إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (41)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الفسق، الكفر، نقض العهود، مخالفة الشرع.. وغيرها كثير من الصفات التي يتمتع بها اليهود، وبيّنها القرآن، فهم يرون الآيات واضحات جليات كالشمس، ثم يعمهون عنها، ويعاهدون ثم ينقضون، أما الكتب السماوية المنزلة فتراهم يضعونها وراء ظهورهم، معرضين عنها، مخالفين لها، وكأنهم لا يعلمون شيئاً.
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها، وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ .. [البقرة:99-102] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا كتاب الله، وهذه كلمة الله جل جلاله وعظم سلطانه، والواسطة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عليه أنزل هذا الكتاب الكريم، ولنستمع إلى هذه الكلمات الإلهية.

    المراد بالآيات البينات

    يقول تعالى وهو يخاطب رسوله ومصطفاه محمداً صلى الله عليه وسلم، يقول: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [البقرة:99] حقاً حقاً، فالله هو الذي أنزل على رسوله آيات بينات، وهي آيات القرآن الكريم، إذ لفظ الآية قد يطلق ويراد به المعجزة الدالة على صدق النبي، والمقررة لنبوته ورسالته، وقد يكون بمعنى الآيات التي تحوي الهدى، وتحمل الشرائع والأحكام.

    والمراد من الآيات هنا آيات القرآن العظيم، وهي ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، وكل آية هي علامة على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فكل آية كأنما تصرخ: يا عباد الله! إنه لا إله إلا الله الذي أنزلني وأن محمداً عبده ورسوله إذ أنزلني عليه، والآية هي العلامة الهادية إلى الشيء، فالآية أنزلها الله، وهو موجود، عليم، حكيم، قوي، قدير، فلا يعبد إلا هو، فهي تقول: لا إله إلا الله. والذي أنزلت عليه لن يكون إلا رسول الله. فتقول: محمداً رسول الله.

    ولهذا كل الشرائع والأحكام والعبادات تدخل ضمن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمن أراد أن يدخل في رحمة الله فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم يغتسل ويصلي، وهو مستعد لتحمل أعباء هذه الملة، فإن كانت جهاداً جاهد، وإن كانت صياماً صام، وإن كانت زكاة زكى .. وهكذا؛ لأنه عرف عن علم وشهد شهادة عالم أنه لا إله إلا الله، فلم يعبد إلا الله، وليعبد الله بما يريد الله أن يعبد به.

    إذاً: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [البقرة:99] واضحة فيما تدل عليه، فلا غموض، ولا خفاء، ولا لبس، ولا إشكال، ولا .. فهي بينة كالشمس، فالقرآن لا توجد فيه آية غامضة أبداً، بل آياته واضحة وضوح الليل والنهار.

    معنى قوله تعالى: (وما يكفر بها إلا الفاسقون)

    قال: وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ [البقرة:99]، أي: وما يجحد بتلك الآيات البينات ويغطيها، ويسترها، ويتجاهلها إلا القوم الفاسقون.

    فإن قيل: ما السر؟ ما العلة؟ ما الحكمة؟ أيها المناطقة! لِم لا يكفر بها إلا الفاسقون؟

    الجواب أيها الأحباب: لأن الفاسقين غرقوا في الأهواء، والشهوات، والأطماع، والأموال، والدنيا، فإذا جاءت الآية تريد أن تمنعهم من شرب الكأس يكفرون بها .. جاءت الآية تريد أن تصرفهم عن اللهو، والباطل، والعبث، لا يقبلون .. جاءت الآية تأمرهم بالعدل وهم ظلمة لا يقبلونها .. جاءت الآية تأمرهم بالاستقامة فلا يريدونها؛ لأنهم ألفوا الاعوجاج والحياة عليه.

    فقوله: وَمَا يَكْفُرُ بِهَا [البقرة:99] أي: وما يجحدها ويتنكر لها بعد أن عرفها، وعرف ما تدعو إليه، وتهدي إليه: إِلَّا الْفَاسِقُونَ [البقرة:99]. والفاسقون: جمع فاسق.

