إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (68)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • منح الله عز وجل معيته لمن صبر وأقام الصلاة من عباده، ومعية الله سبحانه وتعالى تقتضي التأييد والنصرة والرعاية، كما وهب الله عز وجل الحياة لمن قتل في سبيله، وأعد له عنده سبحانه مقاماً كريماً، وأمنه من فتنة القبر، ومن فزع يوم العرض، ذلك أنه بذل نفسه وروحه في سبيل الله، وأراق دمه طلباً لمرضاته، واستعجالاً لأجره وثوابه.

    وقفات مع جملة (إنا لله وإنا إليه راجعون)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:153-157].

    فضلها ومعناها

    قبل أن نشرع في تفسير الآيات أقول: إن كثيرين من عوام المسلمين لا يحفظون هذه الجملة ويحفظون أغنيات متسلسلة، ويعجز أن يحفظ هذه الجملة، وهي: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، فهل يعجز المؤمن أو المؤمنة أن يعيد كلمة من كلام الله، هل يستطيع أن يقص القصص ويحكي أطول الحكايات ويعجز عن هذه الجملة: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ والله! إنها لتزن ما على الأرض من ذهب، فـ ( ما من مؤمن يصيبه الله بمصيبة -في نفسه أو ماله أو ولده- فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها؛ إلا آجره في مصيبته وأخلفه خيراً منها ).

    ومعنى قوله: (إنا لله) أنه ما دمت تعترف أنك لله فإذا قتلك الله، سلبك الله، فعل ما شاء أن يفعل بك؛ فأنت عبد له، كما إذا رأيت الرجل يذبح شاته فهل تقول: لا تذبحها؟ رأيت الرجل يهدم جداره، فهل تقول: لا؟ رأيت الرجل يطالبك بأماناته عندك، فهل تقول: لا؟

    فأنت عبد الله، فإذا أراد منك شيئاً فكيف تجزع؟ كيف تسخط؟ كيف تقول الباطل؟ وعهدناك إذا طلب منك شيء مما هو لغيرك تسلمه ولا تغضب ولا تسخط، وإذا أراد الله منك شيئاً من مالك أو من أولادك أو من نفسك تسخط وتغضب وتجزع، بل يقولون الهجر وينطقون بالباطل والكفر، فما سر ذلك؟ ما حفظوا هذه الجملة، ما هم في حاجة إليها، ما وجدوا يوماً من يرغبهم أو يحثهم أو يحضهم على حفظ كلمة من كلام الله، يعيش أربعين سنة ما يحفظها.

    ثواب قولها

    أيها المستمعون ويا أيتها المستمعات! إذا قال العبد: إنا لله وإنا إليه راجعون، فاسمع الجزاء: أُوْلَئِكَ [البقرة:157] السامون، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157].

    لأن الذي إذا أصابته مصيبة عرف وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما تفوه بكلمة سوء، ولا تململ ولا تضجر، ولا ظهر في صفحات وجهه سخط ولا غضب، إنما رضي بقضاء ربه وحكمه، وهون على نفسه بقوله: إنا لله، فما دمنا له فليأخذ ما شاء منا وليبق ما شاء، يرفع منا ما شاء ويضع ما شاء، فنحن ملكه، فإنا لله.

    ثانياً: وإليه راجعون، فما دمنا راجعون إليه فإذا مت أو مات ابني أو مات أبي أو أخي أو امرأتي فهذا الموت أليس رجوعاً إلى الله؟ أما جئنا بإيجاده والرجوع إليه، فكيف نغضب؟ كيف يغضب الإنسان أن يرجع إلى الله؟

    هذه الكلمة لها وزنها وقيمتها، انتفع بها السالفون الأولون وجاء الجهل وغطى العالم الإسلامي، ألف سنة وهم في تيهان.

    أُوْلَئِكَ [البقرة:157] الذين يقولون هذا عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:157]، يغفر ذنوبهم ويرحمهم، وماذا بقي إذا غفر ذنبك وأدخلك الجنة، هل بقي طلب آخر؟

    وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] في طريق الكمال وسبيل السعادة، المهتدون إلى رضا الله عز وجل.

