إسلام ويب

تفسير سورة النحل (22)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هكذا هو حال أعداء المصلحين دائماً، فهم يسلكون أخس الطرق لصد الناس عن الخير وصرفهم عن دعوة الرسل، وهاهم حين عجزوا عن مقارعة رسولنا صلى الله عليه وسلم بالحجج الظاهرة، عدلوا إلى الكذب والافتراء، فاتهموا رسولنا بأنه يأخذ كلام الله ويتعلمه من رومي لا يفقه من لغة العرب أصولها فضلاً عن أسرارها، وبهذا أفحمهم الله، ثم بين أن الحامل لهم على هذه الفرية إنما هو غياب نور الإيمان، ولا عذر لهم في هذا، لأن الله عز وجل لا يعذر في الوقوع في الكفر إلا من هو مكره على ذلك، مع اطمئنان قلبه بالإيمان وسكونه بالهداية، أمّا من جنح بقلبه إلى الكفر ورضي به فهو أهل لغضب الله وأليم عذابه.
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

    وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

    قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ * إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ * مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [النحل:103-109].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ولقد نعلم أنهم يقولون: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103] من القائل لهذا القول؟

    الله جل جلاله، يخاطب من؟ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103]، اذكروا أن هذه السورة مكية، وأهل مكة معرضون، فقد أعرضوا عن قبول دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من رحم الله، فهؤلاء يبحثون كيف يصدون عن الاستجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به وبما جاء به؛ فحصل أن قيناً يشحذ السيوف ويصقلها صقلاً، وهو رومي -من بلاد الروم- أعجمي وليس بعربي، وهو أيضاً عبد رقيق لأحد أغنياء مكة اختلف في اسمه ولا عبرة بالاسم؛ لكثرة ما قيل في اسمه، ومن الجائز أن يكون هذا النوع متعدداً كذا واحداً، وبما أنه رومي من بلاد الروم فهو نصراني يعرف عن التوراة والإنجيل، فكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ليسمع منه وليعظه ويبين له؛ لأنه عبد رقيق، فلما شاهد المشركون أن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إلى هذا القين قالوا: هذا الذي يقوله لكم محمد إنما يتلقاه ويتعلمه من هذا الأعجمي، وأشاعوها كما تعرفون الإشاعات، ما عنده إلا ما يسمعه من هذا الرجل القين الرقيق ثم يقوله فقط، وهذه تفعل فعلها في الناس، فكل واحد مستعد ليفهم ذلك، وبمجرد ما قالوا هذا ظنوا أنه لن يقبل أحد على رسول الله ولن يستجيب لدعوته، مكراً وكيداً، مكر بها الشيطان وكادها لأجل أن يصرف الناس عن الحق ودعوة الحق وهو الإسلام.

    لما حصل هذا أخبر تعالى بما تسمعون: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ [النحل:103] أي: رسول الله يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103] إنسان لا يتلقاه من السماء بواسطة الملائكة، وإنما بشر يعلمه.

    لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ [النحل:103] لسان الذي يميلون إليه ويقولون: قاله، أعجمي والقرآن عربي فكيف يتفق هذا مع هذا؟

    يا عقلاء! الأعجمي هل يستطيع أن يفصح ويأتي بمثل هذا القرآن؟

    هذا القرآن عربي بلغتكم أيها العرب! على فصاحته وبيانه، فكيف تنسبونه إلى أعجمي لا يمكن أن ينطق أو يعبر عن شيء؟

    لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ [النحل:103] ويميلون إليه ويقولون: هو القائل أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا [النحل:103] أي: القرآن لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] واضح بين، لا غموض فيه ولا خطأ، فأبطل تلك الفرية وقضى عليها.

    هذه الجملة أسكتت الذين يروجون أن النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى علومه من أعجمي!

    بالبيان والحجة أسكتهم، إذ قال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ [النحل:103] أي: المشركون العرب في مكة إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ [النحل:103] أي: محمد صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ [النحل:103] ما هو ملك، كما يقول: جبريل ينزل علي، بل بشر، فقال تعالى: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ [النحل:103] ويميلون إليه أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103].

    كيف تصدقهم فيما يقولون؟ لا قيمة لدعواهم وافترائهم أبداً، ولم يبق إلا أن الرسول يتلقى كلام الله بواسطة الملك من السماء إلى الأرض، ما هو بإنسان أبداً، والفرية باطلة.

    هل أعجمي يفصح هذه الفصاحة ويبين هذا البيان؟ مستحيل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521621

    عدد مرات الحفظ

    777102637