    فإن قيل: لِم ما قال: (والفاسقات)؟

    الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله. أكرمنا الله، فعرف أننا ذوو غيرة، فلا نقبل أن يتحدث الناس عن نسائنا، أو يتكلم عن حلائلنا، أبداً، ومن إكرام الله لهذه الأمة أن لا يدخل النساء في كل كلام.

    وقد سمعنا ما جاء في تلك الورقة التي يقول فيها أحدهم: صوت النساء عورة! خرافة.

    فإن قيل له: لِم يا عم خرافة؟

    الجواب: لأنه يريد للمرأة أن تحاضر، وتخطب، وتتكلم في المذياع والتلفاز بصوتها الرفيع، وهي تلوي رأسها بعد أن تحسن حالها وشعرها، وتجعل الأحمر في خديها، فلهذا الغرض فقط!! فما قالوا: ليس بعورة إلا لهذا! فهم يريدونها أن تعهر وتفجر، وتخرج من دائرة كمالها وحشمتها واحترامها إلى أن تصبح صعلوكة من صعاليك النساء، تجادل وتخاصم، وتحاضر، فكشفهم الله، وعرفنا خباياهم.

    ونحن نقول: من منع المرأة أن تتكلم للضرورة .. تتكلم للحاجة الماسة التي لابد منها، وإذا تكلمت في حدود المصلحة، ولو تزيد كلمة فإنها تكون قد عصت ربها، وفسقت عن أمره.

    وكثيراً ما بينا هذا، وعرفه الصالحات، فإذا قرع أحد بابها فإنها تقول: من، ولا تقل: (مِـيِين) وهذه الإمالة لا وجود لها في لسان العرب، فهذا الحرف لا يمال، إنما يمال: موسى .. عيسى، أما أن تقول: (مِـيين) هكذا بالإمالة فلا، بل تقول: (مَنْ) قاسية هكذا.

    فإن قيل لها: أين زوجك؟ فإن كانت تعرف تقول: في البيت .. في السوق .. في المسجد. ولا تزيد على الجار والمجرور حرفاً واحداً أبداً، فإن زادت كلمة أخرى فهي آثمة، كأن تقول: عفواً قد يكون الآن في السوق .. مع الأسف في مثل هذا الوقت لا يكون في السوق.. إذاً ممكن الآن في طريقه إلى كذا. فهذا الكلام حرام.

    فإن قيل: من أين لك يا هذا يا شيخ؟ فإنك تدعي هذه الدعاوى الباطلة، فدلل وبرهن من قال الله .. وقال رسوله؟

    الجواب: نعم، أما قال الله تعالى للأميرات أزواج محمد وبناته: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:32-33]، ومعنى قوله: وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا أي: ما فيه الحاجة، أما أن تسترسل في الكلام مع الأجنبي فقد فتحت له باب المحنة.

    ويغالطوننا ويقولون: ماذا هناك؟ ونحن نعرف أن الفحل إذا سمع صوت الأنثى فإنه يهتز وتتحرك أعطافه.

    ومع ذلك يقول: لا.. لا، هذا ليس بمعقول.

    نقول: هؤلاء يخادعون ويغالطون من؟! فهذه الغرائز غرزها الله .. هذه الطبائع طبعها الله، فمن يبدل خلقة الله، ويقول: ماذ هناك إذا تكلمت معها أو ضاحكتها أو صافحتها؟

    نعم، إذا كان هذا الفحل لا يرى طاعة لله .. لا يرى فسقاً عن دين الله، لا يرى غيرة .. فسيقول: ماذا هناك؟

    أما إذا كان يحافظ على زكاة نفسه حتى لا تتحول إلى خبث، وإلى زكاة نفس تلك المؤمنة حتى لا يحولها إلى خبث، فهو يحاول أن يقلل ما استطاع من كلمه وحديثه مع هذه المؤمنة.

    والشاهد غرقوا في الفسق.

