إسلام ويب

تفسير سورة إبراهيم (7)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك مفارقات ظاهرة بين الحق الذي جمع بين الأصالة وكثرة الفائدة، وبين الباطل الذي هو على شفا جرف هارٍ، يوشك أن يندثر من أساسه. بهذا العرض الجميل، والتمثيل الجليل يبين الله عز وجل عظمة الحق وأهله، وأن مردوده عائد في كل مكان وزمان، وهي دعوة الثبات عليه والتمسك به حتى الممات، وتقريعاً منه سبحانه للذين بدَّلوا نور الحق بنار الباطل، فحلّوا وأحلوا قومهم دار الخزي والشنار، وهي مصير كل من جعل الباطل نداً للحق بعد الإمهال منه سبحانه وتعالى.
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس إن شاء الله كتاب الله، راجين أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة إبراهيم الخليل عليه السلام، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها، والله نسأل أن يفتح علينا، وأن يعلمنا وينفعنا بما يعلمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم:24-30].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً [إبراهيم:24] الآية

    من هو المخاطب بهذا اللفظ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مخاطبه المتكلم معه؟ الله جل جلاله منزل هذا الكتاب.

    وأذكركم بأن السورة مكية، والمكيات يعالجن العقيدة: التوحيد، والنبوة، والبعث الآخر، لاحظوا هذا في هذه الآيات.

    أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25].

    المراد بالكلمة الطيبة والشجرة المضروب بها مثلها

    أولاً: الكلمة الطيبة: هي لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي الإيمان بالله ولقائه، الإيمان بمحمد وبما جاء به من الشرع والدين الحنيف، والشجرة الطيبة هي النخلة، والنخل معروف موجود في ديارنا هذه وفي المغرب والمشرق، والعجب أن النخلة هي شجرة، ولكنها كالآدمي، لو قطع رأس شجرة من الأشجار فإنها لا تموت وإنما تنبت، إلا النخلة فهي كالإنسان، لو قطع رأس الإنسان هل يحيا؟ انتهى، كذلك النخلة إذا قطع رأسها ماتت، هذه النخلة -الشجرة المباركة- يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها المثل للمؤمن، إذا صاحبته نفعك، وإذا جالسته نفعك، وإذا شاورته نفعك، النخلة كل ما فيها ينتفع به حتى الجمار يؤكل من ألذ ما يكون، الانتفاع بكل ما فيها من الليف إلى السعف إلى الجريد، وعمرها أيضاً كعمر ابن آدم تعيش السبعين والثمانين سنة.

    هذه النخلة ضرب لها الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً فقال: إن من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم، فما هي؟ فعجزوا، فقال: إنها النخلة، وكان عبد الله بن عمر غلاماً صبياً، قال: فوقع في نفسي أنها النخلة، واستحييت أن يعجز المشايخ وأنا أقول، فقال هذا لوالده عمر فقال: لو قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا.

    ولهذا ورد فيها (استوصوا بعمتكم النخلة)، وهل هي عمتنا؟ نعم، فقد ورد أن الطينة التي خلق الله منها آدم وصنعه منها وصوره بقيت فضلة منها فأنبتت النخلة، فكانت بهذا عمة للإنسان أخت أبيه، أصلهما واحد فهما أخوان.

    إذاً: هذا المثل من ضربه؟ الله تعالى، قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً [إبراهيم:24] وهي كلمة الإيمان، وهي المؤمن كذلك كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ [إبراهيم:24] في الأرض وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم:24] أغصانها وجريدها في السماء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530039

    عدد مرات الحفظ

    777153623