إسلام ويب

تفسير سورة النحل (9)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا النص تهديد ووعيد لمن يمكر بالدين وأهله، فالله عز وجل قادر على خسفهم كما خسف بقارون، وهو كذلك قادر على أخذهم حال غفلتهم أو زهوهم بأي نوع من أنواع العذاب، وبأي طريقة شاء كأخذهم دفعة واحدة أو بإنقاصهم، إلا أن رحمته قد سبقت غضبه سبحانه، ولو كان هؤلاء عقلاء لخضعوا لخالقهم وهم يرون كل موجود خاضعاً له حتى ظلهم أنفسهم يخضع لعظمة الله ويذل له كسائر المخلوقات التي تدب على الأرض وتسكن السماء كالملائكة، فالجميع عابدون لله ممتثلون أوامره ونواهيه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

    وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

    أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:45-50].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنين! يقول ربنا جل ذكره: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45]، من أمنهم؟ من أعطاهم صكاً أن الله لا يعذبهم؟

    سبحان الله! كيف يفسقون عن أمر الله ويخرجون عن طاعته ويعبدون غيره من مخلوقاته ويأمنون، ولا يخافون عذاب الله عز وجل؟

    ما الذي يؤمنهم وهم مربوبون مخلوقون؟

    ما الذي يؤمنهم وقد علموا -بما سمعوا أو شاهدوا- عذاب الله في الأمم والشعوب والأفراد والجماعات، فكيف يأمنون مكر الله ويفعلون السيئات؟

    صور من مكر الكفرة

    قال تعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ [النحل:45] مكروا بفعل السيئات. مكروا بمن؟

    أولاً: مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، إذ تآمروا على قتله وبعثوا رجالهم إلى منزله وطوقوه ليلاً ونهاراً ليقتلوه، ووضعوا فوق ظهره سلا جزور وهو يصلي حول الكعبة، فجاء عقبة بن أبي معيط -عليه لعائن الله- بسلا بعير من عند الصفا فوضعه بين كتفي رسول الله وهو ساجد، وجاءت الزهراء رضي الله عنها وهي طفلة صغيرة فأزالته عن كتف والدها.

    وعذبوا بلالاً ، عذبوا عماراً ، عذبوا صهيباً ، عذبوا سمية ، وشردوا وطردوا.

    والاستفهام في قوله تعالى: أَفَأَمِنَ للتهديد والوعيد. أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ [النحل:45] تتزلزل، وتدور أجسامهم تحت الأرض حتى يستقروا فيها، فمن يمنعهم؟ من يدفع عنهم؟ من يقوى على أن يصرف عنهم الخسف لو أراده الله بهم؟

    معنى قوله تعالى: (أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون)

    قال تعالى: أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] فجأة تنزل صاعقة من السماء وهم لا يشعرون، فجأة يسلط الله عليهم أمة أقوى منهم تبيدهم وتحطمهم، فجأة يصابون بوباء فلا يستطيع أحد أن يقوم أو يتحرك، كيف لا يخافون؟ السبب في ذلك ظلمة قلوبهم، قلوبهم مظلمة، ما دخلها نور الإيمان بالله ولقائه وبكتابه ورسوله، فهم أموات غير أحياء كالبهائم، بل شر من البهائم، والله إنهم لشر من البهائم.

    دائماً نقول: الحيوانات على اختلاف أنواعها فيها الطيب وفيها الخبيث، فيها الصالح وفيها الفاسد، ولكن المشركين والكافرين شر من تلك الحيوانات الخبيثة، وذلك لقول الله تعالى في سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:6] يعني: اليهود والنصارى والمشركين من العرب وغيرهم.

    فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] من المخبر؟ أليس الله الذي أخبر بأنهم شر الخليقة؟

    الجواب: بلى. والبرية والبريئة: الخليقة.

    أيخلقك ويرزقك ويحفظك ويخلق الحياة هذه كلها من أجلك ثم تعرض عنه وتدبر ولا تلتفت إليه، بل وتقف ضد دعوته تحاربها وتصرف الناس عنها حتى لا يعبد الله؟!

    أية جريمة أعظم من هذه الجريمة؟ فالآيات تحمل تهديداً ووعيداً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088575112

    عدد مرات الحفظ

    777415098