    قول ربنا جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ [البقرة:153]، إنه الصبر الذي يكون لنا عوناً على النهوض بالتكاليف فعلاً وتركاً، الصبر الذي يجعلنا نحبس أنفسنا حتى لا تتململ ولا تتضجر ولا تسخط، هذا الصبر على الطاعات، وحبس النفس بعيدة عن الشهوات والمعاصي، والصبر على القضاء والقدر بالابتلاء بفقد المال أو الولد، هذا الصبر حين يتم بشر صاحبه بأن الله تعالى معه: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، لا يضيعهم، لا يخسرهم، لا يهلكهم، لا يكربهم ولا يحزنهم، لا يفوت النعم عليهم؛ لأنه معهم، أيما صابر في ميدان من الميادين لا يفقد ثمار ذلك العمل بوعد الله، ومن جزع وانقطع وما واصل العمل خاب وخسر.

    قد عرفنا قيمة الصلاة، وما واصلنا الحديث فيها، فنقول بإيجاز:

    إقام الصلاة -كما علمتم- أن تؤدى في أوقاتها التي حددها الله وبينها، إذ قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود:114]، وقال: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18]، الإمام الشافعي أخذ أوقات الصلوات الخمس من هذه الآية من سورة الروم، ومالك رحمه الله أخذها من قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، وقد عرف المؤمنون والمؤمنات أوقات الصلاة: الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء.

    هذه الصلاة إذا أديت في أوقاتها نفعت، أما الذي يصليها قبل حلول وقتها فصلاته باطلة، والذي يؤخرها حتى يخرج وقتها خسر، ( من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله )، هذه الصلوات الخمس من شرط إنتاجها وتوليدها للإيمان والطاقة أن تؤدى أولاً في أوقاتها، ثانياً: في بيوت الله مع عباده المؤمنين، ولا يصلين أحد في بيته أو دكانه أو مزرعته إلا إذا بعد عن المسجد بثلاثة كيلو متر، وأقل من ثلاثة كيلو متر ينبغي أن يشهد الصلاة، وإن كان ذا عذر كمرض أو تمريض أو حراسة أو حماية فإنه يصلي حيث أمكنه، أما أن يكون في ديار الإسلام وبين المؤمنين والصلاة تقام في بيوت الله وهو يتحدث ويضحك حتى تفرغ الصلاة ويقوم يصلي، فهذه ما تنتج شيئاً، كالذي دخل الحمام وخرج وما غسل ولا نظف.

    ثم لا بد أن تؤديها على الوجه المطلوب، كما علمها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قلنا: نزل جبريل من السماء وصلى برسول الله في الكعبة يومين، علمه أوقاتها وكيفيتها، فمن لم يطمئن في الركوع أو في السجود أو في القيام أو الجلوس فصلاته باطلة، من لم يحسن قراءة الفاتحة مجودة مرتلة فصلاته باطلة، وما معنى باطلة؟

    لا تولد له النور، الصلاة عبارة عن مولِّد النور، وتعرفون مكائن توليد الكهرباء التي تشترونها لبيوتكم، مكينة تدور فتولِّد الكهرباء، وهذه الكهرباء من أين؟

    والصلاة مولِّدة للنور حقاً وصدقاً، ما إن يشع في صدرك حتى يظهر على بصرك.. على سمعك.. على لسانك، يظهر في سلوكك، ومن فقد هذا النور فهو كالأعمى يتخبط في كل واد للضلالة.

    وأنتم تعرفون أن فقهاءكم يقولون: إذا صليت قبل الوقت فصلاتك باطلة، وكذلك باطلة لأنك ما ركعت فيها الركوع المطلوب، فما معنى باطلة؟ أي: لا تولد الطاقة النورانية.

    وملايين الناس إلى اليوم كيف يصلون؟ يقول أحدهم في عجلة: الله أكبر، سمع الله، ربنا لك الحمد، الله أكبر، يركض ركضاً، ولا يجد من يذكره، ولا من ينبهه، ولا من يعلمه، ونحن نركض وراء الحياة، فلم نحيا؟ لمن حياتنا؟ لله، فهل قال الله هكذا؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! فما دمت له فلم لا تؤدي خدمته المطلوبة منك كما يطلبها ويرضاها؟ لم تبخسها وتنقصها؟

    وورد عن أبي القاسم الهادي صلى الله عليه وسلم قوله: ( أسوأ الناس سرقة -أقبح الناس سرقة- من يسرق في صلاته )، السارق تقطع يده، والسرقة قبيحة كيفما كانت، وأقبح سرقة على الأرض أن يسرق المصلي من صلاته، بدل أن يتم في خمس دقائق يصليها في دقيقة.

