إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • زين الله عز وجل لعباده زينة الدنيا ومحاسنها وما فيها من النساء والأولاد والأموال فتنة لهم وامتحاناً واختباراً، وذلك حتى يأخذوا منها ما أباحه لهم، وما سمح لهم بأخذه والاستمتاع به، ويجتنبوا ما نهاهم عنه وحرمه عليهم من هذه النعم، ثم أخبرهم تعالى بأن ما أخذوا وما تركوا ما هو إلا متاع الحياة الدنيا والله عنده في الآخرة الجنة لعباده المؤمنين الصادقين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده ) . اللهم حقق رجاءنا يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين!

    وها نحن اليوم مع آية واحدة من كتاب الله، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14]. وقبل أن نشرع في تدارس هذه الآية الكريمة نتذاكر ما علمناه بالأمس!

    تذكرون أننا عرفنا أن الذنوب هي بريد العذاب، إذ قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أخذهم الله فعذبهم أشد العذاب؛ بسبب ذنوبهم، فالذنوب بريد المهالك والمعاصي وبوابة الخسران والشقاء والعذاب.

    والذنوب: هي المعاصي، معصية الله في أمره أو نهيه ذنب، ومعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أو نهيه ذنب، فمن أمر ولم يفعل كمن نهي وفعل، كلاهما أذنب، فيؤاخذ بذنبه ما لم يتب ويتوب الله عليه.

    الإيمان والعمل الصالح هما سلم الصعود إلى الملكوت الأعلى

    من منكم يذكر لنا مراقي الصعود؟ ما هي المرقاة التي نخترق بها السموات السبع وننزل بالفردوس الأعلى؟

    الطلبة يخافون أو يستحون؟!

    الإيمان والعمل الصالح هما مرقاة الصعود إلى الملكوت الأعلى، وإن طلبتم بيان ذلك فأنتم عليمون به، فقد عرفتم حكم الله الذي صدر علينا: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]، والله إذا حكم فلا معقب لحكمه، فهو الذي أخبر بنفسه في سورة الرعد فقال: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]!

    تأملوا! قول الله عز وجل من سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ ، طاعة الله وطاعة الرسول أليست هي الإيمان والعمل الصالح بعد التخلي عن الشرك والمعاصي؟! بلى.

    والطاعات: فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه، أمر بالإيمان والعمل الصالح، ونهى وحرم الشرك والمعاصي، اسمع لتشاهد هذه المرقاة: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]!

    كيف انتظم هؤلاء في سلك هذه المواكب في الملكوت الأعلى؟

    ما هي المرقاة؟ ما هو السلم؟ ما هو البريد؟

    إنها طاعة الله عز وجل، وطاعة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، واللفظ واضح كوضوح الشمس، ولفظ (من) من ألفاظ العموم، فكل من يطع الله والرسول سواء كان ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، فقيراً أو غنياً، شريفاً أو ضيعاً مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]!

    أين هم الذين أنعم الله عليهم؟ أين رسول الله؟ في الملكوت الأعلى.

    أين أرواح الشهداء؟ أين أرواح المؤمنين؟ في الفراديس العلى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]. اللهم اجعلنا منهم ووالدينا يا رب العالمين!

    إنعام الله على عباده الطائعين بنعمة الإيمان به

    هنا سؤال يُطرح على السامعين والسامعات: بماذا أنعم الله عليهم؟ بالأموال؟ بالذرية والأولاد؟ بالمناصب العالية؟ بالجاه والسلطان؟ نريد أن نعرف بماذا أنعم عليهم؟

    من نسي فليقرأ سورة الفاتحة ويتدبر قول الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، إذ أنعم عليهم بأربع نعم:

    الأولى: نعمة الإيمان بالله، وبما أمر الله أن نؤمن به ونصدق وإن كان وراء العقول -كما يقولون- فإذا قال تعالى شيئاً نؤمن بما قال، ونقول: آمنا!

