إسلام ويب

تفسير سورة النحل (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يزال أهل الضلال ينصرون باطلهم بأضعف الحجج وأتفه البراهين، وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان، وهم الآن يحتجون بأن الله قد شاء كفرهم وضلالهم فلماذا إذاً يلامون عليه! وهذا تلبيس منهم لأن الله لا يرضى منهم الكفر وإن كان قد شاء وقوعه، فهو الذي طالبهم بالإيمان وترك الشرك، ولكن هذا شأن أهل الكفر دائماً فهم يريدون أن يؤذوا الأنبياء ويجادلوهم بالباطل، لذا فإن الله يسلّي رسله والدعاة إليه في كل زمان ومكان، بأن عليهم مجرد البلاغ وأن سنة الله في خلقه أن يوجد أهل صد وتكذيب للمصلحين في أي زمان، وأن الهداية بيده سبحانه، وإن حرص عليها أهل الحق، فلا يهتدي إلا من أراد الله هدايته، ولا يضل إلا من أراد الله ضلاله، وكلهم يردون إليه سبحانه يوم القيامة، ليرى أهل الضلال عاقبة ضلالهم، وينظر أهل الحق جزاء تصديقهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

    وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

    وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ * وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:35-40].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! علمتم أن السورة مكية وأنها تعالج العقيدة، وفي هذه الآيات يخبر تعالى بما يلي: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]، بهذا واجهوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]؛ فلعظيم قدرته كان سيمنعنا، وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35] مما حرمناه، لكن ما شاء الله ذلك، ولو كانوا صادقين في هذا القول لكانوا مؤمنين بالله عز وجل، لكنهم كاذبون، يريدون فقط أن يغطوا ضلالهم ويستروا شركهم وباطلهم.

    وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [النحل:35] بالله عز وجل أصناماً فعبدوها معه، كاللات والعزى ومناة وهبل، قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا [النحل:35] الأولون وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]؛ لأنهم حرموا أنواعاً من الأنعام، كما جاء في سورة المائدة، في قول الله تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:103]، فهذه حرموها وجعلوها لآلهتهم فقط، وحين يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبين خطأهم وشركهم وباطلهم يحتجون بقولهم: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35] نحن ولا آباؤنا.

    معنى قوله تعالى: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين)

    قال تعالى بعد هذا: و كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، أي: أن هذه الشنشنة أو الدندنة سبقت، فكل أمة يبعث الله فيها رسوله ليدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده والانتظام في سلك الشرع الإلهي يحتجون بهذه الحجج ويقولون هذا القول، فهم ما يريدون أن يعدلوا عن باطلهم وشركهم وخرافاتهم، فكيف يصنعون؟ يدفعون الحق بالقول والسلاح أيضاً.

    وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]، قال تعالى: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، ليس العرب فقط، بل عاد قبلهم وثمود ومدين و.. أمم كثيرة، حين ترفض دعوة الحق ولا تقبلها تحتج باحتجاجات باطلة، وادعاءات لا قيمة لها.

    قال تعالى: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، الرسول يبلغ يقول: عباد الله! عبادتكم هذه باطلة؛ لأنها لغير خالقكم ورازقكم، هذه عبادة للأهواء والشياطين فاتركوها، عباد الله! ما حرمتموه ليس بحرام عليكم، لا تحرموا ما أحل الله لكم. هذا الذي على الرسل، أما أنهم يملكون القلوب ويصرفونها ويحولونها إلى التوحيد فلا، وليس لهم قوة وقدرة أيضاً بالسلاح والسيف، فالرسول لا يطالب يوم القيامة إلا بالبلاغ، فإن بلغ سلم ونجا، وحاشاهم أن يفرطوا، والله لقد بلغوا.

    فلما واجهوا الرسول هذه المواجهة، وهذا الادعاء للعلم والمعرفة، كان لا بد أن يتألم، فسلاه الله وخفف من ألم نفسه، وقال: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، لا تكرب ولا تحزن ولا تبال بما يقولون، وهكذا الرسل كلهم عليهم السلام يواجهون هذه المواقف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088559026

    عدد مرات الحفظ

    777323718