صادقاً، أما مثال الشاك فهو ما وقع من عزير عليه السلام حين مرّ على القرية التي دمرها البابليون فاستبعد عودتها كما كانت، فضرب الله له مثلاً في إماتته ثم إحيائه ونظره إلى حماره والحياة تعود إليه شيئاً فشيئاً حتى آمن وأيقن، ومثال المؤمن المصدق إبراهيم عليه السلام الذي سأل ربه أن يريه مثالاً لإحياء الموتى، فأراه سبحانه قدرته وعظيم صنعه في تلك الطير التي أعاد إليها الروح بعد تقطيعها وتفريقها في الأرض.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.

    وها نحن مع هذه الآية المباركة من سورة البقرة المباركة:

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259].

    هذا الكلام من يستطيع أن يأتي به؟ هذا كلام الله رب العالمين، فقولوا: آمنا بالله!

    ومحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الأمي العربي فرد من أفراد الأميين يقص هذا القصص كأنه حاضر وشاهد الأحداث كما هي، كيف يتم هذا لولا أنه رسول يوحي الله إليه بالأنباء والأخبار التي يستحيل على البشر أن يردوها بمنطق أو حجة أو دليل؟

    أثر ولاية الله تعالى لعباده المؤمنين

    وهذه الآية كسابقتها دليل على قوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة:257]، من ظلمات الجهل إلى نور العلم.

    وبالأمس كان الخليل إبراهيم في السجن ويسأله ملكهم النمرود عن ربه: من ربك؟ قال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، قال الطاغية: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، فألهم الله الحجة لإبراهيم صاحب الإيمان والنور فقال: إن ربي يأتي بالشمس من المشرق فائت بها أنت غداً من المغرب! فبهت الذي كفر، انقطع ولم يستطع الجواب أو يتكلم بكلمة، وكيف يرد هذا؟ هل يقول: سنعمل ذلك؟

    فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، وهذه الجملة المذيل بها الكلام تزن الدنيا وما فيها، اسمع: إن الله لا يهدي القوم الظالمين إلى ما فيه سعادتهم وكمالهم، إلى ما فيه عزهم وانتصارهم، إلى ما فيه سعادتهم، إلى أي خير؛ لأنهم ظلموا وخرجوا عن الطريق وهم يتقلبون، فمن يهديهم؟ آمنا بالله.

    وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] إلى ما فيه كرامتهم وطهرهم وصفاؤهم وعزهم وسعادتهم ونصرتهم على أعدائهم، ولكن الله هدى إبراهيم للجواب المفحم القاطع الذي بهت به العدو أمامه.

    أثر ولاية الله تعالى لإبراهيم الخليل في محاجة النمرود

    أعيد تلاوة الآية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة:258]، يكفر ويتعالى ويطغى، وهذه لفتة أيضاً عجيبة: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، وجربنا هذا حتى في إخواننا، ما إن يحصل على قرش أو مركبة حتى يتكبر، كان بهلولاً من الصالحين يكنس المسجد ويمشي مع الناس، ما إن يرتفع حتى يتكبر، ما استعمل تلك الأرقام الثمانية في قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] إلى آخر الآيات.

    كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، والأمة ما تعالج في هذه المستشفيات وما يعرفونها ولا سمعوا بها، فكيف تراهم إذاً؟ الظلم والشر والخبث والفساد والخيانة، مرضى وما عولجوا في مستشفيات النفس، فعلاج النفس في المستشفى الرباني الإلهي، ودعنا من البكاء فإنه لا يجدي، وهيا نتمم الآية تلاوة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258]، هذا مظهر من مظاهر ولاية الله لأوليائه ونصرتهم، الطاغية النمرود بكل قواه فشل وما استطاع أن يجيب، فأمر به فألقي في النار، فقال الرب جل وعز خالق كل شيء: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69]، فوالله! لم تأت النار إلا على كتافه في رجليه ويديه، وخرج وجبينه يتصبب عرقاً، وتركهم وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100]، فأول هجرة في الله تعالى عرفتها البشرية هجرة الخليل إبراهيم.

    فلم المسلمون ما يعرفون هذا؟ لأنهم يقرءون القرآن على الموتى فقط، أما على الأحياء فممنوع، القرآن يقرأ على الموتى، وهناك نقابة، فبالتلفون اتصل: مات عندنا ميت، فيقول: من فئة المائة ليرة أو من فئة خمسمائة، فإذا كان فقيراً فمن فئة المائة، والغني من فئة خمسمائة، وأبناؤنا يقرءون القرآن في الكتاتيب لهذا الغرض، لا ليعرفوا الله وما عنده، أكثر من ثمانمائة سنة ونحن هابطون.

    فالقرآن حين يقرأ على الموتى فإني أسألكم بالله: هل سيقومون ليعبدون الله؟! والله يقول وقوله الحق: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69]، رد على من قالوا: القرآن شعر، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70]، أم قال: لتقرأه على الموتى؟ وقال: لينذر من كان حياً أو من كان ميتاً؟

    ونحن إذا مات فلان قيل لطلبة القرآن: احضروا سبع ليال، وإن كان غنياً فإحدى وعشرون ليلة وهم يقرءون القرآن ويضحكون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088468507

    عدد مرات الحفظ

    776898362