إسلام ويب

تفسير سورة الحجر (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله عز وجل خبر قوم صالح، وكيف أنهم كذبوه وأعرضوا عن المعجزات الظاهرة متعرضين بذلك لعقوبة الله، وهذا هو شأن الطغاة حين يركنون إلى قوتهم، ويميلون إلى ترفهم، إلا أن الله يمهل ولا يهمل، بل يعاقب أهل العناد ويقطع دابر الإلحاد، وهذا هو الذي وقع لقوم صالح بعد عقرهم للناقة وتماديهم في الغفلة دون إفاقة، ثم بين الله أنه حكيم لا يخلق عبثاً ولا يترك خلقه سدى، فهناك ميعاد للخلق يستوجب عليهم أن يعاملوا الناس كما يحبون أن يعاملوا فيه؛ لأن من أوتي القرآن وعلم ما فيه من أحكام فإنه يلزمه خفض الجناح ولا يلتفت إلى ما بدا من زهرة الدنيا ولاح.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن ما زلنا مع آيات سورة الحجر، قال تعالى: وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ * فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:8-88].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه قصص قصها الله تبارك وتعالى على رسولنا وعلينا نحن أتباعه المؤمنين، فما السر في قص الله لهذه القصص؟

    بين تعالى السر في ذلك والحكمة والعلة، لما قص علينا مجموعة من القصص أولها قصة نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم إبراهيم، ثم لوط، ثم شعيب، ثم موسى.. وذلك في سورة تسمى سورة هود عليه السلام، لما قص تلك القصص قال تعالى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120] نقص عليك من أخبار الرسل والأمم السابقة الأمر الذي نثبت به قلبك على دعوتك، فلا تعجز ولا تفشل، بل تواصل دعوتك.

    وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120] إذ كان صلى الله عليه وسلم وحده في مكة، ليس عن يمينه ولا عن شماله أحد يدعو إلى التوحيد وإلى إبطال الشرك ويجاهر بالدعوة ويقول: لا إله إلا الله، فلولا أن الله ثبته وقواه وشد عزمه ما استطاع، ولكنه لما يسمع ما حدث للرسل من مثله من أقوامهم الكافرة الفاجرة المشركة الطاغية، وكيف ثبتوا حتى تم النصر لهم، بذلك تقوى عزيمته ويثبت صلى الله عليه وسلم، ونحن لو كنا أهلاً للدعوة ودعونا إلى ربنا فسوف يصيبنا ما أصاب رسل الله وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذ لما نقرأ هذه القصص تقوى عزائمنا وتثبت قلوبنا، ولا نبالي بما نصاب به من طعن باللسان أو بالسنان، ولكننا تركنا الدعوة وفشلنا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088464547

    عدد مرات الحفظ

    776885364