    ومعنى الفاسق: خارج عن الطاعة. مأخوذ من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وسميت الفأرة فويسقة؛ لأنها تخرج من جحرها على أهل البيت، وتريد أن توقد عليهم النار، أو تأكل عجينهم.

    فمن فسق عن أمر الله أي: عدل عنه وخرج عنه فقد فسق، ولا يزال المرء يفسق يوماً بعد يوم حتى يطبع على قلبه، فلا يسمع نداء، ولا يعرف إجابة إلى هدى، فقد انتهى أمره لمغالاته في الفسق، وهذه الحقيقة واضحة.

    الإسلام يحذر من الاستمرار في المعصية ويدعو إلى التوبة الفورية

    الذي يألف شيئاً ويعتاده زمناً طويلاً يتعذر عليه أن يتركه، وقلّ من يستطيع أن يترك عادة تعودها وأشربها في دمه ولحمه، فلهذا الإسلام يحذر من الاستمرار على المعصية، ففرض التوبة وشرعها وأوجبها، وأوجب أيضاً الفورية فيها، لا تقل: سأتوب بعد يوم أو عام، أو بعد شهر أو كذا كذا، كل هذا باطل، فإذا زلت القدم وسقطت، وفعلت المعصية، فمن ثم وأنت تصرخ: لا إله إلا الله قل: أستغفر الله، وأتوب إليه، وكلك عزم على أن لا تعود إليها، ولو صلبت، وذبحت، وقتلت، وهذه هي التوبة على الفور.

    أما أن تقول: سأتوب فهذا حرام، فمن يحييك غداً حتى تتوب.

    وكلنا يعرف آية سورة النساء فهي محفوظة لدى المؤمنين والمؤمنات، وفيها بيان كافٍ شافٍ، إذ قال تعالى وقوله الحق: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17] فالله هو الذي تكرم وامتن وأنعم، فجعل التوبة عليه واجبة، وأوجبها على نفسه، فهو يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد، وتعهد بذلك لأوليائه وعباده فقال: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17].

    ولنتأمل هذا الهدى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ فأثبتها وأوجبها على نفسه تفضلاً منه وامتناناً، ولا يوجب على الله مخلوق من المخلوقات شيئاً، بل هو الذي أوجب على نفسه بنفسه بهذه الصيغة: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ والسوء هو ما يسيء إلى نفسك، كأن يقع عليها مثل الدخان، فتسود وتظلم، ثم تعفن وتنتن وأنت لا تشعر، لكن لما تتلطخ النفس وتخبث يظهر ذلك حتى في البهائم، ولا يبقى سراً مكتوماً، فيظهر أثر ذلك في سلوكك .. في منطقك .. في مشيتك .. في معاملاتك .. في حياتك كلها، كالمرض يظهر في سلوك المريض، فيصبح لا يقوى على الكلام .. لا يقدر على الأكل .. لا يستطيع النوم .. لا يقوى على المشي، فأعراض المرض قد ظهرت فيه، فإذا مرضت النفس والله ليظهرن ذلك في سلوك هذا المسكين، كما يظهر المرض في جسمه سواء بسواء.

    إذاً: ما يسيء هو السيئة وهو السوء.

    قال: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ [النساء:17] أي: ما يسيء إلى نفسه.

    وعلى سبيل المثال: فإن الكذب.. السب والشتم .. الخيانة .. الغش .. السرقة .. الكبر .. العجب، كل هذه تسيء، وغيرها من سائر الذنوب والمعاصي وتحدث أثراً سيئاً على النفس البشرية التي هي السلطان في الجسم.

    ثم قال: بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، فهو يعمل المعصية وهو لا يريد أن يتحدى الله، أما الطغاة والجبابرة الذين يعلمون ويريدون أن يتحدوا الله قائلين: افعل ما تشاء فأنا ضدك، فهذا لن يتوب الله عليه، ولا توبة له.

