إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (50)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام ويحملون هم تبليغه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكرهم سبحانه وتعالى بخير عظيم وهو أنه جعلهم خير أمة أخرجت للناس، وامتن عليهم بأن وقاهم من كيد أعدائهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا، بل وسلط عليهم المؤمنين وغضب عليهم بما كانوا يفسقون.
    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع، وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا هذا الموعود، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وقد انتهى بنا الدرس في سورة آل عمران عليهم السلام إلى هذه الآيات الثلاث، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران:110-112].

    معاشر المؤمنين والمؤمنات! يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، هذا خبر من أخبار الله التي لا يتطرق إليها غير الصدق، فيخبر تعالى مبشراً مهنئاً هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجها الله للناس، إذ ما وجدت على وجه الأرض أمة سمت ووصلت إلى ما وصلت إليه هذه الأمة الإسلامية في الخير وعلو الدرجات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

    كُنْتُمْ [آل عمران:110]، أي: وجدتم، خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، والمخرج لها هو الله عز وجل، و(الناس): لفظ يشمل البشرية كلها، عربها وعجمها، أولها وآخرها على حد سواء.

    ثم بين وجه الخيرية، وكيف اكتسبناها وظفرنا بها وحصلنا عليها، فقال تعالى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، أي: لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا، وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا، ذكَرهم بخير عظيم، وبشر وأعلن عن خيريتهم وأفضليتهم فقال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    وفي هذا إجمال، وقد بينا (المعروف) الذي تأمر به هذه الأمة ألا وهو شرع الله عز وجل، وما عرفه الله من خير، فيدخل فيه الإسلام وكل شرائعه، إذ ما شرع الله لعباده إلا خيراً، و(المنكر) الذي ينهون عنه يشمل الكفر والشرك، وكل ما كره الله وأبغضه وحرمه ونهى عنه، سواء من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات والذوات.

    وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، ولازم إيمانهم بالله أنهم آمنوا بكل ما أمرهم الله أن يؤمنوا به، كالملائكة والكتب والرسل والبعث والجزاء، وكل غيب من الغيوب التي أخبر الله عنها وأمر بالإيمان بها، فلا تفهمن من قول الله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]: لا تؤمنون بغير الله، بل تؤمنون بالله وبكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، سواء كان من عالم الغيب أو الشهادة، فإذا أمر الله بأن نصدق بكذا وجب على المؤمن أن يصدق.

    وأركان الإيمان الستة قد بينها جبريل عليه السلام، ونحن والحمد الله على علم بها، ومع ذلك إذا صح الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا بأن نصدق بحادثة معينة وجب الإيمان بها، ولا قيمة لعقولنا حتى ترفض أو تقبل، فكيف إذا أخبر الله تعالى؟!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088510811

    عدد مرات الحفظ

    777036527