    أثر إقامة الصلاة في حياة العبد

    قد تقول: يا شيخ! لم تشدد هذا التشدد؟ فأقول: لما علمتم، فإنها لا تنتج له النور، فيخرج من المسجد يشهد شهادة الزور، يخرج من المسجد يلاحق النساء ببصره ويده، يخرج من المسجد يجلس على كرسي الربا يبيع ويشتري، أين ذلك النور الذي أشرقت له نفسه؟ ما كسب نوراً، ما حصل على نور، فهو في الظلام، وهل الماشي في الظلام تلومه إذا جلس على حية أو وطئ شوكة؟ ما عنده نور، واقرءوا قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، لم يا رب؟ الجواب: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، القرية المدينة الإقليم المملكة إذا أقام أهلها الصلاة نساء ورجالاً أمنت، فلا زنا، لا كذب، لا سرقة، لا شهادة زور، لا اعتداء، لا سفك دماء، تلقائياً.

    بالأمس قلت لكم: تفضلوا، امشوا إلى أي محافظ في محافظات العالم الإسلامي وقولوا: يا سيد! أعطنا قائمة بأسماء المجرمين في هذا الأسبوع أو هذا الشهر أو هذا العام، قلت لكم: إن وجدتم من أهل الجرائم أكثر من خمسة في المائة من مقيمي الصلاة فاذبحوني، وخمسة وتسعون من تاركي الصلاة ومن المصلين الذين لا يقيمون الصلاة؛ لأن الذي يناجي ربه في الصباح والمساء في أوقات معينة في الليل والنهار ويتكلم معه ويبكي بين يديه ويتحدث معه هل يخرج من المسجد ليعصيه ويخرج عن طاعته؟ كيف يتم هذا؟ لا يتم، والذي يسرق ويفجر ويزني ويكذب ويسب ويشتم ويحسد ويبغض ويغتاب وينم هو عبد لا يصلي، أو يصلي صلاة باطلة ما تنتج له النور، فيعيش في الظلام، يسب حتى أمه، هل عرفتم هذا؟

    أزيدكم برهانا: قلت لكم: هل كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في دولته بالمدينة لمدة عشر سنوات شرطة وبوليس ورجال الأمن؟ هل كان للخليفة الصديق رجال أمن وقوة؟ هل كان لـعمر بوليس ورجال الأمن؟ هل كان لـعثمان رضي الله عنه رجال بوليس؟ هل كان لـعلي ؟ الجواب: لا، فكيف ساد الأمن؟ كيف تم ذلك الأمن؟ تم بإقام الصلاة، الذي يتكلم مع الله ربع ساعة ما يستطيع أن ينساه في دقائق ويفجر عن نظامه وقانونه وسننه.

    وإن قلتم: ما ندري، فوالله! لكما تسمعون، ما كان لدولة الراشدين بوليس أبداً، وساد أمن وطهر وصفاء ما يستطيع أحد أن يثبت مثله في الحياة.

    دولة عبد العزيز أنموذج لأثر إقامة الصلاة

    وأقرب مثال إليكم ما سأقول، ومن وسوس له الشيطان وقال: هذا الشيخ عميل، هذا شيخ الفلوس؛ فليعلم أن أبا مرة عليه لعائن الله يكرهنا كراهية كاملة، فلكي يحرم السامع يلقيها إليه فيقول: هذا عميل! فهذا يلقى لنا ونعلمه من أخلاق أبنائنا وإخواننا؛ لأنهم ما ربوا في حجر الصالحين، فكيف يكملون ويسعدون؟ يعيشون على الجرائد وأقوال الصحف.

    فنقول: لما أنشأ الله هذه الدولة على يد عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود -تغمده الله برحمته- في أيام ليس فيها تلفون ولا هيلوكبتر أبداً، والله! ما إن أقام الصلاة حتى ساد هذه الديار أمن ما عرفته الدنيا في مكان إلا على عهد الراشدين، والله! إن الساكنين يبيتون وأبوابهم مفتوحة، وبعض الديار لا أبواب لها، وإن بائع الذهب ما يضع إلا خرقة على دكانه ويذهب إلى بيته ليقيل! وتحقق طهر، فما بقي من يجاهر بكلمة الشرك والباطل ولا من ينطق فيسب الله والرسول في الوقت الذي يفيض فيه العالم الإسلامي بسب الله ورسوله، تسمع هذا السب في كل مكان، وخاصة في الأسواق والأعمال.

