إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (28)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من طبائع يهود أنهم إذا قرءوا آيات الله من التوراة يلوون ألسنتهم بها ليحسب السامع لها أنها من كتاب الله، وهم بذلك يريدون إضلال العامة، ويتعمدون الكذب على الله عز وجل، وقد بين الله عز وجل أنه إنما يريد من عباده أن يكونوا ربانيين بما عندهم من الكتاب الذي يتعلمونه ويعلمونه للناس.
    الحمد لله نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة كسابقتها واللاحقة بها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي- صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) حقق اللهم! رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    نستذكر أولاً الآيات التي درسناها في الدرس الماضي.. هل بقي في أذهاننا شيء؟ وهل في قلوبنا من نورها نور؟

    نتلوها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75]، فمنا نحن -أيضاً- المسلمين من إن تأمنه بقنطار وليس بألف قنطار لرده إليك، فنحن أولى بهذا.

    ولكن يوجد من أهل الكتاب ممن عرفوا الله والطريق إليه هم كما أخبر تعالى عنهم: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75]، أي: والعصا في يدك، فلماذا هذا؟

    فالأول عرف، والثاني لم يعرف.. الأول آمن واستقام على منهج الحق، والثاني إيمانه دعوى باطلة ومعرفته كاذبة هذه حاله.

    ولا ننسى قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له )، والمؤمن بحق هو من إذا ائتمنته لم يخنك، وإذا عاهدته لم ينكث عهده، فكل هذا يعود إلى الإيمان الصحيح والمعرفة السليمة، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75]، فهذه فرية ودعوى نشرت فيهم وبينهم من قبل رؤسائهم المبطلين، فأصبحوا يفهمون أن أموال، وأعراض، ودماء غير اليهود مباح؛ لأن غير اليهود كفار أنجاس، وهم فقط المؤمنون الربانيون، فلهذا إذا استطاعوا أن يسلبوا مال أي إنسان أو يسفكوا دمه فلا حرج ولا يخافون من الله؛ لأن الله أذن لهم.

    قال تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75]، فهذه النزعة ما زالت إلى الآن يعيش عليها اليهود، ويتناقلونها ويعلمها الكبير الصغير.

    ثم قال تعالى: بَلَى [آل عمران:76] أي: ليس الأمر كما يزعمون ويدعون، مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران:76]، فأبطل ذلك الزعم نهائياً.

    ثم قال تعالى متوعداً: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77]، سواء كانوا من أهل الكتاب، أو من أهل القرآن، ( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ) ، فهذه هي التي رفعت مستوى المسلمين إلى أعلى مستوى عرفته البشرية، فلو تودع عند المسلم صناديق الذهب فلن يسلب منها ديناراً واحداً، فلو تأتمنه على أعز شيء فلو أن أحداً وضع -مثلاً- امرأته أمانة في بيته -أي: المسلم-، والله! ما نظر إليها ولا نالها بسوء.

    فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ [آل عمران:77] أي: يشترون ماذا؟ ثَمَنًا قَلِيلًا [آل عمران:77]، فكل أموال الدنيا قليلة بالنسبة إلى ما عند الله والدار الآخرة، أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ [آل عمران:77] أي: لا حظ ولا نصيب في الجنة، وما فيها من نعيم.

    وقوله تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ [آل عمران:77]، أي: أن الله لا يكلمهم كلام التشريف والعزة والكمال، ولكن يكلمهم بالإهانة؛ قال تعالى: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].

    وقوله تعالى: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:77] أي: لا يرون وجهه سبحانه، فهو محجوب عنهم، وَلا يُزَكِّيهِمْ [آل عمران:77]، أي: لا يثني عليهم في عرصات القيامة، ولا يطهرهم حتى في الإحراق في النار، وإدخالهم الجنة، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:77] أي: موجع، وهو عذاب النار والعياذ بالله!

    ومن فوائد هذه الآيات:

    أولاً: يجب علينا معاشر المسلمين أن لا نغتر باليهود ولا نثق فيهم؛ لأنهم لا يفون بعهد وحسبهم أنهم يستبيحون أموالنا وأعراضنا. فالحذر الحذر، فإن تعاملنا معهم نكون يقظين وإلا أخذوا أموالنا.

    ثانياً: من كذب على الله أحرى أن يكذب على الناس.

    فالشخص الذي يكذب على الله، ويقول: قال الله وأحل الله، وحرم الله وهو كاذب، فهذا يكون كذب على الناس من باب أولى، وليس في أهل الكتاب أيما إنسان يكذب على الله لا تأمنه فإنه يكذب عليك من باب أولى، فالذي ما خاف الله ولا هابه وكذب عليه، فكيف لا يكذب على الناس؟!

    ثالثاً: بيان اعتقاد اليهود في أن البشرية غير اليهود نجس. والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، واليهود مشركون، والنصارى مشركون فهم نجس، لكن هم عكسوا القضية، وجعلوا البشرية أبيضها وأصفرها نجس، إلا ما كان من بني إسرائيل فإنهم أطهار أصفياء، مع أنهم أنجس الخلق في سلوكهم، فالشرك والاحتيال والمكر والخديعة والتكبر، وكل الأمراض مصبوبة عليهم وقالوا: لا. فالحمد لله أن فضحهم الله.

    رابعاً: عظم ذنب من يخون عهده من أجل المال.

    عظم وكبر ذنب عبد يخون عهده من أجل الدينار والدرهم، فالذي يحلف ويعاهد ثم يخون ذنبه عظيم، وكذلك من يحلف كاذباً لأجل أن يحقق مالاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة )، وقال له الرجل: ( يا رسول الله! وإن كان يسيراً؟ قال: ولو كان قضيباً من أراك ).

    فيا عباد الله! انتبهوا وارفعوا رءوسكم، فإياكم والحلف كذباً من أجل أن الحصول على مال قل أو كثر، فلا نبيع آخرتنا، ونمزق صلتنا بربنا؛ من أجل مال أغنانا الله عنه بالصبر، فلنجوع الليالي والأيام ولا نحلف بالباطل؛ لنأخذ مال الناس.

    فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد كان يضع الحجر على بطنه، ويعصبها بعصابة حتى يتمكن من المشي والصلاة من شدة الجوع، فهل حلف بالباطل أو كذب؟!

    وهذه الصديقة بنت الصديق امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تخبر في صدق، قالت: [ إن كانت إحدانا لتتحيض الحيضتين والثلاث في ثوب واحد ]، فلا مبرر؛ لأن نكذب ونخون ونحلف بالباطل من أجل أوساخ الدنيا، فأين الصبر؟

    ولكننا ما عرفنا هذا ولا اجتمعنا عليه، فلو كشف عن حالنا لبانت عوراتنا.

    رابعاً: عظم من يخون عهده من أجل المال، وكذا من يحلف كاذباً؛ لأجل المال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ومن حلف على يمين يستحق بها مالاً وهو فيها فاجر ) أي: كاذب خارج عن نظام الحق ( لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ) .

    فهذا استذكار لدرس يوم أمس نفعنا الله به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088547580

    عدد مرات الحفظ

    777256493