إسلام ويب

تفسير سورة الحجر (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في صدر هذه السورة يقرر الله عز وجل عظمة هذا القرآن الحكيم وعظمة هذا الدين الحنيف الذي سيأتي يوم على كل من أعرض عنه، ولهث وراء دنياه، فيتمنى أن يكون من أهله ومعتنقيه، وذلك اليوم لا شك كائن لأن الله قد جعل لكل أمة أجلاً معلوماً ووقتاً محدوداً إذا جاء فإنه لن يتأخر ولن يتقدم، بل يعاجل الله فيه أولئك القوم، ولا يدع لهم فرصة للمراجعة أو التوبة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وبين يدي الدرس، بلغني أن بعض المستمعين تألموا لقولي: إن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان فادعوا الله تعالى فيها بخير.

    وقالوا: ما سمعنا هذا من أحد إلا اليوم، ولم يقله فيما مضى، من عمره خمسة وأربعين سنة في هذا المسجد؟ واحتاروا وتبلبلوا، واضطربوا، فقلت لهم: غداً إن شاء الله إن أحيانا الله نبين لكم ذلك.

    أولاً: نحدثكم عن الصبا، فأنا كلما بلغني خير أجاهد نفسي لأعمله، وقد كنت وأنا طفل في السابعة أو السادسة من عمري، ووالدتي رحمة الله عليها تصلي ليلة النصف مائة ركعة أصلي إلى جنبها، هذه أحداث سبعين سنة أو زيادة، ولما ما وجدنا حديثاً صحيحاً يدعونا إلى الصلاة أو الصيام تركنا ذلك فما صمنا يوم النصف، ولا قمنا، كذلك وأنا طفل كنت أصلي إلى جنب شيخ كبير السن -مثلي الآن- يقرأ في الركعتين بعد المغرب بآية الكرسي في الركعة الأولى والصمد في الثانية، فقلدته وواصلت عمري أقرأ الركعتين بعد المغرب بالفاتحة والكرسي والفاتحة والصمد، حتى وقفت على حديث صحيح في هذا العام: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ(الكافرون والصمد) )، فأصبحت أقرأ بـ(الكافرون والصمد)، وتركت ما كنت عليه زمناً طويلاً.

    وكنت أيضاً أصلي أربع ركعات بعد صلاة العشاء خلاف قيام الليل، وفي هذه الأيام عثرت على حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت فيه عائشة : ( كان إذا جاء إلى المنزل يصلي ست ركعات )، فأنا أصلي ست ركعات الآن.

    وفي هذه الأيام أهداني أحد الأبناء صحيح ابن ماجه ، إذ العلامة الكبير الشيخ الألباني صحح سنن ابن ماجه ففصل الضعيف على جهة وترك الحديث الصحيح في مجلدين أو ثلاثة في جهة أخرى، فقبل يومين أو ثلاثة كنت أطالع فوجدت هذا الحديث الصحيح، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كانت النصف من شعبان يتجلى الرب تعالى ويغفر لكل مؤمن ومؤمنة إلا لمن أشرك أو تشاحن مع أخيه )، ففرحت بالحديث الصحيح، فقلت ماذا؟ ندعو الله، ما دام الله يتجلى هذه الليلة لأهل الأرض ويغفر، ندعوه، وقد دعونا والحمد لله، فقلت ذلك من باب تقديم الخير للمستمعين، ما قلت لكم: تجمعوا ولا اذبحوا الشاة ولا أنشدوا الأناشيد ولا تغنوا ولا ارقصوا ولا ولا.. قلت ادعوا الله، ونحن ندعو الله الليل والنهار، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، أصليتم الليل؟ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]، والذي نفيناه في التفسير ورددناه على أهله ومنهم السيوطي في تفسيره، هو أن ليلة القدر هي التي أنزل الله فيها القرآن، وهي التي يقضي الله فيها بين العباد، حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:1-3]، وكثير من أصحاب التفاسير يقولون: هي ليلة النصف من شعبان. وما ورد في ذلك حديث صحيح، بل وردت أحاديث ضعيفة ما تقبل.

    إذاً: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]، هي ليلة القدر وليس ليلة النصف من شعبان.

    فمن هنا: عرفتم اتجاهي وسلوكي، فأنا لا أبالي بأحد، المهم أن يبلغني عن ربي وعن نبيي ما أطمئن إليه فأقول به وأفعل، فلما بلغني هذه الأيام هذا الحديث الصحيح الذي صححه الألباني وهو أهل لهذا التصحيح في السنن.

    قلت: ما دام الرب يطلع في هذه الليلة على الخلق فندعوه عز وجل بهذه المناسبة، والمؤمن متهيئ إذا سمع الخير يعمل به ولا يرده.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088465051

    عدد مرات الحفظ

    776887491