    فساد أمن وطهر وصفاء، بأي واسطة؟ هل بالبوليس؟ والله ما هو إلا إقام الصلاة، أهل القرى والأرياف كان إمامهم يقرأ بعد صلاة الصبح قائمة أهل القرية؛ لأن في صلاة الصبح قد ينام المرء وقد يعجز أو يتكاسل، فيقرأ قائمة بأهل القرية ليعلم من غاب، فإن قالوا: مسافر، قال: رده الله بخير، وإن قالوا: مريض قال: زوروه، وإن تكاسل وأبى جروه وأدبوه، برهنة واضحة كالشمس: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وشاهد العالم هذا، وكان الحجاج يأتون فيعودون إلى ديارهم معجبين، لا سرقة لا نهب، وإنما لما استقلت بلاد العرب والمسلمين وأصبح الحجاج يتوافدون كان يأتي معهم لصوص من الرجال ومن النساء، فيسلبون الحجاج وهم قائمون على حجرة الرسول يسلمون عليه، يسلبونهم -والله- وهم يطوفون بالبيت العتيق، وعرف هذا أعداء الإسلام معرفة يقينية؛ لأنهم يدرسون ويراقبون المسلمين، يتربصون بهم، فمن هنا استقل لنا نيف وأربعون دولة، ما استطاعت دولة خرج منها الكافر الذي كان يحكمها أن تأمر بإقامة الصلاة، دلوني إذا سمعتم من إندونيسيا إلى موريتانيا، كل هذه الدول استقلت ونحن نكبر ونهلل، ما إن يعلن عن استقلال القطر الفلاني حتى نهلل ونكبر، وبعض الإخوان يمشون يصلون في كوبا شكراً لله، هل استطاعت دولة أن تجبر رعاياها من رجال ونساء من عسكريين ومدنيين على إقام الصلاة؟ لم؟ عرف العدو أن إقام الصلاة معناه: إنارة القلوب والبصائر، عودة إلى الطهر والصفاء، عودة إلى المحبة والولاء، إلى الأخوة الصادقة والولاء، فقالوا: اتركوهم يعش بينهم الباطل وينتشر الشر.

    هذا الكلام كررناه منذ أربعين سنة، كل مرة نقول: آهٍ لو يبلغنا أن النظام الفلاني أمر بإقام الصلاة! والمسلمون هابطون إلى أين؟ لا ندري.

    فلو أقيمت الصلاة في بيت إقامة حقيقية فوالله ما سمعت عاهرة تغني ولا كافراً يتبجح ويتكلم في بيت المؤمن، لكني أرد هذا إلى أننا ما علمنا، ما عُرِّفنا بربنا؛ لأننا ما نقبل أن نجلس أبداً بين يدي المربي، ولا نطلب العلم ولا نرحل من أجله، وإن طلبناه طلبناه للوظيفة، يأخذ الرجل طفله ويقول: تعلم لتحفظ مستقبلك، تعلمي لتكوني كذا، كأننا لا نؤمن بالله، ولا نعرف لله سبيلاً، مع أن الوقفية تمت: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، أنت وقف على الله، فكيف تنفق طاقتك لغير الواقف؟

    هيا نقبل على الله من جديد ونقيم الصلاة، الرجل يوقظ بناته ونساءه وأطفاله ويراقبهم، لم ما صليتم المغرب معنا؟ لم ما حضرتم يا أولادي صلاة العشاء؟ لم يا أم فلان ما صليت ببناتك؟ وفي الصبح ما إن يؤذن المؤذن إلا وهو يقرع عليهم الأبواب أن: قوموا، فتقام الصلاة في البيت، والله! لا تبقى الشياطين.

    فهل أهل هذه الصلاة سيجلسون على الصحن الهوائي يشاهدون العاهرة تغني والمجرم يضحك ويتكلم وهم هكذا؟ لن يكون، فماذا نصنع؟ أما آن لنا أن نتوب؟

    أنا أقول على علم: إياكم أن تفهموا أن الشيخ يتكلم بالخيالات والجهالات، هذه وساوس يلقيها العدو كما قدمنا لكم، قالوا: لم يقول: الدولة السعودية تقيم الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

    نحن نقول: عسى أن يقتدى بها، ويقوم مسئولون فيقولون: لم لا نكون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لم يظهر الباطل في أسواقنا ودورنا وبين أبنائنا؟ ومنظمة من رجال العلم يجوبون الشوارع ويدخلون الأسواق ويراقبون سلوك المواطنين، من شاهدوا سلوكه فيه انحراف أخذوه وعلموه وأدبوه.