    في ذات ليلة وهو صلى الله عليه وسلم جالس كالبدر وحوله الكواكب الزهر من أصحابه قطع الدرس وقال: (آمنت به، آمنت به ) وأخذ بلحيته الطاهرة ، فما هذا الذي أُمر الرسول أن يؤمن به على الفور؟

    ( أوحى الله إليه أن رجلاً فيمن كان قبلنا من الأمم السابقة كان يركب بقرة ) فلاح.. مزارع ركب بقرة ( فقالت له: إنا لم نخلق لهذا ) فالبقرة للسقي والحرث وليست للركوب عليها، فلما كان هذا مما لا يعقل ما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: ( آمنت به ). لأنها رفعت رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت! البقرة نطقت بلغة الرجل، ورفعت رأسها إلى الخلف وهو عليها وقالت: ما لهذا خلقت!

    فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( آمنت به، آمنت به )، وكان الشيخان غائبين عن المجلس فقال صلى الله عليه وسلم: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر ) ثقة في إيمان الرجلين!

    ومعنى هذا يا أبناء الإسلام! إذا أمر الله بالإيمان بشيء فسلموا وقولوا: آمنا به، سواء أدركتموه أو لم تدركوه فليس أمامك أيها المسلم إلا أن تقول: آمنت به!

    إنعام الله على عباده الطائعين بمعرفته سبحانه بأسمائه وصفاته وجلاله وكماله

    ثاني نعمة: معرفة الرحمن، معرفة الله، معرفة الله بأسمائه وصفاته، بجلاله وكماله، بآياته في الكون، بمخلوقاته؛ إذ ما من مخلوق إلا والله خالقه؛ فدل ذلك على واسع علمه وعظيم قدرته!

    من منكم يقول: أنا عرفت الله؟ من منكم يقول:أنا أنعم الله علي بمعرفته فعرفته؟

    نحن نقول: عرفنا ربنا، فما هي البراهين على معرفتنا لله أو عدم ذلك؟ ما الدليل؟

    اسمعوا وعوا! معرفة الله في القلب تثمر شيئين متى وجدا كانت المعرفة موجودة، ومتى انتفيا أو انتفى أحدهما فلا معرفة، وهما: حبه تعالى والخوف منه.

    من لم يخف الله والله ما عرفه!

    من لم يحب الله عز وجل والله ما عرفه!

    أنت الآن بفطرتك تحب من تسمع عن شجاعته.. عن كماله.. عن سخائه.. عن علمه.. عن طهره.. عن صفائه.. فتحبه لصفاته وليس شرطاً أن تراه أبداً، فكلنا يحب رسول الله لما له من صفات الجلال والكمال، وكلكم يحب علي بن أبي طالب ؛ لشجاعته.

    إذاً: من لم يحب الله ولم يخفه ما عرف الله!

    ومعرفة الله تثمر وتنتج للعارف شيئين ضروريين لحياته حتى يستقيم على منهج الحق وهما: حب الله، والخوف منه، فمن أحب الله عمل كل ما يحب في حدود طاقته، ومن خاف من الله هجر وهرب من كل ما يكره الله.

    إنعام الله على عباده الطائعين بتعريفهم محابه ومساخطه سبحانه

    النعمة الثالثة: معرفة محابه ومساخطه، معرفة ما يحب الله من الاعتقادات القلبية والأقوال والأعمال الذاتية، ومعرفة عكس ذلك وضده وهو ما يكره تعالى من الاعتقادات والأقوال السيئة والأعمال الفاسدة والصفات الذميمة، فلا بد من معرفة ما يحب الله حتى الكلمة الواحدة: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، ولا بد من معرفة ما يكره الله حتى الكذبة.

    هذه هي النعمة الثالثة: معرفة ما يحب الله وما يكره، وإذا قلت لنا: كيف أعرف ذلك؟ يقال لك: اقرع أبواب العلماء واسألهم، اقرع كتابه وادرسه، امشي وراء رسوله وتتبع سيرته تجد ما يحب الله وما يكره، أما أن يوحي إليك وأنت في مزرعتك أو مصنعك فهذا مستحيل، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7] ، وهذا أمر، اسألوا!

    من نسأل يا رب؟ أهل الذكر. ما الذكر هذا؟ إنه القرآن: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1].

    وإذا لم نجد من نسأل ماذا نصنع؟ يجب أن نرحل ونركب بعيراً أو بهيمة أو طيارة أو باخرة حتى نجد الشخص الذي يعرف ما يحب ربنا وما يكره!