    وإنما المقصود بأهل التوبة من يعملها مع نوع من الجهل، وقد فسرنا ذلك غير ما مرة، فتجده يقوله: ها هو الشيخ الفلاني يفعل كذا، وأنا مثله؟ وآخر يقول: لو كان هذا حراماً فكيف تأذن به الحكومة؟ وآخر يقول: إن شاء الله إذا تزوجنا نترك هذه المعصية، وآخر يقول: إذا توظفت إن شاء الله كذا، فهذه أنواع الجهالة، لا أنه يتحدى الله فيقول: أمرتني وأنا لا أفعل، وافعل ما تشاء. فذاك صاحبه لا توبة له، فلهذا تأمل هذا القيد: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]. وقد تجد من يقول: ممكن هذا غير حرام، فها هو فلان يفعله، فيسهل عليه أن يفعل هذا. هذا هو نوع الجهالة.

    ثم قال: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17]، والقرب نسبي، فمن الجائز أن المرء قد يقارف ذنباً عشر سنوات ويمكن أن يتوب منه، ومن الجائز أن يقارفه مرة ولن يتوب، ففي ليلة واحدة فقط يسهر في مخمرة ومزناة ثم يخرج لا يعرف الله.

    فما دامت أن القضية بهذه الصورة فلا ينفعك إلا الفورية في التوبة، والإسراع على الفور، فأنت لا تضمن أنك تعيش عشر سنوات أو عشرين سنة، ولا تضمن أنك تتوب أو لا تتوب، ولا تضمن شيئاً أبداً، لأنك في قبضة الله، ولست في قبضة نفسك، والله قد أرشدك إلى أن تتوب على الفور.

    ولهذا بالإجماع أن التوبة لا تؤجل حتى الحج .. حتى رمضان. فإذا زلت القدم، ووقعت على الأرض فقل: أستغفر الله وأتوب إليه.

    المراد بقوله تعالى: (الفاسقون)

    قول ربنا: وَمَا يَكْفُرُ بِهَا [البقرة:99]، فما قال: إلا اليهود أو إلا النصارى .. إلا المشركون .. إلا الأغنياء .. إلا الفقراء. إنما قال: إِلَّا الْفَاسِقُونَ [البقرة:99]، والسر في هذا أن الذي يتوغل ويمشي في طريق الضلال دهراً طويلاً يتعذر عليه أن يعود، فلا يستطيع؛ فلهذا الذي يفسق ويفسق في: الزنا .. الربا .. قتل النفس .. الخيانة .. الكذب .. ألـ .. ألـ، يصبح غير قابل للتوبة، فيكفر بالقرآن قائلاً: دعنا من هذا، أنا لا أؤمن بهذه الكلمات التي تمنعنا، وتحول دون رقينا وسعادتنا، وكل هذا نشاهده ونسمعه.

    أما الإنسان النقي الطاهر سواء كان يهودياً أو نصرانياً فإنه إذا سمع آيات الله تتلى، وفهم ما تدل عليه، وتهدي إليه، فإنه يقبلها، ويرغب فيها ويحبها، وليس هناك موانع.

    أما من كانت لديه موانع كحال رؤساء الكنائس والبيع اليهودية، وحال رؤساء مشايخ الطرق، وكذلك هو حال رؤساء الشعوب، فهم لا يريدون أن تخرج الشعوب من أيديهم؛ لأنهم استغلوهم، وتحكموا فيهم، فلا يقبلون هدى الله لذلك.

    والمراد في قوله: وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ [البقرة:99] هم فساق اليهود، فما كل اليهود يرفضون آيات الله، ولكن فيهم أمثال ابن صوريا الأعور وفلان وفلان الذين لهم سلطة يتحكمون بها في الشعب اليهودي فيرفضون الآيات، ويكفرون بها؛ لأنها تحول بينهم وبين مرادهم، وهذا ما هو ببعيد أبداً، فإنك تجده بيننا، والذي توغل في أية معصية لا يستطيع أن يتخلى عن المعصية، ولا يؤمن بالآيات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088485129

    عدد مرات الحفظ

    776953302