    ولكن تقوم الدولة على مبادئ حرمها الله، فماذا يرجو المؤمنون؟ ونحن نتلو هذه الآية من سورة الحج: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41].

    عبد العزيز رحمة الله عليه أين درس؟ تخرج من بريطانيا؟ من استانبول؟ في فرنسا؟ من الأزهر؟ لقد تعلم في حجر أبيه وأمه، لكن أراد أن يؤسس الدولة في صحراء والكفر يحوط به من كل جانب، كل العالم الإسلامي تحت نعال الاستعمار البريطاني وغيره، وأقام دولته هذه التي بقيت فيها هذه البركة ونحن كل يوم نمزق في أوصالها، العالم بأسره إلا من رحم الله يمزق حتى تنتهي، والله أسأل ألا تنتهي، أما الواقع فوالله! إن الإنس والجن ما يريدون أن تبقى راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

    إذاً: قرأ هذه الآية مع مجموعة من أهل البادية فأقام الدولة على هذه الآية، آية واحدة: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] أي: حكموا واستولوا وسادوا عليها، أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41]، وعندنا كبار السن، فماذا كان عندهم؟ والله! ما هو إلا صاع الشعير أو البر، والتيس من الماعز، فأية أموال؟ لكن فرض الله الزكاة فنؤديها ونجبيها إيماناً بالله وطاعة له فيبارك ويزيد.

    وغيره ما إن يحكم ويتمكن حتى يترك أمور الدين، لا صلاة، لا زكاة، وما يعبرون عنها بالزكاة، بل الضريبة، ويضربون ضرائب فادحة، والحجاج يشكون، أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالبوليس يصفر في الشارع فقط، أما أن تصلي أو لا تصلي، فما هو شأنه!

    هذه أربع دعائم، فكيف ترجو من دولة تقوم على غير هذه الأربع أن تكون دولة نورانية يسودها الطهر والصفاء والأمن والرخاء؟ هذه مناقضة لسنن الله، وإن شاء الله فسيتوب الحكام المسلمون، فالليلة بلغوهم، فما الذي يكلفنا؟ نقول: يصدر مرسوم: لا بد من إقام الصلاة، إذا نادى المنادي أن: حي على الصلاة فعلى المسلمين أن يقبلوا على بيوت الله، يغلقوا دكاكينهم، امش إلى بيت الرب، ما الذي يكلفنا؟ هل الميزانية تنقص إذا صلينا في بيت الرب ربع ساعة؟

    ثم الزكاة بدل الضرائب، جباية الزكاة، وذكروا الناس بالإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا بالإقليم تتلألأ فيه أنوار وتعود إليه حياة الطهر والصفاء، ولا كلفة ولا ميزانية ولا شيء، ومع هذا أيضاً لا ننسى أن إجبار الناس على الصلاة وهم جهلة ما عرفوا الله ولا آمنوا بلقائه إيماناً حقاً فيساقون فقط؛ أنه لا يجديهم ذلك، لا بد من تعليمهم، لا بد من تعريفهم بالله معرفة يقينية تنتج لهم الخوف منه تعالى وحبه وحب ما يحبه.

    معية الله تعالى للصابرين

    إذاً: يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا [البقرة:153] بم؟ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].

    الصابر على نسج ثوبه يكمله، الصابر على خياطة ثوبه يكمله، فإن لم يصبر فلن يكمل، وعلى هذا فقس، والصابر على طلب العلم سوف يتعلم، وإن فشل فلن يتعلم، ومن صبر في ميادين المعركة والجهاد فوالله لينهزمن عدوه أمامه، ومن صبر على ضبط لسانه لا يتكلم بسوء ولا ينطق بغير المعروف فإنه يصبح ينطق بالهدى والحكمة تجري على لسانه، ما من ميدان من ميادين الحياة يصبر فيه سالكه إلا ظفر وفاز؛ لأن الله معه ينصره ويؤيده، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534849

    عدد مرات الحفظ

    777184628