    قد تقول: يا شيخ هذا متعب، وهذا غير معقول؟ فأقول لك: ارحل من هذه القرية التي لا يوجد فيها من لا يعرف ما يحب الله وما يكره وانتقل، هاجر كما هاجر الأصحاب من مكة إلى المدينة؛ ليتعلموا الكتاب والحكمة!

    فإذا قلت: لا أستطيع! سأقول لك: كيف تستطيع أن تخترق سبع سموات وتنزل هناك؟ أهذه سهلة؟ مستحيلة هذه، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، فكل من لا يعلم يجب عليه أن يسأل حتى يعلم أحب أم كره، وبذلك يفترض أن لا يوجد بين المسلمين جاهل إلا من كان حديث عهد بالإسلام؛ إذ هذا نظام حياتهم، من لا يعلم يسأل حتى يعلم، ولا يشترط أبداً القلم ولا القرطاس، فإذا كنت تريد أن تأكل ولأول مرة فائت إلى عالم وقل له: كيف أتناول الطعام؟ سيقول لك: إذا وضع الطعام بين يديك فقل: (بسم الله)، وتناوله بيدك اليمني، ولا تأكل من حافة القصعة، وكل مما يليك فقط، وإذا أكلت فلا تشبع، بل كل بقدر ما تقيم صلبك وحياتك، ثم إذا ختمت فالعق أصابعك كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يلعق إن كان فيها إدام، ثم قل: (الحمد لله)، وبهذا تكون قد تعلمت كيف تأكل، فعلم امرأتك وأولادك ما تعلمته!

    إنعام الله على عباده الطائعين بنعمة التوفيق للعمل

    أخيراً: النعمة الرابعة: توفيق الله لك يا عالم أن تعمل بما علمت، إذ لو خذلك الله وما وفقك فستصبح كعلماء اليهود المغضوب عليهم!

    لم غضب الله عليهم؟ لأنهم علموا وأبوا أن يعملوا، آثروا الدنيا وأوساخها بعدما علموا فغضب الله عليهم، قال الله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، صراط المغضوب عليهم من اليهود لا نسلكه ولا نمشي عليه، وكذا صراط الضلال والجهال من النصارى، لا نمشي وراءهم!

    إذاً: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] أنعم الله عليهم بأربع نعم هي: أولاً: الإيمان؛ لأن هذه النعمة تطلب من الله، فكم وكم ممن طار في السماء وغاص في الماء ما آمن، فهذه نعمة تطلبها من الرحمن.

    ثانياً: معرفته عز وجل، وهذه تطلبها من الكتاب والسنة، وسؤال أهل العلم.

    ثالثاً: معرفة ما يحب وما يكره سبحانه، وهذه تطلبها من أهل العلم، وترحل من بلد إلى بلد لتظفر بها.

    وأما الأخيرة فنعمة التوفيق، فاطرح بين يدي الله وتململ بين يديه وأنت تبكي: رب زدني علماً! رب وفقني لما تحب وترضى! فيوفقك، ومن ثم -إن شاء الله- تجدون أنفسكم قد اخترقتم سبعة آلاف وخمسمائة عام، وما هي إلا لحظات فقط والشيخ على سرير الموت، وموكب من الملائكة -وليس ملكاً واحداً- فيسلم عليه ملك الموت: السلام عليكم، فلو كنت حاضراً لرأيت الابتسامة على وجهه وهو فرح، وتزف إليه البشرى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:30-31]، الله أكبر! لأن هذا الميت آمن واستقام، ما اعوج ولا انحرف ولا زاغ، وواصل مسيرته! وروحه ما هي إلا لحظات وهي تحت العرش!

    وهنا قد يقول قائل: لحظات وهي تحت العرش يا شيخ؟ فأقول له: نعم، هذا فوق مستوى عقولنا، فقل: آمنت بالله! وقد صار أعظم من هذا، من بيت أم هانئ رضي الله عنها إلى بئر زمزم أجريت عملية جراحية لأول مرة في القلب، وغسل القلب وحشي بالإيمان والحكمة، وأسري به إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى ما وراء دار السلام، وعاد صلى الله عليه وسلم. تقول أم هانئ : ما زال فراشه دافئاً ما برد!!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088509690

    عدد مرات الحفظ

    777032034